أرسل الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى صاحب هذه السيرة الذاتية عندما كان أميرًا للرياض يقول له: "جلست طوال الليل أقرأ كتابك هذا يامنصور، ولم أنم للحظة واحدة، وذهبت للمكتب بدون نوم؛لأني جلست عليه من الساعة العاشرة مساءً حتى الساعة السابعة صباحًا، وذهبت للمكتب دون أن أنام"
هذه السيرة الذاتية كتبت بقلم صادق وبقلب مفتوح وبصراحة عالية من كاتبها في جميع مراحل حياته،، تجد في هذه السيرة تأريخ لحياة الجزيرة العربية قبل ثروة النفط، عاش الكاتب طفولة قاسية بدءًا من تيتمه وهو صغير برحيل والده وهو لم يكمل السابعة من عمره؛ عاش هو وأسرته حياة الفقر والكدح لأجل لقمة العيش في قرية والدته "القريتين" في سوريا؛ وحمل وهو طفل صغير من المهام القاسية والعمل الشاق للمساهمة في تأمين لقمة العيش،، أسهب الكاتب في حياة طفولته في سوريا بظروفها القاسية وحقاً هي أجمل فصول الكتاب؛ حتى انتقلوا وعادوا للسعودية لأهل والده وأسرته الخريجي في المدينة المنورة ومن ثم أكمل تعليمه حتى ابتعث للقاهرة في الخمسينات لدراسة الأدب الأنجليزي ومن ثم ابتعث لبريطانيا وامريكا للدراسات العليًا في الأدب الانجليزي ثم انتهاءاً بعمله مترجمًا لملوك السعودية،، يروي الكاتب الكثير من الأحداث والقصص المثيرة التي مر بها بحياته الصعبة والكثير من الطرائف والقصص الشيقة وطرفًا من حياته في مصر في أيام الخمسينات من القرن الماضي،،
أدهشتني لغة الكاتب وأسلوبه الأدبي الماتع فأنا مأخوذ بسحر أسلوبه السهل الممتنع،، وبخفة دمه في رواية بعض القصص وفي صدقه تجاه نفسه ونقله لكثير من مشاعره واعترافاته،، ومحاسبته لنفسه بتجرد.
كيف عرفت هذا الكتاب؟ قرأت في تغريدة لأحد المثقفين أن الملك سلمان بن عبدالعزيز سهر على قراءة هذا الكتاب وذهب لعمله في صباح اليوم التالي دون نوم (1) فعزمت على اكتشاف هذا الكتاب !
استوقفتني الكثير من المقاطع، واستشعرت النعم التي حبانا الله بها والتي ربما كانت حلماً في زمن سابق. أوصي الشباب بقراءة هذا الكتاب لعله يلامس شيئاً بداخلهم.
كنت ذاهب للعمرة على متن الطيران السعودي ولا يوجد في الشاشة التي أمامي أي شي سوا كتب والرحلة مدتها ثلاث ساعات شدني العنوان ( مالم تقله الوظيفة ) ظنن مني أنه كتاب من فئة التنمية البشرية
وما أن بدأت حتى عشت كل لحظة في هذا الكتاب الذي اعتبرته هو توثيق لحقبة زمنية
كل الشكر و الامتنان للكاتب صاحب القلم و الاحساس الصادق منصور الخريجي وجزاه الله خير جزاء
. . كتاب: مالم تقله الوظيفة ، صفحات من حياتي ،، من تأليف: منصور بن محمد الخريجي ،، العبيكان للنشر . - سيرة ذاتية رائعة جدًا من أول سطورها لآخرها، شخص عاش في الفقر والغنى، عاش بين تناقضات، اندمجت في السيرة من مقدمة الطبعة الأولى: "فأنا من الجيل الذي عرف الفقر وشظف العيش، والبيوت القديمة التقليدية، التي كانت تُضاء بالفوانيس والسرج، الجيل الذي سار في شوارع ترابية ضيقة غير مضاءة، واقتصر في قوته على طعام قلما زاد عن خبز…" . - الدروس والحكم والمواقف المفيدة صعب جدًا إحصاءها، منصور استطاع إظهار هذه الجوانب لأنه كان يومًا من الأيام فردًا يتيمًا فقيرا، في قريةً فقيرة، يبحث في يومه ماذا يأكل، ولأن منصور نفسه -بعد توفيق الله- وصل إلى أن يكون مرافقًا لدى ملك البلاد. . - شدني حديثه عن عائلته، وتأثرت بقصة وفاة أخته فاطمة، وتأثرت أكثر بحديثه الشاعري عن خاله، منصور يقول عن خاله: "لو كان كل الأخوال مثله لما احتاج الناس إلى آباء"، وقال عنه أيضًا: "لم يكن ينتهي من مهمة شاقة إلا ليبدأ بمهمة أخرى أكثر صعوبة، كل ذلك لنيل ما يكفي فقط ليقيم أوده وأولاده وأولاد أخته، إلا أنه كان يعمل كل ذلك بنفس راضية قانعة، وهمةً لا تعرف اليأس"، وقال عنه: "بخلت عليه الدنيا بمتاعها، فلم يحقد عليها، بل مات عبدًا شكورًا قانعًا بما قسمه له رب الأرزاق" . - مواقف كثيرة تستحق الحديث بشكل مطول في الكتاب؛ ولاسيما في طفولة المؤلف، حكايته مع خاله، والألعاب، والكلب، والحمار، وبنات القرية، في السفر، عن الحب المشاغب، مشاعر الإحراج. . - كذلك وجهة نظر المؤلف في المواضيع مثل موضوع النسبية في الفقر والنجاح بين الأزمنة، وكذلك موضوع التقاليد والعادات والايمان بضرورة التطور، ونسبية صراع وقضايا كل جيل. . - تسببت مواقف المؤلف لمحاكاة مباشرة لذاكرتي، حيث ما أن اقرأ قصة إلا وتذكرت بعض المواقف المشابهه لدي رغم اختلاف الزمان والمكان والشخوص. . - من الايجابيات كذلك، التحفيز الغير مباشر، يظهر الفشل كمحطة لابد من الوقوع فيها ثم يتجاوزها، ويدعو الشباب بالأخذ بالأسباب للنجاح وعدم الاستسلام. . - السرد في السيرة جميل شاعري، تنقل بين القصصي والروائي. . - توقعت الحديث عن الوظيفة بشكل أكبر مما وجدت، ولكن الذي وجدته في الكتاب أغنى بكثير. ٥/٥ . #اقتباسات . - لا يوجد شيء في الحياة أسوأ من الفقر، ولا يوجد شيء يحول الحياة إلى كابوس دائم من الحزن والشقاء مثل الفقر، وعلى الرغم مما كتب وقيل عن فلسفة الصبر على الشدائد، والرضا بالحياة حلوها ومرِّها، والادعاء بأن الغنى لا يجلب السعادة إلى آخر ما هنالك، إلى أن الفاقه شيء كريه، وعدم المقدرة على توفير ضروريات الحياة شيء يجلب للنفس التعاسة والحزن، وأرجو أن يفهم القارئ هنا أن ما أعنيه هو الفقر الحقيقي، الذي يعاني من جرائه الناس ألوان عديدة من الحرمان، وعدم الحصول على الحد الأدنى من المعيشة الكريمة. . - عندما تكون الحياة قاسية أصلًا، يصبح الناس أيضًا قساة، ولو ظاهريًا فقط. . - ونسيان التعاسة سهل عندما لا نكون وحدنا التعساء. . - ومرة أخيرة، حاولت إقناع نفسي بأن كل ما شاهدته كان مجرد كابوس مرعب، وأن فاطمة لم تمُت، وأنها ستستيقط لتعود إلينا بابتسامتها الآسرة، ولكن هيهات! وسرت مع السائرين في جنازتها، وبكيت كما لم ابكِ من قبل، فقد كانت فاطمة أقرب اخواتي إليَّ، فهي ترتيب السنِّ تأتي قبلي مباشرة. . - بخلت عليه الدنيا بمتاعها، فلم يحقد عليها، بل مات عبدًا شكورًا قانعًا بما قسمه له رب الأرزاق. . - فلا أجمل من أن يتحرر الانسان من القيود والالتزامات الاجتماعية، وينطلق حرًا يتجول في وهاد وهضاب، ويستريح تحت ظل شجرة. . - ولكن الاستغراب يزول عندما نعرف أن جميع المخلوقات بما فيها الانسان، تكيف نفسها تبعًا لظروف حياتها. . - وفي القرية لا يبدأ الحب وينضج في لحظة، من مجرد نظر فابتسامة فسلام، بل الحب هنا وإن كان هو الآخر يبدأ بنظرة، إلا أنه يحتاج كي ينضج إلى سنوات عديدة، الحب في القرية يبدأ مثل غرسة صغيرة، توضع في أرض طيبة، وتتعهدها الأيدي بالعناية والرعاية، حتى تصبح شجرة كبيرة وارفة الظلال، عميقة الجذور. . - لسوء الحظ أن نبضات القلوب لا تخضع للمنطق. . - كنت أشعر بشيء من الاطمئنان، عندما أنظر إلى وجوه الرجال، وأرى عليها علامات الثقة بالنفس، وعدم الانزعاج. . - لعل نمط العمران الذي كان شائعًا في الماضي، هو الذي أبقى على العلاقات الوثيقة التي ربطت بين الناس. . - "ربَّ يومٍ بكيت منه فلمَّا صرتُ في غيره بكيتُ عليه" . - في أغلب الأحيان يكون السفر مرادفًا لشيء مختلف عن نمط الروتين الذي يعيشه المرء، ودائمًا يبعث على شيء من الإثارة، حتى وإن كان فقط من مدينة إلى أخرى في البلد نفسه.
منصور الخريجي كان مترجمًا للملك فيصل -رحمه الله- وللملوك من بعده حتى عهد الملك فهد -رحمه الله-.
في سيرته الذاتية هنا تحدث عن نشأة أسرته في القصيم وما كانت تعانيه المنطقة الوسطى من الفقر الشديد في تلك الحقبة مما دفع الكثير من السكان إلى الهجرة خارج المملكة. والد منصور كان من المهاجرين، فقد غادر البلد إلى سوريا لطلب الرزق.
هناك في سوريا ولد منصور الخريجي -الكاتب- وتعلم الابتدائية. توفى أبوه وبقي يتيما هو وإخوته وكانوا في فقر شديد وحالة يرثى لها. ثم عاد إلى المملكة بعد حرص عمه في المدينة على استقدامه. أكمل تعليمه ثم ابتعث إلى مصر لدراسة الجامعة ثم إلى أمريكا. وفي النهاية عاد إلى جامعة الملك سعود ليكون معيدًا وبعدها عُرض عليه أن يكون مترجمًا للملك فيصل.
السيرة هذه كتبها لأبنائه وبناته وذوي أرحامه بشكل خاص حتى يعلموا أن ماهم فيه من النعيم الآن يُعجز من ذاق طعم الفقر أن ��شكره فضلا عن غيره ممن ولد وهو في غنى وسعة رزق.
على المستوى الشخصي ظهرت لي فائدتين عظيمتين: ١- أن السيرة هذه عبارة عن مثال من أمثلة : الفرج بعد الشدة. ٢- الدنيا دوارة.
انتهيت من قراءة هذه المذكرة لمنصور محمد الخريجي، ولا يسعني إلا أن أقول إن أسلوب الكتابة بسيط وسلس وخفيف على القلب، مليء بالعبر والمواقف الصعبة الجميلة في الزمن القديم، زمن تسليم الأولاد للمدرسين بشحمهم ولحمهم وإرجاعهم عظاما!، حيث أن ما جذبني حقًا وأشعرني بالانتماء الشبه بين مواقف حياته ومواقف حياة أبي في طفولته، وذلك لأن أبي عاصر تلك الفترة وكان طفلًا فيها، إذ أنه -تقريبًا- يصغر محمد الخريجي بعقدين من الزمن، رحمه الله. آلمني قلبي عندما قرأت بأن النسخة التي معي هي النسخة الأخيرة وهي النسخة التي صدرت قبل عامٍ من وفاته.
من السير الذاتية الممتعة، البداية رائعة والنهاية متوسطة..
اقتباسات :
-كان السفر في تلك الأيام مغامرة غير مضمونة النتائج، كان الخارج مفقودًا ، ولو ضممته عصبة الأمم، ومن أرتد الحفاظ على ذويه، كان عليه أن يبقيهم تحت ناظريه.
- لكن للأسف لم تعش أيام الوحدة العربية طويلاً إذ سرعان ما صارت تتهاوى واحداً بعد الآخر، ومع كل صدمة وخيبة أمل كانت العقول تكبر وتنضج إلى أن وصلت إلى الاقتناع بأن الوحدة تتطلب أكثر من مجرد خطب تلقى أو مذيعين يلهبون حماس الناس بشعارات جوفاء لا فائدة منها.
رحلة الأب من الرس في نجد إلى سورية ثم رحلة الإبن من سورية الوطن الثاني ثم إلى الوطن الأم السعودية إلى المدينة المنورة فمكة ثم إلى القاهرة ثم إلى إنجلترا وإمريكا دارساً ثم للرياض موظفاً ومستقرأ بها ليكون مترجماً للملك فيصل رحمه الله . رحلة الكفاح رحلة الفقر رحلة العلم رحلة الرخاء ، تتقاطع مع أحداث أخرى متشابهة لشخصيات أخرى في نفس الحقبة.
كشخص يعجبه أحاديث كبار السن ورواية ذكرياتهم ونمط حياتهم ومعيشتهم، يعجبني هذا النوع - من السواليف- الحميمية والذكريات اللطيفة عن حقبة عاشها هذا الرجل -رحمه الله- وتنقلات ظريفة وصعبة في آن واحد. تمنيت ما ينتهي
أعجبتني الفصول الأخيرة أكثر مما سبقها، ولعل ذلك عائدٌ لطبيعة العمل واهتمامي بتجربة الدكتور. الكتاب لطيف، خفيف، وذو شجون. وقد يكون مرجعاً مهماً للمهتمين بتاريخ المملكة خلال عهديّ الملك عبد العزيز والملك فهد رحمهما الله.
سيرة ذاتيه لكن بسرد تاريخي لما كان عليه عيش الناس في ذلك الزمان في سوريا والمملكة العربية العربية، الكثير من التفاصيل، لم يضف لي أي قيمة عدا معرفة أحوال الناس في ذلك الوقت. بالنسبة للعنوان، المحتوى بعيد كل البعد عنه، قرأته بناء على العنوان لكن لم أجد فيه ما أردته.
بدأ منصور الخريجي كتابه بتعبير متواضع ، يقول فيه أن الكتاب لأبنائه وأحفاده، فيردّ عليه الملك سلمان حفظه الله بعد أن تناول الكتاب -حتى إنه بقي في المكتب كما يصف لوقت متأخر من الليل- أن "لا يا منصور" وبدأ يحدثه عن تلك اللذة التي تذوقها وهو يقرأ هذا الكتاب.
تلك اللذة تذوقتها أنا أيضًا، يتمتّع الخريجي بأسلوب رقيق بديع، وعبارات تعكس شخصيته، وبصدق ووضوح لطيفين.
أجزم بأن حياة الخريجي مليئة بالقصص التي لم تروَ، وهو يقول في عنوان الكتاب "صفحات من حياتي" .. ركزّ الخريجي على حياته من الطفولة حتى بدايات الوظيفة ، ثم سرد بإيجاز مواقف طريفة من عمله مترجمًا للملوك .
ما أجملها، سيرة عذبة ورائعة جدًّا .. رحم الله منصور الخريجي