كنت أعتقد بأن العجائبية الخيالية هي نوع أدبي لا يصلح الكتابة فيه إلا من قبل هاروكي موراكامي. و الآن أنا سعيدة جداً بقراءة رواية، لكاتب مخفي عن أنظار العالمية، فاقت بأميال ما يحيكه هاروكي في رواياته العظيمة. ففي رواية حانة الحي القريبة للكاتب الأردني ياسر قبيلات، استطعت أن أصل إلى النشوة الفكرية في حبكاته الغير مألوفة و التي اضطرتني إلى إعادة قراءة بعض الفصول لأكثر من ثلاثة مرات، فقط لأستطيع إداراك الرابط العجيب في الحبكة أو من أجل أن استوعب تلوي الحبكات في روايته. ولا أخفي بأني اضطررت لتحليل بعض الأحداث على ورقة جانبية حتى استطيع فهم الزوبعة التي تحوم داخل الكتاب. كانت ذروة متعتي خلال قراءة هذا الكتاب؛ بأن الفحوى و الفكرة من كل هذه الأحداث بل و حتى ألية حصولها في الأساس، بينها الكاتب في آخر سطر من الرواية. فقد برع في اجتذابك الى أحداث القصة منذ الفصل الأول وحتى آخر كلمة ، بأحداث عجائبية، منتقاه بعناية و حنكة فائقة و تحمل في طياتها فكرة أو حكمة معينة يريد الكاتب إيصالها للقارئ. شعرت بأني في منتصف كأس من المشروب الذي يحتوي على بعض قطع الثلج حيث يقوم صاحبه بتحريكه بيده بحركة دائرية حتى يتجانس الثلج مع المشروب و يعطيه شيئاً من برودته. الحكم بإعادتك إلى الحياة و تكبيلك بقيودها. أرى أن الرواية كانت تتمحور حول هذه الفكرة؛ كيف يمكن أن تمةت من خلال الحكم عليك في أن تعيش، و كيف يمكن أن تموت بسلام من دون أن تجر معك سلاسل حياتك فلا ترتاح بعيشتك ولا بموتك، و كيف أن أبسط الأشياء و أسخفها (كصورة تظهر فيها فتاة ترتدي فستاناً من الورود تنحني لتلتقط وردة بيضاء فيها شيء من الحمرة و الوردية في أثناء التقاط هذه الصورة من قبل شخص آخر، عفوياُ) تغدو حياة كاملة و عالم متماسك و محبب لشخص آخر، كيف أن حياواتنا مرتبطة ببعضها ارتباطاً وثيقاً؛ فليس بالضرورة أن أؤثر عليك بشكل مباشر لأحدث فرقاً في حياتك و ليس بالضرورة أن أكون أعرف من تكون حتى يصبح لدي هذا التأثير. فما تفعله الآن بنقودك،على سبيل المثال، قد يؤثر على شخص ينتظر حكماً بالإعدام في فيتنام. فلو "كنت مت و عدت إلى الحياة ثانية ، لأدركت كم هي غريبة." هذه الرواية رائعة بكافة المقايس، وتظهر عبقرية الكاتب في التصور و تطوير العقدة حتى تصل إلى شكلها النهائي. ياسر برع في اجتذاب عقلية القارئ المتمرس إلى كتاباته ، و أنا بدوري أشعر بالأسف الشديد على هاروكي موراكامي على وجه الخصوص و على كل من لم يقرأ له، على الأقل، حانة الحي القريبة و لم يغص بغمار هذه العجائبية الخيالية المذهلة التي استطاع أن يحيكها ياسر قبيلات.
ليست الاولى لياسر قبيلات فسبقها برواية رجل وأمرأة ورجلفعرف بجنون الكلمات والخيال الواسع ، رواية كانت تناشدني وتتحداني لفهمها بفطنة ، حملت في طياتها الكثير من التوبيخ ومحاكاة الضمير ،ومع سفسطة الشخصيات وغموضها الا انها الاولى لدي حين اندب مثالا في الرواية الاكثر تغليفا للواقع الواضح .. اتمنى حقا ان اقرأ له اكثر ❤️