يزدحم المشهد الثقافي بالعشرات من المواهب الأدبية; التي ترى في الكلمة متنفساً لها، ووسيلةً تُعبر من خلالها عما يجول في أعماقها من مشاعر وأفكار يمتزج فيها الخاص بالعام، والانا بالآخر، والهمّ الوطني بالهمّ العربي فالكلمة المتوهجة هي أساس التنوير الذي لا بدّ منه حتى يحدث التغيير، وهي قادرة على تجاوز حدود الزمان والمكان، بحيث تجد فيها الأجيال القادمة ضالتها المنشورة، وربما كنّا -هنا في فلسطين- من أحوج الناس إلى تفعيل الكلمة، وشحنها بطاقات تعبيرية; تجعلها قادرة على نقل ما يدور في خَلَدنا إلى العالم المحيط بنا.
وهذا ما صنع شاعرنا عبد الرحمن شبانة; في باكورة إنتاجه <<اجتراح المكان>>، فقد تحالف مع الكلمة وجسّد بها الواقع الفلسطيني المعيش، بكل ما فيه من مأساوية:
هذا الشعب يحلم بالحريـة، وينتظر الغوث والمساعدة من أشقائه العرب، لكن وبكلّ أسف، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فيصيبه الإحباط، ويكتشف أنه مجرد وهم، وسراب.
أتريد أن تصلح الدنيا وانت سرابُ؟!
ويتحوّل إلى اصطناع أسلوب السخرية المريرة، والنقد اللاذع، ويتمرد على الثوابت التي تربّى عليها، مثل: بـلاد الـعـرب أوطانـي.. و سـجّـل أنـا عـربـي.. فهذه القيم ذهبت إلى غير رجعة، وعلينا -حسب رأيه- أن نتبنى ثقافة جديدة، فلا تُسجّل أنا عربيّ، فالعروبة أَضحت كما قال الشاعر نزار قباني:
أنا يا صديقة متعبٌ بعروبتي فهل العروبة لعنةٌ وعقابُ؟
فبلاد العرب قد جارت، وعليه ينبغي أن يكون نشيدنا القومي:
بلاد العرب أحزاني فلا شامٌ ولا يمنٌ ولا في مصر عنواني
غير أن الشاعر الإنسان يبحث عن نافذة كي يخرج من هذه المرحلة السوداوية، فينهض من بين الركام، وتمتزج عنده مشاعر الأسى واللوعة والأمل، واستشعار القدرة على الفعل، ويردّد:
بؤساً أكثرهم انا بأساً أكثرهم أنا
ويتغلب البأس على البؤس، لتبداً مرحلة الإشراق، مرحلة اجتراح المعجزة، وتحقيق الحلم، على يد البراعم الواعدة، من أبناء هذا الشعب المُتشبت بالحياة على أرضه...:
وطني لن يَدمى موّالي وطني وفيك طفل يكبر وفيك طفل يكبر _____________________ د. ختام سعيد سلمان