هذه ليست مجموعة قصصية بالمعنى المألوف. ليست حكايات تنتهي بنقطة بل سطورًا كتبت في عتمة خفيفة، بلغة تنحاز للتفاصيل التي تمر بها الحياة ولا تلتفت إليها. تتشكل النصوص هنا كأنها نوافذ تُفتح على مشهد مألوف لكنك تراه للمرة الأولى. هنالك مزج بين اللغة الحسية، والنبرة الداخلية، والطابع التجريبي الذي لا يقطع الصلة بالواقع. اللغة في هذه المجموعة ليست وصفا للأحداث بل وسيلة للمساءلة، رفيق داخلي يتتبع التفاصيل الصغيرة التي تخفي وجعًا قديما في كوب شاي أو ذكرى مغسولة أو ذكرى معلقة في هواء الغرفة بعد انطفاء الصوت. ينحاز السرد إلى الهامش إلى ما لا يقال عادة، إلى التوتر القابع في النظرات، في جسد الأنثى، في خوف الرجل، وفي الشيطان المختبئ في التفاصيل . ليس هنا من بطل بل ذاكرة. ولا من نهاية بل ارتباك البدايات. كل قصة تقود إلى أخرى، لا لأن هناك ترابطا زمنيًا بل لأن الكاتب يكتب من نفس العتمة، من نفس الحنين، من نفس النقطة الغامضة بين الألم والبوح. يخلط عبّاد حسين بين الشعر والسرد، بين الحوار والصمت، بين اللهجة اليومية ومجازات النفس، في لغة لا تسعى للإيضاح، بل للمكاشفة.
يضع الاستراليون على منتجاتهم الغذائية تقييماً بنظام الخمس نجوم، هذا النظام في التقييم لا يقارن بين الأطعمة جميعها، بل يقارن كل فئة لوحدها، فتجد مشروباً غازياً بأربع نجوم وكيس أرز بنجمتين، ولا يعني ذلك أن المشروب الغازي أكثر فائدة من الأرز، ولكن هذا المشروب بالنسبة إلى بقية المشروبات الغازية يعتبر جيداً، بينما ذاك الأرز بالنسبة إلى نظائره يُعد رديئاً.
ومن هذا الباب، حين أقيّم ذاكرة الفم الملوّن، لا أتردد مرتين في أن أضع لتقييمها خمس نجوم، وإن كانت على العموم تستحق تقييماً عالياً على كل حال.
ولكنني بعد قراءتي للكثير من المجموعات القصصية في الآونة الأخيرة، لاحظت نمطاً متكرراً من الأخطاء التي تفسد علي فن القصة القصيرة. من أوضحها وأكثرها تكراراً هي الرسالية الواضحة والمحلّية المتكلَّفة.
الرسالية هي أن تحمل رسالة ينسجم ويتفق مع مضمونها كل شخصيات القصة، فمثلاً حين تكون القصة عن مظلومية المرأة، تجد جل الذكور أشراراً مطلقاً، والأخيار منهم يظهرون خنوعاً مبالغاً فيه تجاه الأفكار المطروحة، والمرأة فيها خارقة وإنسانية.
المحلّية المتكلفة هي ألا تدور القصص إلا في مشاهد محلّية جداً، ولا توجد فكرة واضحة من القصة إلا في إبراز المكان الجغرافي، كالتحدث عن المشقّر أو جواثا أو الحواري (يعتقد من يكتب بهذا الأسلوب الأخير أنه نجيب محفوظ آخر).
أما في ذاكرة الفم الملوّن، فإننا منذ القصة الأولى (شيطان جدّي) فإننا نجد الفكرتين وقد تجاوزهما الكاتب بحرفيّة، فالحدَث يبدأ من القرية، ولكن القرية مكانٌ حاضنٌ للقصة، لا ذات القصة. ثم حين يتكلم عن فكرة ما، تجد أن الشخصيات تختلف في آرائها وكأنك أمام حوار حقيقي، والأجمل من ذلك أنَّ كلا طرفي الحوار يبدو منطقياً في حججه، ولم يجعل الفكرة التي يميل إليها الكاتب منطقية بينما يكون الطرف الثاني ساذجاً يقتنع بما يُقال له.
لعلّي أطلت في نقاط ضيّقة، ولكنني أحببت أن أقدم هذه القراءة على طريقة أن الأشياء تُعرف من أضدادها.
مجموعة قصصية مكتوبة بفنّيّة عالية وتحترم عقل القارئ ووقته، وهي مسلية كذلك! وهذا شرط الأدب عندي. وكأني بمثال القصة القصيرة مبتسماً في الملكوت الأعلى. #مرتضى_الشهاب
رغم أنني لستُ من عشاق المجموعات القصصية، إلا أنني أحببت الكتاب حقًا.
لم أكن يومًا قريبة من هذا النوع؛ لم أكن أرتبط بالشخصيات عادة، ولا أشعر بها، فهي تمر سريعًا وتُنسى. لكن هنا… كرهتُ نوف، والأخت الكبرى، وأشفقتُ على حمود، الصبي الذي خسر السباق. وأحببتُ صادق، ولسببٍ لا أعرفه وجدت نفسي فيه. توقفت طويلًا بعد حكاية نرجس، وبعد الموقف في الحكاية الأخيرة الذي حدث في البقالة شعرت أنني هناك، وأن بإمكاني كتابة حكاية كاملة تدور حول هذا الموقف فقط. ووقفتُ مع شخصياتٍ لم تتجاوز قصصها عشر صفحات!
ورغم قصر الكتاب الذي يقترب من المئة صفحة، إلا أن القصص ليست سطحية؛ بل تحمل عمقًا وغموضًا، وتتداخل أحداثها في مساحة محدودة كأنها عالم مكتمل. البشر مكتوبون بطريقة خاصة، بلغة مليئة بالمشاعر والمواقف والألوان. القصص لا تُفسر، بل تثير الأسئلة، وتترك القارئ في ضجيج يشبه الهدوء، مساحة للتفكير عن الحياة، وربما عن الموت أيضًا.
مع ذلك، هناك نقطة صغيرة لا تُنقص من قيمة الكتاب ولا قلم الكاتب. الحوارات العامية فقد كانت أقل ما شدني. شعرتُ أنها تضعف اللغة أحيانًا، خاصة حين لا تخدم المعنى بصدق، أو لا يفهمها قارئ غير متمكن من اللهجة. وفي النهاية، رغم كل شيء، تبقى القصص شيئًا يعلق في الذاكرة، يلوّنها كما يلوّن الفم ذاكرة الفرد.
انتهيت من قراءة "ذاكرة الفم الملون" لعباد حسين وهالمجموعة هي باكورة أعماله وهذا ما شدني لها. المجموعة قصيرة نسبيًا تقع في 96 صفحة فقط ومع ذلك مب سطحية أو سريعة بمعنى فارغ صح ان قصصها تنتمي لذاك النوع اللي تحسه مألوف من حيث الفكرة أو الحدث— مشاهدات يومية مواقف نعرفها أو عشنا سياق مشابه لها لكن العمق الحقيقي يكمن في ما وراء الحكاية: في الطبقات الشعورية والمساحات التي يتركها الكاتب للقارئ كي يكمل المعنى بنفسه، لتكشف لنا القصص أن هناك سردية داخل السردية.
وأشكر عبّاد على إحالته لأبيات جاسم الصحيح، تلك الأبيات التي تقول:
"افتشوا العصر لم أعثر على زمني لا وقت في كل هذا الوقت يشبهني عصر يصوغ من الآلات مخلبه ويطحن الخلق في طاحونة المدن."
إحالة محكمة، وكأن القصص تحتاج شاعرًا ليقول ما تعجز السرديات عن قوله.
أكثر ما أعجبني في هذا العمل القصصي هو تنوّعه، ولا أقصد بذلك تنوّع المواضيع فقط، بل تنوّع تقنيات الكتابة وتعدّد الأصوات السردية.
لغة الكتاب جميلة، روحها محلية في مجمل قصصها، تلاحظها في الحوارات وفي تفاصيل المكان، وفي حضور الناس والعلاقات والذاكرة اليومية. كثير من القصص هنا تستند إلى ذاكرة عبّاد الشعرية، واسع الإطلاع دون شك، بعيدًا عن مستهل القصص، تجد الشعر في بعض جمله، وفي بعض حواراته.
في كل قصة يكشف عبّاد عن جانب مختلف من قدرته على النوّع والتجريب، وعن وعيه بما يمكن أن تنتجه القصص من مساحات غير متوقعة. أراه بداية رائعة لعبّاد، الذي أعرف أن في جعبته الكثير ليقدّمه، وستنتظره ما أن تنتهي من القراءة وتشعر برغبة للقراءة له أكثر.
ذاكرة الفم الملوّن لعبّاد حسين قصص ينتمي إليها الذين غابوا عن الصورة والذين أحيوا قتلاهم بالكتابة والذين صمتوا ولا يعلمون إلى متى سيظلون هكذا، وينتمي إليها أيضًا أولئك الذين أدركوا الحقيقة متأخرين والذين ألفوا كوابيسهم والذين وضعوا في قالب الرتابة بينما العمر يجري كعدّاء محترف، كما ينتمي إليها الذين لم يحدثوا ضجيجًا عند الرحيل..
ذاكرة الفم الملوّن صورة سرديّة فائقة الجمالِ مع غيمِ الإبداع، قصص تنتمي للواقعية السحريّة ولكلّ الذين ينتمون لها وللحياة بشكل عام التي تبدو أحيانا كعلبة كبريت.
أبدع الكاتب عبّاد حسين وأجاد، لقد كان قريبًا جدًا منّا بل كتبنا أيضًا ونحن لا ندري.
سعيد جدا بكوني أول شخص يقيّم الرواية في الموقع خصوصاً انها لشخص عزيز جدا نبدأ بأول و أهم حاجه لكل مجموعة قصصية وهي: السرد( كان ممتع جدا وسلس) الأسلوب الساخر عجبني وذكرني بأسلوب الدكتور غازي القصيبي والي بالمناسبة قرأت جميع مؤلفاته أسلوب فكاهي يمثل الواقع لكن بأسلوب أدبي ساخر اخيرا ممكن الكتاب لامسني بشكل أكبر لاني أبن الاحساء وبعض القصص عشتها مثل ما وصفها الكاتب أحداث و مواقف عشناها في طفولتنا
عباد يعرف كيف ينسج القصة، يرسم التفاصيل الصغيرة على جداريات ليعري خفايا النفس اتجاه المواقف البسيطة أو العابرة، ستلاحظ عزيزي القاريء أن أغلب النهايات مفتوحة، لأن الكاتب أننا كلنا نمر بمثل هذه الحكايا لكن بشكل آخر لذا هو يذكرك بالنظر في عمق الموقف وفهمه قبل كتابة نهايته! أسلوب ممتع وانسيابي جدا..