أولاً وقبل كُل شيء يجب الإعتراف أنه يبدو أن حظي سيء مع الكُتب المُهداة إلى شخصي.. فتقريباً تم إهدائي ثلاثة مرات.. الأولى كانت التجربة الأكثر من سيئة مع "ما لا نبوح به" والثانية كانت مع الترجمة السيئة في رُباعية "الأبله" للعظيم "دوستويفسكي"و الآن مع هذه التجربة التي عصرت على نفسي طناً من الليمون لأكمل الكتاب لأنني مُصاب بمرض لعين لا علاج له يجعلني أنهي الكتاب حتى آخره مهما كان سيئاً.
طلبتُ بضعة كُتب من المكتبة التي أتعامل معها باستمرار في محافظتي وعندما وصلت الكتب وجدت هذا الكتاب في وسط المجموعة فاستغربت جداً.. فاتصلت على المكتبة ودارت بيني وبين صاحب المكتبة هذه المُحادثة:
أنا: أهلاً يا أستاذ (أ).. يبدو أنكم قد أضفتم كتاباً إلى المجموعة المطلوبة بالخطأ. أ: لا يا أستاذ محمد، هذا الكتاب هو هدية لك من المكتبة بإعتبارك عميل مُميز. *شعور بالسعادة والبلاهة في نفس الوقت يُصيبني* أنا: مُتشكر جداً لذوقكم يا سيد (أ) وأتمنى للمكتبة الكثير من الإزدهار والنجاح.. هل قرأت الكتاب؟ *ينتحنح (أ)* أ: بالطبع.. وإلا لماذا قد أهديته لك؟؟ أنا: إذاً سأبدأ به على بركة الله! انتهى الإتصال..
فتحت الكُتاب المُبارك وبه بعض الكلمات اللطيفة في الصفحة الأولى من صاحب المكتبة.. تحمست.. تحمستُ كثيراً.. حتى أنني قررت أن أبدأ في الكتاب على الفور.. وكان من أسوأ القرارات! بعد مرور 25 صفحة كُنت أشعر بالصدمة.. فقط الصدمة.. ما الذي أقرأه بحق كل الأحذية يدوية الصُنع؟
الكاتبة وبلا شك تمتلك لغة جيدة جداً.. ولكن القصص مبتورة ناقصة تائهة حائرة.. فقط أول قصة التي كانت عنوان المجموعة القصصية أو لا أعلم كُنه الكتاب بالضبط ولكن أول شيء قابلته في الكتاب أعجبني.. فقط!
يبدو أنها لعنة يا أصدقاء.. وإذا قرر أحد أصدقائي أن يُهاديني سأقسم عليه بكل الإيمانات أن لا يُهاديني كتاباً.
كتاب جميل سلس .. مقسم جزئين الجزء الاول قصص قصيرة ونصوص: يحتوي ع مجموعة قصص واقعية جدا لكن دائما نهرب من الاعتراف بوجودها .. اللغة السرد ممتعة جميلة وسهله .. الجزء التاني "ق.ق.ج": الحقيقة هى قصه او حكايه بس مكتوبه في سطر واحد .. ممكن كل واحد يالف عليها 100 حكايه أو يفتكر حكايه الحقيقة عجبتني جدا وجديدة الفكرة بتاعتها ..
باختصار مروى على الدين .. نوع جديد من القصص القصيرة "موجعه ولكن رائعة" .. بالتوفيق
المجموعة تنقسم لثلاثة أجزاء: قصص قصيرة : وهو الجزء الامتع بالنسبة لي، القصص جميلة ولغة الكاتبة وسردها ممتعين، إلى جانب الأفكار التي شكلت ثالوث الجمال في القصص. الخواطر: وهو ما بين أفكار الكاتبة وبعض هواجسها وعمق احساسها بما تعيشه، وهو في المرتبة الثانية بالنسبة لي. ال ق ق ج: وهو الجزء الأضعف في المجموعة، لم أستطع هضم أن هذه القصص تعتبر ق ق ج، فهي تتكون من جمل طويلة، ولو كانت جملة واحدة، ولم تعتمد على الجمل الفعلية القصيرة.
هذة المرة الثانية، التى أسعد بمراجعة عمل إبداعى، للكاتبة المتميزة "مروى على الدين" بعد مجموعتها القوية السابقة - نصف تفاحة- وهذة المرة تمسكت الكاتبة بعمق المعنى وفلسسفته مع الحفاظ على سلاسة العرض وبساطة الكلمات. والملاحظ فى هذة المجموعة بشكل عام، أستخدام المجاز فى اكثر من موضع .. وترك بعض الأسئلة للقارئ ليجاوب عليها فى أكثر من موضع من جهة اخرى، وإثارة السؤال فى ذهن القارئ، هى دعوة غير مباشرة للتفكر ومراجعة الذات لكل من يحمل هذة المجموعة والملاحظ ايضًا لم يتعرض بفن القصة القصيرة جدًا بصورة كبيرة مثلما حدث فى تجربته السابقة وأنا أشيد بهذا الأختلاف، واثنى عليه لترك مساحة أكبر للقصص والنصوص النثرية وعدم الخروج عليها نحو فن اخر، يستلزم شرح مُنفصل.
أستخدم الكاتب هذة المرة أسلوبًا مغايرًا عما وجدته فى المجموعة السابقة :-
..أولًا / لم يستخدم الكاتب هذة المرة طريقة الإيقاع السريع فى ترتيب المشاهد، واعطى مساحة أكبر للقارئ للتفكر
ثانيًا / ابتعد الكاتب هذة المرة عن فكرة النمط الواحد للمجموعة، بل أراد ان تكون كل قصة حالة منفردة على حدى
ثالثًا / استخدمت الكاتبة وحدة الرمز وأختلاف المعنى تارة والمجاز تارة أخرى مع الحفاظ على سلاسة الألفاظ كى تصل إلى ذهن القارئ دون ان يحتاج لمجهود فى التفاعل مع النص، وهذا مما لا شيك، أعطى هذة المجموعة - حذاء يدوى الصُنع - طابع فلسفى يحمل فى طياته ثقافة عالية ومخاطبة لذهن القارئ
رابعًا / أهدت الكاتبة بداية المجموعة هذة المرة إلى الأنثى فى أى مكان، وتحدثت بلسانهن فى جملتين، أختزلت فيها المجموعة بأكملها
(( أدعى إنى أرفض الأقواس وفى المرآة رأيت التى تشبهني بين قوسين تحتمى )) فلقد كشفت عن الصراع الذى ينتاب أى إمرأة، من معاناتها فى الأبقاء على القدر اللازم للحرية وفى نفس الوقت لا تُريد ان تخرج عن الدائرة التى تحتمى بها، وكأن الصراع الناشئ لم يعد مقتصر على المجتمع الذكورى فقط، بل هناك صراع آخر يسبح فى نفسية المرأة بين حريتها وأمنها !
ومن هنا سأقول على المثال لا الحصر عن بعض القصص المجموعة التى تظهر فيها تكنيك الكاتب وفلسفته بينه وبين الآخر وأولها فى قصة -تحد- اعتمدت الكاتبة هُنا على أسلوب المُبارزة بين الرجل والمرأة، من حيث محاولة كل جنس فرض إرادته على الآخر، الأمر الذى أوجد الصدع بينهما، فلم يعد كل منهما يفهم طبيعة الآخر وذاته المُستقلة، وكلما حاول أحدهما المُبادرة لإنجاح تلك العلاقة، طغى أحدُهما على الآخرخ فى النهاية الأمر الذى بينه الكاتب، إن ما يشعل هذا الصراع، ليس اختلاف وجهات النظر.. إنما محاولة كُل منهما فرض إرادته على الآخر... .... ومن القصص التى أثرت فى كثيرًا قصة - الخاتم- لقد أختزل الكاتب بصورة مُدهشة، معاناة الطبقة الفقيرة الكادحة فى مجتمعه فى جمل قليلة، اظهر فيها نقمه على هذا الوضع السيئ، الذى لم يمكن أصحابه من الفوز بلمحات من السعادة ، بل تتلاحق عليهم الخيبات والإنتكاسات، للدرجة التى قد تدفع الفرد للشعور بإنعدام العدالة، وغياب الضمير الإنسانى من التكفل بمعاناة الأخر، فلو لم تكن بطلة القصة - مديحة السيد- تملك هذا الخاتم لما وجدت ما يكفى للتكفل بمصاريف جنازة أختها.. وعلى الرغم من هذا الفقر، لم تفقد البطلة هُنا روح التحدى .. على الأقل لكتابة أسمها ، لتأخذ مكانتها فى الحياة كل مرة ! .... - صمت - حين نعجزُ عن الفهم يأخذنا الصمت بعيدًا، حينما لا نسمع الآخر، يأخذ منا الصمت كل الكلام... سخرت البطلة حينما وصفت الآخر بأنه له ذاكرة قوية، تُجيد الأشياء (( له ذاكرة مُدهشة، وذوق خاص يجمع تفاصيل الأشياء بعيدة كل البعض عن بعضها .....(( لكن هذة الذاكرة القوية، لم تعد ترى الآخر وتفهمهُ مما حولها لأنثى تعيش على الضجر المستمر واتحولت مشاعر الرغبة والفقد إلى مشاعر بالجوع والعطش (( وإن أتيت سيُغالب الشعور بالجوع والعطش رغبتى فى الكلام وتسبق الدموع كُل شئ ولن تتذكر سوى صمتى (( .... -فكرة- هو النص روح المجموعة بأكملها، ودرتها بلا منازع.. لقد أبرع فيه الكاتب وأستخدم كل أنماط الكتابة فى آنً واحد، فقد أستخدم المجاز تارة (( لى رأس بثقل حجر، ستسقط إن انحنيت لكلمات خائنة مثل ذاكرة تتحدث عن فكرة لا تقربنى)) والرمزية تارة أخرى (( ضد الكون كان لونًا سكبته فسار بُحرية فصنع لوحة كما أراد لا كما أردت..)) ووأضح الكاتب بصورة رائعة، عن حالة تُحيط بالأنثى، عندما يتكشف لها الآخر، فيتداعى عليها بالكلام تارة، وبالهمس تارة أخرى ليأخذها فى محيطه .. أما راغبًا أو براغماتيًا مُستفيدًا .. لقد أحسن الوصف حينما قال (( العيب على سفسطائى الكلم..)) وبالرغم من كون البطلة أنثى بين سفساطئى الكلم، ردت على إتهامها بالضعف.. بلهجة ساخرة وواثقة للغاية، واستخدم الكاتب هُنا لغة شعرية رائعة فى توصيل صورة المرأة القوية حينما قال (( أنا الحمامة البيضاء - رغم اننى أنثى - تُسلم ولا تستسلم، ودمى حبر القصيدة.. إن نفذ السهم تخلدت ذكرى مماتى بدم فوق آخر لوحاتى ..)) وحين تُسلم الأنثى بإرادتها فهذا لا يكون إستسلامًا أو دربًا من دروب اليأس، بل هى هبة تمنحها، متحملة على عاتقها ما يثقل ظهرها فى هذة الحياة (( أنا الجزيرة والسريرة فاسترح ... وهبت نفسى لحامل اللون الوحيد والورق..)) ومثلما ابتدى الكاتب فى بادئ النص بالتفكر ، أنتهى بدعوة القارئ للتأمل لما قد تحتويه الكلمات حين تتدفق على السطور وما تتضمنه من معانى إنسانية (( تأملوا دبيب الحرف وصياح اللون ورصاص القلم)) .... -حكمة الضعفاء- ظننت من الوهلة الأولى حينما قرأت العنوان، أن الكاتب هُنا سيتحدث عن معاناة الضعفاء تمامًا مثلما حدث فى قصة - خاتم - لكن هذة المرة راوغ الكاتب القارئ حينما تكلم عن نوع آخر من الضعفاء موجودين بيننا، ألا وهم " المتسلقين " أو " الوصوليين" فقد قال ( الضعيف ماكر) ماكر حينما اعتاد السقوط والنهوض من جديد على أجساد ضعفاء آخرين، وهنا يشرح الكاتب فكرة " العيب على سفسطائئ الكلم " مرة أخرى .. والمُفارقة العجيبة التى استخدمها الكاتب، إنه بالرغم من مُساعدتنا للآخرين من باب الإنسانية، نجد بعض البشر، يُديرون وجوههم وقت الإحتياج إليهم فلقد أبدع فى تعبيره عن ذلك حين قال (( سأعلم الضعيف كيف يُمسك العصا ويرفع نفسه بنفسه من فوق الأرض، لكن اللئيم حين سقطت سحب العصا وأخبرنى أننى يجب أن أتعلم النهوض وحدى وانها باتت عصاه التى يتكئ عليها !!)) .... -ليلة- عندما أنتهيت من قراءتها قلت فى نفسى هذة رواية رائعة وليست قصة، هى فى الحقيقة رواية وقد أختزلها الكاتب فى قصة أو مجموعة قصص... أبتدى الكاتب فى بادئ الأمر بأسلوب الفلاش باك وأعاد القارئ لبيت العائلة مرة أ��رى، لكن هذة المرة بيت العائلة كان منزل البطلة فى مخيلتها واستغرق فى الوصف حينما قال (( صالة المنزل الملونة تدريجيًا بدرجات الكاكاو ، مزدحمة بالتفاصيل كونها قطعة صغيرة من شقة صغيرة، ... الحائط فى منتصف الغرفة زينته وردات كبيرة ملونة ...)) ثم استدعت البطلة هنا مرة أخرى ملامح من صورة الطفولة، ببطلة اخرى هى "الجدة" ويظهر بصورة مُلفتة مدى تعلق بطلة الكاتب بالجدة (( يا جدتى سأصنع من أحلك حديقة ..)) الأمر الذى أدار فيه الكاتب هُنا حوار فى مخيلة البطلة مع جدتها (( هل تعلمين حد الصراخ الذى أود أن أعتليه ليصل صوتى حيث أنت وتعلمين حد الألم ، كم الأمل .. أن يكون رحيلك كابوسًأ عتيقًا، خفت منه يومًا وعاودنى ولابد منه أن أستفيق.. أرفض رحيلك جدتى .. أرفض رحيلك !!!)) ثم أنتهى الكاتب إلى حوار بين الإنسان وأخيه الإنسان .. من ذكر وأنثى، مستندًا على قصة آدم وزوجته، ثم تبادل بين الآنسان وأخيه الأفتقاد تارة. واللوم تارة أخرى !! وقد ترك لمخيلة القارئ أن يبحث عن سر الحياة، وسر البعث ، وسر الخلود وسر الروح، هذة الأسئلة الفلسفية التى طالما بحث عنها الأنسان وسيظل !!! والمُتابع الجيد سيرى بكل تأكيد أن قصة - ليلة- هى جزء ثان بصورة كبيرة من قصة - بيت أجدادى- فى مجموعة - نصف تُفاحة- وفى هذة المجموعة مازال حس الكاتب العائلى تجاه وطنه الاصغر - بيت أجداده- مُستمرًا معه، بل دعى القارئ أن يتذكر دائمًا من أين أتت أصالته.
وبسبب هذا أصر على إختيار هذة القصة القصيرة جدًا، كتعبير عن المجموعة بأكلمها، أجاد فيها الكاتب وبراعة شديدة إختيار المعنى أكثر من الكلمات "" عُملة سقطت على الأرض ولا زالت حول نفسها تدور !"""