الشيخ رفاعي سرور؛ من مواليد سنة 1366هـ، ومن الرعيل الأول لحركات "السلفية الجهادية"، ويعد من العلماء القلائل الذين صدعوا بالحق في وجه الطغاة، وتحملوا تبعة ذلك بالسجن والتعذيب والتضييق في الرزق، وفرضت عليه إقامة شبه جبرية لسنوات طويلة وهو صابر محتسب، مع زهد وقناعة وحسن عبادة - ولا نزكي على الله أحداً -
ابتلي الشيخ بالسجن طيلة عمر الحركة الإسلامية الجهادية - منذ منتصف الستينات وحتى سنوات قريبة حتى لقي ربه بعد جهاده الطويل في عام 1433 هـ
أهم مؤلفات الشيخ رفاعي سرور...
أ) كتاب "عندما ترعى الذئاب الغنم"؛ وهو من جزئين، في غاية الروعة، وقد تُرجم إلى عدة لغات أجنبية، وكان قد ألفه في بداية حقبة السبعينات.
ب) كتاب "أصحاب الإخدود"؛ رغم صغر حجمه إلا أنه لاقى رواجاً كبيراً، وما فتئت دور الطبع تطبعه منذ السبعينات وحتى وقتنا الحاضر، كما ترجم إلى عدة لغات.
ج) كتاب "قدر الدعوة"؛ من الكتب القيمة التي ينبغي على أي داعية قراءته، وله كتابان في نفس السياق؛ "حكمة الدعوة"، و "بيت الدعوة".
د) كتاب "علامات الساعة"؛ دراسة تحليلية لعلامات الساعة، وهو كتاب متميز في طريقة عرضه، إذ لم يؤلفه على طريقة القدماء، بل غاص في مسائل تحليلية وأجاب ببراعة عن إشكاليات وملابسات في غاية الأهمية، وقد نُشر من جزأين، وترجم إلى اللغة الإنجليزية.
وله مؤلفات أخرى : في النفس و الدعوة - يبت الدعوة - التصور السياسي للحركة الإسلامية - المسيح دارسة سلفية .....
أحيانا يظهر عقل المرء وسعة وِفاضه وجمالية ذوقه في جمعه وترتيبه واختياراته أكثر منها في ابتدائه التصنيف وافتضاضه أبكار المعاني ،كما قالوا أبو تمّام في حماسته أشعر منه في شعره ! وهذا معنى لطيف قلّ أن يتنبّه له الكثير ،والله يصيب برحمته من يشاء
كتابنا هذا - تجوّزا- من تأليف ابن القيم ، جمع وإعداد رفاعي سرور
وإن توظيف الكلام وحسن استثماره وتوليفه وإجادة تركيبه لاستخراج معنى كلّي لهو وظيفة العلماء ومضمار سباق المجتهدين والفقهاء
الشيخ في كتابه هذا - ولم اكمله بعد لكن قرأت شطرا جيدا منه- (فعلى الاقل نقول في نصفه الاول) ينظّر لنظرية إسلامية تفسيرية للحياة والكون وارتباطاتهما بالأحياء والأشياء والزمان والمكان والتاريخ
مزْجُ الغيب بالشهادة هو الخيط الناظم للتصورات الدينية جملة ،وبه تفارق الأديانُ العلمانيةَ التي تقتصر على اعتبار الأسباب المحسوسة وتكتفي في ذلك بعالم الشهادة المحسوس
ويختلف هذا المزْج بين الغيب والشهادة كمّا وكيفًا وحقيقةً ؛ باختلاف طبيعة الأديان وتصوراتها الناظمة وتراتيبها الداخلية والعمود الذي تُبنى عليه خيمة كل دين وأصل الأصول في كل دين ألا وهو المعبود : حقيقته وذاته وصفاته وعلاقته بالموجودات إبداءً وإعدادًا وإمدادًا ،وهذا باب طويلُ التتبع شيّق التفاصيل إلا أن القلم لا يحتمله في هذا المقام فنطويه طيا سريعا لننتقل إلى صلب المراد
مزْجُ الغيب بالشهادة في الإسلام عموما يختلف عن باقي الأديان كمّا وكيفا وحقيقةً ؛ باعتباره دينا شموليا راقيا فيه الشعائر والشرائع والقصة الكونية الكاملة الخالية من الشطحات والثغرات ! منذ خلْق آدم وإغواء إبليس له وهبوطه إلى الأرض وصراعه مع عدوّه " بعضكم لبعض عدو" ، فالعقيدة في الإسلام تقرّ المفاصلة بين الحق والباطل منذ اللحظة الاولى - وفي هذا دليل كافٍ للرد على مذاهب التوافقية والتقريب الطافحة بين الإسلاميين لاسيما (الإصلاحيين المعتدلين) منهم - ثم نزول الوحي " فإما يأتينكم مني هدي" وصراعه مع الشيطان وأتباعه ،إلى موافاته أجله ليكمل حياته في البرزخ والآخرة والإسلام لم يغفل هذا الجانب الذي تتشوق له الفطر عادة وجِبلة (ما بعد الموت) فلم يقصّر في ذكر تفاصيله ومراحله لتقضي النفوس منه حاجتها ويشبع ريّها بما ذكر عنه ،لا كما فعلت أديانٌ غيره ،إذ غفلت هذه الجوانب أو لم تعطها حقها من التفصيل والتبيين ،فأنشأ الناس مع الزمن حولها الأساطير والقصص الخيالية ليشبعوا رغبتهم الدفينة الجانحة إلى معرفة ما بعد الموت وما وراء العالم !
وهكذا الإسلام يظل سائرا مع الإنسان منذ قصة خلقه إلى عودته إلى منزله الأول ودار جزائه وانتهاء عنائه ، قصة طويلة شيّقة بلا ثغرات ولا شطحات ولا فراغات شاذّة تؤذي النفوس المتطلعة إلى الحقيقة التي فُطرت على حب معرفتها
فجاء الإسلام - والإسلام وحده- راكبا على الفطرة حذو القذة بالقذة ، لا تتطلع لشيء إلا وجدت فيه ما يشفي غَلّتها بالقدر المناسب تماما من غير إفراط ولا تفريط ، وهذا وحده لعمر الله دليل يقيني على ربانية هذا الدين وحفظه لمن عقل ولكن أكثر الناس لا يعلمون !
نعود = فمزْج الغيب بالشهادة في الإسلام مزْجا فريدا رائعا جاء على نسق خاص ونظام بديع لم يشركه فيه دين سماوي أو وضعي بهذا الشمول والإبداع والبراعة والرقيّ والاستواء !
ثم داخلُ الإسلام نفسه - وهذا المستوى هو الأخير إجمالا- يختلف مزْج الغيب بالشهادة بين المذاهب العقدية باعتبار اختلاف تصورها عن الإله وطبيعته
ويمكن تقسيم هذه المذاهب داخل حظيرة الإسلام إلى ثلاثة مذاهب كبرى إجمالا :
1- مدرسة الفلاسفة الإسلاميين : وهذه لم تختلف كثيرا عن مدرسة الفلاسفة الأولين وإن سموا نفسهم بالإسلاميين ،لأنهم طلبوا الأسانيد في الشريعة - لمن كان منهم يرفع بها رأسا- لِمَا اعتقدوه ابتداء من الاعتقادات ،فالشريعة عندهم شاهدة وليست مُنشئة حاكمة
2- مدرسة المتكلمين وهذه أخطر المدارس لأنها أكثر ارتباطا بالشريعة ونصوصها من المدرسة قبلها وفي نفس الوقت جاءت بحمولات فلسفية ( شديدة العمق والتأثير) خارجة عن سياق الشريعة تماما ،وكما فعلت المدرسة السابقة فقد تطلبوا لها سندا في الشريعة ولكن هذه المرة كانت اسانيدهم اكثر تحريرا وتجويدا وجادلوا حولها وأبدأوا وأعادوا حتى أنشأوا نسقا كاملا (رؤية للإله والكون والطبيعة والرسالة والنبوة والرسل والقدر والمعاد وعلاقات البشر بعضهم ببعض الى اخر تفاصيل الرؤية الكونية الشاملة للكون والاله والحياة والانسان ) فكانت رؤيتهم في اكثر تفاصيلها محملة بحمولة خارجة عن الشريعة (جاهلية) إما خالصة أو مشوبة بشيء من الشريعة (نور الوحي).
وكانت أشد هذه المذاهب أثرا وأعمقها غورا وأكبرها عقولا وأعظمها أثرا في تاريخ الجدل الإسلامي هي مدرسة المعتزلة وأكبر عقولها هو أبو الهذيل العلاف
3 المدرسة الثالثة : المدرسة السلفية بمعناها الانتمائي والاستدلالي ،وهذه المدرسة هي التي يدور عليها كتابنا هذا : الرؤية السلفية داخل المدرسة الإسلامية داخل الجامعة الإنسانية للوجود والحياة والإنسان والإله والكون والتاريخ والعلاقات والزمان والمكان
وجعل المؤلف رحمه الله تأسيس العلاقة بين الله وما دونه من المخلوقات (العالَمين) انطلاقا من آثار الأسماء والصفات والأفعال ولوازمها ومفعولاتها في الخلْق. وهو نظر حسن وسديد وتكلم عنه أساطين التيار السلفي في التراث الإسلامي على رأسهم الإمام الكبير الذكي ابن تيمية الحراني وتلميذه الموفَّق ابن قيّم الجوزية
ومما ينضوي في سلك هذه المسألة القضية الجدلية المشهورة (الحوادث التي لا أول لها) التي قال بها الإمام ابن تيمية وكفّره لأجلها جمع من المتكلمين ،وهي ورب البيت عندي أظهر دليل على عبقرية هذا الامام وثقابة ذهنه وطول باعه التي يرددها أكثر الناس تقليدا عن غير دليل واقتناع
فجوهر المسألة أن الإمام رأى أن اسم الله الخالق يقتضي مخلوقات لا تنقطع وإلا لو انقطعت لتعطل مدلول اسم الله الخالق، فإذن جنس الحوادث لا أول لها ليبقى أثر اسم الله الخالق سارٍ لا ينقطع وهذا هو الحق البين الشافي الوافي الكافي التمام في هذه المسألة ،ويتبع اسم الله الخالق فيها باقي أسمائه المتعدية سبحانه مثل الرازق والغفور واللطيف والمحسن ،فكل هذه أسماء متضمنة لصفات تستلزم لوازم ومفعولات متعدية إلى خلْق الله ... وخلاصة القول أنه كما أنك تؤمن بأن الله هو الآخِر ويستطيع عقلك أن يتصور ذلك اجمالا ويطمئن إليه فآمِن أيضا أن الله هو الأوّل وإن لم يستطع عقلك أن يتصوره كما يتصور اسم الله الآخر ، والشرع يأتي بمحارات العقول ولا يأتي بمحالات العقول
وكما تتصور جنة ونار (حوادث) لا آخر لها ، فجائز أن تتصور جنس حوادث لا أول لها ، وغنيٌّ عن القول طبعا أن أعيان الحوادث كلها حادثة وإلا لما كان اسمها حوادث ! ،إنما الكلام عن الجنس
والشاهد أن باب التفكر في الأسماء والصفات وآثارها في البرية باب شريف عال ،وهو بحق مدخل النظرية الاسلامية التفسيرية للكون والحياة والإنسان وتعالقاتها ببعضها وبالإله ، ولذا كانت جل آيات القرآن تنتهي باسماء الله وصفاته ،ومن فُتحت له كوّة في هذا الباب فقد فُتح له باب الحقيقة ورأى الحق بأم عينه وعرف أن أكثر الناس همج رعاع لا خير فيهم ، قد انشغلوا عن الحق بالتافه المرذول وما قدروا الله حق قدره ،وما أبريء نفسي !
الكتاب جميل جدا , أبرز ما حُبس في خلايا مخي أن هذه الحياه و قدرها خارج كله من أسماء الله و صفاته . و كيف ان أسماء الله و صفاته كانت مربطها . و أيضا عندما شرح الكاتب الخير و الشر و ان الله لم يخلق شرا و ان الشر هوه أستخدام خلق الله فيما لم يخلق لأجله .