منـذ أنْ كان على الأرض اثـنان، والبحث عن الصديق مشكلة الـبشرية! ولا تُصدقوا أبداً أنَّ استحالة وجود الخلِّ الوفيِّ، والصدوق الصدوق من أمراض عصرنا، فلا زلتُ كلما أوغلتُ في قـراءة التاريخ، أجدُ في كلِّ قرنٍ من يشكو من غياب الصديق الصدوق، والخـلِّ المُـشفق
كتاب "الصداقة والأصدقاء" لمؤلفه الأستاذ/ إبراهيم العسعس .
من الجميل أن نقرأ لمن لديه قدرة على صياغة مشاعرنا المتراكمة على مدى أحداث يومية متكررة في صورها ومختلفة في تفاصيلها كلٌّ وفق طبيعته، نشعر معهم بتوأمية الحس وإن لم نتكلم إليهم ولم يطلعوا ساعة على مكنوناتنا، هذا الشعور لا شك مريح، مواساة يأتينا بها القدر من حيث لا نحتسب؛ فنسر ونهدأ لكن يبقى سبب الألم كما هو باقيًا فينا لم تقوَ المواساة على علاجه علاجًا شافيًا، يخدّر لبعض وقت ومن المؤكد قيامته من جديد، أما أن تقرأ لمن يزيد على ما سبق خطوات جادة هي الفاصلة بين التعب والشفاء، الألم والراحة، لعمري يتحقق اكتمال النفع فضلًا عن علو رسالية القلم فيما يخط.
إدراك الألم والمواساة ثم ماذا؟! هذا ما أعنيه وهذا ما يقدمه دومًا أستاذنا إبراهيم العسعس في مقالاته وفي هذا الكتاب تحديدًا، وهو أول قراءاتي لفضيلته كعمل كامل من الجلدة إلى الجلدة كما يقولون، وضعت يدي عليه وأمسكت به "التشخيص الجيد والحل المناسب" وإن أخذت الحلول طابع الأطر العامة؛ فهذا ما يصنع منها القيمة العالية عند القارئ بأن يخرج من المادة ومعه مبادئ يؤسس بها لنفسه على المستوى الذاتي.
الكتاب وإن كان عنوانه الصداقة والأصدقاء، إلا أنه ليس محصورًا على المعنى اللفظي المطروق، إنه يؤصل للمفهوم على كافة مستويات العلاقات البشرية من خلال إدارة ما فيها من مسافات، ويرى أنه لا نجاح لها أجمع دون تحقق شرط الصحبة والمصادقة بين الأطراف، وهذا واضح جدًا من تنوع الشخصيات التي قدم من خلالها الطرح في كل فصل، علاقات الأمومة والأبوة والمصاحبة، والزواج والعالم والمتعلم وغير ذلك، داخل الكتاب أنت لا تتنقل بين صفحات بعينيك، إنما تتنقل بكامل كيانك في دروب حياة نابضة بأفرادها ومواقفهم ودرجات العلاقات بينهم، وهذه نقطة لافتة أن يتضافر المحتوى بمضامينه مع الهيكل الذي يقدم من خلال فتصل الرسالة بتمامها كما أراد الكاتب يوم خطط لكتابه.
لغة الكتاب على قدْر عالٍ جدًا من البلاغة مع سلاسة السرد الغني بالكثير من الاقتباسات التي تتخذ منها النفس شارةً ورسالة توجهها في أي علاقة حالية تعيش داخلها أو مقبلة عليها، وقد استوقفني الكثير منها في فصول الكتاب أو لوحاته كما عُنونت، مثلًا في لوحة ما أعجبني واسترعى قلبي هذا الوصف للحبيب محمد صلوات ربي وسلامه عليه "إن حركة رسول الله صلى الله عليه وبارك وسلم في الحياة، حركة إنسان يتفاعل ويخطط ويفكر ويجرب، حركة في سنن الله الجارية لا في سنن الله الخارقة!" ثم في لوحة أخرى أقف أمام التنظير للقطع والوصل" القطع كل أحد يحسنه، أما الوصل فلا يتقنه إلا المحسنون، الأول لا يحتاج لأكثر من سكين ماض، ويد قوية، ثم انظر كم ستقطع من حبال الوصل. والثاني -الوصل- قد يحتاج لمائة عاقل كي يعقدوا خيطا رفيعا"، وفي ثالثة أدهشني قوله "الكذب أن تقول ما لا تعني، وهو كذب غير مسجل في تعريف الكذب لدينا"، ورابعة "الصداقة فن توزيع الأصدقاء على شبكة العلاقة"، وهذا على سبيل التمثيل لا الحصر.
الأسلوب الذي يعْمد إلى إشراك القارئ كاتب النص، يخلق نوعًا من التفاعل بين اثنين لا يلتقيان فيزيائيًا غير أن الضمائر تفعل ذلك بل ويتحقق التوحد والأثر بالانفعال والاستجابة السلوكية.
أكثر ما لفت نظري وثمنته جدًا، وهذا ما يتوحب على كل صاحب منصة فكرية تحمل هم النفس البشرية وهمّ التقويم والإصلاح في شتى بقاع الأرض، هو "المرجعية"،وأستخدمُ هنا كلمة الأستاذ "الصيدلية النبوية"، هذه مرجعيتنا نحن المسلمون، وما كانت السيرة النبوية الشريفة إلا علاقات وحيوات وحركة بما يقتضيها الوجود البشري على الأرض، ومن ثم فلنا جميعًا فيها نهج ومثال وقدوة، وهذا بالفعل ما كان في الكتاب مع الاستدلات الأدبية الرائقة بمواقف أخرى وأشعار وكلمات لأبي حيان وابن زيدون والمتنبي "صاحب الأستاذ" على حد وصفه، وفيها إشارة لنوع من أنواع الصداقة بالتلميح دون إفراد الصفحات لها وكل لبيب بالإشارة يفهم.
في الأخير .. الكتاب غني جدًا، نافع جدًا، وماتع جدًا، ليته طال وليته يُثنى ويثلث، نفع الله بكم أستاذنا ورضي عنكم وبلغكم منازل الصدّيقين ..!
الصداقة والأصدقاء المؤلف / إبراهيم العسعس 55 صفحة - نسخة ورقية الناشر : دار أجيال
بعض الكتب تشعر وكأنها ليست كُتبت لك خصيصا وحسب وإنما كُتبت لك أنت وفى هذا الوقت تحديدا ؛ ولطالما رأيت أن الكتب أرزاق بعناوينها واختيارها ووقت ومكان قراءتها.. وأحمد الله أنه أنعم علينا بهذه النعمة .. كتابنا اليوم ما ألطفه حجما وموضوعا وتعبيرا ؛ هو أشبه برسالة مركزة فى موضوع جدير بأن تُكتب وتصنف فيه الكتب والرسائل .. عبارة عن مقالات قصيرة أو كما سماها صاحبها ( لوحات ) بها إضاءات غاية فى اللطف والرقة فيما يخص الصداقة بل ويشمل كل علاقة ؛ فهو حديث جميل عن النفس البشرية والعلاقات.. لغة الكاتب لغة عالية وراقية فى أسلوب سهل جميل ومما أعجبنى من مقالاته - وكلها جميلة -
▪︎فن إدارة المسافات ▪︎المحبة و ︎العدالة ▪︎طيبون وفقط
كتاب لطيف يحوى معانى جميلة أنصح بقراءته وقد تنهيه فى جلسة واحدة أو جلستين كما حدث معى .
.كتاب صغير عبارة عن قصص وجدته في المكتبة الموجودة عندي، قرأته أسلوب الشيخ سلس ومليح، المضمون مش مُهم، يتحدث عن وجود خل الوفى، وبعض الواقف الصداقة وإلخ.