أصبح التاريخ، منذ سنوات، يشدّ اهتمام الجمهور الواسع. ويعود هذا في جزء كبير منه، إلى نجاح "التاريخ الجديد" الذي انطلق منذ 1929، بدفع من مارك بلوخ ولوسيان فافر ومجلتهما الحوليات.
يروي المؤلف، بالاعتماد على وثائق وشهادات عديدة غير معروفة في كثير من الأحيان، تاريخ هذا التاريخ...وهو يقدّم قراءة نقدية وجدالية لعديد المفاهيم التي تبنّتها مدرسة الحوليات: نهاية التاريخ، موت الإنسان، تأثير البنى، التخلّي عن المواضيع السياسية، إلخ...
يتميز هذا الكتاب يحيوية أسلوبه، ومن المنتظر أن يثير ردود فعل الكثيرين. إنه كتاب منخرط في معركة متحمسة من أجل التاريخ، حول تساؤل كبير: ألا نشاهد، اليوم، تفتيتاً للتاريخ، بعد كلّ جهد الحوليات في التجديد؟
François Dosse is a French historian and philosopher who specializes in intellectual history. After devoting his doctoral thesis (1983) to the Annales School, Dosse turned his research interests to structuralism, the philosopher Paul Ricœur (his biography,Paul Ricœur. Les sens d'une vie (published in 1997), has become the standard authority) and the historian Michel de Certeau. François Dosse is one of the founders of the journal EspacesTemps. In 2007, he published Gilles Deleuze et Félix Guattari, biographie croisée (English trans. Gilles Deleuze and Félix Guattari: Intersecting Lives [2010]), where he advocated the rehabilitation of Guattari in an intellectual history that had made place only for Deleuze. François Dosse is currently Professor of Contemporary History at the Institut Universitaire de Formation des Maîtres at Créteil.
أسئلة أساسيّة يدفعنا إلى طرحها المؤرّخ وعالم الابيتسيمولوجيا الفرنسي: كيف نقرأ التدوين العربي للتاريخ؟ هل تعيش التاريخانية العربية صيرورتها كحال نظيراتها في العالم؟ وإلى أيّ مدى سيكون المستقبل صورة طبق الأصل عن الماضي؟ يحرّضنا «التاريخ المفتّت» (المنظمة العربية للترجمة ـــــ تعريب محمد الطاهر المنصوري)، تحريضاً غير مباشر، على التفتيش عن تاريخ «التأريخ الحديث» في منطقتنا العربيّة. الكتاب الذي يحمل توقيع فرنسوا دوس، الاختصاصي الفرنسي في تاريخ الأفكار والتاريخ الثقافي، يقدّم قراءة لمنهجيات كتابة التاريخ في فرنسا، منذ نشوء مدرسة الحوليات حتى التاريخ الجديد. ولا مفرّ من أن يضع هذا البحث قارئه العربي أمام أسئلة من نوع: كيف نقرأ التدوين العربي للتاريخ؟ وهل ثمة كتب تذهب إلى تحليل التدوين الحديث للتاريخ وتفكيكه، وتعيد فتح الملفات والمناهج التاريخية ناقدةً موضوعيةً لها؟ وهل تعيش التاريخانية العربية صيرورتها كحال نظيراتها في العالم؟ قبل التوغّل في ثنايا الكتاب، لا بد من الإشارة إلى ما تتضمنه كلمة الحوليات من معانٍ، فهي أولاً Les Annales المجلة الفرنسية التاريخية التي صدرت عام 1929 أي في عام الأزمة الكبرى، حين انهارت بورصة «وول ستريت». لكنّ الاطلاع على ظروف إصدارها يضفي مشروعيةً لفعل المقارنة مع الراهن. ولدت هذه المجلة كردّّ فعل من المؤرخين على الأزمة والانهيارات المأسوية لاقتصادٍ رأسمالي. هذه الأحداث أدّت إلى التأسيس لتساؤلاتٍ جديدة تعيد تقويم ما هو اقتصادي واجتماعي. وفي هذا الظرف الذي علت فيه الأصوات مطالبة بفهم ما يجري، صدرت الحوليّات لتجيب عن أسئلة زمن يشيح بنظره عمّا هو سياسي ليمعن في ما هو اقتصادي. والحوليّات كذلك مدرسة في التأريخ استخدمت قوانين ومصطلحات ومقاربات العلوم المجاورة لتطبقها على التاريخ، ما أدى إلى تفتيت المعنى الكلاسيكي للتاريخ وبثّه في العلوم الاجتماعية والإنسانية. وإن عدّت الحوليات مدرسة مجدّدة في المنهج والمواضيع، اعتمد روادها «أساليب غير مألوفة وجرأة غير مسبوقة واهتمت إلى جانب الماركسية بتاريخ من لا تاريخ لهم»، فإنّ دوس يرى أنّها سعت إلى التسلّط، وأدت بالتاريخ إلى هذا التشظي أو التفتت. حتى بات عنوان الكتاب «التاريخ المفتت» مصطلحاً متفقاً عليه يشير إلى فترة معينة من تاريخ الكتابة التاريخية وهي فترة جيل الحوليّات الثالث، ويقصد به الثمانينيات. يومها، صرح المؤرخ جورج دوبي «نحن في نهاية شيء ما، لديّ شعور باللهاث والتعب». وقد هوجمت مدرسة الحوليات التي اعتمدت على التطعم بالعلوم الاجتماعية، وكان جاك لوغوف من أشرس المدافعين عنها، مقابل تساؤلات متعلقة بالرواية التاريخية، بقوله «التاريخ السردي جثّة يجب أن لا تبعث، بل يجب قتلها مرة أخرى». يضيء الفصل الأول على تاريخ الحوليّات ونشوئها، ويعرض لخروجها على «قبيلة المؤرخين»، بتعبير عالم الاجتماع فرنسوا سيميان الذي فعل فعل النبي ابراهيم بأصنام قبيلته، فجاءت مقالته «المنهج التاريخي وعلم الاجتماع» بمثابة الفأس التي هوت على أصنام المؤرخين في تلك الحقبة. تلك الأصنام حددها سيميان بثلاثة أشكال. يتمثّل الأول في «الصنم السياسي» وقصد به هيمنة الاهتمام بالتاريخ السياسي. أمّا الثاني فهو «الصنم الفردي»، وعرّفه بالعادة الراسخة في فهم التاريخ كتاريخ للأفراد. وأخيراً «صنم التسلسل التاريخي» الذي وصفه بأّنه «عادة الضياع في البحث عن الأصول». وبذلك يكون سيميان قد دعا إلى اقتراح علم الاجتماع كمدونّة للعلوم الاجتماعية الأخرى كلّها. وفي ضوء ذلك ـــــ إضافة إلى ظروف الأزمة التاريخية ـــــ يمكن أن نفهم عنوان مجلّة «حوليّات التاريخ الاقتصادي والاجتماعي» التي أسّسها أستاذا التاريخ لوسيان فيفر ومارك بلوخ. وخصص الكاتب لهما باباً بعنوان «زمن مارك بلوخ ولوسيان فيفر». أمّا الفصل الثاني، فجاء بعنوان «سنوات بروديل» نسبةً إلى سفير الحوليات في كلية الآداب في جامعة ساو باولو في الثلاثينيات فرناند بروديل، حيث تزامل مع عالم الأنثربولوجيا كلود ليفي شتراوس. واستناداً إلى مقولة ماركس الشهيرة «الناس يصنعون تاريخهم، لكنهم لا يعرفون أنهم يصنعونه»، أسس شتراوس فهماً خاصاً لعلاقة التاريخ بالإثنولوجيا، وخرج بتشكيكٍ جذري في التاريخ كعلمٍ قابلٍ للنمذجة، الأمر الذي سيعارضه بروديل، مثلما سيعارض إرث بلوخ وفيفر. حتى إنّه سيعرف كشخصٍ أعاد الحيوية إلى التاريخ بجعله علماً جامعاً للعلوم الأخرى، ومستولياً على أساليبها، وواقفاً أيضاً في وجه المدرسة البنيوية الشتراوسيّة
هذا الكتاب بمثابة دراسة بحثية عن التاريخ الجديد و مجلة الحوليات، لابد قبل قراءته أن يكون القارئ على علم بهما وكتاب التاريخ الجديد مترجم عن المنظمة .. نعود للتاريخ المفتت و القصد به هو تفتيت التاريخ إلى مواضيع متعددة يصهر فيها ويكاد يختفي كعلم شامل، و هذا السؤال الذي يطرحه الكتاب: بعد كل جهود الحوليات ألا نشاهد تفتيتا للتاريخ؟! دراسة عميقة و لا تكفيها قراءة سريعة .. سأعود إليه عدة مرات
الكتاب ممتاز مهم بالوعي بالفكر التاريخي و بمنهجه ...