قال يوما أحد السياسيين الألمان (وأظنه كُونراد أَدِيناوَر) : «فِيمَ أنا معني بما قلته بالأمس؟» لَكَم وددت، وأنا أجمع شتات حوارات يرجع بعضها إلى ثلاثين سنة أو أكثر، أن أتبنى أنا أيضا هذا القول. لكن هيهات. لربما ينبغي للكاتب أن يتجنب الحوارات، أن يكتفي بكتبه ويدع قارئه يتدبر فيها أمره. وإن كان ولا بد، فليكن حوارا واحدا... ولكن ألا ترجع هذه الحوارات في النهاية إلى حوار واحد لم أفتأ أقيمه مع قارئي العزيز؟
Abdelfattah Kilito is a well known Moroccan writer. He was born in Rabat in 1945. He is the author of several books in Arabic and in French. He has also written articles for magazines like Poétique and Studia Islamica. Some of the awards Kilito has won are the Great Moroccan Award (1989), the Atlas Award (1996), the French Academy Award (le prix du Rayonnement de la langue française) (1996) and Sultan Al Owais Prize for Criticism and Literature Studies (2006).
مسار. هو عصارة العصارة. هو تصفية المصفى. وخلاصة العسل. هو البذور والجذور. هو القديم والمستقبل. هو المشروع والمخطط له. السبب والدافع. هو عبدالفتاح كيليطو بجلاء ووضوح وبغموض أيضا. فكره وأدبه وسيرته وأسلوبه. حواراته منذ العام 1984 حتى إبريل 2014.
كنت أقرأ وأتوقف. أبحر وأغوص. أكتب وأفكر. أحلل وأربط وأستنتج. وأحك جبيني. كنت أراقبني وأنا أتسع وأنمو. وهي حالة نادرة جدا لأن ناتج القراءة ليس آنيا أو لحظيا. إنه تراكمي وممتد. لكنه فعل الكتب النادرة والشخصيات الجميلة الفذة. فحضور الأستاذ المعلم والمحبب في نفس الوقت كفيل بإحداث الأثر اللحظي. إن حالة التلميذ تلك لم أعشها منذ أكثر من 20 سنة. لكني عشتها مع المعلم كيليطو.
كنت أراه وهو يتكلم مع محاوره. مستندا بكلتا يديه على منضدة خشبية قديمة عارية ينظر بتواضع في عينيه. وهو يقول : (معاناتي ولله الحمد عادية. ومسراتي أيضا ). إنه في خصام مع غرور وزيف الكتاب الذي نعرفه في كثيرين. على الرغم من منجزه المشهود له، به عالمياً.
بطيئا، وهادئا، يتكلم ويدخن. ويوضح. ويمد يديه أحياناً ليفر طرف كتاب موضوع أمامه إذا واجهه المحاور بسؤال استدعى خجله. وأحياناً يرد على الأسئلة متعجلا، وهو ضجر من محاوره أو غير شاعر بالراحة، ولا يكاد يبين، كما في حواره مع محمد لفتح المعنون ب(المعرفة لعبا ). وفي أخرى يطنب على غير عادته؛ يشرح ويقول كما في حواره مع جيمس غاش المعنون ب (المكتبة ). أو كما في حواره المعنون ب (تمجيد اللبس) وأحياناً يتمشى (كما تخيلت المشهد)، يسبقه محاوريه بمسافة ربع قدم وهو متأخر بينهما، في أحد أروقة معهد أو كلية، كما في أغنى حواراته؛ حواره الأول بالإسبانية مع أحمد أرارو، وميغيل أ. موريرا. وأنا خلفهما، كما توهمت حضوري؛ أسمع وأدون. بحضور وجداني عال.
لم يفوتني وأنا أقرأ هذه الحوارات أن أستخلص أسماء الكتب والكتاب الذين تكلم عنهم كيليطو في حواراته. فضولا متي في معرفة مناهل الأستاذ ومنابعه. قراءاته ومصادره. دونت أغلبها في صفحات الكتاب الأولى: مقامات الحريري /المنفلوطي /لسان العرب لابن منظور /مغني اللبيب لإبن هشام /ابن قتيبة /ابن سلام الجمحي /الحيوان للجاحظ /الجرجاني /جاك لاكان /أبي نواس /المتنبي/ أبي العلاء المعري /صلاح عبدالصبور/ بدر شاكر السياب /نزار قباني / رواية آخر الموهيكان ل فينيمور كوبر / شعرية النثر و الأدب في خطر ل تزفيتان تودوروف /درجة الصفر في الكتابة / امرئ القيس / لامية العرب /مالارميه /فاليري / فرانز فانون /ابن رشد / خوان غونيبصولو /أحمد الصفريوي /بن جلون /برادة / عالم صغير جداً ل ديفيد لودج/ محمد أركون /الخلود ل ميلان كونديرا / بورخيس / دانتي /لثريو دي تورمس / لوكاتش / جول فيرن / أغوتا كريستي /فالير لاربو / الرسام بوسان/ طه حسين / المازني / فيكتور هوجو / موبي ديك ل ملفيل/ القصر ل كافكا / الجريمة والعقاب ل دستويفسكي / الجزيرة العجيبة ل جول فيرن / البحث عن الزمن المفقود ل بروست / موباسان / التربية العاطفية ل فلوبير / زازاي في الميترو ل ريمون كينو / سفر آخر الليل ل سيلين / صديق مدام ميغري ل جورج سيمنون / فرانسوا مورياك / موريس بلانشو / بيكيت /كونديرا / بودلير / إدغار آلان بو / بيريك / مائة عام من العزلة / رولان بارت / ألف ليلة وليلة / حرب النار ل جوزيف هنري روسني / الإخوة كارمازوف / جيرار جينيت / أندري ميكيل / لوسيت فالنسي / روث غروريشار / عبدالله العروي / فاوست ل غوته / نيتشه / يوزيف فان إيس / فولفهارت هاينريش / كلايسيت/ هاينه / هانس فلادا / غونتر غراس / توماس مان / روبرت موزيل / دوس باسوس / عوليس ل جيمس جويس / الهمذاني / أنطوان غالان / كالفينو /ابن خلدون / إدريس الشرايبي / عبدالمجيد بنجلون / الذاكرة الموشومة ل عبدالكبير الخطيبي / لعبة النسيان ل محمد برادة / البحتري / عبدالسلام بنعبد العالي/ عبدالكبير الشرقاوي /عبدالجليل ناظم / الخبر الحافي ل محمد شكري / أليس في بلاد العجائب / غيوم أبولينير / غريماس / كلود ليفي ستروس / إميل زولا / دون كيخوت / إدوارد سعيد / إلياس خوري / ابن المقفع /جمال الدين ابن الشيخ /الإسم الشخصي الجريح وعشق بلسانين ل عبدالكبير الخطيبي / محمد السجلماسي /التوحيدي /ابن العميد/ قصة لو هورلا ل موباسان / بوطو شتراوس/ الأوديسا/ الغريب ل ألبير كامو / التوهم للمحاسبي / منامات أبي سعيد الوهراني / نجيب محفوظ / فرويد / أحمد فارس الشدياق/ رفاعة الطهطاوي / الحي اللاتيني ل سهيل إدريس / توفيق الحكيم /زينب ل محمد حسين هيكل / سيوران / الشابي / فن الشعر ل أرسطو /صدام الحضارات ل هانتنغتون / يقظة فينيغان ل جيمس جويس / إدموند عمران المليح / ألبرتو مانغويل / قصص الانبياء للثعلبي /
إن تجربتي القرائية لكيليطو تجربة روحية أو إن شئت فقل صوفية. إنه ينقلني. وخفة روح الرجل حاضرة مع نصه وكلامه: فلا صعوبة برغم العمق. ولا ملل برغم التكرار. ولا استثقال لوقت القراءة وإن طال.
لن يتكرر في الزمن كيليطو آخر مرتين. وليعذرني القارئ، لقد بدوت مداحا، متغزلا. لكن هل يملك المحب غير الثناء والمدح والتغزل.
مجموعة مختارة من الحوارات والمقابلات التي أجريت مع كيليطو خلال العقود الأربعة الماضية. نرى هنا كيليطو بشكل أكثر عفوية في حديثه عن ذكرياته مع القراءة وطقوسها، ودراسته وبداية تعليمه، وبعض تفاصيل حياته، لكن لا يعني هذا اختفاء الروح "الكيليوطية" المرواغة التي تحب اللعب مع الكلمات، وتتركك بعد قراءتها بابتسامة خافتة. كتاب لطيف وهدية جميلة لقرّاء كيليطو.
ينطلق "كيليطو" من معرفةٍ عميقة وخيالٍ مرح – والوصف للكاتبة الإنجليزية مارينا وارنر- ليفكّر ويتحدّث ويكتب. أضيف إلى تلك الصفتين صفة التواضع الذي تلمسه في حديثه واعترافاته، والجمال والإجمال في إجاباته المباشرة والقصيرة والمحدّدة. يجمع كيليطو في هذا الكتاب مقابلاتٍ أجريت معه ما بين ثمانينات القرن الماضي ومطلع القرن الحالي. كان بعضها عميقًا وجدليًا ومستثيرًا لأحاديث هذا الصامت المتأمل، وبعضها بدا هادئًا بأسئلة مكرّرة وإجابات ملولة. هذا الكتاب نافذةٌ على فكر كيليطو وطريقته في التعامل مع النصّ الأدبي. تلك الطريقة التأويلية المدهشة في تناول النصّ والنظر من خلاله. (ما أقرأه هو تعلّة، فما يهمّ أكثر ما أكتب عبر ذلك). "كيليطو" القارئ النهم الذي يستعير قولًا ليصف نفسه (منذ صغري كنت دومًا بين الكتب) يعطينا دروسًا في قراءة الأدب، لا دروسًا أكاديمية في معاهد، بل دروسًا حُرّةً في الهواء الطلق. وقفت طويلاً عند بعض الجمل التي يمكن الحديث بعدها طويلاً أو الكتابة عبرها كثيرًا حسب تعبيره، وهذا ما جعل الكتاب-عندي- يتجاوز حقيقته (مقابلات) إلى أن يكون رحلةً ممتعة في عقل هذا الأديب والناقد، و جنيًا وافرًا من حديقته الغنّاء. لم يسبق لي قراءة سوى عملٍ واحد لكيليطو وهذا ترتيب قَدَريٌ جيد والحمد لله، فبعد إطلالةٍ تعارفنا، وآن الأوان لتتبّع أعماله التي يندر وجودها للأسف بسبب ما يظهر وكأنّه عدم اهتمامٍ من دار توبقال المغربية لإيصال كتبها إلينا في المشرق.
حوارات مع عبدالفتّاح كيليطو مليئة بالتعليقات على أهمّ أعماله لذا لا تصلح للبداية مع المؤلّف بل تصلح بعد جولة في كتبه في حديثه لذعة سخرية ممتعة وحسّ مرح في التعامل مع اللغة
" كثير من المراهقين الذين يقرؤون لدوستويفسكي يشرعون في التصرّف مثل شخصيّاته يصبحون صموتين، يتظاهرون بالكبرياء ويحسّون بالتميّز فيأخذون في التبجّح بآراء غريبة وهذا التماهي يتمّ مع أغلب شخصيّاته وليس مع البطل فحسب، إن كان هناك من بطل "
تعمدتُ أن أتلكأَ في قراءةِ مسار كيليطو لأن العثورَ عليه كان عسيرًا عزيزًا، فتلك الاقتباساتُ المغريةُ التي أجدُها هنا وهناك، ومعرفةُ أنَّه فَلَتَ من يدي في معرضِ مسقطَ الفائتِ، وانعدامُ أي نسخةٍ إلكترونيةٍ ، كل هذا جعلَ الحصولَ عليه فتحًا وهديةً لا تقدرُ بثمنٍ. "إثارةُ القارئِ وغوايتُه" لم تكنْ تقتصرُ على نصوص كيليطو فقط اللتانِ من خلالِهما يجذبُ قارئَه ويمسكُ بتلابيبِ فكره ليبحرَ معَه ويغوصَ في دررِ كتبِه، بل حتى في حواراتِه هنا على نمطِه وأسلوبِه وسابقِ عهده. "قل لي ماذا تقرأُ أقل لك كيفَ تكتبُ"
كيليطو في هذا الكتاب يُفصح عن نفسه أكثر. يجيب عن التساؤلات حول اهتمامه بالسرد القديم، كما يذكر السر وراء عدم قيامه بترجمة أعماله بنفسه رغم قدرته على الكتابة بلسانين. كتاب صغير ومحتوى ضخم، وحديث شيّق لا يُملّ عن الأدب.
قبل عام تقريبا.. لم أكن قد سمعت بعد بعبد الفتاح كيليطو. ذلك الأسم الذي أستغربته في البداية من صديقي ومُلهمي أبو ناي وقد عبر لي عن حبه للكاتب وأنه قد يكون أفضل كاتب عربي حياً يرزق وقد رشح لي أن أبتدئ بمسار وهي محاوارات عدة مع الكاتب لتكون نقطة انطلاق قوية وموجهة بشكل صحيح.
الكتاب الأول للتعرف على الأديب والمفكر عبدالفتاح كيليطو ✨ الكتاب عباره عن مجموعه من الحوارات واللقاءات الصحفيه والتلفزيونيه مع عبدالفتاح ❤️ أبرز الأعمال ورأيه وطفولته أشبه بالسيره الذاتيه المهنيه 👍🏻
كتاب رائع ومن افضل ما قرأت لعبد الفتاح كيليطو إلى الأن، يفصح الكاتب فيه عن مساره الخاص سواء في الكاتبة أو النقد وكيفية قراءته الخاصة للكتب ويعبر عن نفسه من خلال وجهة نظره الشخصية والمتواضعة للغاية...
هذا الكتاب هو القراءة الثالثة مع عبد الفتاح كيليطو والكتاب الأفضل للتعرف على عالمه وأسلوبه الخاص، لذلك إن كنت تنوي القراءة لهذا الكاتب والناقد والباحث في المقام الأول لابد من أن تكون البداية مع كتاب مسار...
هذا الكتاب عبارة عن حوارات صحافية مع الكاتب ومن خلاله يجيب على كافة الأسئلة الذي تدور في ذهن القارئ حينما يقرأ له أي من كتاباته، مثل كتاب "أنبؤني بالرؤيا " بهذا الكتاب ستتوقف محتار من امره قائلآ:
هل هو يكتب رواية أم مقالات تعبر عن حياته ومواقفه مع حكايات ألف ليلة وليلة؟
لتجد الإجابة بهذا الكتاب، فهو يقول أنا لا اكتب رواية وإنما مقال في شكل روائي ويضفي عليه طابع السخرية احيانآ....
وهناك سؤال أخرى يتطرق إلى ذهنك وهو لماذا يكتب عبد الفتاح كيليطو بالفرنسية رغم انه يتحدث بلسانين؟
لتأتي الإجابة بهذا الكتاب ببساطة قائلآ حينما أكتب بالفرنسية تترجم كتبي للعربية وغيرها من اللغات إنما حينما اكتب بالعربية تظل بالعربية فقط، بالإضافة إلى ذلك تتعرف على نظام الكاتب في القراءة والكتابة فهو يقرأ بالنهار بالعربية وفي الليل بالفرنسية، ويكتب في بداية اليوم بعدما يحفز نفسه على ذلك، حتى إنه يعرف الكاتب على طريقة ترتيب مكتبته...
أهم ما ورد بالكتاب ملاحظات عن النقد والتفرقة ما بين الأدب المعاصر والكلاسيكي وكيفية تقيم كل منهما في إطاره الخاص به مع عدم الخلط بينهما والنظر إلى أهميته وقت صدوره وهذا ما يختلط أحيانآ على القارئ ومن ضمنهم أنا شخصيآ.
ايضا يتحدث الكاتب عن ولعه بالكتاب والشعراء القدامى ومن منهم ترك أثر بالغ بنفسه مثل المنفلوطي حتى إنه تأثر به في كتابة موضوعات التعبير بالمدرسة ومن الشعراء أبي العلاء المعري والجرجاني، حتى إنه حينما يذهب إلى الخارج يتحدث عن التراث العربي....
ومن المذهل بالكتاب إن كيليطو لا يعد نفسه مثقف ولا أحد من أساتذته وكذلك لا يعد نفسه ناقد ملم بكتب النقد وكذلك بكتابات بعض الكتاب وإنما قارئ محب للأدب بشكل شخص، ثم يعطي مفهومه الخاص للمثقف والنقد الحق إلا اني اتعارض معه فى ذلك، فكيف لا يكون كيليطو مثقف وناقد وباحث وانت تستشعر عبق الكتب في كتاباته الذي لا تخلو من قيمة مضافة لأي قارئ، ببساطة تستطيع التعرف على كتب وكتاب ويكون بمثابة مرشد لك للولوج إلى عوالم أخرى...
أهم ما يميز الكاتب هو أسلوبه الخاص وإتباعه لأسلوب ما قل ودل، فما يكاد يبدأ حديثه عن موضوع ما حتى ينهيه من دون أن يشبع نهمك ككقارئ ولكنه يريد أن تتفحص كلماته وتستخلص الإجابة، وكأنه يبحث عن قارئ متفرد مولع بهذا الأسلوب المميز ويبحث عنه ويجد المتعة في ذلك ...
كالعادة مازلت في حاجه لقراءة المزيد من كتب كيليطو وأخشى أن أنتهي يومآ ما من كتبه قبل أن يشبع نهمي هذا الكاتب المغربي المميز .....
هو مجموعة حوارات أجريت على مر عدة سنوات للكاتب اللغوي والناقد المغاربي الكبير عبد الفتاح كيليطو وعن تجربة الكتابة والنقد وهي ما بين سنوات (1984 - 2014م) وتمثل هذه الحوارث أحاديث تجربة هذا المبدع مع التراث الكلاسيكية والثقافة العربية وكتب مثل ألف ليلة وليلة ومقامات الحريري وشخصيات مثل أبو العلاد المعري والجاحظ
هي سيرة ترسم مسار عبد الفتاح كيليطو، عبر مقالات و حوارات شتى ،الذي حدد ما هو عليه اليوم، ناقدا و ساردا وكاتبا باللغتين العربية و الفرنسية او اكثر. اعجبني في الكتاب ما نستشفه كقراء للمجهود المبذول في التمحيص والتحقيق ودرء الخطأ. وكما في كتب السير هناك العديد من الإيحاءات والمراجع لكتب و كتاب توفق الكتاب في شحذ فضولي للاطلاع عليها
هذا الكتاب يُقرأ بعد قراءة أعمال ومؤلفات كيليطو، نستطيع أن نقول أن هذا الكتاب عبارة عن سيرة ذاتية، ولكن من خلال( الحوارات) المختلفة التي أُجريت مع عبدالفتاح كيليطو.. تضيء لك بعض ما كنت تريد معرفته أثناء قراءة بعض أعماله.. استمتع به..
أول قراءاتي للكاتب المغربي عبدالفتاح كيليطو وتعرفت علية عن طريق كتاب مكتباتهم للكاتب المغربي أيضاً محمد آيت حنا وهذا الكتاب مسار كتاب في الأدب العربي وينصح بقراءته..... لقد استفدت منه
فلنبدأ مما قدم به عبد الفتاح كيليطو حواراته وختمها: "لربما ينبغي للكاتب أن يتجنب الحوارات، أن يكتفي بكتبه ويدع قارئه يتدبر فيها أمره، وإن كان ولابد، فليكن حوارا واحدا...ولكن ألا ترجع هذه الحوارات في النهاية إلى حوار واحد لم أفتأ أقيمه مع قارئي العزيز؟" فلنبدأ من تأكيد كاتبنا العزيز على أن كل ما كتبه هو حوار دائم مع قارئه، ولنبدأ من تلك الحميمية بينه وبين قارئه المتمثلة في وصفه له بالعزيز، إن هذا الحوار الذي لا ينقطع بين كيليطو وبيننا نحن من نقرؤه، وتلك الحميمية التي تقربنا منه رغم كل عزلته وخجله وصمته وارتيابه هما ما يصنع من كيليطو كاتبا فريدا وأديبا نادر المثال. في هذا الكتاب المعنون ب (مسار) سنعيد اكتشاف عبد الفتاح كيليطو وسنعود معه إلى أوائل الأشياء وأصولها وجذورها، وسنرمق بشغف كاتبنا المفضل وهو يحدثنا عن طفولته ودراسته وقراءاته وكتاباته وسنلتقط من خلال ذلك صفات وطباعا تلتصق به وستزداد دهشتنا حين نرى أن الصورة التي رسمناها له في خيالنا طول الوقت هي نفس الصورة التي يراها عليه الناس ويرى هو نفسه عليها، إن هذا الانسجام بين صوره يدل على شيء بالغ الأهمية يسم شخصية كيليطو ويكاد يستحوذ عليها: الصدق، الرجل صادق مع نفسه ومع الآخرين بشكل مدهش، لا يتكلف ولا يدعي ولا يهمه أن يزخرف صورته في أعين الآخرين على الإطلاق ولا يحرص على مظهر معين يبدو به للناس ولا يرغب في مكانة فيتحذلق من أجلها أو يتجمل، بل على العكس يبدو محبا للصمت مفضلا للظلال. أعود إلى الكتاب وحواراته ولا أجد في نفسي القدرة على عرض فوائدها ولطائفها والمعاني الكامنة فيها ولا يمكنني أن أنقل الاقتباسات الجميلة حقا التي تزخر بها، لكنني أكتفي بتعليقات بسيطة للغاية تهمني كقارئة مهتمة بكل ما يكتب عبد الفتاح كيليطو وترى فيه مثالا تحب أن تحذو حذوه يوما ما. _ أول تعليق عن شغف كيليطو بالقراءة وعاداته المرتبطة بها وتعامله معها بوصفها هوية وعملا وحرفة، إنه لا يقرأ ليتسلى، لكنه في نفس الوقت يقرأ باستمتاع وتأمل وتعمق يجعلوه يخرج مما يقرأ كنوزا لا يكتشفها غيره. أيضا هناك تنوع هائل في قراءات كيليطو فهو يقرأ الأدب العربي القديم كما الأدب الأوروبي الحديث ويرى أنه قراءة النوعين معا تساعده في نيل رؤى تحليلية جديدة ونظرات نقدية غير معهودة. _ التعليق الثاني عن ازدواجية اللغة التي يتميز بها كيليطو عن غيره، فهو يكتب باللغتين العربية والفرنسية على نفس المستوى من الإبداع والتفرد، واختياره للغة التي يكتب بها لا يخضع إلى أي قصد من ناحيته أو تخصيص لغة ما لنوع معين من الكتابات، بل يؤكد على أن اختيار لغة الكتاب يخضع لما تسوقه إليه الظروف والأحداث والمناقشات، وهو أيضا لا يترجم كتبه أبدا رغم إجادته التامة لللغتين، ذلك أنه لا يحب قراءة كتبه بعد الانتهاء منها :)) سنلاحظ أيضا أن الكتابة هي حلم كيليطو منذ الصغر والمهنة التي يعرف نفسه بها، أما كونه أستاذا جامعيا وناقدا فهو أمر فرضته دراسته لا غير، يبدو أحيانا وكأنه يعاني من هذا التداخل بين المهنتين أو التعريفين لكنه في النهاية يقر أن كلا منهما كان مفيدا في تعزيز الآخر وتأكيده. _ التعليق الثالث عن سمات كيليطو الشخصية التي يبرزها المحاورون، فهو دوما على اختلاف الحوارات يبدو هادئا رقيقا قليل الكلام يميل للعزلة وحاد الذكاء، أيضا لفت نظري هذا التعليق المتكرر الموضوع بين قوسين بعد بعض إجاباته (يبتسم)، لقد مس هذا التعليق القصير شيئا جوهريا في قراءاتي لكيليطو، إنني أقرؤه غالبا وأنا أبتسم، أبتسم دهشة وسعادة وإعجابا بما أقرأ، وهو ما تكرر في إجاباته هنا في الكتاب، الغريب أن هذا الابتسام يشترك فيه كل من يقرأ لكيليطو حتى أن كثيرا من مراجعات كتبه على جودريدز تنوه إلى هذا الأمر، لذلك كانت ابتسامتي أوسع وأنا أعرف أنه يبتسم أيضا وهو يتكلم. _ التعليق الرابع عن هذا التحرر الذي يتميز به كيليطو في رؤيته للأدب وأنواعه ونقده، إنه أستاذ جامعي يدرس الأدب الفرنسي، لكنه في الوقت نفسه ليس لديه أي شعور بالانهزام أمام الأدب الغربي ولا يخضع لمعايير النقد الغربية حين يتناول أدبنا العربي القديم، إنه يخلق لنفسه منهجا فريدا في تحليل نصوص التراث ويتأملها على ضوء سياقاتها الثقافية وأنساقها الاجتماعية والدينية بغير أن يهمل كذلك ما أضافته إليه قراءاته الأخرى، لذلك يتكرر التعليق من محاوريه على الدهشة التي تفجرها كتبه كل مرة كونه يأتي في تناوله للنصوص المعروفة باستنباطات غير متوقعة أبدا. _ التعليق الخامس والأخير عنا نحن قراء كيليطو الذين يعتز بهم كاتبهم المفضل، أشعر دوما بأننا نتشارك جميعا حب هذا الكاتب الفذ والامتنان لما يقدمه لنا من دهشة وملاحظات عميقة ذكية تقلب أفكارنا رأسا على عقب وتجبرنا على سلوك نهجه في التأمل والتحليل والنقد غير المألوف، لقد قلت سابقا أن مراجعات كتب كيليطو قليلة لكنها تحتفي به كثيرا وتنبيء عن علاقة فريدة معه، وهذا ما فاجأني أن كيليطو نفسه يعترف به ويحبه، فهو يقر بأنه لا يُقرأ على نطاق واسع لكن التعليقات التي تصله مشجعة للغاية وتكفيه، هذا يدفعني للاعتراف بأنني أيضا أحب ذلك، أحب تصور أننا رابطة قليلة العدد عظيمة الشغف والامتنان سعيدة بعالم مدهش غير مزدحم وتعتبر لذلك دخولها إياه هدية ومزية حقيقية، هذه الرابطة ليس لها طموح أن تجتمع يوما ما ولا حتى بكاتبها العزيز، ذلك أنها مثله تماما تفضل الصمت وتؤثر الإجابات الموجزة وتكتفي بالثرثرة عبر القراءة النهمة والكتابة المتدفقة.
وبعد، فكما قال أحمد شاكر في مراجعته _ وهو من يستحق عن جدارة زعامة رابطة محبي كيليطو ومن أمتن له كثيرا على مراجعاته التي أضاءت لي قراءاتي لهذا الرجل وهو أيضا من أرجو أن تدعوا له كثيرا أن يرده الله إلى أمه وزوجته وأطفاله بعد اختفاء قسري تجاوز العامين_ هذا الكتاب هو عصارة العصارة وتصفية المصفى، ورغم أنني أبدو أسعد القراء حظا لأني قرأت كل الكتب تقريبا التي تحدث عنها كيليطو فيه، لكنني في الوقت نفسه أعاني رغبة هائلة في إعادة قراءة هذه الكتب مرة ثانية مسترشدة برأي كاتبها فيها وحديثه عنها ودوافعه حولها، وليبارك الله في عمر هذا القلم البديع والعقل الجميل ليمدنا بمزيد من الدهشة والسعادة.
أنتبه ، أنت في حضرة ناقد عبقري . لست ممن يفهمون في النقد الأدبي ، ومرت بي في هذا الكتاب بعض المصطلحات التي اضطررت للبحث عن معناها و لكن لأن الحوار هنا مع كيليطو و لأنه يدس دائماً في حوارته رؤى و أفكار أدبية مبهرة قرأت و أحببت هذا الكتاب و سأكتفي هنا بعرض بعض الاقتباسات اللطيفة من هذا الحوار .
'' كيف يمكن تصور شيئاً واقعياً لم تصله عدوى الادب ، جملة بسيطة في حوار عادي تحيل على الأدب ''
'' إن حلم الكتابة لم يفارقني قط ، ربما منذ تعلمت القراءة ، القارئ منقاد و بوعي إلى حد ما إلى أن يقلد ، يعارض،يحاكي ما يقرأ ، ذات يوم ينبثق الأمر الذي عبر عنه فيكتور هوجو ( سأكون شاتوبران أو لا أكون شيئاً ) ''
" إني أقرأ كثيراً وبلا نظام ،يخيل إلي أحيانا أني قرأت كل الكتب و أحياناً أني لم أقرأ شيئاً "
"الكاتب رؤية مسبوقة للعالم ، إنه حدث مذهل حين تكتشف كاتباً كبيراً ، نتلقى الصدمة ، كما حدث مع مائة عام من العزلة ، منذ الجملة الأولى فعل السحر فعله ، و ترنح العالم ، يحررنا الادب أيضا من أفكارنا السيئة التي نعتقد أننا وحدنا من تسكنه لكن عندما تتحدث عنها الكتب تغدو مألوفة يشارك فيها الجميع"
" الأدب يخرجك من ذاتك و يجعلك تكتشف ذواتاً أخرى ، الأدب معرفة و قراءته تجعلنا نكتشف قارات مجهولة "
" من هو الغريب حقاً ، أهو من يغادر بلاده أن من يقيم فيه ؟ "
" ولعي بالمرآة أسطوري و أدبي، من المعلوم أن هناك أنجذاب نحوها و نفوراً منها في آن واحد ، التحقق من وجود الذات و الخوف من فقدانها ، فقد يتعرض المرء للغرق في صورته و قد يحدث ألا تعكس للمرآة وجهه "
" عندما أكتب فأني أفترض قارئاً مدينياً فضولياً متطفلاً ، يمقت المستنسخات ، يرتعب من إعارة كتبه ، قارئ متسكع على ضفتين ، يتنزه بمفرده ، لا يحب العمل في المكتبات العامة ، يذرع المدينة متوقفاً أمام ملصقات السينما و واجهات متاجر الكتب ، و المحلات القديمة ، وحين يكون حاضراً في مدينة أجنبية ، فإنه يلج المكتبات كل يوم . "
كما قال كليطيو بأن المقياس هو الدهشة فهو كتاب على صغره لن يوقفك عن الدهشة.. معرفةٌ عميقة وخيالٌ مرح وتواضع في حديثه وحياته واعترافاته، جمال وإجمال في إجاباته المليئة بالحكايا فلها أثر السحر كما يقول.. تجد نفسك أمام معلم انفصل عن كل معلم ليفكّر بذاته وأسلوبه، وناقد أثقله الغوص في الأدب القديم لا لكي ينقده بل ليبين بعضا من جماله المخفي.. يذهب إليه بتواضع جم يحاور من ماتو ليفهم عنهم ما لم يقولوه ربما سطرا أو حكاية يكون ملهمة لم يتطرق أبدا لموتهم ربما لهذا دلالته أيضا الجاحظ والمعري لم يقرأ عنهم الكثير ولكن وصل للعميق ليخبرنا أن المعرفة رزق وإن أعطيت النص منك سيعطيك الكثير "ولا يحيطون بشىء من علمه إلّا بما شاء" استوقفني معنى رائع عبّر عنه بإتقان وقال لأ اعرف كيف أقول!.. لأن المعاني في نفسه أكبر من الكلمات سبحان من علَّم الإنسان البيان شكرا لكيليطو الإنسان المتواضع على هذه الحكاوي والاعترافات القصيرة العميقة الغريبة والبديعة ")
كيليطو من الأشخاص الذين لا تمل صحبتهم، فهو يحكي نفسه هنا، فلا تمج حواره، ولا تستثقل سرده. كاتب وباحث ألمعي بحق. وغير هذا تجد في ثنايا إجابته روحه حاضرة بقوة، ليست أجوبة بلاستيكية معلبة مرصوصة، بل حضور رائق شفاف ترى من خلاله قلب كيليطو وهو يجاوب..
رشيد أمديون «مسار» كتاب للناقد المغربي عبد الفتاح كيليطو. عن دار توبقال. اصدار 2014. يضم عشرين حوارا أجري مع كيليطو. بعض هذه الحوارات (على امتداد الزمن) صدر بالعربية وبعضها الاخر بلغة أجنبية، ويقول كيليطو أنه «لأجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه كان اللازم أن أقوم بتعديلات وتصحيحات. لم أضف شيئا لا إلى الأسئلة ولا إلى الأجوبة لكنني سمحت لنفسي بحذف بعضها (بدون نتيجة مرضية تماما لان التكرار، كالتين، إن قطعت له رأس، تنبت أخرى). شطبت أيضا على عموميات مبتذلة، وغيرت بعض العناوين، وأعدت النظر في تفاصيل تفتقر إلى الدقة وبادرت إلى تصحيح ما تسرب إلى كلامي من هفوات لغوية. تقلص تبعا لذلك حجم الحوارات، لا ضير في ذلك..» من يقرأ هذا الكتاب يتعرف أكثر على كيليطو الإنسان، هذا، إن هو طبعا قرأ له وتعرف عليه كاتبا وناقدا وأديبا فذا عميق الرؤية والنظرة ينبش بشكل مستمر في التراث العربي القديم (المقامات، ألف ليلة وليلة، رسالة الغفران، ابن رشد..) لكن هذا الكتاب وأقصد ما يضمه من حوارات، يشعرك أن كيليطو كان غير راض على اصداره بخلاف باقي كتبه، أي أن صاحبه له رؤية أخرى يصرح بها في تقديمه للكتاب، يقول: «قال يوما أحد السياسيين الألمان: "فيمَ أنا معني بما قلته بالأمس؟" لكم وددت وأنا أجمع شتات حوارات يرجع بعضها إلى ثلاثين سنة وأكثر، أن أتبنى أنا أيضا هذا القول. لكن هيهات» ثم يضيف كيليطو: «لربما ينبغي للكاتب أن يتجنب الحوارات، أن يكتفي بكتبه ويدع قارئه يتدبر فيها أمره. وإن كان ولا بد، فليكن حوارا واحدا» والدافع الذي جعل ناقدنا يقول هذا القول أو يتبنى هذا الرأي، وإن لم يلتزم به، هو قوله: «وإلا سيتعرض حتما لإعادة أقواله، ربما لأن الأسئلة ذاتها تنحو أحيانا المنحى نفسه» والحقيقة أن قوله في هذا الاقتباس الأخير صحيح -فمن خلال قراءة هذه الحوارات التي هي في الأصل متباعدة زمنيا (من 184 إلى 2014) -نجد أن أغلب الأسئلة تتكرر وإن بشكل مختلف في طريقة الصياغة، ولهذا أضاف كيليطو قائلا في نفس السياق: «ربما لأن الأسئلة ذاتها تنحو أحيانا المنحى نفسه. والنتيجة فيما يخصني، تكرار شائن، تناقضات، ركاكة، تفاهات» ومن النادر أن تجد كاتبا بهذا الصدق وهذه الصراحة، مع نفسه ومع قرائه، وخاصة وأنه أضاف قائلا أيضا: «ما زاد من قلقي أنني تبينت أنني سجين دائرة ضيقة من المواضيع والقضايا لا أبارحها ولا أمَل لي في تخطيها». وتأتي هنا، بعض الأسئلة متعلقة بطفولة الكاتب، وبداية علاقته بالكتب والقراءة، ثم تكوينه الأكاديمي، والدوافع والظروف التي جعلته مهتما بالبحث في التراث العربي رغم أن تخصصه الأكاديمي الأدب الفرنسي.. ثم أسئلة عن طقوسه في الكتابة والقراءة وطريقته في التحليل وافتنانه بالحكاية وبألف ليلة وليلة، والمقامات، ورسالة الغفران... وموقفه مما كتب وألف من كتب، وما يخص كتبه المترجمة... وقضايا أخرى تتعلق بلغته في الكتابة (الفرنسية والعربية) وازدواجية اللغة، وتاريخ الأدب العربي مع وضع المقارنات بينه وبين الأدب الغربي، والمناهج الغربية، ورأيه في الأدب المغربي الحديث، وأسئلة أخرى تطرح قضايا، تجعل القارئ أحيانا يعجب بطريقة تحليله (خاصة من قرأ له كتبه) وبساطة رده وعمقه ، ثم من خلال أجوبته ترى كاتبا متواضعا يكره التبجح ويميل إلى الاختصار... وقد اهتمت وركزت أغلب الأسئلة المتعلقة بمؤلفات الكاتب على كتاب "الأدب والغرابة" لأنه يعد أول كتاب أصدره، وكتابه أيضا "خصومة الصورة" الذي يسترجع فيه تفاصل من الذاكرة، و"أنبئوني بالرؤية" باعتباره كتابة سردية، هذه الكتب انكبت عليها الأسئلة وتناولها الحوار أكثر من غيرها مما ألف الكاتب. وإن كان كيليطو (بتواضعه المعهود) يعتبر أن كل ما ألفه ما هو إلا مسودات لكتاب لم ينشر بعد. ¶ وأنا أنصح لمن رغب في قراءة هذا الكتاب أن يقرأ قبل ذلك كتبه السابقة حتى يقترب أكثر من بعض القضايا التي تطرحها هذه الحوارات.
يضم الكتاب مجموعة من المقابلات مع كيليطو يعرض فيها أفكاره ورأيه عن مجموعه من الأعمال الأدبية، حديث عن ذكريات الطفولة والتعليم والقراءة، ولماذا يكتب أعماله بالفرنسية، رأيه في الادب المعاصر والأدب الكلاسيكي
كتاب صغير لكنه يساعد علي التعرف علي عالم وكتابات كيليطو الممتعة
ما الذي يقوله المرء بعد قراءة كيليطو اللعوب الماكر الذي يجيد الانغماس الكلي في مكتبته الأسطورية الغريبة الفريدة والذي يقرأ ويكتب بتهور، يحذف فصولًا ويرمي روايات كاملة في "سلة المهملات" كما يفعل إدوارد سعيد، يقتنص كلماتٍ تركها كاتبها في الهامش ويروح ينقبُ ويحفر ويكتب بحوثًا كاملة عنها، بحوثًا تطمس المسافة بين الأدب والعلم والنقد وتتأبى على التصنيف والتنميط، يقفزُ من شاعرٍ إلى آخر ومن لغةٍ إلى أخرى، كاسرًا الجسرَ الخفي الذي يحدد معالم كل منهما ويوقعكَ في فخ الحيرةِ بينهما، يقرأ نصًا صغيرًا للجاحظِ لكنه يجعلك تعتقد أنه يلتهم كل شيءٍ كتبه الجاحظ، يحشركَ في نصه وكتبهِ بتواضعٍ ماكرٍ ثمَّ تكتشف أنكَ مضيعٌ بين بورخيس والمعري ودون كيخوته وفاوست وإيكو وبارط، عالقًا في عالمٍ ضبابيٍ فرنسي وعربي وألمانيٍ يلغي الفواصل الدقيقة بين كل هذه العوالم ويقذفُ بعقلك الفضولي في دوامات متداخلة غريبةً تجعلكَ كأنكَ واقفًا أمام برجِ بابلَ الأسطوري، يتسلل إليكَ صوت آدمَ، أو صوت المساميرِ وهي تنقشُ الكلمات التي لم تتحول إلى حروفٍ بعد، أو صوتَ اللهجات تتماوجُ واللغات ترقصُ مع بعضها رقصةَ الصراع الطويل، صراع الثقافات والحضارات الكبرى، ثم يعيد انتشالكَ ويوهمكَ بأنه سيعطيك الجواب أخيرًا ثم تكتشف أنكَ مرةً أخرى لا تعرف هل أنت أمام دون كيخوته أم أمام مقامات الهمذاني والحريري وألف ليلة وليلة، هل أنتَ مهما هربت من برج بابل تعود إليه محملًا بالشكِ والسؤال الفطري الأول؟ كيليطو يعرفُ كيف يجركَ إلى متاهاته، كيف يجعلكَ تؤمنُ بأنك لا تعرف "من الوردةِ إلا أسمائها" وكيف تفتش دومًا عن "حنينكَ للبيت الأولِ" وعن لغتكَ التي تعيد خلقها كلما قرأتَ، كيف يقول لك حكاية عن إيكو وألف ليلة وملحمة دانتي وغفران المعري وشعرية المتنبي وعن الكتّاب الذين يتمنى لو كتب كتبهم، للحد الذي يجعلكَ تتمنى لو كنت من يكتبُ لا كيليطو، يجبرك على أن تفعل مثلهُ وتتمنى لو كنت الكاتب لكن هذهِ المرة ليس مع الذين يغبطهم هوَ، بل معهُ هو! كيليطو مجنونٌ، يعلمكَ كيف تسكنُ مكتبةً كالتي يصفها كارلوس زافون، تتلمسُ كل يومٍ كتبها وتغرقُ في انهماكك الطويل بينها فتحسب أنكَ قرأت كل شيء وفي الآن ذاته لم تلمس حرفًا بعد.. يا إلهي أعيد السؤالَ نفسه، كيف يكتب كيليطو بهذه الطريقة المدهشة المثيرة التي تجعلك تنزلقُ سريعًا بين الصفحات تاركًا الزمنَ يتسربُ دون أن تشعرَ بهِ، تجعلكَ تخرجُ من مكانكَ وتقفرُ من الجاهلية في شبه الجزيرة العربية إلى اليونان ثم تعود إلى الدولة العباسية وأبي نواس ثم إلى الأندلس والموشحات مرورًا بالمغربِ العربي ققزًا إلى فرنسا وغوته ثم إلى بورخيس وماركيز عودةً إلى فرنسا مرةً أخرى، ثم قفزًا سريعًا زمانيًا بين الكلاسيكية والحداثة لاغيًا الفروقات والمسافات كلها، متلذذا بلعبة اللغة والأدبِ جاهلًا لكل قواعدِ المنهج الصارمِ.. كيليطو يجعلك تعشقُ كل أدبٍ يكتب عنه، يعيدك إلى أدبكَ القديم الكلاسيكي الذي قفزت عنهُ لأنه ممل، يطالبكَ بأن تعيد النظر ثم يتغير كل شيء! __
كيليطو يقول بأنه يأخذ كلمة فثيره فيكتب عنها طويلًا دون أن يعرف الكثير عن صاحبها وباقي كلماته، وأتساءل وأنا لم أقرأ بعد إلا ثلاثة كتب أو أربع لكيليطو هل سأجنُ وأكمل كل كتبهِ؟ أم إن إثاراتهِ الكبرى في هذا الكتب ستجعلني مثله أكتبُ عنهُ وأعودُ إليه دون أن أكمل؟ — __ أسماء