من أنا ؟ لم أكن أدرك حقيقة هذا السؤال قبل أن أبدأ بمشروع كتابة الماضي.. طوال سنوات عمري عشت بهويتين، هوية يعرفني بها الناس وأخرى في داخلي أشعر بها ، إنني يمنية في نظرهم .. بينما إماراتية في نظري أنا ..ولدت ونشأت في دبي ولم يربطني ببلد أبويّ سوى جواز سفر أمّلت طوال سنوات عمري بتواطؤ كبير مع والديّ أن يُستبدل بالجواز الإماراتي، لم أدرك أن لهذا التواطؤ من جانب والديّ قصة كبيرة تصلح لأن تكون فيلمًا سينمائيا يُضاهي أفلام فاتن حمامة بالأبيض والأسود! بالرغم من حبي الشديد للإمارات وانتمائي اللامحدود لها إلا أنني شعرت بأني أحتاج لأن أحب اليمن بذات المقدار، وقد تعمق هذا الشعور أكثر بعد وفاة والدي، ولكي أحب بلد أبويّ قررت أن أعرف عنه أكثر، جمعت صور العائلة كلها وبدأت بمعاينتها والتعرف على جميع أفراد الأسرة الذين عاشوا في اليمن، جالست العجائز وتعرفت على الكثيرين من أهل عدن في الشبكة العنكبوتية لأرى عدن بعيني مجايلي والدي الذي كان متحفظًا على الماضي وروايته، قرأت كتب التاريخ وتخيلت جميع أفراد أسرتي كأنهم في فيلم سينمائي، أحرك شخصية على المسرح الخيال وأضع سيناريو حواريّ لمشهد كنت قد تخيلته مسبقًا حين سمعته أول مرة من فم أمي، ، كان نتاج هذه العملية هذا الكتاب الذي لا أدري هل أسميه سيرة أم أسميه رواية، في كل الأحوال هو ماضٍ يعنيني كثيرًا لأنه جزء من قصة حياة ثلاث نساء هن امتداد لبعضهن، الثالثة هي أنا .. عليا .. راوية هذه القصة والشاهدة على بعض أحداثها المتأخرة .. أما الأولى فهي ناعمة.. جدتي لأمي التي رأت النور في عام 1907 م في المشجب في شمال اليمن.. بيعت من قبل عمها وبعد وفاة والديها حين أتمت السابعة لرجل أرمل في عدن تحفها رحمة الله، فقد كان نتاج هذا البيع انضمامها لعائلة العولقي وزواجها –فيما بعد- من ابن العائلة الذي يعمل مع الإنجليز، من 1914 وحتى 1948 تنجب ناعمة بنين وبنات لكل منهم قصة مختلفة محكيّة غير أن أهم حكاية هي حكاية ابنتها "الأميرة"..أمي التي عاشت طفولتها وجزءًا من شبابها في ظل الاستعمار البريطاني، ثم فرّت هاربة للشمال في فترة الحكم الشيوعي لعدن بعد أحداث كثيرة ومعاناة سبع سنوات في تعاطي حقن المورفين الذي كان يستخدم في التطبيب في ذلك الوقت، من جنوب اليمن-عدن- إلى شمالها ثم إلى دبي\ الإمارات في بدايات السبعينيات وحتى لحظة كتابة هذا السطر في عام 2015، دبيّ هي الوطن الذي احتوى عظام جدتي ناعمة قبل خمسة وعشرين عامًا.. الوطن الذي تسكنه أميرة وتقول جملتها الشهيرة كلما شعرت بالغربة في بلدها الأصلي: أنا فداء لترابك يا دبيّ! والوطن الذي لا أعرف سواه منذ ولادتي وحتى الآن.