"هل نقيم في السحابة الزرقاء التي ترسمها مروى قرب اسمي. حين يقترب الدويّ من النافذة وحين يقعي الأثاث في الزوايا أو تخاف الستائر، لا السحابة تمطر ولا اسمي يحيل العالم جميلاً. لذلك نامي يا ابنتي، أنت وحين أغفو قليلاً أعدك أن أحلم بك... وأفكر في السحابة الزرقاء، في البيت في العتبة، في الثمار التي تشبه الفراشات والفراشات التي تشبه النار فقط حين ترسمينها. أسألك إذن لماذا لا ترسمين العالم كله لكي يتاح له أن يشبه شيئاًُ. ضعي زرافة في أناء، سمكة في حديقة. ضعي عصفوراً ووحيد قرن في قفص واحد. وصدقي أنهما سيتحابان لأنك تريدين ذلك بالعناء الذي يجعلك تحسبين النوم عطلة زائفة. ضعي، حين ترسمين وجهي، قليلاً من التعب في ملامحي، حظاً واحداً على جبيني لكي أحسب أنني في منتصف العمر وليس في آخره. ضعي بريقاً باللون الذي تختارين لكي لا يظل الجفاف في عيني وضعي كثيراً من الماء لكي تبقى لي يدان قويتان وشاربان وقلب صغير لشدة ما يصغر صدري من الحذاء. ولا تنسي الأسرة لكي تنام والأفواه لكي نبتسم وتلك من الدموع فقط لكي نتذكر بين حين وآخر، قبل أن ننسى، كيف يبكي رجل كامرأة، كيف تبكي امرأة كامرأة، كيف يبكيان لشدة ما يجمع البكاء بينهما".
حصل على الإجازة التعليمية في الفلسفة العامة من الجامعة اللبنانية، وتابع دراسته العليا في باريس حيث حصل على دبلوم الدراسات المعمقة في الفلسفة.
عمل في الصحافة منذ عام 1979 فكتب للنداء (1979 ـ 1982) ثم للنهار (1978 ـ 1990)، وهو أحد مؤسسي الملحق الأدبي الأسبوعي لجريدة النهار.
يعمل منذ 1999 كمحرر وكاتب في "نوافذ" الملحق الثقافي الأسبوعي لجريدة المستقبل.
له مساهمات نقدية وأبحاث وترجمات نشرت في عدد من الصحف والمجلات العربية.
شارك في عدد من الندوات حول الشعر والثقافة العربيين في عمان وباريس ولوديف وكوبنهاغن.
لعل أبرز ما يميز شعر بسام حجار هو هذه القدرة على استلهام اليومي على نحو تبدو معه التجربة (الشعرية) تعبيراً عن علاقات وصور ذات ملامح محددة ومباشرة. إلا أن هذه العلاقات التي تتبادر إلينا من "أمكنة" خارجية مألوفة سوف تظهر في الغالب كارتدادات (مأسوية!) لما تنطوي عليه علاقتنا بالعالم. فالأشياء الصغيرة والعلاقات الجزئية تبدو مهددة في مواضعها الرتيبة والمفاجئة في آن.
كتب عن بسام حجار عدد من النقاد والشعراء أبرزهم: كمال أبو ديب، عبده وازن، حسن داود، عباس بيضون، صبحي حديدي.
مؤلفاته الشعرية:
- مشاغل رجل هادىء جداً ـ دار العالم الجديد ـ بيروت 1980
- لأروي كمن يخاف أن يرى ـ دار المطبوعات الشرقية ـ بيروت 1985
- "فقد لو يدك" ـ دار الفارابي ـ بيروت 1990
- "مهن القسوة" ـ دار الفارابي ـ بيروت 1993 - "حكاية الرجل الذي أحب الكناري" ـ دار الجديد ـ بيروت 1996 - "بضعة أشياء" ـ دار الجمل ـ بيروت 2000، "سوف تحيا من بعدي" (مختارات) ـ المركز الثقافي العربي ـ بيروت ـ الدار البيضاء ـ 2002، - "ألبوم العائلة يليه العابر في منظر ليلي" لإدوارد هوبر ـ المركز الثقافي العربي ـ بيروت ـ الدار البيضاء ـ 2003.
وله أيضاً:
"صحبة الظلال" ـ دار ميريام ـ بيروت 1992، "معجم الأشواق" ـ المركز الثقافي العربي ـ بيروت ـ الدار البيضاء، - "مجرد تعب" ـ دار النهار ـ بيروت 1994، "مديح الخيانة" ـ المركز الثقافي العربي ـ بيروت ـ الدار البيضاء 1997. - "البوم العائلة" و"تفسير الرخام" (2008). كما قام بترجمة عدد من الكتب الأدبية والفكرية.
في قلبي كآبة تنتظر لا تأتي إليّ دعيني أحبّ العالم في السير إليك دعيني أحلم بيديك..
إذًا نجلس الآن، على الحافة القريبة لألفتنا، ونفكر أن الذين رحلوا لم يتركوا لنا وقتًا لكي ننسى سوى أن البيوت نبتت في رؤوسنا كالصداع ونعطي أعمارنا المتبقية لكي يزول الصداع وتبرأ أعمارنا
أن نلتقي أن نقول يا الله .. كم نحن وحيدين خلف النافذة
لا السحابة تمطر ولا اسمي يجعل العالم جميلاً
في قلبي كآبة تنتظر لا تأتي إليّ دعيني أحبّ العالم في السير إليك دعيني أحلم بيديك
كأنه يحدس أن المرأة الصغيرة التي ما تزال تسكن قلبه تمشي حافية القدمين لكي لا توقظ السكينة في روحه المنكسرة .. كأن همساً يتصاعد في أرجائه .. وفي جنباته يسيل حامض الانتظار كأن البيت هو الذي يغادرنا حين نرحل.
كم الضوء رحيل كم العتم بقاء!
وكنا وحيدين .. إلى آخر ما نستطيع أن نحب إلى آخر ما نستطيع أن نكره وأن نبتسم معاً لكي يخفي واحدُنا ما يُحزن الآخر لكي نخفي عزلتنا معاً
"لم أعدْ أبكي حين أراقبُ المطر يهطلُ في ليل العالم الذي يتّسعُ وراء النافذة. لم أعد أرتجف خوفًا حين أستيقظ في الليل وأرى أنَّني وحدي. بتُّ أرى الليلَ ظلّاً ليديكِ، يغمرني ولا أضلُّ فيه والمصابيح ذكرى من لمستهما الخفيفة. كأنَّ ضوءًا يتبع إيماءة اليد التي تمسحُ نومي بماء الدَّعة. (…) كأنَّ السماء يرسمها خطّان في راحتكِ، سماء قليلة لكنها تكفي لكي لا يموت العالم من الوحشة، لكي لا تلسعه الأفعى. فقط لو يدكِ كانت هناك."
مثلُ هذه العوالم لا تُحدّ ولا تؤطَّر. (فقط لو يدكِ)، هذا النص الذي اخترتُ أن أقتبسَ منه الجزء أعلاه، اختار بسام حجار أن يكون عنوان الكتاب وهو نصٌ عصيٌّ على النسْيان، جسرٌ إلى الحلم المتَدَفق سكينةً، إلى عالمٍ يغيب لتبقى روحٌ تحيا لأجل يديْن ينمو فيهما سلام الروح ويتنامى إلى ما لا نهاية.
"الآن اعرف إلى أين اذهب، حين تضعني الحافلة على رصيف الأزدحام، أو حين تأخذني الغرفة إلى الأفكار السوداء، أعرف مالذي سأفعله حين أحسب أن الوقت لا ينقضي، أنام وتأتي يداك في الحلم، أو يأتي الحلم في يديك "
تشعر أن بسام لو كتب ٤٠٠ صفحة أخرى يصف فيها دفء الأيادي وعتمة البيت، ومروى، لما توقفنا عن القراءة. كتب بسّام هذا الديوان وهو في الثلاثين، ولكن يبدو كمن يكتب الشعر منذ ثلاثين سنة. أحب هذا النثر وهذه القصيدة، سيل من العذوبة والكتابة الرقيقة. في كل مرة، تكتسب اللغة حميمية أكبر، من فعل القراءة وحده لبسّام
"إذًا نجلس الآن على الحافة القريبة لألفتنا ونفكر أن الذين رحلوا لم يتركوا لنا وقتًا لكي ننسى سوى أن البيوت نبتت في رؤوسنا كالصداع ونعطي أعمارنا المتبقية لكي يزول الصداع وتبرأ أعمارنا"
هل نصدق السراب الذي بدا لنا على طرف المائدة؟ ملحٌ كثير والليل باقٍ سوى ان البيوت نبتت في رؤوسنا والطرقات افرغت ارجلنا من المسير إذن نجلس الان على الحافة القريبة لالفتنا والطرقات افرغت ارجلنا من المسير إذن نجلس الان على الحافة القريبة لالفتنا ونفكر لا السماء تلقي ظلاً ولا البحر يرخي شباك الرطوبة ملحٌ كثيرٌ لكي تتسع الشقوق في شفاهنا لكي تبور قلوبنا هذا سراب ان يكون نبيذٌ يكفي انتظارنا على الحافة القريبة لألفتنا عندما نُفكر ان الذين رحلوا لم يتركوا لنا وقتاً لكي ننسى سوى ان البيوت نبتت في رؤوسنا كالصداع ونعطي اعمارنا المتبقية لكي يزول الصداع وتبرأ اعمارنا الحافة اعلى من اعيننا إذن نقف على رؤوس اصابعنا لا نرى شيئًا لا النبات ولا ظلاً له الا اننا كنا نُصلي في الصباح وفي المساء حتى تغشى عيوننا ابخرة الحنان التي تشبه الدموع لا لنبكي لكي نُجهش بالكلام هذا سراب ..
—————
كانت افواهُنا تُنادي واصابعنا تشير وكان العابرون لا يلتفتون وكان الخوف اقوى ما يجمع بيننا لأننا نخاف كانت بيوتنا تؤوي خوفنا لاننا نخاف كنا ننام في حجرات تتنصت على نومنا نستيقظُ بوجوهٍ ليست لنا بأطرافٍ لا تأخذنا اذا سرنا هذا سراب ان يكون بيننا ما يجمعُنا !
كيف تكون اللغة هكذا؟ يكون تكون مُفرغة من معانيها وتحمل جبالاً من معاني الشاعر الخاصة؟ كيف تُنكر نفسها الكلمات لتفسح المجال لبسام أن "يحذف النهار بالكتابة".. تقرأ هذا الشعر تخاطبه ويخاطبك، تخاطب سراب بسام ومخاوفه لتدفن سرابك ومخاوفك في علاقة غريبة.. الشعر جميل هادئ ورقيق رغم كل المعاني الصاخبة المؤلمة التي يحملها... أخيراً اقول شكراً يا بسام، لأنك اصبحت صديقي الجديد الذي لن يتغير ولن تسرقه مني الأيام 💙 "احسب أنك تكتب (أحبك) أجمل مما استطيع" 💚
كانت افواهُنا تُنادي واصابعنا تشير وكان العابرون لا يلتفتون وكان الخوف اقوى ما يجمع بيننا لأننا نخاف كانت بيوتنا تؤوي خوفنا لاننا نخاف كنا ننام في حجرات تتنصت على نومنا نستيقظُ بوجوهٍ ليست لنا بأطرافٍ لا تأخذنا اذا سرنا هذا سراب ان يكون بيننا ما يجمعُنا !! —— وكنا وحيدين .. إلى آخر ما نستطيع أن نحب إلى آخر ما نستطيع أن نكره وأن نبتسم معًا لكي يخفي واحدُنا ما يُحزن الآخر لكي نخفي عزلتنا معًا
This entire review has been hidden because of spoilers.
الرحلةُ طويلةٌ و شاقّة في المسافةِ بين النافذةِ و السرير، كنتُ أخافُ لأنني لم أكن أعلمُ إلى أينَ يُفضي بيَ النومُ كلَّ ليلةٍ. كنتُ أعلمُ أنهُ ليس موتاً، ليس يقظةً، بل يقظةُ الموتِ في خُرافاتِهِ الملوَّنة.