هذا الكتاب "العجيب" الذي نضعه اليوم بين يدي القارئ (والصادر للمرَّة الأولى في الإسكندرية عام 1878م)؛ ليس عن أفغانستان كما قد يبدو للوهلة الأولى بأثرٍ من عُنوانه، وموضوعه، ومقدار التفاصيل المبسوطة عن إقليم الأفغان ومعيشتهم! ولكنه -على نقيض ظاهره تمامًا- الحلقة الأولى من عناية السيد "المدوَّنة" بالشأن المصري.
إذ ما الذي قد يدفع السيد جمال الدين -وهو السياسي المحنَّك البصير- إلى تأليف كتاب عن أفغانستان وهو مُقيمٌ في مصر مشغولٌ بحالها، إبَّان ما ستكشف الأيامُ عن أنه أخطرُ مُنعطَف سياسي في تاريخها الحديث؟! وهل لهذا النمط من التأليف المركَّب -والأشبه بالمرآة- من سلف في التقاليد الفلسفيَّة الإسلاميَّة؛ يمكن من خلاله استيعاب طبيعة ما يفعله السيد؟!
كل ذلك سيُجيب عنه هذا النصُّ الفذُّ الذي صار بين يدي القارئ؛ إذ ينفتح له بالتصدير الماتع الذي تقَدَّمه. بيد أن ما يعنينا الإشارةُ إليه في هذا المقام هو أن السيد قد اتخذ من تاريخ الأفغان وجهادهم "القريب" ضد البريطانيين مرآة، أراد للمصريين أن يشهدوا فيها الحجم الحقيقي لأعدائهم البريطانيين بعيدًا عن المبالغات الصارِفَة لهم عن المواجهة، وأن يُدركوا العيوب والإشكالات التي تتسلَّط على نفوسهم، وتعوق إيقافهم لزحف البريطانيين الطامعين في بلادهم. أما كيفيَّة تحقيق هذه المهمة الشريفة والمدهشة، من خلال نصٍّ تَندُرُ فيه الإشارة إلى مصر؛ فهذا ما سيبوح لك به النصُّ وتصديرُهُ الماتع.