إن "العقيدة" في تجلياتها الأولى كانت تسير وفق نموذج تسليمي مباشر حيث كان الوحي وقتئد واقعاً معاشاً يتفاعل مع الرعيل الأول وتركزت حينها مسارات التأويل النصي في منطق النبي صلى الله عليه وسلم وتطبيقه للتشريع, قولاً وعملاً وتقريراً ولأن الخلاف العقدي الأول على يد الخوارج نقل العقيدة من طور الانتماء العام إلى طور الانتماء الخاص ومن طور العقيدة كأسس معرفية مسلمة يؤسس عليها العمل وتنبني عليها الحركة إلى طور الصراع حولها والعمل على إعادة تأسيسها, فانتقلت من حقبتها الأولى المُؤسسة (تمارس التأسيس) إلى تطورها التالي حيث باتت مُؤَسّسة (يمارس عليها التأسيس) ولذا كان هذا التغير الوظيفي البنيوي دافعاً لإنجاز هذه الدراسة التي تصدر من مركز نماء, والتي رصد فيها المؤلف تحولات "العقيدة" الأولى إلى مراحل "العقائدية" التالية تمييزاً بينهما في الأسس والوظائف والمناهج والآثار, والتي بدورها أنتجت أنساقاً استدلالية وتأويلية تعتمل في نصوص القرآن سعياً لإكساب المقولات الكلامية مشروعية من النص المؤسس ومن ثم يصير خصمها منازعاً للقرآن, ويتمترس النسق خلفق موافقته "التأويلية" له تقصدت الدراسة الولوج إلى عمق القراءة التفسيرية العقائدية للنص القرآني من خلال تشغيل مفهوم "العقائدية" وتتبع تجليات ذلك في تفسير النص القرآني, من خلال زواياه المتعددة حيث تتناول الدراسة: الواقع العقائدية لذلك , والمناهج القعائدية المنتجة للتشغيل, ثم الآثار التفاعلية التي نجمت عن حاصل الدوافع والمناهج وبالتالي اختبار مدى قبول النص القرآني لهذه النزعات العقائدية والكشف عن منبع الإشكال وأسه, وفي ثنايا الدراسة يسعى المؤلف لاستنطاق سيرورات التأثير والتأثر العقدي مع التفسير القرآني رغبة في تجديد أوجه النظر في البحث الشرعي وتداخلات فروعه وأدواته ومناهجه
كتاب مبهر وددت لو أني كتبته، ما شاء الله تبارك الله يستحق جائزة في الإبداع إبداع في التقسيم، إبداع في استخلاص المناهج، إبداع في تحرير محل النزاع، إبداع في الاستقراء، إبداع في الدقة والانتباه للاختلاف ضمن التيار والمذهب الواحد واختلاف متقدميه عن متأخريه وتأثر البعض بآخرين، وما قبل تصنيف تيار ما وما بعده إبداع في وضوح الفكرة في ذهنه وإبداع في إيصالها بسلاسة وإنصاف لم أجد من عيب فيه سوى الخربطة في أرقام الحواشي في الفصل الأخير ولا... هذه ليست مراجعة طبعا، إن شاء الله أكتب مراجعة عنه إن عدت لكتابة المراجعات 18 تشرين الأول 2017
العقائدية : أي نسق القناعات التي تبناها الإنسان وأثر هذه القناعات على الممارسة المعرفية (تفسير القرآن في حالة هذا الكتاب) من تحيزات وتمظهرات.
ويفرق المؤلف بين “العقيدة” والعقائدية، قد لا يكون التفريق بتلك الدرجة من الوضوح، أو إن كان من الممكن -في هذا العصر- أن يشكل النص عقيدة القارئ، بدون نسق معرفي سابق يؤثر على قراءته للنص من حيث أدرك هذا الأثر أو لم يدرك، ولكن دراسة هذا الموضوع الشائك والمتشعب تم على يد مؤلف تميز بقدر عالي من الانصاف والهدوء في البحث وحسن التأمل والامساك بمفاصل البحث وتقسيماته.
فأنت تنتقل بعد المقدمة التمهيدية التي عقدها لتبيان معنى العقائدية، إلي القسم الأول من الكتاب حيث يطوف معك كاشفا عن دوافع وأهداف “العقائدي” حين يُفَسر القرآن ، ثم تنتقل معه إلي أجمل أقسام الكتاب في نظري (القسم الثاني) حيث يتتبع الكاتب أثر العقائدية في نشوء مناهج التعامل مع النص (القرآن) ، وجعلها منطلقا في استعراض تاريخ نشوء الفرق وتتبع اتجاهاتها ونموها، بما يشبه رحلة في تاريخ الأفكار/المذاهب العقائدية من منظور تعاملها مع النص، فمنهج الإيغال في اعتماد ظاهر النص فحسب (الخوارج)، ومنهج الإيغال في اعتماد باطن/تأويل النص فحسب (الإسماعيلية، الإثنا عشرية الإخبارية، الصوفية)، فالمنهج الذي اعتمد على الوصل بين الظاهر والباطن/التأويل بفرعيه حيث اتكأت فرقة -مع اعتمادها فكرة الوصل بين الظاهر والتأويل- على الظاهر أكثر من التأويل (أهل الحديث)، وخالفتها الفرقة الأخرى حيث غلبت الجانب التأويلي أكثر (المتكلمون: معتزلة/ماتريدية/أشاعرة/ إباضية/ الإثناعشرية الأصولية)، ثم ختم بالمنهج الذي اعتمد فكرة انفصال الظاهر عن التأويل/الباطن(الفلاسفة) . وفي أثناء هذا الاستعراض تجد نفسك مستمتعا بتتبع تاريخ المذاهب والأفكار وكيف تطورت مراحلها وما هي أهم النقلات المعرفية التي أثرت على طبيعتها في تعاملها مع النص ، ولا يخلو هذا من تحقيقات جميلة ولفتات بديعة، سواء أكانت في بطون هذه الفصول أو في مختتم كل فصل حيث يثير معك مجموعة من الاستشكالات التي قد تشغب على الرؤية التي اعتمدها الكاتب. ثم في القسم الأخير -الثالث- في الكتاب يقوم الكاتب بعرض أهم الاستشكالات التي أنتجتها العقائدية وتدافعاتها؛ بما يشبه التلخيص للفصل الماضي أو هو رؤية للفصل الماضي من زاوية مختلفة [إشكالية: (الظاهر /الباطن) (العقل/ظاهر النص) (المحكم/المتشابه) (القرآن/البرهان)] ، ثم ينطلق بك في رحلة في كتب تفاسير هذه الفرق لتقع على نماذج مختلفة من الأدوات المستخدمة في هذا السجال العقائدي بين الفرق، ليصل معك في ختام الكتاب إلي نبذة عن طبيعة النص القرآني وعن مدى وسبب تقبله لهذه النزعة العقائدية/الخلافية وهل ساهم في تخفيفها وكيف؟
أظن أن هذا الكتاب هو كتاب العام .. ممتع جدا، وثري جدا، تذهلني النظرة التحليلية “الرايقة” في جنبات الكتاب (تطور الاتجاه الصوفي وأهم مراحله / التفريق بين الشيعة الإخبارية والأصولية في نظرته للنص/ تطور الحنابلة ودور ابن تيمية في هذا التطوير / التفريق بين الاتجاه الباطني والاتجاه الصوفي..الخ) ولعلكم إن قرآتم المقالة* التي نشرها المؤلف حول مفهوم الخوارج -وهي جزء من مباحث الكتاب- تذوقون جزء من اللذة التي وجدتها فيه.
اشتريت الكتاب بلا اطلاع على محتواه من قبل وإنما لمتابعتي للباحث في مواقع التواصل، "الموضوع مهم وأجاد الباحث بعرضه وتقسيمه للأفكار والمعلومات بشكل مميز.. لن تكون آخر قراءة له.. فرق الباحث بين العقيدة-على صورتها الأولى- والعقائدية..فالعقائدية التي يعرفها الباحث "تجليات التحيز لرؤية عقدية معينة على الممارسة المعرفية" وعلى اختلاف درجات ونوع هذا التحيز -الممارسة المعرفية أي تفسير النص القرآني- ويذكر أنه لايستخدم المصطلح من أجل الذم ذاته وإنما ليشكل من خلاله نموذج تفسيري يكشف طبيعة الجدل العقائدي حول النص القرآني، يتتبع الباحث المذاهب العقدية بتحليل مدى تأثير النزعة العقائدية على فهمهم وتأويلهم للنص القرآني في ثنائية الظاهر والباطن ومدى بعدهم وقربهم منها..بداية من الخوارج (الايغال في الظاهر) حيث أنه وقع أول خلاف عقائدي على يدهم وقت الفتنة ثم التشيع (الايغال في التأويل) في لحضة زمنية مقاربة للخوارج، وأيضًا تتبع منهج أهل الحديث (التوفيق بين الظاهر والتأويل مع الميل للظاهر) والمتكلمون(التوفيق بين الظاهر والتأويل مع الميل للتأويل) والفلاسفة (الفصل بين الظاهر والتأويل) ... -من الأمور التي أثارت انتباهي ظهور ابن تيمية، ابن تيمية من اللذين كثر الجدال حولهم إما بزيادة تبجيل أو ذم ..لكن لماذا ابن تيمية؟ ماموقعه في التراث الإسلامي؟ -في موضوع البحث- بعد أن كان أهل الحديث والحنابلة يفضلون الصمت والنقل لمسائل العقيدة والاسماء والصفات ظهر ابن تيمية بخلاف من سبقه بمنهج تأويلي عقلي، واستطاع أن يبني منظومة كلامية لأهل الحديث لم تكن موجودة من قبل فقد دافع عن منهج أهل الحديث ضد اتهامات خصومه لكي يضيف على هذا المنهج صفة المعقولية، ولم يكتف بالدفاع بل مارس دورًا نقديًا للمنهج في قصورهم في فهم الدلالة العقلية وفهم/استعمال الدلالة النقلية، وأعاد تأويل موقف أهل الحديث من الجدل العقائدي أن نهيهم كان عن الجدل بالباطل وليس الجدل ذاته .. -بعد تتبع الطوائف وكيف أن كل طائفة من الطوائف استدلت بالقرآن على مقولاتها العقائدية يطرح الباحث في آخر الكتاب سؤالًا مهمًا.. لماذا يقبل النص القرآني النزعة العقائدية؟ في الجواب على هذا السؤال يجب تحليله إلى قضيتين يتركب منهما الأولى طبيعة هذا النص والثانية طبيعة الفهوم المختلفه التي فهمت النص.. اولاً لايمكن حصول الفهم التام للنص دون معرفة قائل النص ومقاصده، فالقرآن واضحًا أتم الوضوح في تحديد الغاية من تنزيله فكثير من الآيات تدور حول مقصود واحد وهو الهداية..الهداية إلى الحق المضمن في هذا النص الذي من خلاله يصل المؤمن إلى التقوى والطمأنينة.. ثانيًا القرآن بين أن علاقة الانسان بالقرآن علاقة تدبر والتدبر يأتي بعد الفهم، والتدبر والسعي نحو الوصول إلى هداية القرآن وظيفة ابتلائية، وفي ظل ذلك يمكن أن نفهم سبب وجود المحكم والمتشابه في القرآن فالله سبحانه عندما ذكر اشتمال كتابه على المحكم والمتشابه بين أن مايحصل من الإشكال في التعامل مع هذا المحكم والمتشابه هو من هوى القارئ، والله عزوجل حدد التدابير التي تساعد على تجاوز الابتلائية..منها حفظ الله للنص وانسجام النص وعدم اختلافه وتيسر النص ووضوحه ولغة النص ودورها في فهمه، وبيان الرسول للقرآن بالسنة.. ولايصح أن يقال إن اختلاف التفاسير يؤدي إلى الضلال ويعارض الهداية فإن حصل هذا الخلاف فإنه بسبب أن القارئ لم يلتزم بتلك التدابير لابسبب النص الذي حدد كيفية التعامل معه.. -الكتاب ممتاز والبحث موضوعي وأحاط بالموضوع بتفاصيله وجزئياته.. ممتع جدًا بعرضه للمذاهب وتحليل عميق لنشأتها وتطورها، ولايخلو من حشو..
كتاب عظيم ومبدع. هذه قراءتي الثالثة للأستاذ ياسر المطرفي بعد قراءة كتابيه "الكلام العقائدي" و"حركة التصحيح الفقهي" ولا يمكنني أن أقارن بين هذه الكتب وأفضل إحداها على الأخرى. كل كتاب فيه إبداع وعمق وحسن بيان. في نظر المؤلف، كانت العقيدة الإسلامية في صورتها النقية الصافية قبل أن تشوبها "العقائدية". وهي في نظره: تجليات التحيز لرؤية عقدية معينة على الممارسة المعرفية". وقد حدث هذا التحيز على درجات وأنواع مختلفة. رصد الكاتب هذه التحولات مبينا المراحل التي مر بها ومميزا الأسس والوظائف والمناهج والآثار. بعد أن ذكر دوافع وآليات ومكونات العقائدية في التفسير في القسم الأول من الكتاب، شرع في القسم الثاني ببيان المناهج العقائدية في التفسير. وقد قسم هذه المناهج إلى أقسام: مناهج الانحياز (الظاهر أو التأويل)، مناهج الوصل بين الظاهر والتأويل، مناهج الفصل بين الظاهر والتأويل. أما في القسم الثالث فقد ذكر أثر العقائدية في تفسير النص القرأني وذلك ببيان إشكالياتها والأدوات المستعملة في التفسير وتأثيرها في المدونات عند كل الطوائف. والفصل الأخير (وهو الأهم) يبين للقارئ سبب قبول نص القرآن للنزعة العقائدية بتحليل طبيعة النص القرأني وتحليل طبيعة الاختلاف في تأويل النص. وفي هذا الفصل استنباطات وتوجيهات مفيدة تتعلق بهذا الموضوع. الطلاب الذين يدرسون في العقيدة ويرغبون التعمق والتمكن في دراستها لا يستغنون عن هذا الكتاب الطويل الذي يقع في سبعمائة صفحة.