منذ بدايات العصور التاريخية، كانت كلمة «قبطي» تُطلَق على الإنسان المصري القديم، ولم يكُن هذا الاسم في ذلك الوقت يحمل في طيَّاته أيَّ دلالة دينية، ولكن عقب دخول العرب ﻟ «مصر» أثناء الفتح الإسلامي، أصبح لهذه الكلمة دلالةٌ أخرى، فصارت تُعبِّر عن معتنقي الديانة المسيحية تمييزًا لهم عن غيرهم. عن كل ذلك وأكثر، يحدثنا «توفيق عزوز» في هذا الكتاب، شارحًا لموجز تاريخ الأقباط في «مصر» منذ فجر التاريخ حتى العصر الحديث، فيعرفنا على أصلهم وسبب تسميتهم بهذا الاسم، ويتحدث عن بعض عاداتهم القديمة المشهورة، ودياناتهم ولغتهم، وأعظم ملوكهم وحُكامهم، مشيرًا إلى الصراع التاريخي الطويل الذي خاضه ملوك الأقباط لأجل الحفاظ على حُكمِهم للبلاد، هذا بالإضافة إلى الوقوف على أحوال الأقباط في العصر الحديث، فيذكر لنا أهم أعيادهم، وأشهَر مدارسهم وكنائسهم وجمعياتهم.
وُلِدَ عزوز في القاهرة عام ١٨٧٧م وقد كان مغرمًا بمهنة الصحافة منذ شبابه؛ فحرر العديد من الصحف والمجلات؛ مثل «جريدة الشرق» الأسبوعية ومجلة «الأجيال» ثم «جريدة التلغرافات الجديدة» اليومية وغيرهم.
اهتم عزوز بدراسة التاريخ القبطي، ويُعَدُّ مؤلَّفه «الهداية التوفيقية في تاريخ الأمة القبطية» من أهم الدراسات التاريخية التي تتبعت أحوال الأقباط عبر التاريخ المصري.
الكتاب يبدأ بالحديث عن الأمة القبطية من قبل التاريخ أي قبل ظهور حتى الديانة اليهودية .. وهو الوصف الذي كان يعرف به كل مصري ولم يكن وقتها إسم يختص بطائفة بعينها .. ويستعرض بشكل سريع الحكام والأسر الذين توالوا على مصر .. مع نظرة خاطفة على أعمالهم حسنها وسيئها .. وكذلك المستعمرين الذي دخلوا مصر مثل الرعاه الهكسوس أو كما سماهم العرب العمالقة والفرس واليونانيين والرومان وأخيراً العرب .. والذين لم يعطهم الكاتب حقهم ، ولكنه أكد على أن دخولهم أنقذ الأقباط من الهلاك على يد المحتل الروماني ، مما جعل الأقباط يتعاونون معهم على إخراجهم .. وأشار الكاتب إلى مدى البؤس والقهر الذي عاشت فيه الامة القبطية (ولازال المقصود بها المصريين عامة) في عصر دولة المماليك.
رغم أن الكاتب ألقى الضوء على تحول الأمة القبطية إلى المسيحية في عهد الرومان ومبالغته (غير الصحيحة) في أن كل المصريين إعتنقوها كلياً .. إلا أنه أغفل ذكر ذلك تماماً عند حديثه عن دخول العرب مصر وتحول أغلبها إلى الديانة الإسلامية .. حتى لا يقول أن القبط تحولوا إلى الإسلام ، فيناقد نفسه بعد ذلك عند تخصيص المسيحيين فقط بهذا اللقب .. وقد ختم الفصل السادس عشر الخاص بدخول الإسلام مصر بعبارة:
"ولم تكن بلاد القبط وقتئذ محتوية على عنصر واحد كما كانت اولاً ، بل صارت عنصرين وطنيين ، وهما العنصر القبطي الأصلي الذي كان محكوماً ، والعنصر الإسلامي العربي الذي كان حاكماً"
وهي عبارة مليئة بالأوهام .. فمصر لم تكن تحتوي على عنصر واحد أولاً كما زعم .. حتى المسيحيين أنفسهم لم يكونوا عنصر واحد بل كانوا عدة طوائف متشرزمة متناحرة .. ووصف القبط بأنهم العنصر الأصلي والمسلمين بالعنصر العربي لإيحاء خرافي بأن المسلمين الموجودين لم يكونوا من أصول مصرية بل كانوا من أصول عربية .. وتلك هي النعرة السائدة والإعتقاد الواهم الذي يفتقر لأي دليل عقلي أو تاريخي أو علمي !
في الباب الثاني يبدأ الكاتب باستعمال كلمة القبط بمعناها العنصري الطائفي الذي يختص طائفة بعينها شأنه شأن غيره ممن أسماهم الكاتب يوسف زيدان بالمتأقبطين.
الكاتب كثير التملق والتودد إلى الحكام وأصحاب الشأن .. وتلمح ذلك في الإهداء والمقدمة والباب الثاني خاصة عند ذكر إسم الخديوي ، وحين حديثه عن حكم الدولة العلوية التي أسسها محمد علي جعل عنوان الفصل "حكم الدولة المحمدية العلوية الفخيمة" .. وهو عنوان عظيم الفخامة يشذ عن باقي العناوين !
الكاتب أسلوبه اللغوي فصيح و بليغ، ويستخدم الأسلوب المسجوع الذي كان سمة هذا العصر .. ورغم أنه مسيحي إلا أنه يقتبس بعض المفردات القرآنية في صياغة عباراته.
كم هائل من الأزمنة يستعرضها الكتاب بشكل مختصر جدا ووصف جدير بالاحترام عن الاقباط مذ نشأوا وترعرعوا من ألاف السنين قبل ميلاد السيد المسيح حتى زمن البشوات والبهوات في مصر .