في غزة التي تتكسر فيها البيوت وتبقى الكلمات، يجلس بائع كتب مسن على عتبة دكانه كأنه يحرس ما تبقى من العالم. لا يبيع الورق فقط، بل يسلّمُ كلَّ داخل سببًا صغيرًا للعيش : قصيدة تنقذ نهارا، رواية تعيد ترتيب . القلب، ودفترًا يُذكّر بأنّ الكتابة امتداد للقراءة وحفظ للحياة. يتقاطع صوته مع أصواتِ مَن أحبّوا الكتب قبله: طفل يبحث عن حكاية تُحلّق به، امرأة تُداوي بجملة جرحًا قديما، وصديق يكتب عن الناس كي لا يضيعوا. الحصار حاضر ، غير أنّ الرواية لا تحتفل بالخراب؛ إنّها تمسك بيد القارئ نحو ما يبقى الشاي الدافئ، تمرّة تُلطَّف مرارة اليوم، وصفحات نقشت لتكون شاهدةً على ما جرى نقرأ لنفهم ما يحدث ونكتب لكي لا يُعاد الأذى، ونفتح المكتبةَ كلَّ صباحٍ لأنّ بابًا واحدًا مضاءً يكفي ليصدَّ ليلا طويلا. ستجد هنا سيرة قارئ صنعته الكتب وصنع بها من حوله؛ سيرة رجل يعلمنا أن الإنسان لا يُقاس بما هُدم من حوله، بل بما أقامه في الآخرين من معنى. هذه روايةٌ تُقربنا من غزّة بقدر ما تُقربنا من أنفسنا، وتدعو القارئ إلى أن يكون شاهدًا ... لا متفرجًا.
هذه القصة القصيرة رائعة مدهشة مبهجة مبكية كل المشاعر عشتها برفقة المكتبجي السيد نبيل بائع الكتب في غزة. كم أحببتك وأفتقدك منذ الآن.
رواية قصيرة يحكيها المصور الفرنسي جوليان أثناء إقامته في مدينة غزة ولقائه برجل مسن يدعى نبيل الجابر الذي يمتلك مكتبة صغيرة ممتلئة بالكتب وهناك يحدث التعارف بينهما من خلال صورة أراد التقاطها جوليان ومن ثم بدأت القصة تُروى لحظة بلحظة حياة نبيل والتي تعبر عن حكاية فلسطين وأهلها أثناء النكبة وتهجير سكانها والمآسي التي لحقت بهم على يد المحتل. ما يجعل هذه الرواية رائعة هو السرد فطريقة الكتابة من خلال حوار بين اثنين وكيف يرى المصور هذا المسن العاشق للأدب والكتب فينقل لنا عبر ما يراه تفاصيله التي تشابه الصورة الناقلة لمشهد حي وكأنها مرآة تعكس أجزاء نبيل من خلال سلسلة حياتيه ابتداء من هوية مركبة " مسيحية ومسلمة" مرورا بحياة التهجير وثم السعي لأمل العثور على حياة أفضل بعد التعلم في مصر والعودة للديار وهناك تتحطم الأحلام بفعل هذا الكيان الظالم. وبعد الانتهاء من قراءتها تأكدت أن كل فعل قراءة هو مقاومة تتخذ أشكالا متعددة وحيث قصة نبيل والقضية التي تشغلنا أبرزت قوة القراءة كأداة حاضرة نعول عليها أحد سبل البقاء والمقاومة إضافة إلى أنها شكلت الذات والتكوين الجوهري لدى بطلها نبيل فهي تبقي ذاكرته حية وكل كتاب أمسكه يرجعه لذكرى وولادة وموت وحياة عاشها مع أسرته وزوجته هيام ودولته فلسطين. لنبيل روحا جميلة فقد وصف نفسه بعد عدة خسارات وانتكاسات متلاحقة بـ " شيخا طيبا قليل الضرر".
معلومة من الكتاب : هذه قصة حقيقية وللأسف لم أجد صورة للمكتبة فقد تم محوها من قبل المحتل ولنتذكر أن" لكل بيت مسحوق عائلة وقصة وحيوات" فلسطين دوما ستبقين المركز لإعادتنل واختبار مدى إنسانيتنا فدمت سالمة ولو بعد حين. وهنا أتساءل:
أين تذهب الكتب والحكايا في عالم يخطف ويقتل وينهل ويسلب إنسانيتنا ؟
رواية بائع الكتب في غزة للكاتب المغربي رشيد بن زين وترجمة أيمن مبروك صادرة عن دار @meskiliani_publishing فشكرا لهم على هذا العمل الرائع.
هنا في غزة أكثر ما أثارني وصف الكاتب لغزة هنا : كأن الغد معرضا للإندثار إلى غير رجعة
وحيث لا يدور الزمن بالطريقة نفسها التي يدور بها في بقية العالم ، فهو يندفع محموما حين تتلاحق الوقائع طورا ، ويتمطى بإرتخاء طورا أخر عالقا في نفق إنتظار طويل لا ينقضي ثم يفلت فجأة ويمضي كأنه يسابق نفسه
غزة .. مدينة تعاد كتابتها على الدوام لكل إلهامه ونقاط تعليقه والجميع يخشون لحظة لا يعود فيها الفعل فعلهم
غزة .. مفعمة بالحياة غير إنها ( حياة بين قوسين ) ؟ !!؟ كأن كل شيء مهيء للإنهيار عند أول رجة للمكان
في رواية «بائع الكتب في غزّة» للكاتب المغربي رشيد بن زين، لا يبدأ الحدث من صورةٍ تلتقطها كاميرا غريب، بل من لحظةٍ تبدو كأنّ المدينة هي التي قادت المصير نحو دكان الكتب. كان جوليان دزمانج، المصوّر الفرنسي، يجوب الأزقّة بحثًا عمّا يختزن روح غزّة، حتى توقّف أمام رجلٍ ينحني على كتبه بطمأنينةٍ تشقّ صخب الحرب. هناك بدأ كل شيء.
اقترب جوليان، التقط صورة، فردّ نبيل الجابر بابتسامة خفيفة تحمل أثر السنين، ودعاه إلى فنجان شاي. داخل الدكان الصغير، المحاصر بورقٍ يتنفس رغم الغبار والقذائف، بدأ نبيل يبوح بقصّته؛ قصة رجلٍ حملته نكبة 1948 إلى عمرٍ صار فيه الكتاب ملجأه الأصدق. جعل من مكتبته المتواضعة حصنًا للذاكرة، ومن القراءة وسيلة ليُبقي الإنسان حيًا وسط عالمٍ يتداعى.
كان جوليان يستمع، ومع كل حكاية يدرك أنّ نبيل لا يبيع الكتب، بل يوزّع شرارات بقاء على أهل المدينة؛ يمنح طفلًا قصة تخفّف خوفه، وامرأةً اقتباسًا يعيد ترتيب روحها، وصديقًا كلمات تحفظ اسمه من الذوبان في زحمة الدمار.
وبهذا تكشف الرواية، في عمقها، عن غزة بوصفها فضاءً إنسانيًا لا مجرد عنوانٍ للدمار. فالكتب التي يحملها نبيل ليست سلعًا، بل رسائل خفيّة تُذكّر أهل المدينة بأنّ الهشاشة لا تنفي الكرامة، وأن المعنى يمكن أن يولد من بين الشقوق. وهكذا يتحوّل فعل القراءة إلى مقاومة صامتة، وإلى جسرٍ يصل بين ماضٍ مثقلٍ بالنكبة وحاضرٍ يحاول الناس فيه الاحتفاظ بأكبر قدرٍ ممكن من أرواحهم.
وبين الغريب الذي جاء ليوثّق مشهدًا، والبائع الذي يحرس كتبه كقلبٍ نابض، تنبني الرواية كشهادة على معنى الصمود: كيف يظلّ الإنسان إنسانًا حين يتوالى الفقد، وكيف يمكن لكتابٍ واحد أن يفتح نافذة في جدارٍ خانق .
وسط الدمار في غزة، أبصر الصحفي رجلًا مسنًا عند واجهة محل تُحيط به الكتب من كل مكان، أنفه غائص في كتاب، رجلا نخر الزمن جسده ونحتته السنين، يضغط الصحفي زر الكاميرا ليصوره فينتبه حينها الرجل ويدعوه لشرب كوبًا من الشاي، ويبدأ الرجل في حكاية قصته من الولادة حتى حينها، قصة رجال غزة وأهلها مع الحرب والمعاناة.. يعود الصحفي في العام ٢٠٢٥ لكن لا يجد صاحب المكتبة ولا مكتبته ولا كل من عرفهم، فالحرب دمرت كل شيء.. كتاب لا بأس به ١٢٢ صفحة