تلك المعجزة الخالدة هي القرآن الذي يتحدي الأجيال كلها أن يأتوا بمثله ، لا يأتون بمثله ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، كما ذكر الله سبحانه وتعالي في محكم التنزيل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، هو حجه الله علي خلقه، وحجه النبي صلي الله عليه وسلم في رسالته، وسجل الشريعة المحكم في بيانه، وهو المرجع عند الاختلاف ، والحكم العدل عند الافتراق، وهو الطريق المستقيم المرشد عن الاعوجاج، من سلكه وصل ، ومن لجأ إليه اهتدى.
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بـأبي زهرة المولود في المحلة الكبرى التابعة لمحافظة الغربية بمصر في 6 من ذي القعدة 1315هـ الموافق 29 من مارس 1898م نشأ في أسرة كريمة تحرص على العلم والتدين.التحق الشيخ بأحد الكتاتيب التي كانت منتشرة في أنحاء مصر تعلم الأطفال وتحفظهم القرآن الكريم، وقد حفظ القرآن الكريم وأجاد تعلم مبادئ القراءة والكتابة ثم انتقل إلى الجامع الأحمدي بمدينة طنطا وكان إحدى منارات العلم في مصر تمتلئ ساحاته بحلق العلم التي يتصدرها فحول العلماء وكان يطلق عليه الأزهر الثاني لمكانته الرفيعة.
وقد سيطرت على الطالب أبي زهرة روح الاعتزاز بالنفس واحترام الحرية والتفكير وكره السيطرة والاستبداد وقد عبر أبو زهرة عن هذا الشعور المبكر في حياته بقوله: ولما أخذت أشدو في طلب العلم وأنا في سن المراهقة. كنت أفكر: لماذا يوجد الملوك؟ وبأي حق يستعبد الملوك الناس؟ فكان كبر العلماء عندي بمقدار عدم خضوعهم لسيطرة الخديوي الذي كان أمير مصر في ذلك الوقت.
وبعد ثلاث سنوات من الدراسة بالجامع الأحمدي انتقل إلى مدرسة القضاء الشرعي سنة 1916م بعد اجتيازه اختباراً دقيقاً كان هو أول المتقدمين فيه على الذي أدوا الاختبار مثله بالرغم من صغر سنه وقصر المدة التي قضاها في الدراسة والتعليم وكانت المدرسة التي أنشأها محمد عاطف بركاتتعد خريجها لتولي مناصب القضاء الشرعي في المحاكم المصرية. ومكث أبو زهرة في المدرسة ثماني سنوات يواصل حياته الدراسية في جد واجتهاد حتى تخرج فيها سنة 1924م حاصلاً على عالمية القضاء الشرعي ثم اتجه إلى دار العلوم لينال معادلتها سنة 1927م فاجتمع له تخصصان قويان لا بد منهما لمن يريد التمكن من علوم الإسلام.
وبعد تخرجه عمل في ميدان التعليم ودرس العربية في المدارس الثانوية ثم اختير سنة 1933م للتدريس في كلية أصول الدين وكلف بتدريس مادة الخطابة والجدل فألقى محاضرات ممتازة في أصول الخطابة وتحدث عن الخطباء في الجاهلية والإسلام ثم كتب مؤلفاً عد الأول من نوعه في اللغة العربية حيث لم تفرد الخطابة قبله بكتاب مستقل.
ولما ذاع فضل المدرس الشاب وبراعته في مادته اختارته كلية الحقوق المصرية لتدريس مادة الخطابة بها وكانت تعنى بها عناية فائقة وتمرن طلابها على المرافعة البليغة الدقيقة. كان الإمام محمد أبو زهرة أحد أفذاذ العلماء في عصره وكان صاحب حضور قوي وكلمة مسموعة ورأي سديد يلاحق الزيف ويسعى لقطع دابره، ينير للمسلمين طريقهم، وظل هكذا حتى نهاية حياته.
الكتاب من ثلاثة أقسام: 1- نزول القرآن: وفيه الحكمة من نزوله متفرقًا، والمكي والمدني، وجمع القرآن وكتابته، وقراءات القرآن وفوائدها. 2- إعجاز القرآن: وفيه سر الإعجاز، ووجوه الإعجاز، والصرفة وبطلانها، والتآلف في الألفاظ والمعاني، وتصريف البيان، والتكرار، وأسلوب القصص في القرآن، والاستفهام والنفي، والحقيقة والتشبيه والاستعارة، والمجاز والكناية، والنظم، والفواصل، والعدالة، والأسرة، والعلاقات الدولية، وغيرها. 3- تفسير القرآن: وفيه التفسير بحسب القواعد التي مشى عليها السلف، وفيه التفسير بالرأي، والظاهر والباطن، وترجمة القرآن.
استفادتي قليلة من الكتاب لأسباب منها: أنني اطلعت خلال سنوات المدرسة على الكثير مما قيل -والكثير من الآيات المسرودة بطبيعة الحال-، بالإضافة إلى وجود الحشو*، لذا ستكون استفادة غير المسلم أكثر لاشك. هناك بعد عاطفي تميز به الشيخ أبو زهرة، فلعل كتبه الأخرى فيها من هذا. - *الحشو لا يعني بالضرورة انعدام التبيين والتفصيل العلمي لمباحث الكتاب، بل زائد عليهما فقط، بمعنى أخذه لصفحات كثيرة.