هو ذلك الذي يجعل الرأس لايشيب بل يستديم مخضراً لضجيج الحياة تحته، والملفت أن حجرة المجنون التي رماها في البئر، لا يستطيع ألف عاقل على إخراجها مرة أخرى .. وبذلك يكون قد حرّك الماء الراكد، وعن سر الجنون الأعظم، المجنون حباً، هنا أتحدث.
إن عنصر الجنون هو الرمز المفقود لمثلث السعادة الأمثل.. مع "الله، النفس، الناس" وعنصر اليقظة للأمة التي غلبها الوقار حتى استحال نعاسا
لم أفهم يوماً مقولة "بين العقل والجنون شعرة"، حتى قرأت جـنّْ..
كنت دائماً أستمع لقصص العباقرة والمخترعين "غريبي الأطوار"، أصحاب الطقوس الخارجة عن الإطار "الطبيعي"، لم أكن أفهم سر هذه العلاقة الغريبة والمتكررة بين الجنون والإنجاز، بين الخروج من النمط و"الطبيعي" إلى طريق السعادة.
وجاء جُنّ لتأكيد الصلة، مستعيناً بأمثلة لهؤلاء المجانين، ومحو الصورة الشائعة في أذهاننا للجنون. "الجنون هو الممكن المتأصل فينا" الشاعر عبدالقادر مكارثا.
ثم جاءت قصة سعدون، لكي تضيف اللمسة الروحية في الكتاب، الشيء الذي جعلني أنهي الكتاب وأنا أشعر بنشوة عجيبة، ورغبة في إعادة قراءته حتى أكون في عزوة المجانين.
كتابٌ خفيف ولكنه ثقيل، أنهيته في أقل من ساعتين ولكنه يحتاج لقراءة ثانية وربما أكثر.
هنا أنت بين خيارين .. أما أن تعيش وفق رتابتك..و تابعا لعقلك .. فلا تقع في المخاطر .. و تبقى فيما هو آمن لك... فلا للخطأ حينها .. و موت رتيب
أو أن تعيش على إيقاعات جديدة و استكشاف مجهول ... مجرب لأمور لم تعهدها من قبل .. متجاهل ما سيقوله الناس عنك. .. و غارق في مشاعر تحس بها لأول مرة ربما لتحيي فيك جنونا يفضيك إلى عين العقل ..
بعد أكثر من سنتين لقراءة مستنكرة لتلك العبارة التي كتبت على أحد الجداران " المجد للمجانين في هذا العالم البليد " .. كتاب " جن " وضح لي أين يكمن مجدهم.. فكرة الكتاب و ما احتواه عمييق ، بين طيات الكتاب ستتغير الكثير من المفاهيم التي كنت تحملها حول الجنون .
في أوّل صفحة كان هناك رجل يطلب من اللّه " حفنة من مجانين " بدا لي أنه من المعقول المنطقي حفنة من العقلاء! ثم أخذني عن طلبه بعيداً قضية أنشتاين التي تقوده للجنون والتي هي " معضلة هل أنا المجنون حقاً أم أن الآخرين هم مجانين " ؟ ففي كثير من المواقف والآراء والأفكار ،أقوله بصيغة أو بأُخرى بيني وبيني ، ثم يحصل أن لا أُرجّح كفة الآخرين على كفّتي كوني وحدي! تعلّمت فيما بعد أن لا أبقى أتكلم عن مواقفي وأفكاري على الملأ طوال الوقت ،فهي قابلة جداً للتعديل ، وما أقبله اليوم ربما أرفضه غداً ، وما يكبر بعيني الآن ربما يصغر غداً فكل شيء في قائمة الإمكان مالم يذرني عنه قائم البرهان! ذُكر في الكتاب أن " الجنون ما يرسمه الإبداع لا العقل" وأن العادات والمفاهيم المتوارثة أصبحت صور ذهنية تتحكم بتصرفاتنا ، وأقولُ أنها تُحجّم عقولنا وتختار لنا طريقاً مُستهلكاً لدرجة مقيتة أيضاً أعجبني هذا القول ، فالذي اعتدناه هو المنطقي المعقول وأي شيء سوى ذلك يكون حُمقاً وسفاهة! وكلما كان الإنسان أكثر انصياعاً للضوابط كان أكثر عقلاً لديهم - أما واقعاً فهو بالتأكيد أقل حركة وفاعليّة - بدا لي أن ربما أجمل مافي المجانين أنهم أحرار ، لا يتبنون آراء المجتمع يفعلون ما يرون أنه اللائق الأنيق الجميل لأنهم يرونه هم كذلك ، لا لأن الناس يرونه حُسناً أو قُبحاً فهمت من الصفحات اللاحقة أن الجنون هو حريةُ وعيٍ نزيه ، ثم تطوراً في قصة هنتر باتش آدمنز! قيل في بداية الكتاب لنضع أنفسنا مكان كل مجنون فالمُخيّلة أهم من المعرفة حسناً. . . . ربما لو كنت مكانه وبلغ بي أن يئست من الحياة ثم حاولت الانتحار وفشلت ، ومن قبله ماركوني الذي وضعه أصدقائه في مستشفى الأمراض العقلية! بعد كل هذا يخطر على بال المرء أن هناك طريقان لا ثالث لهما إمّا تراشق الشتائم مع النفس والحياة والناس وصَب العداوة والبغضاء على كل ما يقع تلمحه عيني ، أو الاستسلام والحزن والتقوقع على الذات وانتظار الموت ربما! لكن أن يتولّى الله ذاك المجنون ويرعاه ثم تصدُق نفسه ويُخلص سعيه كان ذالك كفيلاً بأن يخلد ذكره ،في حين أن كثير من العقلاء قد اندثر ذكرهم هناك شيء لا أعلم صحته أن ربما كل مجنون له جنونه الخاص كلٌ له طابعه المختلف ولا يُغني أحدهم عن الآخر ، على عكس العقلاء الذين ربما يكون من الواحد آلاف النسخ تقليداً واتّباعاً حتى في بعض القصص عن المجانين رأيت أن ذلك المجنون نفسه يختلف جنونه بين حين وآخر فربما يتسامق حتى يبدو عبقرية ، أو ينحدر حتى يبدو جنوناً خالصاً - كالذي باع ولاية الكعبة بزقٍ من خمر- !
اعتقد أني فهمت شيئاً لن يذكره الكتاب أن الجنون يكون وساماً فقط عندما يكون تمرُّداً على الرذيلة والسوء والجاهلية سعياً للإصلاح والفضيلة أما أشد ما أثر بي في الكتاب هو سعدون...... سعدون المجنون ، كنت قد حمّلت له كتاباً فيه أشعاره ، قرأت به سطوراً ثم نسيته كعادتي مع الكثير من الكتب سعدون القائل: أتتركني وقد آليت حلفاً بأنك لا تُضيّع من خلقتَ! تخيّلت سمته الأشعث الأغبر وعلامة التعجّب تلك بين عينيه ، حركته القلقة الكثيرة وعيناه التي تقتبس من السماء طُهراً ، واختلاف الناس فيه أيضاً سرحتُ كثيراً بأن كان على هذه الأرض مجنوناً بهذا النقاء وهذه الهيبة ، نعم هيبة لا أعلم لمَ وقعت هيبته في قلبي مجنون جمع هيبةً وطيبةً وحكمةً ! حتّى الأشعار التي كتب على قميصه قرأتها دهشةً ومعرفة! ربما عاجزة عن التعبير ، ما أطيبه قلباً رقّ فاشتاق فاجتهد فهبّت عليه نسائم الجنّة. -" ألهذا ضحكت؟ " سأل ذو النون سعدون عندما أنشده الأخير ( وقم إذا قام كل مجتهدٍ .......وادع لكيما يقول لبيكَ) صادق الحب يُملي صادق الكلم ، يُبكى في مناجاته ويَبكي حتى سُمع وقع قطر دمعه على فُرُش المسجد. ثم ابتسمت طويلاً جداً قوله للقوم بصحبة الإمام مالك بعد خروجهم يستسقوا لقحطٍ أصابهم ( بقلوب سماوية أم بقلوب خاوية؟) ثم " يا بطّالين " أتمنى لو ألقاه يوماً .....
في النهاية لست مع أن يكون الناس كلهم مجانين ، " حفنة مجانين" تكفي ، سر الجمال أن يُكمل الناس بعضهم بعضاً ومجتمع بلا مجانين بائس كمجتمع كله مجانين في السؤال : هل أنت مجنون ؟ إذ كان.يُقصد به قلب سعدون أو ذاك الذي اتُهم به الرسول الكريم ، أو صرخة لا اختلافاً عن القطيع الذي لا يُجيد سوى هز الرؤوس والأذناب ،فإني أسعى والله أسأل أن يرزقنيه.
من أجمل ما قرأت فكرة جديدة ومضمون ادبي فلسفي عميق ، وجدت نفسي في قصة جبران خليل جبران واقنعته السبعه ، مفهوم رائع لطبيعتنا مع دنيانا ومجتمعناتنا ولطيف عن جنوننا وتحررنا ....
'دمج التناقض حتى يبدو مألوفآ قد يكون هو سر الجنون الأعظم' اجد متعة القراءه في كتب ذو سرد بصياغة ادبيه رائعه كنت ساكتفي ب نجمتان لجمال ورونق الكتاب خارج وداخله ولكن انتهى بي الحال ب٣ ..
أطلق جنونك فك أسره ومن ثم ألحق به لا تحاول إلتقاطه لا بل أركض بمحاذته. كتاب جميل ممتع وشيق ! يحتوي المثير من الحكم المجنونه والجنون العذب استمتعت بقرأته وأمسيت مجنونه