منذ بدايات القرن العشرين على الأقل، يعيش العالم الإسلامي محنة تاريخية على امتداد أقطاره طولا وعرضا تجلت في عدة تحديات هائلة تحدى الاستعمار ودولة ما بعد الاستعمار، تحدي الحداثة ونشأة الدولة العربية الحديثة على أسس معرفية ومؤسسية منفصلة عن أسس الاجتماع السياسي الموروث تحدي الواقع القطري في مقابل المخيال الأمني الذي يغذيه التصور التاريخي والعقدي، فضلا عن تحدي الاستبداد وعنف الدولة التي تكافح من أجل فرض هيمنتها على مجتمعات مفعمة بالحيوية والتنوع المناطقي والعرقي والمذهبي لم يربطها تاريخيا سوى روابط الدين والعقيدة.
في هذه الحقبة التاريخية المعقدة كانت ظاهرة الإسلام السياسي في الاستجابة الأهم والأبرز للمجتمعات المسلمة في مواجهة تلك التحديات على مستوى الفكر والممارسة. وعلى مدار العقود: تعددت التجليات الحركية والتنظيمية والفكرية والمقاربات السياسية للحركة الإسلامية. وبالرغم من التعدد والتنوع، إلا أن الحركات السياسية الإسلامية لا تزال يمكن دراستها باعتبارها ظاهرة اجتماعية واحدة ونموذج كلي واحد تشترك تجلياتها التنظيمية والحركية المتعددة في ذات الأصول المعرفية. وفي الوقت نفسه فإن دراسة التنوع الثري في تجاربها عبر الزمان والمكان، في حالات النشأة والانتشار، والمعارضة والحكم، والمحنة والرخاء والفشل والنجاح، تشكل خبرة شديدة الأهمية على مستوى البحث الأكاديمي والممارسة السياسية، لاسيما في واقع لا تزال فيه الحركة الإسلامية فاعلا لا يبرح تأثيره أن يخفت حتى يعود مرة أخرى، وليس من المرجح أن لا يكون موجودا ومؤثرا في العقود القادمة.
ومن ثم يهدف المشروع البحثي الذي قامت به مؤسسة "رواق" إلى مراجعة نقدية تستخلص دروس الماضي، وتحاول استكشاف طرق الإجابة على أسئلة المستقبل في الفصول التالية. تستعرض أوراق المشروع خلاصات حول سياقات تشكل ثمانية تجارب للحركة الإسلامية. ومسارات صعودها، وتقييم ممارستها في المجال السياسي من خلال دراسة العناصر التالية
في كل ورقة:
. الأفكار التأسيسية للحركة وتصوراتها السياسية خاصة ما يتعلق برؤيتها للدولة.
التطور التنظيمي للحركة بفروعها المختلفة الدعوية والحزبية، وطريقة إدارتها للأزمات التي واجهتها.
تحليل تجربة الحركة في السياسة والحكم، والتعرض لأهم النجاحات والإخفاقات.
كيف أدارت الحركة علاقتها مع مؤسسات الدولة، وكيف أسست بنيتها الاجتماعية في سياقات مضطربة.
ملامح وأولويات المستقبل في ظل التحولات الراهنة.
تتناول أوراق المشروع دراسة عدة أحزاب سياسية إسلامية في ماليزيا، ودراسة حركات إسلامية شارك في الحكم في سياقات الثورات والربيع العربي في ليبيا، وتونس، والمغرب واليمن. كما تناولت الأوراق تجربتين لحركات إسلامية نشأت في سياق مقاومة الاحتلال الأجنبي، وهما حركة طالبان أفغانستان وحزب الله اللبناني. وقد استمر العمل بالمشروع وجلسات مناقشة أوراقه في الفترة من ديسمبر 2021 وحتى مارس 2022