تحكي الرواية عن يوسف تادرس الذي يقطع رحلة طويلة، ابتداء من مشاوير توزيع كوبونات التبرع لجمعية الكتاب المقدس، برفقة أمه. رحلة طويلة يقطعها يوسف تادرس من أجل تجسيد النور ومن أجل التخلص من أسطورة الذات.
نور يتوهج على العشب وعلى الأرصفة، نور مثل حرير سائل، يتعلق به يوسف تادرس، يراه تجسيدًا لحنينه، لون حياة يرغبها. من هذه اللمسة البسيطة يبدأ رحلته، لكي يصل إلى فهم مختلف لحياته ويتعرف على أن الفن لا يأتي من محاكاة شكل الكائنات، بل من محاكاة عمليات الخلق في الطبيعة.
ذكرني يوسف تادرس بالمحامي عمر الحمزاوي في رائعة محفوظ "الشحاذ"، يتشابه الاثنان في الضياع ومحاولة العثور على الذات والبحث عن النغمة الضائعة والنشوة التي تخلصنا من آلامنا، يتشابهون في رحلتهم بشكل كبير ولكن مع هذا لا يتشابهون، تكوين شخصية يوسف تادرس ورسم خطوطها والنتيجة التي توصل إليها تختلف مع عمر الحمزاوي.
ميزة عادل عصمت أنه يقول أشياء كثيرة دون أن يتحدث عنها! يتضم حديثة جوانب اجتماعية وسياسية وفكرية كثيرة لكن بدون إبرازها بشكل مباشر.
يوسف تادرس شخصية رسمت بمعلمة، احتوت بداخلها الكثير من المشاكل والتقلبات الحياتية. نعيش مع يوسف من ولادته مرورًا بحكاية أمه التي هيأت له بأن كل ما سبق ولادته كانت مجرد تمهيد لهذا الحدث العظيم، فارتبط حادث المولد وحكاية أمه به طوال حياته إلى أن يجد أن خلاصه في عدم تعظيمه الزائد لذاته، وأن عليه أن يوجه همه إلى النظر والتأمل في الحياة وكيفية التعايش معها، والنظر لروح الأشخاص والأشياء الأُخر. ما بين هذا نعيش في حكايات يوسف تادرس وتقلباته ورحلته في السعي وراء المعنى.
شيء مؤسف أن شعبية عادل عصمت ليست كبيرة، وأن هذه الرواية بالذات لم تأخذ حقها.
على الهامش: خلصت الرواية وركبتني رغبة جامحة لرسم أي شيء، كنت بدأت بنية دمج أي ألوان وأي شخبطة وخلاص، لحد ما بدأ هذا الشيء يفرض نفسه على الرسمة ويشكل نفسه براحته، سيبته لحد ما وصل لهيئته الأخيرة دي. بالرغم إن مواصفات يوسف تادرس تختلف تمامًا إلا إن هذا الشيء هو يوسف تادرس الخاص بي، فقولوا هاي ليوسف تادرسي الشخص البائس يا أخونا.
يتناول عادل عصمت في لغة سردية بديعة حياة يوسف تادرس الشاب الذي يهوى الرسم منذ صغره ولكنه ينسج من خيباته وأساطيره شرنقة يحيا بداخلها منعزلا عن الحياة حتى تأتي لحظة الحقيقة ويخرج من شرنقته ليواجه الواقع
حكايات يوسف تادرس للعظيم عادل عصمت حزين جدا لأنني لم اعرف ان هناك كاتبا اسمه عادل عصمت من قبل. وهذا شهور ينتابني كلما اكتشفت كاتب جيد. فما بالك إن كان الكاتب عظيم ومن عظماء جيله. الرواية عبقرية. مرسومة بحرفية عالية أو منحوتة كتماثيل الإغريق. أبدع عادل عصمت في الوصف والاحساس. استخدم ضمير الأنا فنقل لنا كل أحاسيس الراوي ولم يغفل باقي الشخصيات كما يفعل البعض متعللين بأنهم يستخدمون الراوي الأنا. بل أبدع في رسمهم ووصفهم كما يراهم يوسف لا كما هم في الواقع. كلما قرأت بعض الرواية اجد عدة صفحات من الممكن حذفها دون الاخلال بسياق الرواية.. ولكن في هذه الرواية لا يمكن حذف كلمة فهي وحدة مبنية دون زيادة. الدفقة الشعورية العالية فيها واستمرارها بطول الرواية تشعرك أنها كتبت في جلسة واحدة لا أكثر. كنت أظن أن عادل عصمت رسام مسيحي فقلت انه ابدع عندما استطاع وصف هذا الشعور - شعور الرسام بالإضاءة والألوان وشعور المسيحي بالعزلة والاضطهاد بعد أن كان من نسبج المجتمع - ونقله من داخله للأوراق. ولكني صدمت عندما اكتشفت انه لا يرسم وأنه مسلم فأيقنت أنني أمام عبقري عظيم تاه عن أعيننا وسط خيالات مآتة كثيرة زغللتها. المكان من الأبطال الأساسيين في الرواية، ولكنه متواري لا يفرض نفسه بل تراه في نفسية البطل وتغيراتها.
نادم على سنوات ضاعت دون أن أعرف عادل عصمت. وسعيد لأنني سمعت ان الكتب خان ستعيد نشر أعماله في معرض الكتاب القادم. سأقتنيها كلها فهو من يستحق القراءة
عادل عصمت .. روائيٌ محترفٌ .. ومغمور آخـر .. ورواية شيقة وممتعة .. أخرى تجوس داخل النفس البشرية، وتعرض فكرة محاولة تحدي مشاكل الحياة وصعابها من خلال الفن .
حكايات يوسف تادرس .. هل يمكن أن تكون النجاة بالفن؟!
تستعيد رواية "عادل عصمت" الأخيرة (حكايات يوسف تادرس) والصادرة في العام الماضي عن الكتب خان سؤال "الفن" في أعظم تجلياته، وبطريقة شاعرية وذكيةّ في آنٍ معًا، إذ ما إن نندمج في حكايات البطل/الفنان "يوسف تادرس" ومواقف حياته ومشكلاته العصيبة حتى يبدو لنا جميعًا أنه صورة من كل واحدٍ منّا في واقعنا المأزوم الراهن، ولا غرابة أن ينهي الكاتب روايته بسؤالٍ يأتي على لسان بطله ولكنه يبدو ممتدًا لكي يعبر حدود الرواية حينما يقول: "بربك قل لي متى سيطول النور هذه البلاد؟! ينتقل "عادل عصمت" عبر بطله الذي يرسم تفاصيل حكاياته بدقة واقتدار من الخاص بل شديد الخصوصية إلى الإنساني العام الذي يلامس واقع كل قارئ بكل تأكيد مهما اختلفت ظروفه ونشأته وحياته عن بطل الرواية "يوسف تادرس"، إذ ستجمعه بالبطل نفس المشكلات والهزائم والإحباطات، وربما يمنحه في النهاية طاقة أمل خاصة تختلف حسب إدراك كل شخصٍ لنفسه ومايملكه ومايمكن أن يقدمه في هذه الحياة لينجو! تبدأ الحكاية منذ تفتح وعي البطل "يوسف تادرس" على الحياة في طفولته المبكّرة، وحياته التي تبدأ بالتشكل ورسم خطوط عريضة يكون لها أعظم الأثر في حياته بعد ذلك، فيتعرّض لحادثة عابرة تظل هاجسًا لحياته، وتجعله مسكونًا "بالخوف" من الموت، بل وتجعل من الموت نقطة مركزية في تقلبات حياته، وفي مقابل ذلك يكتشف ذلك الطفل في نفسه موهبة "الرسم" ، يحاول أن يلتحق بكلية الفنون الجميلة ولكن ظروف الحياة تبعد بينه وبينها فيخضع لمجريات الواقع ويستسلم لأقداره ويبتعد عن احتراف الرسم، بل إنه يتجه إلى "التدريس" .. (استمرت الحياة مفتوحة، تمر خالية يومًا بعد يوم، كأنها ستستمر أبدًا، الإحساس بالابتعاد عن الرسم جعلني خفيفًا، لكن في نفس الوقت كنت أبدو لهم كشخص غريب، ليس له في شي، ولا يطمح إلى شيء، عرض عليَّ "سامي أبو زيد" أن أعمل معه في ديكور مسرحية "مارا صاد" رفضت العرض، فلم أكن أريد أن أقترب مرة ثانية من هموم الفن، كنت أريد أن أظل على الشاطئ تصله الأصداء، لكن الغريب أن الفراغ الذي تركه الرسم ظل يحوم هناك في الداخل، يتخفى ويظهر ..)
هكذا يجعل "عادل عصمت" من بطله معادلاً موضوعيًا للفنّان في تجليه الأصلي، إنسان غريب منبوذٌ مطارَد، بل إنه المنفي داخل بلاده، ولا ننسى اختيار كون البطل "مسيحيًا" ومن بلدة من الأقاليم "طنطا" (وإن كانت بلد الكاتب ومدار رواياته كلها)، لكن كل هذه التفاصيل هذه المرّة تتجمّع لتكوّن شخصيًة "يوسف تادرس" وتجعل التعاطف معها ومع حالتها الفريدة المرسمومة بعناية أمرًا لا مفر منه! لا تمنح الحياة الأمان ليوسف أبدًا، بل سرعان ما يدخل في مشكلة كبرى، مشكلة تتعلق بحب زميلته المسلمة! تتحوّل تلك المشكلة إلى "فضيحة" تجعله يضطر إلى ترك بلده ويختار لنفسه منفى اختياريًا لكي يكون قادرًا على مواصلة حياته، بعيدًا عن كل شيء! (كل شيء أصبح مخيفًا، كنت أريد أن أمضي بعيدًا، أن أخفي هويتي، أخفي يوسف تادرس، من أي شخص يعرفه. الوساوس والهواجس طاردتني، حتى إنني مشيت إلى المحطة لأركب أي قطار وأغادر المدينة. على المحطة خفت، أيضًا؛ ربما هناك من يتبعني من لحظة خروجي من المدرسة. نزلت وسرت بعيدًا، باتجاه الغيطان خلف المقابر، وسرت خارج المدينة. كانت موجة الرعب شديدة. أحيانًا أفيق، من هواجسي، وأحاول إيقافها، قائلاً: "ربما يخيفني الأستاذ نعيم، ربما يخيفني". لكن الرعب يعود بسرعة شديدة. هل كنت غائبًا إلى هذا الحد، عندما انتشرت الحكاية في المدينة؟ لا بد أن "الجماعات" تعقد الآن اجتماعًا سريًا لاغتيالي). لعل أحد أهم مواطن الجمال في هذه الرواية هي قدرة "عادل عصمت" على تقمص شخصية صاحبها تمامًا، لدرجة أن القارئ لابد أن يشك أن كاتبها مسيحي مثلاً، إذ أن بطله يحكي مواقف ويرد على لسانه عبارات لا ينطقها إلى مسيحي مرتبطط بالكنيسة ، بل إن عبارة مثل "التصليب" ترد أكثر من مرة في السرد، بل وقد يعتقد القارئ أن كاتب الرواية رسّام مقتدر، إذ يتحدث عن الرسم بإحكامٍ بالغ للتفاصيل، ولعل هذا المقطع يكشف ذلك التمكن إلى حدٍ كبير: ( تعلمت رسم الوجوه أثناء رسمها، وتعرفت على الصعوبات الكامنة فيها. الشغف يسهل أحيانًا هذه الصعوبات. تأمل الأمر وسوف تراه. ملامح الوجه غير ثابتة كما نظن. الوجه مثل الزمن دائم التبدل، لكل واحد منا ملامح محددة، لكن الانطباعات المتواترة تعطي للملامح سمة مختلفة في كل لحظة. نحن نعرف ملامح أصحابنا وأقاربنا كخلفية لما تحمل وجوهم من تعبيرات. هذه الروح السائلة خلف الملامح عليك الإمساك بها، عليك أن تنقل روح الشخصية خلال لحظة هشة، وزاوية واحدة، وعشرات من بقع الضوء المتناثرة على الوجه. يبدو أنك في متاهة ليس بسبب التقديرات الرياضية الدقيقة فحسب، بل أيضًا بسبب الانطباعات الفجائية التي تطوف بذهنك. تكتشف الوجه وأنت ترسمه، الياقة البيضاء التى ترسمها تحت البلوفر الأسمر تشبه ياقة أحد القسس. الملامح الحادة للأنف تذكرك بالدكتور بولا الطبيب الأرمني الذي مات وحده في شقته. هذه العيون الضيقة عيون بومة، وتلك الشفاة أنثوية تمامًا، مراوغة. هذه الثدي النافر له من الطاقة ما لا يقدر عليه أحد. هذا الشرود فيه من الحيوية ما يعادل الطاقة التفجيرية لقنبلة ذرية. هذه البشرة لها بريق ساحر، لو تسمح لي برسمها عارية؟) . وكعادة الأعمال الجميلة بل والرائدة، لايمكننا إيجاز الحديث عن الرواية أو اختزالها فيما تتحدث عنه، أو في تلك الحالة الإنسانية شدي��ة العذوبة والرقة التي ينسجها "عادل عصمت" باقتدار، ولا حتى في تلك العودة الهادئة البسيطة التي أنقذ بها "يوسف تادرس" نفسه في آخر حياته، من خلال الفن، وعودته إلى الرسم مرة أخرى بعد انقطاع، بل ومحاولته لقراءة ماضيه بهدوء وسكينة بعد أن مر بكل هذه الأزمات والمشكلات التي كادت أن تنهي حياته!
بقالي فترة مقرأتش كتاب عربي بالقوة والجمال ده. ولولا تحفظاتي على شخصية البطل "كزوج" كنت قيمت الكتاب بخمس نجوم
الكتاب بيتتبع حياة "يوسف تادرس" اللي بيرويها في شكل رسائل أو فضفضة، بيبدأ من طفولته في طنطا ونمو بذرة حب الرسم في قلبه والتلخبط الديني في حياته والفراغ اللي فضل حاسس بيه في قلبه طول عمره من غير ما يعرف له سبب. طريقة الكتابة والأسلوب والوصف خلت يوسف من أكتر الشخصيات "الحقيقية" اللي قرأتها، محستش أني بقرأ رواية، حسيت أني بقرأ كلام شخص حقيقي. الألم والفراغ و"الهوة" اللي كان حاسس بيها في قلبي ارتبطت بيها جدا، ولقيت في روحه شبه كبير من روحي، وده أبهرني وخوفني في آن واحد.
كلامه عن الرسم طول حياته هيظل جزئي المفضل في الكتاب، تعلقه بيه والظروف اللي بتبعده وترجعه، مرة بعد التانية. لكن "خيانته" كزوج خلتني أتقفل منه كتير، وده اللي مانعني أني أديه تقييم خمس نجوم لمجرد أني فعلا مش بحب ثيمة الأزواج اللي بيخونوا، ولو أني متفهمة ده في سياق الكتاب ده لأنه بيعبر أكتر وأكتر عن الفراغ اللي في روح يوسف.
النهاية مكنتش اللي أنا متوقعاه أو منتظراه، بس كان كمجمله كتاب رائع وسعيدة أني قرأته.
في حياتك الطويلة أو القصيرة، تأتيك لحظات تضيع و تتوه خلالها، لا تعرف من أنت ولا ماذا تريد، تنتظر علامة أو نبوءة معتقداً نفسك صالحاً كفاية ليحدث ذلك، ولكن في الغالب لا يحدث ما تتمنى بل على العكس، تتعقد الأمور وتواجه صعوبات أكثر، ولكن يوسف تادرس كانت بمثابة النبوءة. في البداية، تشككت في أمر الرواية ولكن في نهايتها تيقنت أن هذه الرواية هي أنا، يوسف تادريس هو محمد المغازي ، هي رواية لكل الهائمين في الدنيا على وجوههم، موجعة و مؤلمة، رصاصة في القلب لا ترحم. بمجرد أن تنتهي منها تنتابك رغبة شديدة في قراءتها مرة أخرى، لتلتقط لمحاتها الجمالية و الفلسفية البسيطة و الغير متكلفة من خلال لغة سردية عذبة و رشيقة.
لابد لى من إيجاد النور ، لابد لى أن أرى صورتى بعينى فى وجوه الأخرين فى الصور والألوان واللوحات ، لابد أن أعرف يومآ من أكون عن طريق الفن ، لابد لى من أن أتصالح مع ذاتى يومآ ما وأحاول أن أحبها ، كما فعل يوسف تادرس بعد بحث طويل ،،، رواية مرهقة ولكنها بديعة التقييم الفعلى ثلاثة نجوم ونصف ، قراءة أولى لعادل عصمت لكنها لن تكون الأخيرة ،، شكرآ صديقى العزيز إبراهيم على ترشيح مثل هذة الروايات التى تمس القلب :)
كتب دكتور سيد محمد قطب عادل عصمت في رواية " حكايات يوسف تادرس " سؤال الإبداع : الرواية سيرة مدمجة
رواية عادل عصمت " حكايات يوسف تادرس " من الأعمال الرصينة الممتعة التي تحقق المعادلة الصعبة في توصيف عمل فني يتسم بحيوية تمنح المتلقي شعورا بالصدق لدرجة التعايش الشعوري مع شخصيات الرواية وأحداثها ، مثلما تثير كثيرا من الأسئلة الوجودية والاجتماعية والتاريخية ، وتبلور الأسئلة المهمة بالنسبة لأي مبدع وهو ما الفن؟ وكيف يتشكّل؟ وما وظائفه؟ اختار عادل عصمت صيغة الحكايات مثلما فعل نجيب محفوظ في " حكايات حارتنا " و" إبراهيم أصلان " في " حكايات من فضل الله عثمان " ولا شك أن صيغة الحكايات تعطي النص السردي وجودا جمعيا طقسيا يتجاوز الحس الفردي ويستعيد دور السرد في لم شمل الأسرة الإنسانية كي تجلس في حلقة تستمع إلى صوت يتحدث عن تجارب لا تخصه وحده وإنما نابعة من قلب العالم الكلي الذي يتشارك فيه البشر ، فالأصل في الحكاية أنها سرد شفهي يصل أبناء المجتمع معا في جلسة اتصالية يتحقق فيها الفعل الإبداعي المباشر بين المبدع والمتلقي. صيغة الحكايات مهمة في رواية عادل عصمت "حكايات يوسف تادرس" لأنها تزيل الحوجز من أمام صوت الراوي المتكلم فيبدو المتلقي حاضرا قريبا منتظرا ، إن المتلقي صديق يعرفه الراوي جيدا ، يخاطبه ، يذكّره بأشياء ، ينبهه لمواقف، يفترح عليه عرضا ، هذا الحضور الثنائي بدد أي اغتراب يمكن أن يواجهه المتلقي في التعامل مع رواية " حكايات يوسف تادرس " فيظل مستمتعا بكونه ذاك المخاطب القريب أو الصديق الحبيب ، أو القارئ المثالي الذي اختصه الحاكي "يوسف تادرس" ليكون صاحبه المفضّل ، وإن كانت افتراضات التأويل تشير إلى انقسام الذات نفسها في عملية القص ، فالراوي هو نفسه المروي له بصورة ما ، إنه يماثله بدرجة كبيرة ، إنه أحد وجوهه التي يرسمها في لوحات اكتشاف حقيقة الذات في الإبداع سواء أكان هذا الإبداع صوتا سرديا أم فنا تشكيليا ، فالفن بحث عن العمق المشترك، عن البعد التاريخي ، عن هوية الإنسان في مساره الحضاري وفي قلب اللحظة بما تحمله من خصوصية أيضا ، الفن إنتاج صور للعالم كما يتراءى للبصيرة الداخلية التي تستوعب تجارب الرؤية الحسية وتهضمها وتجادل مدركاتها الناتجة عن حركة طاقتها النقدية المستمرة وهي تقرأ ما يبدعه حدسها. إن رواية "حكايات يوسف تادرس" مناقشة جدلية عميقة لعلاقة الفن بالإنسان المتعدد الرؤى والاهتمامات والأنماط ، والحياة التي تتشكل من التقاء الطاقات وتفاعلها وتقاطعها وتنافرها واستمرارها في رحلة التحقق والتصالح متخذة من الآخرين محطات ووقودا. في رواية " حكايات يوسف تادرس " لعادل عصمت يحكي الرسام المصري المسيحي الطنطاوي سيرته لصديق له ، يحكي عن زمن تكوينه ومراحل تعليمه ، يحكي عن علاقته العميقة بأمه والمتوترة بأبيه ، يحكي عن أخت تسلبه حقه وعن أخت أخرى تمنحه المحبة والسلام وتقارب بينه وبين شريكة عمره ، يحكي عن تقلباته بحثا عن هويته الإبداعية حتى يرسم نفسه في العالم ويستخلص عالمه من نفسه ، يحكي عن أصدقاء يتبنون موهبته ، وآخرين تلهيهم الحياة عنه ، يحكي عن صادقين ومدعين ، يحكي عن أحبة أخلصوا وعن مستهلكي الآخرين ، إن " حكايات يوسف تادرس " يمكن أن تجد لها مكانا مستحقا في أكثر من تصنيف روائي ، يمكن أن نقول إنها رواية شخصية ، أو رواية تعلّم أو تكوين ، أو رواية بحث ، وإذا كان الصوت المتكلم هو يوسف تادرس فإن الطرف الآخر الذي يحكي له يوسف هو صديق قاص ، أي صديق مثل عادل عصمت نفسه ، في سنه ، من أهل الإبداع مثله ، من بني وطنه ، من جيله ، بل إن القارئ يستطيع أن يتخيّل بيسر كيف أن سيرة يوسف تادرس تصل إليه عن طريق الصديق لذي استقبل الحكايات، أي المؤلف الذي أبدعها وتحوّل في داخلها إلى متلق لها ، يعيد إرسالها في السياق الخارجي بصفته صديقا ينشر حكايات صديقه ، وكأن الشخصيات الروائية هي التي تملي على المؤلفين حكاياتها المتعالقة بسياقهم وتجاربهم وأحوالهم، وكأن المؤلفين مكلفون من أخلاقيات مهنتهم بكتابة سير أصدقاء لهم في الوطن والإنسانية. من هذا المنظور فإن رواية " حكايات يوسف تادرس " هي سيرة بديلة ، سيرة الآخر ، سيرة الصديق الذي يمكن أن تتقاطع حكايته مع حكايتك وتجد في تجربته مسافة من رحلتك ، وترى في صورته ملامح من وجهك الإنساني الداخلي العميق بخاصة أن المساحة المشتركة بينكما في التاريخ والجغرافيا واللغة تجمع بينكما بدرجة كبيرة ، وتأتي تجربة الإبداع نفسها لتستخلص الحقيقي من عمق المبدع حينما يرسم شخصياته. وإذا كانت الرواية تجمع بين سيرة الحاكي الداخلي من جهة وسيرة الروائي الخارجي من جهة ثانية ، فإنها تضيف إلى سيرتهما معا سيرة تكوين العمل الإبداعي أيضا سواء أكان هذا العمل حاضرا في الهيئة الاستعارية داخل الحكاية حينما اختار المؤلف لبطله أن يكون رساما ، أم كان العمل الإبداعي هو السرد بوصف المبدع يتخذ من شخصية بطله قاصا مماثلا له يحكي من داخل الرواية أيضا. الرواية تواصل استكمال مشروع عادل عصمت الإبداعي وتضع لبنة جديدة في صرحه ، وهو صرح هندسي محكم تفتح بواباته على مصر في الثلث الأخير من القرن العشرين ، وكأن القارئ يرى لوحات تتجلى فيها ألوان الحياة قوية عميقة ، يلتقي عادل عصمت في هذا التصوير لتلك الفترة مع أبناء جيله بخاصة رضا عودة الذي رسم مدينته المنصورة مثلما صوّر عادل عصمت مدينته طنطا. تتميز رواية " حكايات يوسف تادرس " بأربع سمات مهمة أيضا هي أنها تستمد أحد مقومات جديتها من خطاب فكري يتجلى أحيانا في عبارات مفعمة بالحكمة يمكن أن تستقل في سياق مقالي حر لكنها لا تؤثر على حيوية الرواية بقدر ما ترسخ لها في مضارب الفكر ، وعادل عصمت في هذه السمة يلتقي بدرجة كبيرة مع الخطاب الروائي عند نجيب محفوظ. والسمة الثانية أن برواية " حكايات يوسف تادرس " نصوصا استعارية تصوّر عملية صناعة العمل الفني لكنها نابعة من دراما السرد ، من أهمها دمج التعبير المنطوق مع التعبير المكتوب في فعل البوح السردي عندما تحدث السرد عن المرأة التي تريد أن تكتب شكواها وهي لا تعرف الكتابة ، والتمثيل للعمل السردي ببنيات قصصية صغرى داخل العمل الروائي ، وهذه إحدى سمات سرد الحداثة يشارك فيها عادل عصمت أدباء عصره مثل منتصر القفاش. والسمة الثالثة أن رواية " حكايات يوسف تادرس " تجمع نصوصا رائعة يمكن أن تصلح قصصا قصيرة في نهاية من الإحكام والتأثير تأتي في هيئة لوحات تشكيلية مثل قصة " سعودي " فهي نص قصصي متكامل له خطوطه الجمالية ، ومرجعيته الاجتماعية الضاربة في عمق تاريخي ، وآفاقه الدلالية المستشرفة لتطلعات الإنسان الوجودية في التحقق النفسي والروحي في فضاء بلا حدود يسمو بأشواقه ويعلو بخطابه نحو القيم المطلقة مع اتصاله القوي بالعالم الذي ينتمي إليه. والسمة الرابعة هي الإيجابية فبعد رحلة المعاناة الطويلة ليوسف تادرس ينجح في فنه وتصل لوحاته للشرق والغرب على يد صديقه الذي يجيد فن اكتشاف المواهب والمشاركة في إدارتها.
"إرسم ما تشاء لا تخف إرسم ..الرسم يخلصك من الخوف "ولأن يوسف تادرس لم يستجب لإستشراف معلمته "ماري لبيب دميان" كانت رحلة العذاب التي شاركنا فيها علي مدي ٢٥٠ صفحة تضم حكاياته التي رواها للكاتب عادل عصمت في روايته "حكايات يوسف تادرس" الصادرة عن الكتب خان ٬ يوسف لم يحاول هزيمة خوفه الذي خلفه حادث إختبائه في ورشة تصنيع النسيج ومع إنطفاء النور ظهرت له ظلال وأطياف الأشياء التي ظل يطاردها ويحاول إستجلاء روحها تلك التي قصرها الإنسان علي نفسه ٬ لكنه يظل يطارد النور عبر رحلة شاقة وعذابات ولدتها حيرته بين مايجب ان يكونه الفنان وهل هو ذاك الذي وضعت نموذجه جماعة "عنخ" الثقافية في بيانها الذي كتبه بلال الشيخ :أن تكون العين شمسا والقلب شمسا والروح شمسا" لكنه يكتشف ـ- يوسف ــ إنها حلية وزينة في الكلام ٬ أم الذي عثر عليه في النهاية كائن صغير عابر بلا أوهام ولا أساطير مشاركة الله في صفة الخلود . ولأنه "إبن خوف" إستسلم لمكائد وأطماع أخته الكبري "فتنة" من الأب وترك دراسته في كلية الفنون الجميلة رغم ولعه بالرسم الذي أفتتن به في طفولته الأولي عبر رسومات اللباد والبهجوري وبهجت في مجلة صباح الخير ٬ بخوفه وإستسلامه خذل يوسف حلم أمه التي بدأ معها شغفه بالنور في مشاويرهما اليومية ومطاردته في طوال حياته حتي في قصص الحب المحرمة سواء مع "سناء" المسلمة وإعدام حبهما علي مذبح إختلاف الديانة وكأن النسان ليس علي صورة الله وإن إختلفت طريقة التواصل معه ٬ حتي قصته مع "تهاني" المسيحية المتزوجة والتي منحته لمحة من المور كانت هي الأخري فاكهة محرمة . الخوف الملازم ليوسف كظله أورثه له والده "الخواجة تادرس" الذي يعتز بقدرته علي رسم أسمه رافضا حمل ختم يوقع به ولم يقبل بالزواج بعد وفاة إمرأته إلا حينما أخبرته إبنته أن العروس تعرف القراءة والكتابة رفض تادرس ليوسف لازمه طوال حياته غذاه فقده لبكريه غرقا في النيل ولم يقبل ان يحل يوسف محله حتي أنه لم يناديه بإبني إلا قبل وفاته بساعات . حكايات يوسف تادرس تكشف عوراتنا والعفن المترسخ في الشوارع الكالحة تلك التي تبث الخوف والذعر بين مصريين كل جريرتهم إنهم يصلون لله في الكنائس الخوف من المنقبات ٬ الخوف من التمساح في نافورة مسجد السيد البدوي ٬ الهلع من قصة حب بين مسلم ومسيحية أو مسلمة ومسيحي وما يترتب عليها من أنهار دم ونار تحرق الجميع ٬ وكل تلك المظاهر الكريهة عن الحقد الذي تفشي بيننا رغم أنه كان في فترة ما في عمر مصر المحروسة "زقاق الخواجة تادرس" بيت واحد مشرعة أبوابه علي الجميع بود وتسامح :"تقول أمي إن النساء كن يخطفنني وأنا طفل وفي آخر النهار لم تكن تعرف من أي بيت تجئ بي" عندما يقتنص يوسف النور بعدما أضنته رحلة الشقاء وراء البحث عن صوته والذي وجده عبر لمحات ظلال الوناسة وروح حركة الشال علي حبل الغسيل ٬ عندما قرر أن يرسم عم سعودي بالصنية علي كفه طويلا جدا يصل الأرض بالسماء ٬ عندها فقط عاد من الجنون وصل الشاطئ ونجا من مصير "دوريان جراي" في صورته تلك التي تحمل تغيراته في أطواره الحياتية المتباينة الطيب الشريرالنرجسي البوهيمي الشبق المتهاون..السيئ الحظ وتصله حقيقة ان الفن كالحياة،وأهم ما في الفن العلاقات القائمة فيما بينها. فالعملية الفنية، أي عمل الفنان على اللوحة، هي التي تخلق الفنان والعمل الفني معًا وتنمِّيهما.
مُكثفة، ذاتية، توضح جُزء آخر من العالم لا نعرفه. في مقاطع أقدر أقول إنها استثنائية، ولكن في المُجمل الرواية هادئة ومميزة إلى أبعد حد، وغير مُتكلفة على الإطلاق
"حكايات يوسف تادرس" بل هي حكايات كل قارئ يمسك تلك الرائعة بين يديه! من أثمن النصائح التي تعلمتها علي يد أستاذي أنيس منصور: أنه قبل أن تقرأ فلسفة معينة اقرأ عن صاحبها أولًا وقبل أن تقرأ له، اقرأه ما قاله الآخرون عنه. وقد شاء القدر أن أقرأ عن أستاذنا المبدع: عادل عصمت قبل أن أقرأ إبداعه. لمست شخصًا من جلدتنا.. يعيش بيننا ويمشي في الأسواق معنا ويأكل من عربات فولنا ويبلع بمية السلطة. يقف عند أرصفة الكتب، يقدس تراب البلدة.. يحمل ملامح بريئة صادقة. ويخصني القدر بأكثر نصيب من الحفاوة والسعادة والفخر بأن يكون هذا المبدع من طنطا
قليلًا ما أقف أمام عملٍ حائرا.. متوجسًا.. من كتابة مراجعة عنه؛ فالأعمال العظيمة تلك كالموسيقى العظيمة تترك أثرها في نفس صاحبها.. لوحة بديعة يقف أمامها الكثير وتترك هي انطباعات كُثر لكل كل واحدٍ منفردًا. تغوص كلمات تلك الرواية بداخلنا.. تطمر الوجود المحيط بنا.. تغمرنا بفيض من الصفاء الذهني والنفسي؛ رحلة نحو السلام النفسي. نصيحة عطائية مطولة! حلمٌ محفوظيٌ محبوك! سماء معتمة بعض الأوقات وفجأة تنيرها شمسٌ ساطعة. بنيانٌ مرصوص بدقة وإتقان
لن أتحدث عن الحبكة وأحداثها، ولكني باختصار أنوه عن فكرتها الفلسفية البديعة. تدور الرواية حول يوسف الباحث عن الحقيقة، مهما اختلفت رؤيتنا لتلك الحقيقة، ولكن الرحلة متوجة بعذاب نفسي وفكري رهيب! تبحث عن الذات المنسية وتحاول أن تزيح الغبار المتراكم. كثيرًا ما شعرت بأنّ أستاذنا عادل عصمت كما قال مايكل أنجلو: يزيح الزائد من الصخر عن الوجه الذي يراه!! فهو يرى بواطن الأمور ويدرك خفايا النفوس؛ ينبش عنا في ثقة مشوبة بوجل. تجسد الرواية معاناة الفنان في مواجهة الواقع. تنزل به من علياء الفن، وعاجية أبراجه، وتهبط به حيث طين الشوارع، وصخب المارة. وتعكس التنازع الأزلي الإنسان بين الخير والشر والطهارة والخطيئة والتوق والمنع. مدركة وملمة بالنفس البشرية وطبيعتها بصورة مذهلة
اختيار اسم البطل "يوسف" رائع وموفق جدًا. فيوسف تادرس كان جميلًا كيوسف ولذلك خانته الحياة كإخوته!! رائع يا أستاذنا البديع فعلًا. لا غبار بأنّ الرواية فيها الكثيرًا من أفكار وحيرة أستاذنا عادل عصمت والذاتية واضحة فيها؛ ولكن كما أسلفنا: ألم أقل أنّها حكايات كل من تقع بين يديه!! لذلك عدلت أن ألوم تلك النقطة عليها.. وكذلك كنت انتويت أن أعطيها 4 نجوم ولكن آخر 50 صفحة قلبت الموازين وأيقنت أنها جديرة بأكثر من 5 نجوم
سعيدًا جدًا بمعرفتك الأدبية يا أستاذنا وبداية رائعة في مشواري معك وإن شاء الله سأعود إليك قريبًا لأنهل من روائعك وبساطتك وعوالمك
لقد أخذتنى هذه الرواية وجذبتنى إلى عالم آخر وحيوات ممتعة داخل حياة واحدة بسرد محترف متماسك ملئ بالرموز التى لا تنتهى وتركتنى أحلق فى السماء وأستمر فى التفكير بعد الانتهاء من قراءتها. فى الرواية أحداث ومشاعر أنسانية رقيقة وملتبسة عن علاقة متشعبة ل أوجه يوسف ال 99 وجه ، عملآ فنياً مكتملآ . تميزت الرواية بأسلوب بسيط وسهل ولكنه عميق ومستوى فكرى فلسفى عالى، وفى نفس الوقت سهلة القراءة غير معقدة والحوار والأسلوب به عدة مستويات . وبعد عدد رحلات مختلفة فى نهاية الحكايات يتصالح يوسف مع نفسه، ليس بتحقيق أحلامه، لكن بعدم تخليه عنها وبمعرفة قانون الحياة ومنطقها، سيعتاد الفقد ويحلم بالبعث، ويعرف أن الحياة تسير وأن القدرة على الاستمرار فيها بحثا عن الضوء يتطلب مراقبة جيدة للروح، وأن الإنسان ليس له وجه واحد، لكن ملامحه تكون حسب فيض الروح، وأن رؤيته لنكتشف جميعا مواطن النور فى أرواحنا المأزومة. هذه الرواية فيها من الأقتباسات ما يجعلك تقف كثيرا بالبحث والدرس والتمعن والتفكير والأنبهار والإبتسام وأحيانآ بالعَبرات . لفحتنى هذه الرواية وهى المفضلة التى كل ما ان أشعر بالحنين أذهب لألتقى بيوسف وأجلس معه ويقص لى واقص عليه حكاياتى ، كل منا بداخله حكايات يوسف التى لا تنتهى فهل من مستمع لنحكى له عن الحكايات بداخلنا ، ليتنى أقدر على ذلك .
أول تجربة ليا مع عادل عصمت لكن حقيقي كانت تجربة عظيمة ومؤلمة وانسانية جدا.. حكايات يوسف تادرس عن عالمه.. العالم اللي جواه، المنفصل عن الحاجات اللي بتحصل برا.. كان عالم حلو اوي وحزين اوي.. كما إني حزين الكتاب خلص مش عارف أكتب أو أعبر عن اللي قرأته علشان هو قدر يكتب ويحكي عن حاجات أنا حسيتها بالمللي وكنت عاجز دايمًا إني أطلعها برا دماغي.. أنا مبهور ومبسوط بالتجربة جدا.. هاقرأه مرة كمان في وقت قادم
رواية بديعة .. مذاقها الهادئ العذب يتسلل خفية حتى يسيطر عليك تماماً . تثبت هذه الرواية أن لكل إنسان اسطورته الخاصة التي تستحق أن تروى . فيوسف تادرس إنسان بسيط عادي جداً ، لم يملك سوى موهبته المطمورة داخله التي تسعى للهروب من أسر ذاته التائهة التواقة للحرية . كيف يمكن للموهبة أن تصبح هي الملاذ الأخير لكائن معذب ؟ أعتقد أن هذه الرواية تجيب على هذا السؤال . استمتعت للغاية و ادعوكم لقراءتها .
إمكانيات عادل عصمت ظاهرة هنا أكتر بكتير من صوت الغراب، روائي من الزمن الجميل وعمل متماسك وقوي رغم إن القصة مكانتش مثيرة ليا بالشكل الكافي؛ لكن كملت عشان اقرأ للراجل واشوف أدب حديث حلو.
يستهويني هذا النوع من الأدب ، يجعلني أتساءل :" ما الفارق بين الفنان أو الأديب وبين الإنسان العادي " الحكاية وببساطة أن الفنان الحقيقي لا يخجل من طرح الأسئلة ولديه الشجاعة لمصارحة نفسه بهفواتها وزلاتها ، كما تشتعل بداخله دوما الرغبة للخروج عن المألوف مهما واجه من هجوم أو نقد عنيف من المحيطين به ، ويظل يعاني من حيرة وتخبط أثناء رحلة البحث عن فكرته وعن"الماستر بيس" في إبداعه ، ولا يرضى عن نفسه أبدا ، والشك دائما ينهشه ويعكر حياته . وربما هنا يكمن السر وراء الإبداع ، لذا فإننا في حياتنا نادرا ما نجد مبدعا تخلو حياته من الألم ومن الصراع النفسي المستمر . أعجبني في رحلة حياة يوسف تادرس التي يرويها من خلال رسائل - لا نعلم مرسلة لمن - أنه بدأها منذ سنوات الطفولة الأولى ، عندما كانت أمه تصحبه معها في توزيع كوبونات التبرع لجمعية الكتاب المقدس التي تطوعت بها لخدمة الكنيسة واتباعها ، ترى عندما ينشأ طفل وسط هذه الأجواء ، بين أم توهب معظم وقتها لخدمة رسالة مقدسة وبين أب حرم من فرصته في التعليم ، ولكنه يعمل بدأب واجتهاد من أجل عائته كي يغطي على نقيصة عدم علمه بالقراءة والكتابة إلا بالكاد ، وأيضا يعاني من خوف شديد على ابنه خوفا من أن يفقده كما فقد أخاه من قبله . وتمضي الحياة بيوسف وتظهر موهبته الفنية في الرسم ، ويلتحق بكلية الفنون الجميلة ، ولكنه يضطر بعد سنة واحدة وبسبب مصروفاتها العالية ، فتقرر أخته الكبيرة فتنة أن يعود إلى طنطا ، فيقع في بئر الإحباط ، ثم يستسلم حتى تصدمه الحياة صدمة أخرى قوية بموت أمه يقدم لك الروائي المبدع عادل عصمت عدة دوافع لسلوك بطله المريب بعد ذلك ، فوجدت نفسي حتى مع أكبر خطيئاته أتعاطف معه ، وأعترف في حالة أخرى لو أني وجدت مثل يوسف في الحقيقة من المؤكد أني كنت سأبغضه ، فمن يحب إنسانا يمشي في الدنيا على هواه لديه ولع بالمغامرات العاطفية المؤقتة ، يركض خلف شهواه كحصان جامح ، فتهوي فوق رأسه صخرات واقعه الذي لا يقبل مثل هذا السلوك خاصة في مجتمعاتنا المحافظة ، والتي يظهر فيها هذا التحفظ بين أتباع الديانة المسيحية المتدينين منهم تحديدا . سيبهرك الفنان يوسف تادرس بإصراره على بالبحث عن حبيبة قابلها بالصدفة ، ولن يقبل بسهولة عودتها لزوجها ولكنه يستسلم أيضا رغم أنفه بعد تعرضه للضغط والإجبار على العودة من منفاه بجنوب سيناء إلى مدينته الأصلية ومسقط رأسه مرة أخرى والإقامة مجددا مع زوجته وابنيه أكثر جزء أعجبني هو عند اتقتراب اعترافات يوسف من نهايتها ، وعودته إلى نفسه وهوايته ، وإعادة اكتشافه لهوايته وتطويعها من جديد ، واكتشاف المناطق الخفية الساحرة في البيئة المحيطة به ، ونثلها على الورق في شكل لوحات ذات طابع متحرك ، إن الفن وخاصة الرسم أقرب لعملية الخلق، لذا أدهشتني قدرة عادل عصمت على وصف حالة ويسف في هذا الجزء من الحكاية ، عندما رسم لنفسه صورة وجهه وهو خالي من الملامح ! " لا تظن أن اللحظات تدوم . لا يمكن يحترق المرء لو ظل في حالةانفعال بهذا الشكل " "لقد فهمت الأمر كان عليّ أن أتابع الصور لا أحاكي شكل الطبيعة ، بل أترك الطبيعة تعمل " "إنها رحلة من أجل تجسيد النور ومن أجل التخلص من أسطورة الذات " أعتقد أنها لن تكون تجربتي الاخيرة مع الكاتب المتميز عادل عصمت
القراءة الثالثة لـ #حكايات_يوسف_تادرس لـ #عادل_عصمت أذكر أني في القراءة الأولي لما انتهيت من الفصل الثاني، أغلقت الرواية. كنت لا أريد أن تمر الرواية سريعا هكذا وجاهدت كي تبقي معي الرواية لفترة أطول. علي الرغم من أن حجم الرواية يجعلني انهيها في جلسة واحدة. ورغم سلاسة الرواية ونعومتها التي تجعلك تقرأها سريعا وتجذبك داخلها دون أن تشعر بالوقت، إلا أنه الرواية دسمة مليئة بالأحداث والمشاعر. في رأيي أن الفن هدفه الأول هو الإمتاع. وهذا ما حققته رواية حكايات يوسف تادرس بالنسبة لي. أحداث وشخصيات حية حقيقية. عبقرية وموهبة عادل عصمت في رسم الشخصيات ليست فقط في حكايات يوسف تادرس، ولكن في كل روايته التي قرأتها جميعًا. شخصيات كثيرة مختلفة رئيسية أو ثانوية، لكنها بنفس الجمال والعظمة والعمق. لا فرق بين رجل وامرأة، مسلم ومسيحي،طفل وعجوز. عادل عصمت قادر علي خلق شخصيات حقيقة حية. السرد عند عادل عصمت عظيم ومختلف. مفرداته التي يستخدمها وترتيب الكلمات تجعلك تتوقف كثيرًا أمام رواياته، خصوصًا حكايات يوسف تادرس. مثلما يصف ورشة النسيج علي لسان يوسف " ظننت أن كائنات شفافة تسكن الورشة. في الليل بعد أن يغلقوا الأبواب، تصحو وتبدأ في الرسم والتلوين، في وضع اللمسات السحرية علي المفارش والسجاجيد. تعطي للون الأحمر دفأه وللطيور حركاتها المباغتة أثناء الطيران فتبدو أجمل من الطيور التي تطير فجأة من فوق قبة محطة السكة الحديد". أو وهو يتحدث عن "ماري" مدرسة الرسم ليوسف أول حب له" لن أرسمها، إن رسمتها ماتت. إنني أرسم المخاوف فقط حتي تموت، أما "ماري" فلن أرسمها، إن رسمتها تلاشت وأبحت صورة. سوف أتركها هناك حية في الوجدان كأنها شمعة علي شباك العذراء، سوف أدعها تحيا ما حييت". الحديث عن الرواية كثير ولا أستطيعه. الرواية مكتوبة بجمال فريد، والاهتمام بكل أجزاء العمل من بدايته لنهايته واضح. لا يوجد خلل ولا لكسر نغمة السرد الرائعة طوال الرواية. رواية عظيمة لكاتب عظيم صاحب موهبة فريدة. فرد له إدوارد الخراط فصلا كاملا في كتاب "القصة والحداثة" تحدث فيه عن "هاجس موت" أول نصوص عادل عصمت. من أجمل وأبدع ما قرأت في حياتي.
لسه راجع من شوية من ندوة مناقشة الرواية ضمن فعاليات معرض الكتاب.. قبلها بدقائق كنت ألتهم صفحاتها الأخيرة!.. فى المناقشة التى أدارها أقطاب ورشة الزيتون العتيدون، سمعت قراءات وتحليلات للرواية ما أنزل المؤلف بها من سلطان، وبدا أثرها واضحاً على تكشيرته العريضة، بل وبَدَت القامات الأدبية العريقة أقرب ما تكون لجماعة "عنخ" التى جعلت يوسف تادرس بطل الرواية يتعقد ويهجر الرسم لسنوات طوال تاه فيها فى أحراش الدنيا وكاد يضيع للأبد لولا أن عاد للرسم الذى انتشله وأعاد تعريفه لنفسه وللعالم..
عادل عصمت يحكي قصة رحلة يوسف تادرس، الرسام، لاكتشاف نفسه والعالم، وأعترف أننى وجدت نفسى كثيراً بين صفحات الرواية التى وَسَعَت أصالتها من آفاقها لتشمل الرسامين والموسيقيين والأدباء وكل أصحاب الفن والأدب، بل وكل بنى آدم كما جاء فى مُداخلة الكاتبة الصديقة سارة البدري.. (هي لم تقصد هذا المدخل من التعميم والذى ذهب له عقلي من استعادة نزعة الألوهية وامتلاك الحقيقة وحُمى النضال الزائف لدى كل وأتفه صرصار على الفايسبوك وتويتر وكل مواقع السوشيال ميديا!)
أكان لابد أن يخوض يوسف تادرس هذه الرحلة الشاقة الطويلة المثقلة بالهزائم والإحباطات ليعثر على خلاصه؟! الإجابة بنعم.. لأن هذا الخلاص تمثل فى الفن، وكان لابد للبطل أن يعى أولاً ماهيته كإنسان، كجزء بسيط من الكون، وعلاقته بالموجودات من حوله، يعى أنه ليس إلهاً ولا مبعوثاً إلهياً، بل جزء بسيط عابر وزائل، وبهذه المعرفة ينجو من الحفرة التى سقط ويسقط فيها أغلب البشر، وعلى رأسهم السياسيين وأصحاب الجماعات الدينية، فيصبح بنجاته ومعرفة قدره فى الزمان والمكان مؤهلاٌ للتعبير عن العالم من خلال الفن.. يُصبح فناناً حقيقياً..
(يقول طلعت الحلوانى، أحد أبطال فيلم "كشف المستور" للسيناريست وحيد حامد: - أعظم لحظة دايماً هى لحظة اكتشاف الحقيقة.. تذكرت هذه الجملة أثناء قراءة مشاهد إعادة اكتشاف يوسف تادرس لحقائق وطبائع وعلاقات الموجودات من حوله بعد تصالحه مع العالم ومع نفسه، والتى جعلتنى -هذه المشاهد- استعيد مشاهد رؤية نيو لحقيقة الناس والأشياء داخل الماتريكس بعد موته ثم قيامته)..
لم اسمع عن الكاتب عادل عصمت من قبل ولم اتوقع ان تنال الرواية اعجابي ، لكني ومنذ بدايات الرواية لفت انتباهي السلاسة المبهرة في الكتابة و��لسرد الرائع وبالرغم من كثرة الشخصيات وتتداولها علي بطل واحد إلا ان الكاتب لم يهمل ولا واحدة منهم رسم كل شخصية بعناية شديدة تدل علي براعة الكاتب كما آنني اعجبت بتماسك الرواية منذ البداية وحتي نهايتها. ومما تعجبت منه واكد لي ظني بإبداع الكاتب وتمكنه انني تفاجئت ان الكاتب مسلم وليس له علاقة بالفن التشكيلي فلقد رسم شخصية يوسف تادرس بطريقة تجعلك تظن ان جزء من حياة البطل خاص بالكاتب. حكايات يوسف تادرس من اروع من قرأت ....
الحب لا يدرس , والشعر لا يعلم. الحب أقصى الفنون لتدركها. الحب هو جوهر الأديان, وفلسفة الفن, وروح الفنون, وسر الجمال. الحب يولد من المعاناة. الرب هو الألم. عليك أن تتعب لكي تصل للخلاص. عليك أن تعاني. الحب هو ديني. الحب هو الغاية . الحب والصدق هما خبز الشعراء. أو كما يقول أدونيس : الحب جسد أحنّ ثيابه الليل. للأعماق منارات لا تهدي إلاّ الى اللجّ. شجرة الحور مئذنة هل المؤذّن الهواء? أقسى السجون وأمرّها تلك التي لا جدران لها. كان أبي ��لاّحًا يحبّ الشعر ويكتبه, لم يقرأ قصيدة إلاّ وهي تضع على رأسها رغيفًا. الحلم حصان يأخذنا بعيدًا دون أن يغادر مكانه.
روايه بديعه عند الانتهاء منها تقف لحظه وتنظر لحياتك هل حقا هذه الحياه التي اعيشها هي ما كنت اريد ! هل ما انا عليه الان هو ما اريده ! هل اعرف نفسي حقا كما اظن ام اني اتوهم ذلك! روايه ممتعه يأخذك الكاتب في رحله لخوض التجربه والعيش مع يوسف تادرس لتتوغل ف عمق حكايات الحاره والقصص التي خاضها يوسف طوال حياته ومحاولاته للتعرف علي ذاته من خلال الرسم الذي لقي فيه ملاذه الوحيد للتعرف علي هويته حق المعرفه
هى لحن شاعري جميل عميق كلحظة اشراق ونور كنافذة من صالة حياة تضيق بك هى تعبير دقيق ووصف شامل كيف يكون الفن فى النهاية هو المخرج الوحيد كيف نشكر عادل عصمت على ابداعه هذا؟؟