يتابع الدكتور محمد شحرور في كتابه هذا قراءته المعاصرة للتنزيل الحكيم، وذلك من خلال تطبيق منهجه على موضوع المحكم والمتشابه، متتبّعاً المفاهيم التي تحملها هذه الآيات حول هذين المصطلحين، وما يرتبط بهما من مواضيع ذات علاقة كالتأويل والاجتهاد. ويقدّم المؤلّف دراسة معاصرة لعملية الاجتهاد في نصوص التنزيل الحكيم، انطلاقاً من نسخ كل الاجتهادات الإنسانية السابقة في تفصيل المحكم من هذه النصوص، وإعادة الاجتهاد فيه بروح معاصرة، بعيداً عن القراءة التراثية الأحادية الملزمة وراثياً. تلك القراءة التي أوقفت التاريخ وصيرورته عند لحظة معينة، ما جعل الثقافة العربية الإسلامية هشة ضعيفة يستحيل صمودها أمام ثقافات الدول الأخرى المتطورة إلا بممارسة العنف، من خلال قطع الرؤوس والرجم والجلد، لإثبات وجودها.
محمد شحرور (مواليد دمشق 1938) أحد أساتذة الهندسة المدنية في جامعة دمشق ومؤلف ومنظر لما أطلق عليه القراءة المعاصرة للقرآن. بدأ شحرور كتاباته عن القرآن والإسلام بعد عودته من موسكو واتهمه البعض باعتناقه للفكر الماركسي (رغم نفي جميع مؤلفاته لذلك). في سنة 1990 أصدر كتاب الكتاب والقرآن الذي حاول فيه تطبيق بعض الأساليب اللغوية الجديدة في محاولة لإيجاد تفسير جديد للقرآن مما أثار لغطا شديدا استمر لسنوات وصدرت العديد من الكتب لنقاش الأفكار الواردة في كتابه ومحاولة دحضها أو تأييدها.
هذا وقد كسب محمد شحرور العديد من المؤييدين والمعارضين لأفكاره في العديد من البلدان.
ولد محمد شحرور بن ديب في دمشق عام 1938، أتم تعليمه الثانوي في دمشق وسافر بعد ذلك إلى الاتحاد السوفييتي ليتابع دراسته في الهندسة المدنية، وتخرج بدرجة دبلوم فيها ليعين معيداً في كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق حتى عام 1968. حصل على الماجستير عام 1960 والدكتوراه عام 1972 ليعين فيما بعد مدرساً في كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق، حيث ما زال محاضراً حتى اليوم. بعد عام 1967 بدأ في الاهتمام بشؤون والقضايا الفكرية وبدأ بحوثاً في القرآن الكريم أو ما يطلق هو عليه (التنزيل الحكيم).
أولاً، أُريدُ أنْ أترحمَ على الدكتور مُحمد شحرور، الذي وافته المنية منذ شهورٍ خلتْ. فرحمةُ اللهِ عليه رحمة واسعة، وألهمَ أهله وذويه الصبر والسلوان.
عالجَ الدكتور في كتابه هذا عدة مَحاورٍ هامة، مِنْ خلال منهجية خاصة، قدمها لنا في ضوءِ عنوان يحملُ اسمَ: (قراءة مُعاصرة). تقومُ هذه القراءة أو هذه المنهجية على ثلاث أسسٍ في غاية الأهمية نحو قراءة التنزيل الحكيم وهي: 1_عدم الكذب أو الخيال. "أي احتوائه على تصورات كاذبة أو وهمية".
2_عدم الحشوية. "أي حرف واحد زائد لا يوجد".
3_عدم الترادف. "أي أن ليس هناك كلمتين تحمل نفس المعنى".
مِنْ هذه الأسس، تقوم المنهجية الخاصة للقراءة المعاصرة.
تطرق الدكتور أولاً إلى دحض بعض الإشكاليات التي تقدمها لنا المنظومة التراثية، ومِنها "اشكالية الأحرف السبعة" فذهبت بعض الاجتهادات والتفسيرات إلى أنْ المقصود (السبع المثاني) هي السور الطوال السبعة، ومنهم من قال آيات سورة الفاتحة...إلخ وجاء الدكتور برأيٍ مُغاير لتلك الأقوال، وذهب إلى القول بأن (السبع المثاني) هي فواتح السور، والمشَكلة من أحرف صوتية وهي: (آلم، طه، ألمص، ألمر، طسم، كهيعص، حم). وكما تطرق أيضًا إلى محور المحكم والمتشابه، حيث استنتج الدكتور نوع آخر من الآيات في التنزيل الحكيم وهو "لا محكم ولا متشابه" من قوله تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخرُ متشابهات}؛ حيث أنَّ لفظ "آخرُ" دالاً على هناك نوعٌ آخر من الآيات ليس محكم وليس متشابهًا. ثم يقوم الدكتور بشرح تلك الآيات الخاصة بالمحكم، والتي لا يتجاوز عددها 19 آية مُحكمة؛ وتفصيلها. وآيات الخاصة بالمتشابه، وتفصيله. وآيات الخاصة ب لا محكم ولا متشابه وتفصيلها.
كتاب رائعٌ للدكتور مُحمد، استفدتُ وتعلمتُ كثيرًا منه، وعلى أملٍ إن شاء الله بقراءة بقية كُتبهِ التي لطالما تجعل الإنسان يعلم بأن الرسالة التي جاء بها سيدي رسول الله لها ثلاث مميزات وهي: العالمية. "أي ليست مقصورًا على المؤمنين فقط".
الرحمة. "أي ليست رسالة شقاء وعناء للإنسانية".
الخاتمية. "أي أنها ختمت التشريع الإلهي بالمحرمات 14 الموجودة في التنزيل الحكيم".
كذلك مِنْ بين الأمور المهمة التي جاءت بها هذه الرسالة الرحمانية؛ بأنها ختمت عصر الذكور وافتتحت عصر المساواة؛ حيث أنَّ للأنثى مثلُ ما للذكر، في المسؤولية وكذلك في الإرث.
يُسوغ المؤلف كون المراد بالحروف السبعة التي نزل بها القرآن هو لهجات العرب، ولا يمكن أن تعني هذه الحروف "معاني متقاربة في ألفاظ مختلفة" كما يظن البعض، فذلك يفتح باب التحريف والتبديل، لاسيما وإن علم اللسانيات الحديث ينفي النرادف في اللغة، إلا أن حرق عثمان للمصاحف التي لم تكن على حرف قريش خشية الفتنة يضع رواية الأحرف السبعة موضع شك، فلو كانت من القرآن لكّفرت الأمة عثمان على فعلته، فالأقرب أن العرب كانوا يقرأون -تجاوزاً- القرآن بلهجاتهم بالرغم من كون لهجة القرآن الأصلية لهجة قريش، وكان عمل عثمان هو إجبارهم على القراءة باللهجة التي نزل بها القرآن.
يرى المؤلف أن القصص القرآني يحمل الكثير من الأنباء الغيبية التي قد تتمكن التطورات العلمية القادمة من تقديم تأويلات لها أو استخلاص عبر منها، والمُحكم من الآيات هو الذي يمتاز بثبات النص والمحتوى وهو الذي يمثل التشريعات وقواعد السلوك الإنساني والقيم، أما المتشابه فيمتاز بثبات النص وحركية المحتوى.
من الآراء الجدلية التي طرحها المؤلف هو القول بأن صيام رمضان يكون المرء فيه مخيراً بين الصيام أو عدم الصيام مع دفع الفدية، خصوصاً في البلدان التي يصل فيها عدد ساعات الصيام إلى عشرين ساعة، كذلك جوّز المؤلف الحج في أي يوم من أشهر الحج لآية "الحج أشهر معلومات"، وذلك في نظره سيسهل عملية تفادي الزحام في يوم عرفة، أما في الإرث فإن التركة توزع وفق نسب محددة وضعها الله في حالة عدم وجود وصية، فالإرث يُراعي العدالة العامة والوصية تُراعي العدالة الخاصة، والجهاد المقدس عند المؤلف هو كل جهاد للدفاع عن الحرية الإنسانية ابتداء من الكلمة وانتهاء بالقتال، فهو قناعة فردية، أما القتال دفاعاً عن الوطن فلا يعد جهاداً فهو قناعة مجتمعية وطنية.
يرى المؤلف أن اجتهادات النبي ص واجتهادات الصحابة والتابعين وأئمة أهل البيت منسوخة بالنسبة لنا ولا تصلح إلا للدراسات التاريخية فقط، ولا تصلح للتشريع في عصرنا، طبعاً ماعدا أحاديث الحكم الأخلاقية ذات البعد الإنساني، ويرى المؤلف أن الأمر بالمعروف هو اتباع العرف السائد بما لا يخالف تعاليم الرسالة، وهذه الأعراف متغيرة بتغير الأزمان والبيئات، وهي خاضعة لمبدأ التطور، ولا علاقة لها بالحلال والحرام.
عنوان الكتاب هو شرح وافٍ لمحتواه، الذي يعتبر استكمالاً لكتاب سابق لمحمد شحرور وهو (الكتاب والقرآن). مقارنةً بالكتاب السابق، تعتبر قراءة هذا الكتاب أقل تشويقاً من وجهة نظري. بالرغم من اختلافي مع الكاتب في بعض استنتاجاته، إلا أن الدوافع والمنهجية العلمية لهذه الدراسة أمرٌ يستحق التقدير.
كتاب جديد للدكتور/محمد شحرور..في مسيرته نحو القراءة المعاصرة للمصحف... من اهم ما جاء في هذا الكتاب: - آيات ام الكتاب 19آية..ما يعادل 0.003%.من آيات المصحف..2% من آيات الرسالة المحمدية...وهي ما يفترض ان تكون ما يطلق عليه "المعلوم من الدين بالضرورة". - آيات تفصيل الكتاب 1275آية مع المكرر..993آية بدون مكرر. - التأويل يكون في المتشابه، والاجتهاد لا يكون في ام الكتاب..فقط يكون في تفصيل الكتاب. - تم جمع المصحف في عهد عثمان. - القراءات السبع..المقصود بها لهجات القبائل العربية..شفاهة لا كتابة..فلا اساس لما يسمى بالقراءات..بدليل إحراق عثمان للمصاحف الباقية. - المقصود بلسان عربي مبين: أي بلغة عربية قرشية..كاشفة لمعارف جديدة. - المصحف جاء بتطوير جديد للغة العربية.. وهو إزالة الترادف فيها. - المصحف مكون من 3كتاب: المحكم (الرسالة)، والمتشابه..وهو النبوة، والكتاب الثالث: هو التفصيل (القرآن للمتشابه)، وتفصيل المحكم. - الحد الادنى لاي لغة: 11 صوت. - الخطأ الذي وقعت فيه المنظومة التراثية: 1- القول بالترادف. 2- التفسير التحليلي للمصحف (آية. آية). - عبارة "كل شيء" اذا جاءت عن الله، فالمقصود بها الاطلاق..واذا جاءت لمن سواه..فالمقصود بها القصر الزمكاني. - السورة المحكمة: هي التوبة..جاءت محكمة او احادية الموضوع، وهو القتال..لها جانب محكم (لمن عاصر نزولها)، ثم تتحول الى جانب المتشابه..لمن جاء بعدهم. - الفرق بين النبأ والخبر..ان الخبر يشترط فيه الحضورية، ويدخل فيه الصدق، والكذب..بينما النبأ..لا يشترط الحضورية فيه، ويصدق فيه الحقيقة والوهم. - ام الكتاب..تعني ام التشريعات..اي ان كل التشريعات الانسانية..تدور في مضمارها..دون الخروج عنها ..اي هي الحد. - كلمة شاء لها وجهان...بينما كلمة أذن لها وجه واحد. - النسخ نوعان: - بين الرسالات، وقد أغلق. - نسخ ما بعد عصر الرسالات، وهو النسخ الانساني..بحسب الظروف الزمكانية، والمعرفية لكل عصر..في جانب تفصيل الكتاب. - اجتهاد النبي(لا كرسول)، والصحابة، والفقهاء منسوخة بالنسبة لنا، ولا تصلح الا للدراسة التاريخية فقط...كما ان مبدأ القياس على تشريعاتهم...كما وضعه الشافعي..ملغي بشكل كامل. - عقوبة قطع يد السارق، او رجم الزانية..ان صح...فهو اجتهاد انساني، محدد بذلك الزمان. - الصيام مسألة اختيارية، وهناك فرق بين الكفارة والفدية..لذا لا غرامة (كفارة) على من اطاق الصوم، ولم يصم..بل عليه فدية..وهذا يطبق على من يمتد النهار لديهم حوالي 20ساعة، او لا تغرب الشمس لديهم الا كل ستة اشهر. - الحاكمية الالهية..تتجلى في الآيات المحكمات كلها..ليست المحرمات فقط ..كما سبق في المؤلفات السابقة..وكذلك ما يسمى بالحاكمية الالهية الانسانية. - فرق بين الارعاب، والارهاب.فالارهاب.له جانب ايجابي..بينما الارعاب له جانب سلبي. - الدفاع عن الوطن..يكون قتالا ..لا جهاداً..بالنسبة لاهل الارض..ويكون جهاداً في سبيل الله بالنسبة للمؤمتين..لانه قتال ضد الاكراه. وفي انتظار كتابه القادم....