في هذا الكتاب "ما تركته الزنزانة للوردة" يدوّن الناشط سعيد الهاشمي يوميات اعتقاله وآثار الزنزانة في روحه ويطرح الكثير من التساؤلات؛ فما الوطن؟ وما الحب؟ ما الحق؟ ما الحرية؟...
ليجد في الزنزانة فضاءً للتأمل والسؤال..للتجلي والجواب..تمامًا كالحياة الرغيدة التي لا وجود لها إلّا في خيال البدوي الحالم بجنات عدن !!
ماتركتة الزنزانة للوردة هو عمل يجمع القوي و الضعيف، القاهر والمغلوب، البشع واللطيف، الزنزانة والوردة. هي مذكرات لسجين مغلوب على أمره، سجين ولكنه في يسبح في أعماق حريته، قد يسجنة السجّان ولكن روحة وجوارحة تجوب كُل زمان و تكتشف كُل مكان، حيث الشجر و الأغصان.
ترى في هذا الكتاب براعة سعيد الهاشمي في الكتابة، وفي عُمق روحة الجميلة، وكذلك في براعة إستعمالة للكلمات ليعبر بكُل حرية في أشد حالات الإنسان قهراً. تنبهر بأسلوبة الجميل لدرجة التسائل في مدى عُمق المحصول الأدبي الذي لديه؟ كم جميلة ومليئة بالحُب والحُزن هي كلماته! هذا عوضاً عن إرتباطة العميق بالشجر والذي ينسال بين كلماتة المشفّرة شيئاً فشيئاً.
غريب فعلاً أن ترى مشاعرٌ مثل هذه في السجن! النمطي هو العذاب والقمع والقهر والعداوة المستمرة بين السجّان والسجين، لكن هنا حدث إستثناء غريب، فمن يقول أن الحرية تكمن في السجن؟ في هذا الشأن أستعان الكاتب بمقولة إبراهيم الكوني حيثُ قال: "التحرر من السجن يبدأ بدخوله لا الهروب منه" ومن هنا نرى فلسفة سعيد في تغيير تصوير السجن إلى شيئ أسمى، شيئ يوافق كُل شيئ و يناقضه. بإعتبار السجن وسيلة للغوص في أعماق الوجود. سفر داخلي كما أسماه الكاتب، هُناك إستيقاض كُل شيئ في اللاشيئ. أحببتها... وأسرني حُزن وتعلق سعيد بالحياة بكُل الطرق الممكنة رُغم كُل شيئ، السؤال ياتُرى هل من فائدة من كُل ذلك؟ هل فعلاً الحُب هو المُنقذ؟
" لأني في الفقد ولأنك في البعد ولأن روحينا تجالدان مصهر الغياب فكيف لعمري أن يكون وكيف لعمرك أن يعود ؟ "
شكراً للصديق س.ج على هذا الكتاب رغم أنه قد أكمل أكثر من ٧ اشهر معي ولك اقرأه ولكنني قرأته في وقته المناسب ، دائما ما اعتقدته ان اختياراتنا للكتب لا تأتي صدفة ، بل هي تأتي في وقتها المناسب لتطبطب علينا.
اليوم وانا اقرأ الكتاب فأني ارى وجوه كثيره أرى أخي الحبيب غيث و بين سطور الفقد أرى حبيبتي منيرة كم من سطر كأن يمثل احتراقي الهادئ وكم من حرف دق على فؤادي مثل ناقوس النصارى
جذبني عنوان الكتاب الذي يحمل تناقضاً لا يمكن تجاهله، ولم أكن أعلم عنه شيءً. ولحسن حظي أنني قرأتُه فوراً.
يتحرر الكاتب السجين من سجنه بإطلاق العنان لروحه وجعلها تحلق في ملكوت الطبيعة الحرة والخالدة، محطماً بذلك أغلال السجّان وقالباً الأدوار، بإيمانه بأن "التحرر من السجن يبدأ بدخوله لا بالخروج منه." وفي نص الكاتب الشمفعم بالجمال والحرية، أعظم تجسيدٍ لهذه الفكرة.
أعادني هذا النص الخلاب إلى حقبة الأدب الرومنسي، ولا أعني هنا الأدب المتناول لقصص الحب الساذجة، وإنما الحركة الأدبية التي قدّست الطبيعة وتمحورت حولها بإعاطائها أسمى المكانات وأحلاها. إذ أن غالبية النصوص العظمى في هذا الكتاب تمحورت حول الطبيعة التي عايشها الكاتب خارج قضبان السجن قبل دخوله إليه. حيث وصف أدق تفاصيل نخلته الأثيرة، حب الرمّان، الزهور التي خلبت لبّه وغيرها من مكونات الطبيعة المحلية.
لنتحدث عن لغة الكتاب، فهي أهم مكوناته برأيي، يا لها من لغة، لغةٌ شاعريةٌ لم أقرأ بعذوبتها منذ سنوات، لغةٌ عاليةٌ وراقية، لغةٌ أنيقةٌ ودقيقة، لغةٌ جذابةٌ وعذبة، واصفةٌ وكاشفة، صادقةٌ وشفافة. استمتعتُ بتذوقها لأبعد مدى. أهنئ الكاتب على لغته وثراء قاموسه اللغوي بكل هذا الجمال. ولا يليق بوصف جمال مخلوقات الله سوى أجمل الكلمات وأرقاها.
الكتاب قصير للغاية، لكنه يستحق إعطاءه الوقت الكافي للتأمل بمعانيه والاستمتاع بحروفه المذهلة.