في روايتها "بلاص اليهودي"،تبحر بنا ميّة الكسوري في أعماق المجتمع التّونسي وذاكرة المنسيّات،مستكشفة حيوات شخصيّات مهمٌشة ومغيّبة عن السّرد الرّسمي.تدور الأحداث في فضاء "بلاص اليهودي"حيث تتقاطع الحكايات وتتشابك مسارات بطلات من طبقات وأديان وجنسيّات مختلفة ،يتشاركن المصائر في واقع معقّد يحرّكه صراع إنسانيّ مرير بين الماضي المثقل بالجراح والحاضر المليء بالتحديّات. هذه الرواية،بما تحمله من لغة حادّة وعذبة في آن،ومن سرد ينبض بالحياة،تتوغّل في القلوب بلا إستئذان،لتتحرّك فينا أسئلة مورّقة عن الحياة الخفيّة للنّساء،وعن الهويّة والذّاكرة والإنتماء. وفي نهاية المطاف،تتركنا امام الحقيقة العميق بأنّ الأمكنة لا تروي قصصها إلاّ عبر من يعبرونها ،وبأنّ التّاريخ لا يحفظ إلاّ أصوات من يُصرّون على الحياة رغم كلّ شيء.
مراجعة رواية #بلاص_اليهودي للكاتبة القصوري#ميّة_ Maya Ksouri دار مسكيليانى للنشر Masciliana Editions
📝رواية واقعيّة ،إجتماعيّة،تاريخيّة تحمل بعمقها أبعادا نسويّة وإنسانيّة.كُتبت بأسلوب رقيق، سلس، ومفعم بالحساسية. تُعد هذه أول تجربة لي مع الكاتبة ميّة القصوري، وقد كانت بحق تجربة متميزة تركت أثراً في نفسي وجعلت من الشخصيّات راسخة بذهني.
📝تقع أحداث الرواية في تونس، فترة ما قبل الإستقلال ،من منتصف الثلاثينات إلى حدود السبعينات،مع لمحات إلى الحراك الوطني الذّي كان يتشكّل آنذاك.كان الزّعيم الرّاحل الحبيب بورقيبة حاضرا بين الصّفحات من حين لآخر كشخصيّة فاعلة في الذّاكرة الجماعيّة والتّاريخ السّياسي. يمتدّ السّرد على خطّ زمني متقاطع،ينتقل بسلاسة بين الفترات المختلفة داخل هذه الفترة،متابعا بذلك مسارات شخصيّاته عبر التحوّلات الزمنيّة،حيث يرافق القارئ رحلة حيواتهم من فورة الطفولة والشباب إلى الكهولةوما بعدها وحيث تنسج الكاتبة تفاصيلهم بكلّ دقّة وحنكة ممّا منح الرواية عمقا إنسانيّا وزمنيّا في آن واحد.
📝بلاص اليهودي، هو بناية تقع بحيّ باب الخضراء بتونس العاصمة.بناية متواضعة جدّا لها تاريخها.فعند نشأتها كانت منزلا خاصّا لاحد أغنياء الحاضرة ولمّا تفاقم النّزوح والهجرة إلى المدينة من فقراء وصقلييّن،اصبح طلب هذه البيوت الواقعة بالبناية يتزايد لبخس ثمن كرائها وهو ما جعل مالكي العمارة الذين تتالوا يستغلّونها في شكل مساكن مستقلّة. هذا البلاص جمع نسوة مختلفات ،من خلفيّات وأصول مختلفة ومن جنسيات مختلفة ومن اوساط مختلفة.لكلّ واحدة حكايتها وأسرارها التّي تواريها خلف الصّمت او التمردّ.نساء هاربات كلّ على طريقتها.هاربات من خوف متجذّر،من مصير غامض،من وجع دفين او من ذاكرة مؤلمة.نساء يتقاطعن في هذا المكان "بلاص اليهودي"،لكن تتشظّى وتتشابك مصائرهنّ وأقدارهنّ في مسارات متباينة،تظهر هشاشتهنّ وصلابتهنّ في آن واحد.
📝بلاص اليهودي جمع 'دُولة' وهي من بيئة ريفيّة،مختلفة عن بنات قريتها.تعيش في بيئة مثقفة،والدها متعلّم وأخوها الوحيد زيتونيّ. شخصيّة صلبة وأهدافها محدّدة،عملت جاهدا لتحقيقها.تعشق التّعليم وتعتبره من الأوليّات،مسحورة بالقصص والروايات رغم ذلك إنقطعت عنه رغما عنها ووجدت نفسها بالبيت في مجتمع يكتفي فقط بالكتّاب للإناث.ترغب دائما في الرّحيل من المكان الذّي في نظرها تتحكّم فيه مجموعة من الجهلة. تهوى الخياطة وتحبّ لبس المعمّرين مماّ جعل والدها يبتاع لها آلة خياطة في سنّ مبكّرة.تزوّجت من إبن عمّها 'زهيّر'الاميّ الذّي تحتقره ولاتحبّه بينما هو يعشقها،أنجبت ثلاث إناث'فريدة'،'زنيخة'و'حبيبة' وإبنا وعملت جاهدا على تعليمهم وجابهت كلّ من حولها في وسطها.هذه العائلة ستجد نفسها نازحة للعاصمة وقاطنة ببلاص اليهودي سنة 1948. ♥️'صفيّة' ذات الطّبع الحادّ والثّائر ،الشخصيّة التّي احببتها الاكثر.عاشت في نهج المرّ بالحاضرة.تعيش مع والدتها واخويها.كانت تقضي حياتها بين الأعمال المنزليّة والعناية بوالدتها المقعدة.جلب إنتباهها شابّ أسمرالبشرة يكنى 'سيكي' وهو من عائلة من عبيد النّوبة جُلبوا إلى الحاضرة للخدمة.تتطوّر الاحداث وتجد نفسها وحيدة مع'مريم'إبنتها، طفلة رضيعةبالبلاص. ❤️'دجينا'المناضلة الإيطاليّة الأصل،فارّة هي واخوها'ماريو' لأسباب معيّنة وإستقرّوا بالطابق العلوي قبالة عائلة دولة'. ♥️'الخضراء فتاة شابة لا يتجاوز عمرها السّادسة غشر،'أتت بعد سنوات من سكن البقية هي و 'عيشوشة'مربيّتها.تبدو غامضة ويعرفنها على أنّها من القيروان،فقدت والدتها مؤخّرا ووالدها من كبار الفلأحين .اتت للبلاص لتروّح عن نفسها. ♥️واليهوديّة التّي تبدو غامضة جدّا ومن أقدم متساكني البلاص،ارملة.فهي في البلاص منذ سنة 1938.إمراة ستّينيّة،تعيش وحيدة،لا اهل ولا زيارات ولا اصدقاء.إمراة منعزلة ،صامتة.إمراة ضريرة ،تقضي أوقاتها وراء ستار تتبع احداث البلاص والمتساكنين الوافدين عليه،يؤنسون وحدتها.إمراة تصنع بمخيّلتها صور من حولها وتقضّي أيامها بإتّباع حيواتهم. إلى جانب نسوة آخربات خارج البلاص كحلّومة اخت 'زهيّر'وماميّة والدة الخضراءغيرهنّ. نساء منهنّ من عشن بشعور عدم الامان والإذلال والإهانة والنّقصان. في البداية ،توحي الرواية بأنّ 'دولة' هي الشّخصيّة المحوريّة،غير أنّ مسار السّرد يكشف تدريجيّا أنّ كلّ واحدة من النّساء تحتّل موقع البطولة بطريقتها،وأنّ لا مركز ثابت في هذه الحكاية، فكلهنّ يمتلكن الصّمت والعمق والحضوريمنح كلّ شخصيّة قيمتها الإنسانيّة الكاملة بمختلف اعمارهم من 'دولة'و'صفية'وبناتهنّ وغيرهنّ من النسّوة.جيل نسوة غير متعلّم وجيل نسوة متعلّم. نشات تدريجيّا بين هؤلاء النّسوة علاقات إنسانيّة وطيدة.فوجدن انفسهنّ يتعاشرن ويتضامنّ ويتشاركن الافراح والمسرّات. علاقات متناقضة جمعتهنّ ،بين كره ومودّة،بين عداوة وصلح،بين عراك وضحك ،بين منافسة وغيرة وحسد احيانا وبين شفقة وإعجاب أحيانا أخرى. كلّ واحدة منهنّ تطارد مخاوفها،بين خيبات وآمال ،بين حلو ومرّ حتّى يمرّ الزّمن دولة،صفيّة,دجينا،عيشوشة ،الخضراء،اليهوديّة ثمّ فريدة وزنيخة وحبيبة ومريم،اعمار مختلفة ومصائر متقلّبة. 📝السّرد يتراوح بين ماضي وحاضر الشّخصيات الذٌين نكتشفهم تدريجيّا بأسلوب مشوّق،لكلّ واحد فصول نتعرّف عليه من خلالهم.فصل آخر يأتي وحيدا ،يبدو لا علاقة له ببقيّة الشخصيّات لكنّه ليس إعتباطيّا بالمرّة .يروي حكاية المنصف الشابّ التونسي،وحيد أبويه ،من امّ تركيّة الاصل وأريستوقراطيّة.شابّ ثريّ.تعرّف على 'تتيانا'بباريس سنة 1935 وهي في سنّ السابعة عشر.لاجئة من روسيا هي وعائلتها.تقع في حبّ منصف ويرفض والدها تزويجها إيّاه رغم أصوله وثرائه الفاحش لكونه عربيّ.تتطوّر الاحداث ويكون مصيرهما مليئا بالتغيّرات وخاصّة مصير 'تتانيا'. فما علاقة هذه القصّة بتطوّر الاحداث ؟هذا ما سيكتشفه القارئ.
📝الرواية سلٌطت الضّوء عل العديد من القضايا خاصّة المتعلّقة بالمرأة اهمّها: الحرمان من التّعليم والإعتقاد بواجب التّعليم للذّكر وعدم نفعه للأنثى. التميبز بين المراة والرّجل،سفور المراة في تلك الحقبة التاريخيّة،الزّواج الإجباري،تعدد الزوجات وضعيّة المراة بالقرى وتعبهنّ ومعانتهنّ حيث تخشوشن أياديهنّ من أعمال الحقول والسدّايات عوض التعليم. الإعتقاد بشرف أهميّة إنجاب الذكّر عوضا عن الانثى. عن الحريّة وحريّة المراة. إلى جانب مواضيع اخرى كالجهويّات والمعايبر المجتمعيّة. التفرقة بين الأفراد من 'بلديّة'و'لعروبة'والدونيّة تجاه القرويبّن و'حرف قافهم' التميبز العنصري والعنصريّة تجاه 'السّود'. عن الرّقص والتّعبير الجسمانيّ والإبداع الفنيّ. ولم تخلو من الاحداث التاريخيّة الهامّة وتطوّرات سياسيّة وإقتصاديّة وإجتماعيّة وثقافيّة. إستعملت أيضا ميّة القصوري في عديد من الفصول اللهجة العاميّة،الدارجة التونسيّة واللّغة القرويّة العاميّة مما اضفى جماليّة على السّرد. 📝 حقيقة احببت كثيرا كلّ الشخصيّات المرسومة بعناية وخاصّة صفيّة صاحبة القبّعة الحمراء و بعض الشخصيّات الذكوريّة ك'زهيّر'الذي تعاطفت معه كثيرا و'سيكي'. إذ انّ الكاتبة رغم كتابتها كتابة نسويّة لم تشيطن الشخصيّات الذكوريّة وليس هناك تحامل عليهم وهذا ما شدّ إنتباهي.فرغم التسلطّ الذّكوري وطغيان المجتع الذكّوري.فإنّ الشخصيّات الذكوريّة قُدّمت بهشاشتها وضعفها أيضا ومنهم من كان ضحيّة واقع مجتمعي مفروض عليه. 📝'دولة'خيٌاطة وتحبّ عملها وخاطت حياتها بنفسها.كذلك الكاتبة برعت في روايتها فأمسكت بإبرة السرد وخيطت بها نصًّا رائعا ،لا تسقط منه عقدة واحدة. حاكت روايتها كما تحيك البطلة ثوبًا بإتقان بكل تفصيلة فيه. كل فصل جاء كقطعة قماش اختيرت بعناية، وكل حدث وُصل بالآخر بخيط منسجم لا يظهر خياطُه، لكنه يُحسّ. وتصاعدت الأحداث كما ترتفع غرزة فوق غرزة والزمن تنقّل بسلاسة، والشخصيات تطوّرت بطريقة تشبه التطريز: تبدأ بنقطة، ثم تتسع، تتعقّد، وتنفرج 📝في "بلاص اليهودي" العمارة ليست مجرد مبنى، بل شخصيّة كباقي الشّخصيّات.البلاص حيّ تتنفس جدرانه بأسرار النساء وتئنّ أرضيته من ثقل الذاكرة. هو أكثر من بناء، إنه مأوى للفارّين من ماضٍ مؤلم، وملاذٌ لمن يبحثن عن انتماء جديد وهوية تُخاط خارج القوالب والمعايير المجتمعيّة. بين سلالمه، تشكّلت صداقات، وُلدت خصومات، وتسللت الأحلام الصغيرة عبر النوافذ والابواب الضيّقة والمتهالكة،احلام نمت واخرى أُجهضت. لكل شخصية عقدة في داخلها متماسكة ظاهريًا، هشّة في داخلها، كما البناية ذاتها التي توشك على السقوط. البلاص، المتصدع حجَرًا، هو أيضًا متصدعٌ ذاكرتُه، بعضهن جئنَ هربًا من الماضي، وبعضهن جئنَ بحثًا عن حاضرٍ قابل للعيش. لكن المكان، كما الزمن، لا ينسى. يُخبئ في شقوقه ما طمسته النساء تحت جلد النسيان، ويردده بصمت. بلاص اليهودي ليس مجرد إطار مكاني، بل ذاكرة جماعية. رواية تنتمي إلى المكان كما تنتمي النساء إليه.نساء يمثّلن نساء تونس الاحرار،نساء قويّات ،صامدات،متمرّدات،ساخطات وثائرات مهما تلاعبت بهم الأقدار بقين شامخات❤️ رواية زاخرة بالاحداث والمفجآت،ثريّة في دقّة تفاصيلها.عمل أشجّع جدّا لقراءته❤ #نسويّة #إقرأ_تونسي #novel #l #littérature #literature #lecture #lecteur #bookstagram #booknerd #booklover #bookish #explore #قراءة #كتاب #مطالعة #قراءاتي #شغف #إكسبلور
2.5 كتاب يشبه باااارشا لعمارة يعقوبيان، غير الشخصيات مكثرها نسائية، أما نفس الconcept. الشخصيات تتحب، أما ما حسيتش روحي غطست بارشا في الكتاب، فما حاجة ناقصة but I can't put my finger on it!
قصة عمارة قديمة سكنتها أسر من جنسيات مختلفة وديانات متعددة ومرجعيات سياسية متنوعة، لكل فرد منها حكايته الفريدة التي تقاسمها مع باقي سكان العمارة على مدى عشرات السنين من الجوار المحتوم. . الرواية كتبت بأسلوب سلس وحوارات بالعامية التونسية، نقتحم بها عالم نساء مختلفات صنعن المجتمع التونسي قديما، وكان تطور شخصياتهم عبر الرواية دليل على تغيرات هذا المجتمع. . تستح�� القراءة
سقط هذا الكتاب بين يدي في لحظةٍ بدت خاصة، ليزيد الهمَّ همًّا، والكدرَ اكدارًا. صفحاتٌ تمزج بين عربيةٍ رشيقةٍ وعاميةٍ خفيفة الظل، تسحبك بخفةٍ إلى عالمٍ يذكّرك بـ عمارة يعقوبيان، غير أنّ البنية هنا ليست حجرًا ولا إسمنتًا، بل فكرة. كلما توغلت في القراءة، أدركت أن “البلاص” لم يكن بناية، بل رمزًا لما ينهار فينا وما نحاول إقامته من جديد. كان سَرْجًا فهوى، حلمًا فانطفأ، عهدًا فتبدّد. تعلم في النهاية أن كل انهيارٍ قد يحمل وعدَ بناءٍ جديد، وأن بعض أحلامنا ليست إلا سرابًا يلمع في البعد… حتى نقترب منه، فنكتشف أنه لا شيء وانك لا تريده
أظن أنّ الجزء الأخير من الحكاية له انعكاس مختلف عمّا سبقه من قصص لنساء اجتمعن في بلاص واحد.. أظنّ أنني كنت أنتظر حكاية الخضرا حتى ينكشف وجه آخر لكلّ امرأة في البلاص.. حكايا متعددة مختلفة تشبه مجتمعنا في تلك الحقبة من الزمن حكايا دولة ودجينا وصفية واليهودية وخضرا وفريدة وحبيبة وزنيخة.. هل العيب على الزمان الذي وضعهم في بلاص واحد وقد غدر بهم الرجال أم العيب على اختياراتهم الغير صائبة.. لقد انتصرت مية الكسوري في هذه الرواية إلى المرأة ووضعت أصابع الاتهام على الرجال وعلى سلوكياتهم النزقة.. كل امرأة منهنّ كانت حكاية وقصة فيها الكثير من الشجون والألم.. لعلّني سأفتقد إلى المدام كما يدعوها أهل البلاص.. لعلّها القصة الأكثر حزنا في هذه الرواية.. والأكثر ملامسة إلى قلبي.. أما عن الشجاعة فقد كنّ جميعهنّ شجاعات ناضلن بشكل أو بآخر ضدّ الجهل وتمردنّ على المجتمع من أجل حريتهنّ..
المكان كان عنصر مهم في هذا النص، له شخصيته وتحولاته مثل بقية الشخصيات، كان شيئاً في الماضي وأصبح شيء آخر. ضم نساء مختلفات اجتماعيا ودينيا وفكريا، نساء يعشن في الهامش على أحلام السراب ورحلة وجع وتقلب لكل وحدة منهن. المكان كان عنصر مهم في هذا النص، له شخصيته وتحولاته مثل بقية الشخصيات، كان شيئاً في الماضي وأصبح شيء آخر. ضم نساء مختلفات اجتماعيا ودينيا وفكريا، نساء يعشن في الهامش على أحلام السراب ورحلة وجع وتقلب لكل وحدة منهن.