هذا الكتاب وثيق الصلة بأدب الرحلات أكثر من كونه كتاباً علمياً في مجالي الجيولوجيا والجغرافيا. وهذا النوع من الأدب برز فيه قديماً وحديثاُ مؤرخون وجغرافيون وفقهاء وقادة عسكريون وجيولوجيون وأنثروبولوجيون.. وما يؤكد التصاقه بأدب الرحلات اهتمامه بأدق التفاصيل الحياتية لسكان الصحراء ومشاعرهم وشواغلهم .. ولعل مما يرفع من قيمة هذا الكتاب هو أن مؤلفه أدريتو ديزيو من أشهر الجيولوجيين الإيطاليين على الإطلاق، ولأنه من القلائل الذين بلغوا مناطق لم تطأها أقدام غيرهم من المستكشفين والباحثين قبلهم.
على الرغم أن أحداث الكتاب تُروى على لسان رحالة وبروفيسور إيطالي في الجيولوجيا والعلوم الطبيعية إلا أن هناك قدر كبير من اللغة الادبية والإقناع في حديثه والشكر والتحية للترجمة السلسة والمحترفة التي تُنسيك أحياناً أنه كُتب بلغةٍ أخرى.. كما أن الملاحظات في الهامش من قبل المترجم كانت إضافات وإيضاحات في محلها وضمن السياق. كتاب ينقلك للصحراء في ثلاثينات القرن الماضي، بساطة السكان وصعوبة حياتهم، كيف كان المستعمر مهتماً بدراسة واستكشاف البلاد، كيف كان شكل هذه الواحات حينها وكيف هُو حالها اليوم، لتقارن تطور عدد السكان وعدد النخيل وعمق العثور على المياه الجوفية ومن كان يستخدم دروب الصحراء حينها ومن يعبرها اليوم،
ولأن الكتاب يتحدث عن مذكرات باحث يجري بحوثاً واستكشافات عن ليبيا فقد كُنت اقرأ وكلي شوق لمعرفة ما سيكتشف ويجد، وكلي شوق أن يجد المياه في كل الصحراء لتتعمر ويعيش ابناء بلدي فيها، لكني في ذات الوقت كنتُ أشعر بشيء ينغص قراءتي ذلك أني لم أستطع أن أنسى ولو للحظات أنه مستعمر، ، جاء غازياً ومستعمراً وليس مساعداً.. اليوم أنا أقرؤها وهي ملاحظات ودروس، أقرؤها وكلي امتنان أن هناك معلومات وأرقاما عن ليبيا في ذاك الزمن ، ولكن الوضع والمعيشة والحياة في زمن إجراء هذه الرحلات كان أصعب وأشد إيلاماً دون شك.
كتاب رائع فصل فيه الكاتب رحلاته المكوكية لكامل ليبيا كامل الصحاري والجبال الذي قام بزيارتها و استكشافها جيولوجيا ضمن البرنامج الاستيطاني الايطالي. بعد انتهاء المقاومة الليبية للاستعمار الايطالي و مقتل عمر المختار بدأت ايطاليا مشروعها الاستيطاني الموسع ببدء انشاء مستعمراتها الزراعية باستصلاح الاراضي و حفر الابار و بدأت بالمسح الجيولوجي لكامل ليبيا لمعرفة المعادن التي يمكن استخراجها من ليبيا ودخلت في مفاوضات مع فرنسا علي جبال تبستي و ضمتها ايطاليا قبل الحرب العالمية الثانية للاعتقاد بوجود الذهب في هذه الجبال وكان مؤلف هذا الكتاب وهو احد اشهر علماء الجيولوجيا الايطاليين علي الاطلاق بترأس معظم هذه الرحلات الاستكشافية العلمية. فهذا الكتاب يعتبر مغايرا لباقي كتب ادب الرحلات المتعلقة بليبيا بني علي اساس علمي و لم يكن استكشافا بالمعني التقليدي الذي يدخل فيه استكشاف العادات والتقاليد والبشر والحيوان المناخ الجغرافيا وغيره بل كان تركيزة شبه محصور علي المعادن والتربة وهو يحوي العديد من المعلومات القيمة المقدمة للقارئ بصورة سلسة وسيقّدر هذا الكتاب كل من زار المناطق المذكورة به لانه يجيب علي العديد من اسئلة التعجب التي تخطر بذهن من يزور هذه المناطق خصوصا حول اشكال و انواع والوان الاراضي والصخور والتكوينات المائية بهذه المناطق.