هذا الكتاب يتوخَّى الكشْف عن جذور واقعة كربلاء وخلفياتها…محاولاً أنْ يُجيب عن أسئلةٍ من قبيل: ما الذي جرى ليصل المسلمون إلى ما وصلوا إليه يوم كربلاء؟ ولماذا سمحوا ليزيد باعتلاء سدة الحكم؟
هناك عدَّة فرضيات في تفسير العقود الأولى من تاريخنا، الفرضية التي نختارها لتفسير تلك العقود ستؤثر على الأرجح في تفسيرنا لواقعة كربلاء وأهدافها وتحديد المتورِّطين في قتل الحسين (ع). الفرضية التقليدية – مهما حاولنا تكييفها – تعجز عن تفسير أحداث العقود الأولى، وتقودنا إلى فهم قاصر ومرتبك لواقعة كربلاء. الفرضية المقترحة في هذا الكتاب تنطلق من افتراض أنَّ كبار وجهاء المهاجرين القرشيين أخطئوا في حساباتهم خطأً جسيماً عندما ظنُّوا أنَّ بإمكانهم إقصاء الإمام عليّ (ع) وإبقاء الوضْع رهن السيطرة دون عودة بني أمية إلى الواجهة، ولم يتبادر إلى أذهانهم أنَّ بني أمية إذا اعتلوا السلطة فسيُخرجون باقي بطون قريش من الساحة، وسيستأثرون وحدهم بالسلطة والمال.
يعتمد هذا الكتاب المنهج “التاريخي السَّرْدي التحليلي”، الذي هو مزيجٌ من منهجين. الأول يُعبَّر عنه بالمنهج المتحرِّك عبرَ الزَّمن Diachronic، وهو منهجٌ يدرس موضوع البحث من خلال متابعة وملاحقة الأحداث حسب التسلسل الزَّمني لوقوعها. والثاني يُعبَّر عنه بالمنهج المُتزامِن Synchronic، وهو منهجٌ يتوقَّف عند لحظة معيَّنة ليدرس أبعاد الحدث ودلالاته ليفهم أعماقه وتشعُّب علاقاته.
يتكلم عن الاسباب البعيدة والقريبة لاستشهاد الامام الحسين عليه السلام بداية من بعثة الرسول الاكرم ونهاية بتوريث معاوية الحكم لابنه يزيد، وفيه تحليل لأبرز الوقائع
كتاب ذا فائدة عظيمة، لكنه موجع للقلب انصح بقرائته بشدة
هذا كتابٌ أغلقتهُ حائرةً كيفَ انتهى تارةً وكيفَ لم أسمع بهِ تارةً أخرى! وقبلَ أن أبدأ المراجعة -حيثُ إنني لا أدري من أين أبدأ-، هو بحثٌ مهم، ضروري، شاملٌ وتفصيلي في قراءة مجريات الأحداث التاريخية الواقعة قبل يوم العاشر.
كنتُ أتساءلُ لحظة شراء الكتاب "ما الجديد الذي قد يُضيفه إلى بقيّة البحوث والقراءات العاشورائية الأخرى؟" وعرفتُ جواب مسألتي من صفحاتِ الكتابِ الأولى حيثُ ذُكِرَت هذهِ الإشكالية في مقدمة المؤلف، قائلًا إنه اعتمدَ في كتابه هذا على البحثِ في خلفيات الواقعة مقدمًا إياها من فجرِ الإسلامِ الأول، لا كغيرهِ من البحوث التاريخية (كمسلسل المختار الثقفي مثلًا) التي تبدأُ قراءة الواقعة -غالبًا- من صلحِ الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية، إلى يوم العاشر.
جاء الكتاب بِبابَين رئيسيين: الأسباب البعيدة والقريبة لشهادة الإمام الحُسين، تندرجُ تحتهما فصولٌ معنونةٌ بالأحداث تُحلِّلها بدءًا من فجرِ الإسلامِ الأول ومعاناة النبي (ص) مع بني أمية التي امتدت إلى بدرٍ وأُحد، ثم بداية المشروع الأموي يوم فتحِ مكة، إذ بُيّتت النوايا باستعادةِ "السلطة" والجاه والمكانة التي لا مجالَ لاستعادتها بعد دخولِ الناس في دين مُحمّد (ص) إلا بالدخول معهم، ولمّا تتأمّل الأذى تفهم لماذا نُكثِر اللعن في زيارة عاشوراء.
ويأخذ التحليل منعطفًا آخر بعد رحيل نبي الرحمة، وانشقاق الأمة بعده، وأحداث السقيفة، وهنا تبدأُ غربةُ عليّ وينفتقُ جرحٌ جديد، والإسلامُ يُبتلى مُذ يُقالُ لرسولِ الله أنّهُ يهجر -حاشاه بأبي وأمي-، خاض المؤلف مطولًا في حروب الإمام علي مع معاوية، ليدخُل بعدها في بحثٍ أعدُّه من أكثرِ ما قرأتُ أهميةً وضرورةً في صلح سيدي ومولاي الإمام الحسن (ع)، ولعلّه كان بهذه القوة كونهُ قد رُبطَ مُباشرةً بما سبقَ من أحداثٍ فيسهُل فهمه.
وختامًا بمحاولات معاوية تهيئة أرضية الخلافة لابنه يزيد عليهما اللعنة أبد الآبدين. والعجيب فعلًا أن الكتاب لم يصل إلى واقعة كربلاء ذاتها، بل كان موضوعيًا وملتزمًا بالـ"خلفيات" إلى هذه الدرجة. لأننا لمّا نقرأ التاريخ بهذه الطريقة نهتدي إلى أمورٍ كثيرة نستطيعُ إسقاطها على واقعنا، مثلًا لما يُقال أن معاويةَ رجلُ سياسةٍ حاذق، وإن عليًا والحسنِ والحُسين (عليهم السلام) افتقروا للحنكة السياسية (حاشاهم)، أقول؛ إنما معاويةَ كان رجلَ دنيا دنيئةٍ يعيشُ مشتريًا ذممَ الناس ومتلاعبًا بعقولهم وأئمتي رجالُ آخرةٍ يقودون الأمة نحوَ السعادةِ السرمدية في عبادة الله وطاعته.. الشواهدُ كثيرة، ما عليكَ سوى أن تتأمّل الخواتيم.
بالطبع، هناك بعض الأحداث التاريخية التي عجِبتُ كيف لم تتّضح، كالشبهة المتداولة حول إسلام أبي طالب من عدمه. لكني أظن أن المؤلف تعمّد عدم الاستفاضة في تبيين هذه القضية، حتى لا يخرج عن صلب موضوع البحث.
حين احترتُ بين هذا الكتاب وآخرٍ في المكتبة أشارت عليَّ رفيقتي بأخذه لأننا لم نسمع بهِ كثيرًا، وخيرًا فعلت! وعلى العموم طبعة الكتاب الثانية كانت قبل عامين، مناسب جدًا للقراءة قبل عشرة مُحرم الحرام تهيئةً للموسم واستيعابًا أكثرَ للأحداث التي انتهت بالعاشر. وأخيرًا.. أعترفُ بتقصيري، إنما تعلمتُ وفهمتُ مواقفَ كثيرةً مرّت عليَّ قبلًا ولم أربطها ربطًا متينًا كما قرأت هنا، والكتاب الذي خِفتُ الحشوَ فيهِ أعدُّه أهمَّ كتابٍ تحليليّ تاريخيٍّ قرأته في خلفيات الواقعة بل في بداية التاريخ الإسلامي أيضًا، وأقتبسُ من الخاتمة: "إن قريشًا عدوةُ الإسلام ورسول الله (ص) بالأمس، خرجت من الباب، ودخلت من النافذة مجددًا."
هذا الكتاب بدأ بذكر جذور واقعة كربلاء وأسبابها بدايةً بعهد رسول الله(ص)، وأجاب عن السبب الذي جعل المسلمين يصلون إلى ما وصلوا إليه في كربلاء! الكتاب جميل جدًا.