كتاب معالم أصول الدين أو المعالم في أصول الدين، كما ورد في نسخ مختلفة هو الكتاب الثاني الذي ينشر ضمن سلسلة علم الكلام للإمام فخر الدين الرازي، وأهميته إعادة نشر كتب الرازي تعود إلى تلك المرحلة التي يمثلها الإمام في تاريخ الفكر العربي الإسلامي، حيث اختلطت الثقافات والمناهج الفكرية بعضها ببعض. وقد نتج عن ذلك إرساء لخط فكري جديد يمثله الإمام ويجمع فيه بين ما هو ملائم من المنهج الفلسفي وما هو ملائم من منهج علماء الكلام. هذا المزج لم يكن ليخرج عن الغاية الأساسية التي كان يبتغيها الإمام وهي تحصيل مسائل حقيقية يقينية. فالمسألة النقدية عنده واضحة وجلية وهي تهدف إلى تصحيح وتقديم كل المناهج السابقة في سبيل بناء علم عقدي يكون البديل عنها جميعاً.
وبالعودة لمضمون هذا الكتاب أو تحديداً لمقدمته نجد أن الإمام الرازي قد ذكر في خطبته التي قدم بها الكتاب أنه مختصر يشتمل على خمسة أنواع من العلوم المهمة وهي: علم أصول الدين، علم أصول الفقه، علم الفقه، الأصول المعتبرة في الخلافيات. أصول معتبرة في أدب النظر والجدل. ثم ينتقل إلى معالجة النوع الأول وهو علم أصول الدين، ويقتصر كل الكتاب على معالجة هذا النوع الأول فقط، حيث يقسمه إلى أبواب.
أما الأنواع الأخرى التي ذكرها فلا يأتي إطلاقاً إلى ذكرها من متن الكتاب. الباب الأول: وهو مؤلف من عدة مسائل (المباحث المتعلقة بالعمل والنظر). الكفرة الرئيسة توضيح المواد الفلسفية المتعلقة بعلم الكلام. وهو يحاول التمييز بين التصور والتصديق. وباعتباره فالتصورات منها ما هو بديهي كالعلوم الضرورية عند الفلاسفة، وعلوم الجملة عند علماء الكلام، ومنها ما هو كسبي. ثم ينتقل إلى كيفية إنتاج العلم، هل نستطيع من خلال تركيب التصديقات البديهية والمحسوسة أن نعلم ما ليس معلوماً؟ ثم إن ذلك يؤدي إلى إنتاج العلم.. وهذا ما يؤدي إلى طرح مسائل عديدة كمسألة النظر والفكر وهو لا يميز بينهما, وهو يتحدث في النظر ووجوبه وفي العلاقة بين النظر الصحيح والعلم والنظر الفاسد والجهل.
الباب الثاني: في أحكام المعلومات، الباب الثالث: في إثبات العلم بالصانع، وفيه يتناول مسألة إثبات واجب الوجود، بعد أن يعرض لطريقة المتكلمين يتوقف عند طريقة ابن سينا في إثباته واجب الوجود عن طريق قسمة الوجود إلى واجب وممكن. الباب الرابع والخامس في صفة القدر والعلم وغيرهما. وهنا يتحدث في الصفات الإلهية وينفي الجسيمة وينفي أيضاً قيام الحوادث بذات. ثم يخصص مسألة كلام الله ويناقش معظم الفرق في هذا الأمر. ويخلص إلى اعتبار كلام الله (القرآن الكريم) قديم خلافاً للمعتزلة.
الباب السادس: في الجبر والقدر وما يتعلق بهما. هذا الباب يتعلق بقدرة العبد على أفعاله. والإمام الرازي يعرض فيه لآراء معظم الفرق. الباب السابع: في النبوات، وفيه يعرض لمسألة نبوة محمد والدلائل عليها. الباب الثامن والتاسع: في النفوس الناطقة وفي أحوال القيامة. ويعرض فهما المسألة النفوس الناطقة هل هي حادثة أم قديمة وأن الإنسان ليس هذا الجسد فقط، وبعد أن يقدم كل الاحتجاجات الممكنة في هذا الأمر يخلص إلى اعتبار أن النفوس مختلفة بحسب ماهيتها وجواهرها. ثم يعرض لمسألة المعاد النفساني معدداً مختلف الآراء في ذلك خالصاً إلى اعتبار أن المعدومات جائز إعادتها وأن حشر الأجساد حق. الباب العاشر: في الإمامة. وهو يعرض لمختلف الآراء. فمنهم من أوجبها عقلاً ومنهم من أوجبها سمعاً، ومنهم من أوجبها على الله ومنهم من أوجبها على اخلق. والإمام الرازي يرى وجوبها وجوباً عقلياً
محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين بن علي التيمي البكري (من بني تيم من قريش يلتقي مع أبي بكر الصديق به) الرازي المعروف بفخر الدين الرازي الطبرستانی أو ابن خطيب الري. وهو إمام مفسر شافعي، عالم موسوعي امتدت بحوثه ودراساته ومؤلفاته من العلوم الإنسانية اللغوية والعقلية إلى العلوم البحتة في: الفيزياء، الرياضيات، الطب، الفلك. ولد في الريّ. قرشي النسب، أصله من طبرستان. رحل إلى خوارزم وما وراء النهر وخراسان. وأقبل الناس على كتبه يدرسونها، وكان يحسن الفارسية. كان قائما لنصرة الأشاعرة، ويرد على الفلاسفة والمعتزلة، وكان إذا ركب يمشى حوله ثلاث مئة تلميذ من الفقهاء، ولقب بشيخ الإسلام. له تصانيف كثيرة ومفيدة في كل فن من أهمها: التفسير الكبير الذي سماه "مفاتيح الغيب"، وقد جمع فيه ما لايوجد في غيره من التفاسير، وله "المحصول" في علم الأصول، و"المطالب العالية" في علم الكلام، "ونهاية الإجاز في دراية الإعجاز" في البلاغة، و"الأربعين في أصول الدين"، وكتاب الهندسة. وقد اتصل الرازى بالسلطان محمد بن تكشي الملقب بخوارزم شاه ونال الحظوة لديه. توفي الرازي في مدينة هراة سنة 606 هـ.
الكتاب من مؤلفات الإمام المختصرة نسبيا في الكلام، وله فيه اختيارات تختلف عن اختيارات مدارس المذهب الأخرى، لذلك الاطلاع على كلامه ثم على نقاشات ابن التلمساني له في شرحه مفيد جدا. تبويبه ومسائله تؤهل لفهم طريقة كلام المتأخرين(1) فهو يذكر مذاهب المشائين وآرائهم ويستخدم بعض استدلالاتهم في بعض المسائل، وكل هذا مفيد.
منهج الإمام في التأليف هنا قريب للنفس وموافق للاختصار المطلوب لكتابه، فإذا ما تناول إشكالا يقدح في أصل ضروري، فإنه يكتفي باستحضار مثال نعتقد صحته بالضرورة ويبيّن أنه مبنيّ على ذاك الأصل. كتبت أثناء المطالعة:
"أسلوب الرازي في المعالم جميل جدا، فبدلا من أن يكثر الكلام في إثبات أو رد قضية ما يلجأ إلى مثال واقعي واضح يبيّن القضية التي يريد إثباتها. على سبيل المثال، في مباحث النظر يكتفي في إثبات إيجاب النظر للعلم بذكر مثال حاصله أن من يستحضر ويذعن لأن العالم متغير وأن كل متغير حادث لابد وأن يذعن إلى كون العالم حادثا، وهذا يكفي في بيان أن النظر (بإهمال السور) مفيد للعلم. أو يكتفي في إثبات بداهة مفهوم الوجود بأن العقل حاكم بأن المفهوم إما موجود أو معدوم بداهة. أيضا مثاله في إثبات أن مورد التقسيم لابد وأن يكون مشتركا بين الأقسام ليثبت أن مفهوم الوجود مشترك معنويّ. هو يلجأ إلى أمور وجدانية وأمثلة نجدها في أنفسنا ليثبت القضايا التي يريد بدلا من البعد عنها بدعوى التجرد."
الكتاب على أبواب: - باب النظر، وهو يمثّل نظرية المعرفة عند المتكلمين. وقرأت هذا القسم مع شرح ابن التلمساني بقصد توسيع المطالعة، وكان مفيدًا. - باب المعلومات، وهو يتناول بالبحث أصناف الموجودات وأحكامها الكلية. - باب إثبات العلم بالصانع، واستخدم فيه أربع طرق: حدوث الذوات، إمكان الذوات، حدوث الصفات، إمكان الصفات. - باب صفات الصانع من قدرة وعلم وإرادة وغيرها وأحكامها، وفيه اختار كون الصفات نسبا وصدورها بالإيجاب لكنّه لم يمنع أن تكون الصفات حقيقية موجبة للنسب، وقال الإمام في نهاية الكلام: "وعقول البشر قاصرة عن الوصول إلى هذه المضايق". - باب القدر . - باب النبوات، وفيه استدل ببرهانين: واحد إنّي وهو المشهور من الانتقال من ظهور المعجزة إلى صدق المدّعي، والآخر لمّي وهو نظر في الذات المحمدية -صلوات الله عليه وآله - وصفاته وأثره في أصحابه، والعلم بأنه لا يكون كذلك إلا النبيّ، فتثبت بأحواله -صلوات الله عليه وآله نبوته. - باب في النفوس الناطقة، وفيه السؤال عن حقيقة ما يشير إليه المتكلم بضمير المتكلم، وحكايات مذاهب الفلاسفة وغيرهم في المسألة. - ثم باب السمعيات من أحوال يوم القيامة وغيرها، ثم باب الإمامة.
--- (1) يعني شوف، الإمام هو مؤسس هذه المدرسة، سو :)
كتاب معالم أصول الدين لفخر الإسلام الرازي هذا الكتاب من مفاخر كتب الأشاعرة، الرازي عبقري في إيراد الأدلة والحجج، ونقدها والدفاع عنها. أرى أنه من المهم جداً قراءة هذا الكتاب مع شروحه، من أهم هذه الشروح: شرح الخونجي وشرح التلمساني