لم تكن رحلة «الريحاني» لبلاد «الأندلس» كغيرها من رحلاته، فقد أضفت الأندلس على حكيه من جمالها وبهائها وسحرها ما أضفت.
النور الذي أضفته الأندلس على مخيلة المؤلِّف، وأضفاه هو بِدَوْرِه على صفحات كتابه، ينتقل إلى القارئ، حتى يُخيَّل لكَ أنكَ تقرأ إحدى بدائع شعراء الأندلس الأوائل، فما تنقَّل الريحاني بين مدينة أو شاطئ إلا وقف على ما ترك فيه الفاتحون من فنون وجمال وحضارة. وبين «قرطبة»، و«أشبيلية»، و«طليطلة» طاف الريحاني حاملًا غايته السامية من رحلاته؛ وهي إشاعة روح المحبة والتكافل والتكامل بين الأشقاء العرب، لتسمو وتصبح مصافحة محبة ووفاء. ولأن هذا المؤَلَّف قد أخذ شكلًا مختلفًا ومميزًا، فقد حصل الريحاني على إثر تأليفه على «وسام المعارف المغربي» من سكان مراكش، تكريمًا له وعرفانًا ببراعته في التقاط أشعات النور الأندلسيِّ وحياكتها.
Born in Freike, Lebanon, on November 24, 1876, Ameen Rihani was one of six children and the oldest son of a Lebanese Maronite raw silk manufacturer, then a flourishing local industry. His father had commercial ambitions which beckoned him to America. In the summer of 1888, Ferris Rihani, the father, sent his brother and eldest son, Ameen, to the United States and followed a year later.
The young immigrant, then twelve years old, was placed in a school outside the city of New York, a few months after his arrival. There, he learned the rudiments of English. His father and uncle, having established themselves as merchants in a small cellar in lower Manhattan, soon felt the need for an assistant who could read and write English. Therefore, the boy was taken away from school to become the chief clerk, interpreter and bookkeeper of the business. The family continued in this trade for four years.
Ameen had a natural talent in eloquent speaking, and in 1895, the teenager became carried away by stage fever and joined a touring stock company headed by Henry Jewet (who later had his theatre in Boston). During the summer of the same year, the troupe became stranded in Kansas City, Missouri and so the prodigal son returned to his father. However, he returned not to rejoin the business, but to insist that his father give him a regular education for a professional career. They agreed that he should study law. To that end, he attended night school for a year, passed the Regents Exam, and in 1897 entered the New York Law School. A lung infection interrupted his studies, and at the end of his first year, his father had to send him back to Lebanon to recover.
Ameen Rihani first became familiar with Arab and other Eastern poets in 1897. Among these poets were Abul-Ala, whom Ameen discovered to be the forerunner of Omar Khayyam. In 1899 he returned to New York having decided to translate some of the quatrains of Abul-Ala into English. He managed to do this while he was still giving much of his time to the family business. The first version of the translation was published in 1903. During this period, he joined several literary and artistic societies in New York, such as the Poetry Society of America and the Pleiades Club, and also became a regular contributor to an Arabic weekly, "Al-Huda" published in New York. He wrote about social traditions, religion, national politics and philosophy. Thus, he began his extensive literary career, bridging two worlds. He published his first two books in Arabic in 1902 and 1903.
He also worked, along with other national leaders, for the liberation of his country from Turkish rule. In 1910 he published Al-Rihaniyat, the book that established him as a forward thinker and a visionary. As a result of the Rihaniyat, the Egyptian media hailed him as "The Philosopher of Freike." The Book of Khalid was written during this same period of mountain solitude and was later published in 1911 after he returned to New York (for the third time) via Paris and London where he met with fellow writers and artists. The illustrations for this book, which was the first English novel ever written by a Lebanese/Arab, were provided by Kahlil Gibran. A reception was held in honor of Rihani for the release of The Book of Khalid and the president of the New York Pleiades Club crowned him with a laurel garland.
Ameen Rihani passed away at age 64 at 1:00 pm on September 13, 1940 in his hometown of Freike, Lebanon. The cause of his death was a bicycle accident which resulted in infectious injuries from multiple fractures of the skull. The news of his death was broadcast to many parts of the world. Representatives of Arab kings and rulers and of foreign diplomatic missions attended the funeral ceremony. He was laid to rest in the Rihani Family Mausoleum in Freike.
تذكرت كتاب (الريحانيات) حيث أنه كانت مقالات أدبية وهذا الكتاب يشبه نهجه من حيث اللغة حيث قوة الريحاني رغم أنه يكتب عن الأندلس إلا أن نهجه طالما هو في أدب الرحلات فقد أعتنى باللغة الخطابية في الرحلة كعنايته بالجانب الحضاري والوصفي / الجغرافي، وعدم توغله في السياسي في هذا الكتاب الصغير الذي كتبه في أول الثلاثينات في القرن الماضي.
هذا ما كنت أبحث عنه، إذا كنت تبحث عن قراءة بهدف استذكار الرحلة إلى الأندلس أو الاستعداد لها (قرطبة/اشبيلية/غرناطة/طليطلة) فهذا الكتاب مناسب تماماً، رحلة الريحاني غنية وعميقة وتعابيره ولغته شاعرية رقيقة عميقة ترتقي لمستوى الأندلس وتليق بمدنها وما احتوت من طلول وآثار، ولا يعجز الريحاني عن صياغة التاريخ والسياسة واستخلاص العبر منها وإعطاء الدرس بإيجاز، اختلفت معه أو اتفقت لا بد أن تجني فوائد غزيرة إن أنت لها طلبت. صحيح أن رحلته كانت في العام 1916 لكن بعض الاختلاف بين الوصف والمشهد الحالي لا يهم هنا. الكتاب ينبه بآثار كل مدينة ويثقفك عنها ويعرفك بما يجب أن ترى فيها .. سيختلف المشهد بعض الشيء؟ نعم، لكنك هنا تعرف وتمتلئ بكنه ما ستحسّه أو أحسسته، والمرء يرى ما يعرف بدءاً ويذكر ما رأى، تجد رفيق رحلةٍ هنا .. رفيق يحسن الرفقة، يحسنها جداً.
--------------------------
إن أجمل بقعة في الأندلس هي هذه التي بين قرطبة وإشبيلية، كنا نرسل النظر في الآفاق البعيدة المشرقة، والأرض بيننا وبينها تتموج ألوانًا بما في حقولها ورباها من البقع المزروعة والمحصودة، البقع الخضراء والحمراء والذهبية والبنيَّة، وهناك الأراضي التي تهبط وتعلو برفق ورشاقة، فتبدو كالأراجيح وقد غُرِست بالزيتون صفوفًا كأنها صفوف العمد في الجامع الكبير، أو صفوف من الجنود؛ جنود السلام. هي ذي الطبيعة في مجدها، في لطفها وحسنها وسكوتها وثمارها. 💙💙
--------------------------
إنما تختلف إشبيلية عن سائر المدن بلطف مزاجها وتقلُّبه، وشدة هواها على الدوام. هي روح مركَّبة من أرواح مختلفة متعددة، صاخبة الألوان؛ حمراء حتى الأرجوان، صفراء حتى الذهب، زرقاء حتى اللَّازَوَرْدِ، خضراء حتى الزُّمرُّد. فهي الراقصة، وهي القديسة، وهي المحسنة، وهي العاتية القلب، وهي في هذا الزمان، أو بالحري بنتها تريانا عبر النهر، محور من محاور العمال؛ يتصاعد منها دخان المعامل، وخصوصًا معامل الزليج، ودخان الاضطراب والإضراب. وهي على الدوام إشبيلية الشاعر والفنان، والعيد والمهرجان، وهي ساحة الثيران، وساحات البخور والصلبان، والخنجر ودولاب الزمان، هي هي إشبيلية فلاسكيز وموريليو وهرَّيرا، إشبيلية ألفونسو وفرنندو وريبيرا، إشبيلية المعتمد بن عباد، وبطرس ابن إبليس!
--------------------------
كل ما يتجاوز حد المعقول، أو حد الإدراك الهنيء المستريح في عمله، يخرج عن وضعه الأصلي ومعناه؛ فالذي يحب الغناء مثلًا ويتذوقه لا تروقه شلالات منه، تتدفق من مائة حنجرة مجهودة، والذي يهوى مشاهدة الرقص لا يهزه مرقص يضم مائة أو خمسين من الراقصات والراقصين؛ فالعين لا ترتاح إلى ما لا تستطيع حصره في مشهد واحد، أو بصورة واحدة، والأذن لا تلتذ بغير الممكن استيعابه، بمجمله وبدقائق جزئياته، من الألحان. هذا الذي أقوله في الغناء والرقص يصح كذلك في الكنائس الكبرى التي لا تتم فيها كل شروط العبادة، وأولها حصر الفكر والإرادة في الاتجاه الروحي، إلا إذا كان المتعبد ضريرًا، فلا يرى من الكنيسة غير غرضها الديني الأسمى، وأين هذا الغرض من الفنون الجميلة، أو غير الجميلة التي تملأ المكان بآثارها وخنفشارها، بتحفها وتوافهها، فتتحكم بالإحساسات، وتُبعِدها عن كل ما هناك من بواعث الغبطة والحبور.
--------------------------
في مشاهدة الطلول والآثار يسترسل المرء الرقيق الشعور إلى كآبة شديدة الوقع تكاد تشابه حزن المحب في فراق الحبيب، ومتى تكاثرت الأحزان واشتدت يقام لها في القلب عيد، فيضحك صاحبها وهو يبكي، ويردِّد الألحان وهو ينوح. --------------------------
من حسنات الحياة والكفارات عن ذنوب الناطق بالضاد؛ الحجُّ إلى الحمراء التي قال فيها الشاعر:
تمد لها الجوزاءُ كفَّ مصافح ويدنو لها بدر السماء مناجيا
طلولٌ كانت بالأمس معاهد وقصورًا، هي دائرة المجد وقطب الحبور، في قناطرها وقبابها وأبوابها صناعة دقيقة نادرة، وفي كل رسم من رسومها آية جمال تُدهِش حتى اليوم أرباب الفن، وفي كل بيت من الشعر على جدرانها درة من المعنى، أو زهرة من التقوى منقوشة في بلاط منقطع النظير لونًا وتذهيبًا.
وصنائع الزليج في حيطانها والأرض مثل بدائع الديباج
هذي آثار العرب وقد أمست عروسًا لربة النسيان، ومدفنًا لمجد الزمان، وظلالًا تجلب الأحزان، وعِبرة بليغة للإنسان. وهي رغم ذلك بهجة للناظرين، ومصدر وحي لأرباب الفنون والمتفننين. ولكن الذكرى … لله من ذكرى تقبض على النفس فتجعلها كالجماد! لله من آثار تبتهج لمرآها العين فيذوب لمعناها الفؤاد! لله من بلد تغَنَّتْ بمكارمه كل بلاد! لله من عزكم ومجدكم ابنَ أمية وابن عباد وعبد الرحمن والمنصور والمعتمد، مَن شادوا معاهد العمل والدين! طالما اهتزت النفس لذكر مآثركم، وطالما وقفت العين شغفًا عند أسمائكم في التاريخ، وطالما تاقت النفس مني والعين إلى مشاهدة ما تبقَّى من تلك الآثار المجيدة. ها قد استُجِيبَتْ طِلبتي؛ فقد وطئت أرضًا عطرتها شمائل العرب، وجُلْتُ في بلادٍ عمَّرتها همم العرب، ووقفت أمام عروش هدمتها عصبية العرب.
قرأته رغم التقييم المتدني وعجبت بعد قراءته لهذه الآراء السلبية! هذا الكتاب الذي بدأ الريحاني في كتابته أثناء رحلته لإسبانيا سنة 1916، أي مائة سنة من اليوم، عبارة عن سرد لبعض أحداث جولته بين مدن أندلسية عديدة أهمها اشبيلية وغرناطة وقرطبة، يتخلله وصف لجغرافية المكان ورجوع مطول في الزمان إلى التاريخ العربي للمنطقة من خلال قصص مقتضبة ومتنوعة. يعتمد الكاتب في ذلك على بحوث علمية في التاريخ وعلى ملاحظاته وآرائه أثناء رحلته. يتراوح نمط الكاتب بين الشاعرية والواقعية، فهو تارة يتغنى بمشهد ألهمه أو استرجع بيتا لشاعر وأخرى يروي وقائع تاريخية موثقة. ولا يخلو من الوعظ ولا من الأمل في وحدة العرب، ولكنه رغم ذلك وخلافا لكتّاب آخرين من تلك الحقبة، لم ألتمس في كلامه غلوا ولا عصبية لا للعروبة -وهو من الدعاة للقومية - ولا للدين المسيحي.
أمين كـ إسمه في سرد ما رأى، ونقل ما سمع وما اختلط وتواتر، وهذا ما اتضح لي من قدرته -كالماء السلس- على التفكيك والتقسيم والتمييز، بين ثقافة وأخرى، بين حضارة وأخرى، بين ديانة وأخرى.. في المعمار الواحد، في الحرب الواحدة، في التعارك الواحد، في الفن والذوق والجمال الواحد. ونادراً أمثاله.
وعجبتُ لِما عجبت، لخصوصيةٍ بأريحيةٍ ذكرها المؤلف وسردها، وعن نفسي أمتنع عن إبداء الرأي وعن ذكرها، فلا زلتُ عربية -وأعيش- بين العرب. وفي شأنهم قال “الريحاني” -العربي عن العرب-:
“ومن آفات أولئك العرب الحزبيات الإقليمية؛ اليمنية والقيسية، والدولية؛ الأموية والعباسية، والمذهبية؛ الإفريقية الشيعية والأندلسية السنية. وقد كانت الضغائن الحزبية متأصلة في صدورهم إلى حدٍّ منكر مخيف. قال أحد زعماء القيسيين: “لو أن دماء أهل الشام جُمِعت لي في قدح لشربتها.“ بل كان بغض القيسي لليمني، وبغض اليمني للقيسي، أشد من بغض العرب للأعاجم. وما اختلف البربر عن العرب في ضغائنهم وأهوائهم؛ فكانوا ينحازون حيناً إلى هذا الحزب وحيناً إلى الآخر، فيسلُّون على القيسية مثلاً سيفاً كان يقطر بدماء اليمنية. ومن آفات العرب والبربر على السواء أنهم يؤثرون الأشخاص في الأحكام على الوطنية، والقوة القاهرة على الحق المشروع، فينفرون مع كل مستنفِر، ولا يحسبون للمستقبل ولا لنتائج الأمور حسباناً”.
وللعرب، رغم ذلك، وحيٌ جماليٌّ خاص به، ينفرد به عن سائر الأمم، وإلى شيءٍ منها على لسان الريحاني: “هذي آثار العرب وقد أمست عروسًا لربة النسيان، ومدفنًا لمجد الزمان، وظلالًا تجلب الأحزان، وعِبرة بليغة للإنسان. وهي رغم ذلك بهجة للناظرين، ومصدر وحي لأرباب الفنون والمتفننين. ولكن الذكرى … لله من ذكرى تقبض على النفس فتجعلها كالجماد! لله من آثار تبتهج لمرآها العين فيذوب لمعناها الفؤاد! لله من بلد تغَنَّتْ بمكارمه كل بلاد!…. فقد وطئت أرضًا عطرتها شمائل العرب، وجُلْتُ في بلادٍ عمَّرتها العرب، ووقفت أمام عروش هدمتها عصبية العرب”.
يحكي المؤلف عن رحلته إلى إسبانيا التي بدأت بإشبيلية وانتهت بقرطبة، مليئة بالأوصاف الجعرافية مما يجعلك تشعر بالملل إلا إذا كنت شغوفاً وباحثاً عن تفاصيل جغرافية، عدد صفاحته قليلة 125 صفحة ومع ذلك وجدت صعوبة في إنهائه لكثرة الملل، وقد ذكر العديد من أوصاف إسبانيا بعد السقوط لذلك لم أجد ما أردت من وصف للأندلس، لا أنصح به إلا من يريد الاستزادة في التفاصيل الجغرافية.
وقد تَنْطِقُ الأشياءُ وهْيَ صَوَامِتٌ وما كُلّ نُطْقِ المُخْبِرينَ كلامُ
-أبو العلاء المعري
الريحاني فعل المستحيل فقد أحيا الميت وأستنطق الصامت وحرّك الجامد وأشعل المشاعر بحسن وصفه وبديع كلامه وجمال رحلته، ودك انه ما وقف كتابة كما قال الشاعر الشعبي: أحدٍ يصب السلسبيل العذب لا صب الحبر اليا انهمر فوق الورق ما ودك يوقف يديه
كتاب واضح من العنوان ، كتاب يتحدث فيه المؤلف عن رحلته التي كان يتمناها من زمن إلى الفردوس المفقود إلى جوهرة أوروبا ونورها المضيء في زمن من الأزمان ، تحدث في بدايته عن المغرب ثم عن الأندلس وعن الفن والأماكن والمدن والملوك والأمراء والنهوض ثم السقوط وياله من سقوط، أطال بعض الشيء في حديثه عن الفن والفنانين ثم أبحر في التاريخ والأحداث والوقائع وما رآه وما سمعه ، كتاب جيد ولن يكون الأخير لي في سلسلة بلاد الأندلس وأحداثها وماجاورها، وإني لمسترسل فيها ان شاء الله .
زاوية مختلفة للقراءة عن الأندلس من خلال قلم مسيحي عربي غير متعصب، الحقيقة الرحلة والوصف ليسا كفاية ولا يشفيان الغليل! ليس لقدم الزمان إنما لاهتمامه باللغة والوصف أكثر من الحديث عن الاثار والمواضع، ولغته فوق التقييم لقوتها وجودة مايكتب، مللت عند حديثه عن الفن الاسباني بعد حديثه عن كنيسة اشبيلية لكن الباقي سلس، وفيه اسقاطات كثيرة بسبب الزمان عن وضع العرب حينها، من حيث الاستبداد والتحرر من الاستعمار والعصبية والتفرق وغيرها أثقلت الكتاب.
كلمات هذا الكتاب مطرّزة بأسلوب أدبي رائق جميل لم أكن اتوقعه! يعيبه بعض التحفظات التاريخية و استطراد الكاتب في حديثه حول فن العمارة في الفصل الثالث (إشبيلية) حتى كاد أن يخرج الكتاب عن موضوعه الذي هو - بالمناسبة - عبارة عن سرد لمشاهد صادفها الكاتب خلال رحلة قادته إلى اسبانيا عام ١٩١٦م