«شكسبير»، ذلك العَلَم الذي ملأ الأرض شعرًا وأدبًا، أديبٌ مُبدِعٌ، ارتفع بفكره وكتاباته إلى أسمى المنازِل وأرفع المراتب؛ فاستحقَّ الثناءَ والحفاوةَ، إنه الأديب الذي ترك للإنسانية عظيمَ الأثر كما يقدِّمه لنا الكاتبُ الكبيرُ «عباس محمود العقاد» في دراسة كافية شافية لكلِّ ناهل من نبع هذا الأديب الإنجليزيِّ الكبير. يحدِّثنا عن مولده، وأسرته الريفيَّة، وكيف تأثَّر بها، يحدِّثنا عن تعليمه وطريقِهِ للنبوغ وللمكانة العالميَّة، متقصِّيًا الحقائقَ والأسانيدَ الثابتة، متتبعًا الآراء المختلفة يناقشها ويتبنَّى أفضلَها، ولم يُغْفِل «العقاد» في بحثه القيِّم هذا تلك القضيةَ الهامَّةَ التي أُثِيرت منذ قرون وحتَّى العصر الحديث، قضيَّة الشك في نسبة بعض مؤلَّفات شكسبير إليه، بل وإنكار تراثه بأكمله، فقدَّم«العقاد» حججَ وبراهينَ المؤيِّدين، كما قدَّم حججَ ومزاعمَ المُنكِرين.
ولد العقاد في أسوان في 29 شوال 1306 هـ - 28 يونيو 1889 وتخرج من المدرسة الإبتدائية سنة 1903. أسس بالتعاون مع إبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري "مدرسة الديوان"، وكانت هذه المدرسة من أنصار التجديد في الشعر والخروج به عن القالب التقليدي العتيق. عمل العقاد بمصنع للحرير في مدينة دمياط، وعمل بالسكك الحديدية لأنه لم ينل من التعليم حظا وافرا حيث حصل على الشهادة الإبتدائية فقط، لكنه في الوقت نفسه كان مولعا بالقراءة في مختلف المجالات، وقد أنفق معظم نقوده على شراء الكتب.
التحق بعمل كتابي بمحافظة قنا، ثم نقل إلى محافظة الشرقية مل العقاد العمل الروتيني، فعمل بمصلحة البرق، ولكنه لم يعمر فيها كسابقتها، فاتجه إلى العمل بالصحافة مستعينا بثقافته وسعة إطلاعه، فاشترك مع محمد فريد وجدي في إصدار صحيفة الدستور، وكان إصدار هذه الصحيفة فرصة لكي يتعرف العقاد بسعد زغلول ويؤمن بمبادئه. وتوقفت الصحيفة بعد فترة، وهو ماجعل العقاد يبحث عن عمل يقتات منه، فاضطرإلى إعطاء بعض الدروس ليحصل على قوت يومه.
لم يتوقف إنتاجه الأدبي أبدا، رغم ما مر به من ظروف قاسية؛ حيث كان يكتب المقالات ويرسلها إلى مجلة فصول، كما كان يترجم لها بعض الموضوعات. منحه الرئيس المصري جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية في الآداب غير أنه رفض تسلمها، كما رفض الدكتوراة الفخرية من جامعة القاهرة. اشتهر بمعاركه الفكرية مع الدكتور زكي مبارك والأديب الفذ مصطفى صادق الرافعي والدكتور العراقي مصطفى جواد والدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ.
"كاتب الأعاجيب ليس في سيرته خبر عجيب. يقال هذا ويعاد في مفتتح السير التي تروي لنا عجائب الأخبار في الواقع والخيال…وأصدق ما تقال هذه الكلمة حين تقال عن وليام شكسبير، صاحب الروايات التي امتلأت بعجائب السير من وصفه ومما صنعه على يديه، ولا عجيبة في سيرته من يوم مولده إلى يوم وفاته، إلا ما كتبه بقلمه وابتعثه على مسرح التمثيل ثم أبقاه على مسرح الحياة كأبقى ما يبقى الخلائق الأحياء."
إن شكسبير من كبار مبدعي الإنسانية، لا مراء في ذلك. وقد سلم من عوادي الزمان والنقاد القرون تلو القرون وهو على مكانته السامية في نفوس أهل الآداب. أقول سلم مع أنه لم يبذل من نفسه شيئاً ليسلم، بل إن بعض ما تركه وتصرف به من أعماله كان سبباً في تشكيك الناس في إبداعه. وإخال أن الله لو بعثه في زماننا لما بالى كثيراً ولا قليلاً بتهويل المهوّلين من المعجبين والمتشككين، كما أنه لم يبالِ في حياته بشهرة ولا مجد ولا محمدة حين آثر الانصراف من لندن إلى قريته المنزوية ستراتفورد وهو في الخامسة والأربعين.
ألمّ العقاد بشتى جوانب هذه الشخصية وتراثها إلماماً أغنى عن التوسع والتدقيق فيها. والكتاب في الجملة كتاب جيد، ولكن شانه نمط رتيب سار عليه، وشيء من الجفاف بدا على عبارته. والعقاد-كعادته في كتابة السير-يختار شخصية يحبها، لأنه يخشى إن تناول شخصية لا يحبها أن لا ينصفها كما قد قال ذات مرة في لقاء. ولكن هذا الحب مع شكسبير حاف قليلاً على التناول الموضوعي. فلو كنتُ مثلاً قارئاً يشكك في امتياز شكسبير في كتّاب الإنسانية، أو قل كنتُ قارئاً لم يدرك فكرة الإبداع عنده ولم يلمس جانب الفرادة فيه؛ لن أستطيع أن أنتفع بما كتب العقاد، لأن الكتاب بداءةً يتوقع منك التسليم بهذه العبقرية الشكسبيرية ثم الولوج إلى فصوله، وهذا خلل كبير. وتشعر مرات أن العقاد نفسه تاه في اختلاف النقاد فما عاد يقدر على تحديد جوهر الإبداع الشكسبيري لقارئه. وربما يعذر العقاد، فشكسبير عويص، والقراءة عنه ثقيلة، وخير من ذلك وأجدى، بل وأمتع وأحلى، هو القراءة له فوراً، فمسرحياته ستمتع الرجل المثقف كما تمتع الرجل البسيط. وقد حكى العقاد أن الشيخ سلامة حجازي-أحد رواد المسرح العربي-حينما عرّب شكسبير كان هو الذي يؤدي غناء خواتيم المسرحيات، التي عادة ما يجعلها شكسبير شعراً حارّاً. يقول العقاد أن إعجاب المصريين استوى عند النقاد المثقفين الذين درسوا بأوروبا وعند العامة البسطاء الأميين، وتلك روعة شكسبير. إنها روعة المبدع الذي يبدع للإنسان أولاً، ويجعل الاعتبار الإنساني على سنّ قلمه حين يكتب. والعقاد يعوّل كثيراً على الاتجاه الإنساني عند شكسبير وكأنه يراه السمة الأولى لعبقريته التي استحق بها الخلود.
يُلحظ في الكتاب-ولا سيما فصله الأخير-أن العقاد كان يدافع عن ترجمة شكسبير إلى العربية ودرس تراثه وتناوله، ويكشف عن أهمية شكسبير التي لا مثيل لها في عالم الآداب، يفعل ذلك وكأنما يرد على أناس قالوا بخلاف هذا. وأظن-والله أعلم-أن مصر بعد ثورة 1952م ارتفعت فيها أصوات تنادي بالقومية العربية ونفي كل ما علق من أوضار الاستعمار الإنجليزي، ومن ذلك مسرحيات شكسبير (الذي كان يدرّس في المدارس المصرية زمن الاستعمار) وأقدّر ارتفاع هذا الصوت عالياً بعد العدوان الثلاثي عام 1956م. وهنا انبرى العقاد لينافح عن شكسبير، ويقول أن تراثه تراث إنساني لنا نحن العرب والشرقيين حصة وافرة منه لا ينبغي لنا التنازل عنها. أقول هذا على سبيل الظن، لأن العقاد أصدر كتابه هذا عام 1958م.
يتجلى في الكتاب الأسلوب الرصين للكاتب، كتابة رفيعة المستوى، يبحر في عمق شكسبير من أبعاد متنوعة، متضلع في البحث عنه، ما عابه بالنسبة لنا، تعمقه في نواحي لا تعنينا وهي تعني الطبقة المختصة حد الاسفاف والترف. الكتاب قيم لولا النواحي المترفة في البحث والتي اصابتنا ببعض الملل، نتطلع لمطالعة كتاب آخر للمؤلف.
This entire review has been hidden because of spoilers.
حينما يكتب العقاد في السير والتراجم، تفيض الأفكار والمعلومات من قلمه السيال، جامعاً كل الخيوط الذاتية والموضوعية لرسم صورة صادقة عن المترجم له، وهكذا فعل وهو يعرف بشكسبير فيدون للقارئ بطاقة شخصية مطولة عنه، يسطر فيها روح عصر شكسبير وخصوصية انجلترا في ذلك الوقت لعزلتها بين أمواج البحر، ويبين دور الأسرة والفارق بين تطلعاتها المحدودة وطموح أعظم شخص ولد فيها، بل أحد أعظم الأسماء في التاريخ، ويبرئه من تهمة الانتحال التي اتهم بها زوراً أو جهلاً، ويصور طبيعة شكسبير الكاتب المسرحي وشكسبير الشاعر، مسجلاً آراء الأدباء فيه كفولتير وتولستوي،وكيف يتم تطبيق النظريات النفسية الحديثة علي أبطاله، ولماذا تحول لأيقونة عالمية في مختلف الدول، حتي ولو كانت تعادي إنجلترا إلا أن أعمال شكسبير برونقها اللامع طغت علي أي خلاف سياسي أو عسكري، وكيف تلقفته الثقافة الشرقية، الكتاب يجيب علي العديد من الأسئلة حول واحد من أعظم أدباء بني البشر، الرجل الذي أدخل في اللغة الإنجليزية كلمات صكها وختم عليها لم تكن تعرفها من قبل، والعبقري الذي صور شخصيات حية أكثر من الأحياء أنفسهم كهاملت وعطيل والملك لير... إنه خير استفتاح لمن يقبل علي خشبة المسرح الشكسبيري لأول مرة ولا غني عنه للمهتمين بأعمال شكسبير وحياته، لأنه يلقي الضوء علي الكثير من الألغاز والمشكلات التي أحاطت بشخصيته، فلا تضيع الوقت واجلس مع العقاد ليقدم لك شكسبير الرجل والفنان.
🔴 كتاب : التعريف بشكسبير (عبقرية شكسبير) - الكاتب : عباس محمود العقاد رحمه الله - عدد الصفحات : 160 صفحة ✨----------✨ ✴️ العقاد و لغزارة معرفته و نباهة عقله و كثرة إطلاعه يُقدِّر الشخصيات المؤثرة و ينزلها مكانتها لما قدمته للعالم من عبقرية و نبوغ، سواءا في السياسة او العلوم او الأدب، لذا حاول دائما أن يخصص لكل شخصية كتاب يدرس فيه جوانبها الشخصية و مآثر العبقرية لديها، فيناقش سيرتها و أسباب تفوقها، كما يستعرض الآراء المختلفة حولها من نقد و تأييد فيمحصها و يرجح المقبول و يقصي الغير معقول منها، في هذا الكتاب يقدم لنا شخصية أدبية خلدت مكانتها في التاريخ بمساهمتها في تطور الأدب و الفنون عالمياً، من رواية و شعر إلى تمثيل و مسرح. ✴️ شكسبير الأديب الإنجليزي الذي بلغ صيته العالمية و تجاوز تأثيره العصور، نبغ نجمه في لندن و ذاع صيته بين الناس، حيث كان يعتبر اشهر مؤلف مسرحيات و افضل الشعراء و الروائيين، قدم العديد من الأعمال الفنية الخالدة منها تاجر البندقيه و هملت، روميو و جولييت و مكبث، تميز أسلوبه بالواقعية و التراجيديا بالإضافة إلى لغته المعبرة و فكره العميق ✴️ قدم لنا الأديب الكبير العقاد دراسة كافية شافية لكلِّ ناهل من نبع هذا الأديب الإنجليزيِّ الكبير. حيث يستعرض لنا مولده و نشأته الريفيَّة، و أثرها على حياته، كما يحدِّثنا عن تعليمه وطريقِهِ للنبوغ وللمكانة العالميَّة، متقصِّيًا الحقائقَ والأسانيدَ الثابتة و متتبعًا الآراء المختلفة يناقشها ويتبنَّى أفضلَها، ولم يُغْفِل «العقاد» في بحثه القيِّم هذا تلك القضيةَ الهامَّةَ التي أُثِيرت منذ قرون وحتَّى العصر الحديث، قضيَّة الشك في نسبة بعض مؤلَّفات شكسبير إليه، بل وإنكار تراثه بأكمله، فقدَّم لنا حججَ وبراهينَ المؤيِّدين، كما قدَّم حججَ ومزاعمَ المُنكِرين، و تبنى الرأي الاقرب الى الصواب بعيدا عن العاطفة ✴️ كتاب جيد للاطلاع على تفاصيل شخصية شكسبير و معرفة آثاره بمناقشة مثمرة و تحليل شيق #عباس_محمود_العقاد 🌺 #شكسبير 🤍