ولد علي الطنطاوي في دمشق في 23 جمادى الأولى 1327 (12 حزيران (يونيو) 1909) لأسرة عُرف أبناؤها بالعلم، فقد كان أبوه، الشيخ مصطفى الطنطاوي، من العلماء المعدودين في الشام وانتهت إليه أمانة الفتوى في دمشق. وأسرة أمه أيضاً (الخطيب) من الأسر العلمية في الشام وكثير من أفرادها من العلماء المعدودين ولهم تراجم في كتب الرجال، وخاله، أخو أمه، هو محب الدين الخطيب الذي استوطن مصر وأنشأ فيها صحيفتَي "الفتح" و"الزهراء" وكان له أثر في الدعوة فيها في مطلع القرن العشرين.
كان علي الطنطاوي من أوائل الذين جمعوا في الدراسة بين طريقي التلقي على المشايخ والدراسة في المدارس النظامية؛ فقد تعلم في هذه المدارس إلى آخر مراحلها، وحين توفي أبوه -وعمره ست عشرة سنة- صار عليه أن ينهض بأعباء أسرة فيها أمٌّ وخمسة من الإخوة والأخوات هو أكبرهم، ومن أجل ذلك فكر في ترك الدراسة واتجه إلى التجارة، ولكن الله صرفه عن هذا الطريق فعاد إلى الدراسة ليكمل طريقه فيها، ودرس الثانوية في "مكتب عنبر" الذي كان الثانوية الكاملة الوحيدة في دمشق حينذاك، ومنه نال البكالوريا (الثانوية العامة) سنة 1928.
بعد ذلك ذهب إلى مصر ودخل دار العلوم العليا، وكان أولَ طالب من الشام يؤم مصر للدراسة العالية، ولكنه لم يتم السنة الأولى وعاد إلى دمشق في السنة التالية (1929) فدرس الحقوق في جامعتها حتى نال الليسانس (البكالوريوس) سنة 1933. وقد رأى -لمّا كان في مصر في زيارته تلك لها- لجاناً للطلبة لها مشاركة في العمل الشعبي والنضالي، فلما عاد إلى الشام دعا إلى تأليف لجان على تلك الصورة، فأُلفت لجنةٌ للطلبة سُميت "اللجنة العليا لطلاب سوريا" وانتُخب رئيساً لها وقادها نحواً من ثلاث سنين. وكانت لجنة الطلبة هذه بمثابة اللجنة التنفيذية للكتلة الوطنية التي كانت تقود النضال ضد الاستعمار الفرنسي للشام، وهي (أي اللجنة العليا للطلبة) التي كانت تنظم المظاهرات والإضرابات، وهي التي تولت إبطال الانتخابات المزورة سنة 1931.
في عام 1963 سافر علي الطنطاوي إلى الرياض مدرّساً في "الكليات والمعاهد" (وكان هذا هو الاسم الذي يُطلَق على كلّيتَي الشريعة واللغة العربية، وقد صارت من بعد جامعة الإمام محمد بن سعود). وفي نهاية السنة عاد إلى دمشق لإجراء عملية جراحية بسبب حصاة في الكلية عازماً على أن لا يعود إلى المملكة في السنة التالية، إلا أن عرضاً بالانتقال إلى مكة للتدريس فيها حمله على التراجع عن ذلك القرار.
وهكذا انتقل علي الطنطاوي إلى مكة ليمضي فيها (وفي جدّة) خمساً وثلاثين سنة، فأقام في أجياد مجاوراً للحرم إحدى وعشرين سنة (من عام 1964 إلى عام 1985)، ثم انتقل إلى العزيزية (في طرف مكة من جهة منى) فسكنها سب
يتحدث الشيخ علي الطنطاوي مصدوماً مبهوتاً لما طرأ من تغييرات في العام 1950 فماذا لو رأى شيخنا اللعنات التي حلت على الألفينات و ماسيأتي بعدها أدهى و أمر .
مقالات في كلمات هو كتاب من تأليف علي الطنطاوي أصدر عام 1959 م، ويتضمن مقالات صغيرة موجزة، ولذلك وصفها كاتبها بأنها «في كلمات». وقد ضم الكتاب من هذه المقالات مئة وثلاث عشرة مقالة، أكثرها لا يجاوز الصفحتين. وهو يقع في 300 صفحة من القَطْع المتوسط. ومبدأ هذه المقالات -كما جاء في مقدمة المؤلف للكتاب- أن صاحب جريدة «النصر»، وديع الصيداوي، طلب إليه عام 1949 أن يكتب عنده زاوية يومية بعنوان «كل يوم كلمة صغيرة»، فمشى بها زماناً. ثم انتقل إلى جريدة «الأيام» عند نصوح بابيل، واستمر بها سنين فتجمّع لديه منها مئات ومئات. قال في المقدمة التي كتبها للطبعة الجديدة من الكتاب عام 1990: «وجاءت (أي هذه المقالات) بأسلوب جديد، أقرؤه الآن فأرتضيه -ولست أرتضي كل ما كنت كتبت- ولكن موضوعاتها يومية يموت الاهتمام بها بموت يومها. وقد استمرت سنين فتجمّع لديّ منها مئات ومئات. فلما ألّف الدكتور مصطفى البارودي وإخوان له من الشباب لجنةً للتأليف والنشر دفعتُها إليهم ليختاروا منها ما يجمعونه في الكتاب الذي طلبوه مني، واختاروا طائفة منها في كتاب صغير دعوه» كلمات«. ثم نشرتُ مجموعة منها أكبر في كتاب» مقالات في كلمات«وبقي عندي منها الكثير الكثير». وفي مقدمة الطبعة الأولى التي كُتبت عام 1959: "كنت في سنة 1949 أكتب في جريدة «النصر» أولاً ثم في «الأيام» آخراً كلمات بعنوان «كل يوم كلمة صغيرة». ولبثت على ذلك سنوات اجتمع لديّ فيها ركام منها، منه ما لا يُقرأ إلا في يومه، وقد أهملته واطّرحته، ومنه ما يُقرأ في كل الأوقات، وقد اخترت منه هذه الكلمات".
والمقالات متنوعة في موضوعاتها واهتماماتها لأنها كُتبت في أزمنة متباينة، فكثير منها يعالج مشكلات اجتماعية مثل: "نظام" و"الزواج بالأجنبيات" و"شحّادون" و"كوّاء"، أو يدافع عن الفقراء والضعفاء مثل: "أجير الخبّاز" و"طفلان)) و"إلى الأغنياء" و"أكرموا الفلاحين". ومنها مقالات تهتم بالمشكلة الأخلاقية والدعوة إلى الفضيلة مثل: "مشكلة وجيه" و"هكذا قال زرادشت" و"بائعة اليانصيب" و"آلآن يا بنت؟". وفي الكتاب مقالات تربوية منها "أدب الأطفال" و"سهر الأولاد" و"يبيع الجرائد". ومقالات في مشكلات الأزواج والأسرة منها "هكذا فاصنعوا لهن" و"طلاق" و"الجهاز" و"علاج الخصام". ومقالات وطنية منها "أبطال صغار" و"منجم ذهب" و"نعم، لقد هُزمنا". ومقالات تاريخية منها "موقف عالم" و"طريق النصر" و"خبر من السيرة". ومقالات فلسفية منها "الحق والقوة" و"لا أؤمن بالإنسان" و"الثبات". ومقالات ثقافية منها "الثقافة في خطر" و"دفاع عن العربية" و"المذهب الرمزي كما أفهمه". آخر مقالة في الكتاب فهي «وداع» قال فيها: «يا قرّائي، السلام عليكم. سلام وداع، لا سلام لقاء. وداعاً يا قرّاء، وشكراً لكم على ما أفضلتم عليّ... فلقد عشت عمري أترجم للناس حديث السواقي في أذن الزمان، أرسم صور المجد وتهاويل الأماني... فأنزلتموني من سماء الأحلام إلى أرض الواقع، وغمستم هذا القلم في مشاكل الطحّانة والخبّازة واللصوص والأشرار وأوحال الطريق، بعدما عاش دهراً لا يعرف إلا مشاكل القلوب... وأرخصتم في سوق الصحافة أسلوبي، فاختفى ذاك البريق من بياني، وجفّ الماء الذي كان يتسلسل على لساني. أفليس لي -بعد هذا كله- أن أستريح؟ بلى، وسيتنفس أقوام الصعداء على أن خلا مكاني، وستفرح قلوب كنت عليها غماً، وتنام عيون كنت أحرمها لذيذ المنام. والسلام عليكم يا قرائي، ولا» كلمة صغيرة«بعد اليوم».
الكتاب الذي بقي خالدا في ذهني منذ طفولتي, أتقد أن بدايتي مع القراءة الحقيقية كانت مع هذا الكتاب الرائع! أسلوب الشيخ رحمه الله مناسب لجميع الأعمار والفئات والمواضيع الواردة فيه تتنوع بين التاريخي والحديث وبين المواقف الشخصية والقصص والآراء والتعليقات على الأحداث التي عاصرها الشيخ..