يعيشون بيننا .. نراهم في كل مكان حولنا في مدننا ، شوارعنا ، قرانا ، بيوتنا .. بل أحيانا نراهم حتى في غرف نومنا من هم ؟ من أين جاؤوا ؟ ما هي قصصهم ؟ هل هم ظالمون ام مظلومون ؟ أم هل هم الأثنين معًا ؟ بعضنا لا يراهم سوى مجموعة أشياء وبعضنا يراهم مخلوقات لم ترتق لمصاف البشر قصصهم كثيرة وغريبة لا يمكن حصرها في كتاب مع ذلك .. يحاول هذا الكتاب اضاءة شمعة ولو بضوء خافت ، لعلها تضيء تلك الزاوية المظلمة في مجتمعاتنا .
ما ان انتهيت من قراءة القصة حتى انطلق عقلي ليفكر ما هي الرسالة التي أراد الكاتب إيصالها لي كقاريء، و الإجابة كانت واضحة جدا، فالكاتب كان يريد منا أن ننظر لفئة العمال الأجانب و الذين ما أتوا لهذا البلد لولا العوز و الحاجة كبشر مثلنا، هو لم يبالغ في تصويرهم ككائنات مسكينة، ولم يصورهم كشياطين يتأهبون للإنقضاض عند أول فرصة. هو فقط وصفهم كبشر يبحثون عن الفرص كما نبحث عنها نحن، يخطئون كما نخطأ، و يشعرون كما نشعر، و لهم أحلامهم كما لنا أحلامنا. كذلك فتح الكاتب عيني على المجتمع الهندي خصوصا و الآسيوي عموما داخل البحرين، لا أقول أن كل ما ذكرهو شيء جديد تماما علي، لكنه فتح عيني لترى على مدى أوسع و أشمل، وكان جميلا أن أراهم بعين أكثر إنسانية، فالكاتب لم يتكلم من ناحية دينية أو سياسية إلا لماما، كونهما يدخلان في كل شيء، لكنه كان يخاطب القاريء كإنسان أولا و أخيرا قائلا انظر فهم أيضا بشر مثلك فيهم الصالح و الطالح، و هم أيضا يحملون أحلاما محطمة تنتظر أن توصلها ببعضها فرصة هنا أو هناك. طبعا الرواية كانت المحاولة الأولى للكاتب و هي ان نقصها شيء فهو الكثير من العمق و الكثير من التفاصيل، رغم هذا فقد نجح الكاتب في ان يعلقني بالقصة و أن أحس ببعض ما يحس به الكادحين في الطرف الإخر من المعادلة الإجتماعية/ الجغرافية.
للكاتب قصة أخرى باسم خمس دقائق سأقرؤها قريبا، فأنا استمتعت بكل جزء من هذه القصة.
أشباه البشر جعفر سلمان البناء الروائي جيد و الأسلوب عادي و لكن تكشفات حياة العمالة السائبة في البحرين و معاناتهم و مشاكلهم هو ما يجذب في الرواية ، الخيانات المتكررة من سليم و لسليم تبعث على الخوف و الدهشة و تشعر بأحاسيس متناقضة فهل سليم مظلوم ام ظالم؟ و تتساءل عن باقي أبطال القصة التي تتكرر يوميا في البحرين : هل هم مظلومون؟ هل قست عليهم بلدهم و أصبحوا قساة على غيرهم؟ يريد سليم أن يعامله الآخرون برأفة و رحمة و لكن هو نفسه قد يظلم شخصا مر بنفس ظروفه من أجل مصلحته! النهاية متوقعة و لكن فيها تفصيل صغير غير منطقي أتركه لاكتشافاتكم
العمالة الاسيوية والمتابع التي تحدث ومن هو سببها؟ بطل الرواية( سليم) عامل من كيرلا ،الهند حيث يأتي الى البحرين بعد ان تخرج من المدرسة الثانوية ليعمل ولكنه ينصدم بالامور التي تحدث مع العمالة الاسيوية من استغلال كبير وسببه ليس التاجر المحلي فقط ولكن ايضا مشترك معه الموظفين الاجانب من نفس جنسياتهم. بعد أن ينصدم بالواقع يهرب من رب عمله ويكون عامل هارب مخالف للقانون ويعيش مغامرات التنقل من مكان الى أخر وفي كل مكان يلتقي بأصدقاء جدد او مما قد عرف سابقا وكل ماحاول أن يستقر في عمل تسبقه الصفعات الواحدة تلوا الأخرى ولكنه يثابر ليقف من جديد . الى أن وصل في النهاية أنه أخطأ خطئا كبيرا بأنه تعامل جنسيا مع خادمة أحد اصحاب البيوت وبدل أن يقدم له الشكر على حسن معاملته وعلى أطعامه اياه كان يتسور بيته ويعاشر خادمته بكل وقاحة رغم النصائح من صديقه فاروق. لا ننكر أن هناك من يعامل العماله الاجنبيه بقسوة وايضا العمال ايضا لهم اليد في الكثير من المشاكل التي تحدث.
رواية إنسانية تسلط الضوء على الأوضاع المأساوية وغير الصحية للعمالة الوافدة فى دول الخليج عموما والبحرين خصوصاً، تلك الأوضاع التى تصل إلى الإتجار فى البشر، فقد تتطرقت الرواية إلى الظلم والإستغفال والإستغلال البشع الذى تتعرض له هذه العمالة الكادحة من مكاتب تصدير العمالة فى البلد الأم والمسؤولين من بني جلدتهم فى الشركات والمؤسسات فى البلد التى تحط رحالهم فيه.
ناقش الكاتب بحث هذه العمالة الكادحة عن الفرص، والأخطاء التى يكررونها، ومشاعرهم المختلفة تجاه بعضهم البعض وتجاه أرباب العمل وتجاه البلد الذى وجدوا أنفسهم فيه، ومعاملة الناس لهم، وأحلامهم المحطمة. كما أشار الكاتب إلى الخيانات المتكررة التى تعرضت لها الشخصية الرئيسية فى الرواية سليم من بعض زملائه وخياناته لبعضهم، تلك الخيانات التى تثير الخوف والذعر بالرغم من أن الكاتب ذكر بعض المواقف الصحية التى ساعد فيها سليم زملاءه أو ساعدوه.
هذه الرواية ممتعة وجاذبة ومفعمة بالإنسانية، فالكاتب ناقش أوضاع العمالة السائبة وتأثيرها على المجتمع من وجهة نظر إنسانية بحتة ، ونقل معاناتها التى تجبرها على مخالفة قوانين الإقامة، واقتناص الفرص التى قد تحقق بعض أحلامها المسلوبة.