كتاب ( المدخل إلى أوهام الكُتَّاب المعاصرين في البحث العقدي ) لعبد الله الغزِّي هو كتاب صغير الحجم عظيم الفائدة ، فهو يتناول أسباب الزلل العلمي عند المعاصرين عند الكتابة في العقيدة ، وهؤلاء المعاصرون من أهل السنة ويفترض فيهم التخصص ومع ذلك لا تسلم مؤلفاتهم من الزلل عند تناولهم للمذاهب العقدية المخالفة ، وهذا الكتاب وكما يقول المؤلف موجه بالدرجة الأولى إلى المتخصص في علم العقيدة .
يرى المؤلف أنه على المتخصص أن يضبط مراحل المعتقد ، مرحلة إثر مرحلة ، مثل حفظ بعض متون العقيدة ثم قراءة كل مصنفات أهل السنة الاعتقادية وكذا تقديم قراءة الكتب الخالية من المناقشة على الكتب المشتملة على هذا ؛ ومن اهم هذه المراحل انتقاء المتون العقدية المعتبرة لدى كل طائفة ، والتركيز على قراءة المسائل التي اشتهروا بمخالفة الحق فيها مع ضبط العلوم المساعدة للمتخصص لعلم المعتقد كأصول الفقه والمنطق وآداب البحث والمناظرة .
ولاحظ أن المؤلف يؤصل هذا التأصيل للمتخصص ، فيخرج من كلامنا المثقف العادي أو طالب العلم غير المتخصص ، فيكفيهم قراءة كتب أهل السنة التي تقرر معتقداتهم بكل وضوح كالواسطية ومعارج القبول .
هذا التأصيل المهم - والذي اختصرته اختصاراً كبيراً- هام جداً لمن أراد التخصص ، والمؤلف قبل الشروع في بيان أسباب الزلل في الكتابة العقائدية المعاصرة ، وضع لنا هذا التأصيل لكيفية التخصص في كتب العقيدة رغم أن هذا الزلل يقع فيه مدرسون لعلم العقيدة في بعض الجامعات ، وهنا يبين لنا المؤلف أسباب هذا الزلل في نقاط عديدة اختار منها للعرض هنا نقطة في غاية الأهمية وهي : ( عدم الاطلاع على المصادر ابتداءً ، بدعوى التحذير من مطالعة كتب المبتدعة بإطلاق ، مع التصدي للرد عليهم ) ، المؤلف يقرر أن مطالعة كتب الفرق الضالة لغير المتخصص لا يجوز شرعاً بخلاف المتخصص في مجال المعتقد ، لكن الاشكال كيف لا يطلع المتخصص على مصادر الفرق التي يريد نقدها !! هذا اشكال حقيقي ولذلك يتساءل المؤلف ( إذ ما الفائدة من جعله مدرساً لمادة العقيدة في الجامعات !!) ولذلك تجد من أنواع هذا الزلل الخلط في نسبة الأقوال لقائليها ، أو المذاهب لأصحابها ، كمن يقول المعتزلة تقول بأن كلام الله حقيقة في المعنى النفسي ، وهذا قطعاً كلام الأشعرية لا المعتزلة ؛ من أسباب هذا الزلل ( عدم معرفة المراد من المصطلحات ) ، كأن يظن أن المصطلح المتفق في اللفظ متفق في المعنى ، مثلا لفظ ( الجسم) مختلف فى تعريفه ، فعند المشائين له معنى وعند المتكلمين له معنى أخر .
أنواع هذا الزلل الواقع من المعاصرين متنوع ، منها عدم تمييز مذهب أهل السنة ، بل منهم من ينسب أقوال المخالفين لأهل السنة كمن يقول ( إرادة الله مخلوقة لا في محل ) ، وهذا النوع من الزلل وإن ذكره المؤلف إلا أني أرى أنه ليس شائعاً ، وأن الشائع هو سبب أخر من أسباب الزلل ذكره المؤلف وهو : ( عدم المقدرة على معرفة الفروق العميقة للمذاهب والأقوال المتفقة على أصل كلى كبير ) هذا الزلل لا يسلم منه أحد إلا ما رحم ربي ، مثل من يقول ( الأشاعرة متفقون في كل وجه في صفات المعاني ) فهم وإن اتفقوا على أن صفات المعاني قديمة قائمة بالذات ، إلا أنهم يختلفون في مغايرتها لأحكامها .
في الفصل الثالث من الكتاب سينقل المؤلف نصوص من كتب ناس معاصرين لبيان هذا الزلل دون ذكر أسماء المؤلفين أو الكتب ، فينقل٣٢ مثال مع التعليق ، سنجد من مجمل هذه الأمثلة من يحكي مذهب المعتزلة على ما يلزم من قولهم لا على ما يراه أهله ، وهذا خطأ علمي فادح ، ومنهم من يخطأ في تحليل أسباب قول المعتزلة بخلق القرآن ، ومنهم من يخطأ في فهم استدلال الأشعرية على سماع الكلام النفسي ، ومنهم من يخلط بين قول الفلاسفة وقول الكلابية والأشعرية في معنى صفة الكلام .
يخلص المؤلف في النهاية إلى ضرورة التدقيق والتفصيل في دراسة المسائل والمذاهب العقدية وعدم الاكتفاء ببحثها بشكل عام ، وكذا تحرير محل النزاع في هذه المسائل ، واستقراء المصادر الأصلية والمقارنة بينهما للخروج بنتائج رصينة .
الكتاب مهم ومفيد جداً لكل متخصص في العقيدة ، فأنصح به شدة .
لم أطلع على الكتاب نفسه ولكنني اطلعت على المقالة التي نشرها الغزي قديمًا وهي أساس الكتاب وغالب الظن أنه لن يزيد عنها. كتاب هام لمن يريد التخصص في علم العقيدة وتجاوز الأخطاء التي وقع فيها عدد من المعاصرين في تحقيق مقالات الفرق والطوائف والرد عليها. وقد استفدت منه كثيرًا في ضرورة الرجوع إلى المصادر الأصلية وعدم الاتكاء على ما اشتهر من الأقوال دون تحقيق وتمحيص. فعلم العقيدة بحر زاخر لا نهاية له. وقد قرأت هذه المقالة من قبل وأعدت قراءتها اليوم فتجددت الفائدة بحمد الله. لكن تقليل المؤلف من شأن كتب المعاصرين بإطلاق قد لا يكون دقيقًا، فليست جميع كتابات المعاصرين رديئة كما أنها لا تتصف بالجودة البالغة. فليس في عدم الاطلاع عليها منقبة تذكر.
في البداية نبه الباحث على أمور منها، أهمية التأصيل العلمي المتين في علم المعتقد، وذلك يكون بأمرين اثنين: أولاً/ ضبط مراحل علم المعتقد، وذكر باختصار -أربع صفحات- مراحل هذا الضبط. ثانياً/ ضبط العلوم المساعدة التي لا يستغني عنها المتخصص، وهي: أصول الفقه، والمنطق، وآداب البحث والمناظرة.
وفي الفصل الأول ذكر الباحث أسباب الزلل مع ذكر أمثلة مهمة لها، وكان مما ذكر فيه: ضعف المناهج التعليمية النقل عن الخصوم في تحرير مذاهب خصومهم عدم الاطلاع على المصادر ابتداء بدعوى التحذير من مطالعة كتب المتبدعة بإطلاق. عدم تتبع المصادر والمقارنة بينها انعدام المعرفة التامة في التعامل مع المصادر العقدية عدم معرفة المراد بالمصطلحات الخوض في الردود قبل تحرير المسائل
وفي الفصل الثاني ذكر عشرة أنواع من أنواع الزلل الواقعة من المتخصصين مع التمثيل عليها، ومنها: عدم تمييز مذهب أهل السنة عن غيره حكاية مذاهب الخصوم بما يلزم من قولهم، لا بما هو واقع الحال عدم معرفة علة القول، والأصل الذي بني عليه الخلط في نسبة الأقوال لقائليها، أو المذاهب لأصحابها عدم المقدرة على معرفة الفروق العميقة للمذاهب والأقوال المتفقة على أصل كلي كبير ظن أن ما يقرره عالم مشهور داخل طائفة ما في مسألة فرعية هو بالضرورةول جميع علماء طائفته
وفي الفصل الأخير ذكر أمثلة لهذه الأوهام من كتب المتخصصين المعاصرين مع بيان وجه الزلل فيها، ومما يحمد للباحث أنه لم يذكر أسماء هؤلاء المعاصرين أو كتبهم حتى لا ينجر البحث العلمي إلى الشخصنة، ويفهم منه غير ما أراد منه.
حقيقة البحث جيد ويحتاجه المتخصص، وكذلك البحث يظهر علمية الباحث القوية واطلاعه الواسع. بارك الله فيه وله، ورزقنا من واسع فضله