بعد وصوله للقائمة القصيرة لجائزة المان بوكر الدولية هذا العام 2015، صدر للروائي العربي الكبير إبراهيم الكُوني حديثاً رواية جديدة بعنوان "ناقة الله" عن دار سؤال اللبنانية. وتدور أحدث الرواية في ستينات القرن الماضي حين تم تقسيم الصحراء الكبرى بين الدول، وسجن وتهجير أعداد كبيرة من الطوارق من أوطانهم الأصلية، وبدء محنة الاغتراب والتيه عن الوطن. وعلى غرار روايته "التبر" التي بطلها جمل، والتي حققت نجاحاً كبيراً وترجمة إلى العديد من اللغات العالمية، فإن بطل رواية إبراهيم الكُوني الجديدة "ناقة الله" هي ناقة اسمها "تاملّالت"، أي الجاموس البري، تتوق حنيناً ووجداً إلى الوطن، وتصارع كل القيود والعراقيل كي تعود إلى أرضها، دون أن يجد راعيها ومحبها أسيس ترياقاً يشفيها من حنينها الموجع إلى الوطن، وتتصاعد أحداث الرواية كمعزوفة شجية تفيض بالشعر والحنين، وبالأسئلة الروحية والفلسفية الموجعة عن معنى الوطن والحرية والعدالة، وكأن الروائي إبراهيم الكُوني أراد لناقته أن تكون مثالاً للناس على حب الأوطان.
Ibrahim al-Koni (Arabic: إبراهيم الكوني) is a Libyan writer and one of the most prolific Arabic novelists. Born in 1948 in Fezzan Region, Ibrahim al-Koni was brought up on the tradition of the Tuareg, popularly known as "the veiled men" or "the blue men." Mythological elements, spiritual quest and existential questions mingle in the writings of al-Koni who has been hailed as magical realist, Sufi fabulist and poetic novelist. He spent his childhood in the desert and learned to read and write Arabic when he was twelve. Al-Koni studied comparative literature at the Maxim Gorky Literature Institute in Moscow and then worked as a journalist in Moscow and Warsaw. By 2007, al-Koni had published more than 80 books and received numerous awards. All written in Arabic, his books have been translated into 35 languages. His novel Gold Dust appeared in English in 2008.
رواية فلسفيّة يتداخل فيها الواقع والخيال، تحكي قصة وطن الطوارق المفقود والمشتّت بالعديد من الصراعات والعلاقات المعقدة، إنها تجسيد لواقع محنة الطوارق في زمن التيه.
تدور أحداث الرواية في ستينات القرن الماضي، حين تم تقسيم الصحراء الكبرى بين العديد من الدول في القارة الأفريقية، وإثر ذلك تم اضطهاد وتهجير وسجن أعداد كبيرة منهم، حيث أنهم المستوطنين الأصليين لتلك الصحراء، وتم تفريقهم بين الدول وإبعادهم عن أوطانهم الأصلية، وبدء محنتهم في الإغتراب والتيه.
ولأن الكاتب ابراهيم الكوني، هو كاتب ليبي ينتمي إلى الطوارق الموجودين في جنوب ليبيا، فقد كتب هذه الرواية وهو مسكوناً بعالم الصحراء الذي سادت فيه ممالك، وأخرى بادت في ظل لعبة السيطرة والقتل والتشريد.
يستنطق الكوني الناقة "تاملالت" لتحكي قصتها مع راعيها "أسيس"، الذي يحاول أن يهدئ من تشتتها و جموحها وبحثها الدائم عن حريتها، من خلال محاولة الهروب دائماً باتجاه المكان الذي جاءت منه، في صورة تعكس تشتت الطوارق أنفسهم، وعشقهم للصحراء والإرتحال في رمالها ودروبها، لكنهم يعشقون أوطانهم وحريتهم أكثر من أيّ شئ آخر.
"إن مشيئة الصحراء هي التي قضت بأن يغترب الماء، حيثما استعارت الحريّة جسداً لتستوي في جرم، أسمه الصحراء".
الرغبة المشتعلة في الارتماء في حضن الوطن ولو كان الجحيم بعينه، هو العلاج الناجع للحنين والشغف والتوق، هو الحطب الذي يشعل الثأر والأمل.
فالطوارقُ غالباً ماتكون وجهتهم فراراً، طلباً للحرية والأمل في استعادة الوطن المفقود.
يحاول الكوني أن يفكك لغز الصحراء في هذه الرواية، ويوضح أهمية الناقة التي تعتبر هبة الله، فهي تعويذة الطوارق، وتعويذة الصحراء، فناقة الكوني علمت راعيها درساً في الحنين الى الأوطان، لم يكن يتخيّل جنونها في كل مرة يحاول أن يُعيدها وهي التي تبحث عن حريّتها حتى تصل إلى مرحلة أن تهاجمه وتحاول سحقة بالبروك عليه.
فالناقة هي التجسيد لروح الوطن والحنين هو الظمأ، الذي ما يؤدي دائماً إلى لفظ الأنفاس، حيث أن الصحراء فيها الترياق لكل شيء إلا الظمأ فهو بلا ترياق.
اللغة بديعة فلسفيّة، تراكيبها سحريّة وكأنها ترياق للجفاف اللغوي الذي ينتاب اللغة هذه الأيام، مذهلة بحق وتحتاج إلى الصبر والأناة للإستمتاع بقراءتها.
بيان كالسحر، بلغة جزلة تخالط القلب وتجبر العقل على ما كُتب، وروحانية الصحراء الفريدة، وتعمق في النفس نادر أن ترى مثله. من يكتب عن الصحراء لابد له من تحمل عوالمها، ولا يكتب عنها إلا من عايشها ورأى ما فيها، فهي عالم فريد من نوعه، من يكتبه بصواب يضمن لنا جلالة المكان ونقاءه.
"لأن من فقد وطناً لن يفجعه أن يفقد قوتاً أو أن يدخل سجناً أو حتى أن يفقد رأسه."
رواية "ناقة الله" هي تجربتي الثانية مع الكاتب الليبي "إبراهيم الكوني" بعد تجربة رائعة في روايته "التبر". فهل كانت التجربة ممتعة كسابقتها؟ بكل تأكيد لا، ودعني أخبرك أسبابي، نبدأ بأن الرواية من نفس العالم الذي تنتمي إليه كتابات الكوني بشكل عام؛ ألا وهو عالم الصحراء، ووجدت نفسي أقارن بينها وبين التبر، من حيث الحكاية والتعقيد أما اللغة فلا جدال على جودتها وقدرة الكوني على تشكيل العبارات لتأخذ من الحكاية ألفاظاً، فلا تستطيع أن تفصلهم عن بعضهم، ولكن، على الرغم من ذلك لم أتعاطف مع الشخصيات إطلاقاً، لم أر ما يُريد الكاتب إيصاله، حتى أنني كنت أقرأ في الصفحات كأنني أمشي في الصحراء، وقدماي في الرمال وأتقدم بصعوبة، ولهيب الشمس يُفقدني تركيزي، وحالة من التيه وعدم الفهم لازمتني، ربما بعدما أنهيت الرواية فهمت فكرة الرواية بشكل أكبر، ولكن ذلك لم يجعلني أحبها بشكل أكبر!
"الطمع في أن نحيا في سلام يعني أن نحيا أحراراً، وهذا وحده سبب كاف لكسب عداوة كل الأمم، لأن ما لا يُطاق في عُرف الناس هو وجود إنسان يأبى إلا أن يحيا في دنيا الناس حراً."
يُحاول "الكوني" من خلال حكايته استعراض مجتمع الصحراء وأفراده، والعلاقات المتشابكة بينهم، وتأثير السياسة عليهم رغم تركهم المدن بما فيها ولكن تظل الصحراء ملكاً للسياسة، والعلاقة التي تربط ساكن الصحراء بناقته، من خلال علاقة الناقة "تاملالت" وراعيها "أسيس"، وهي علاقة أشهد أنني لم أقرأ مثلها من قبل وأحببتها، تلك العلاقة بين الإنسان والحيوان وفكرة الناقة في الصحراء ودلالاتها المتعددة. ولكن، غير ذلك، فلم أحب، لأنني أعرف قدرة الكوني من خلال روايته "التبر" على سرد حكاية مكتملة الأركان، وليس مجرد استعراض لغوي بمفردات وتراكيب ساحرة، ولكن حكايته كانت تسحرني أيضاً كما حدث معي في التبر.
ختاماً.. كانت تجربة أقل من المتوقع بالنسبة لي، وأظن أن هذا العمل لا يُنصح به كقراءة أولى للكوني، فقد يجعلك لا تقرأ له مرة أخرى، فالرواية على الرغم من جمال لغتها ولكن باقي العوامل فيها أقل من العادي.
ناقة الله.. أول رواية أقرأها لكاتب كنت متحمسة جدًا أتعرف عليه وهو إبراهيم الكوني.
الرواية كانت مخيبة لآمالي للأسف. خدت مني وقت طويل وكنت هدخل في ريدنج بلوك بسببها.
أول حاجة عايزة أعلق عليها هو السرد. أسلوبه مختلف جدًا لكنه ممل فعلًا ومش مفهوم في أوقات كتير.. فيه تكرار لبعض الأفكار.. مفيش أحداث تقريبًا أو فيه لكنها دايبة في السرد.. الحوار يكاد ينعدم..
لكن اللغة بقى حاجة تانية بصراحة.. ساحرة، مبهرة، إبداع حقيقي. بالنسبة لي هي أحسن حاجة في الرواية وكملت الرواية أصلًا عشان كنت مستمتعة باللغة الفخمة دي..
لكن معرفتش أندمج مع الفكرة خالص.. أعتقد إن أكيد الرواية فيها رمزيات كتير لكن حتى مش قادرة استنبطها..
عمومًا أتمنى أقرأ لأستاذ إبراهيم الكوني أعمال أخرى تعجبني أكتر لأنه فعلًا قلم مميز.
بعض الاقتباسات اللي عجبتني:
• "فلا ضلالَ في سبيلٍ ما دام في الدنيا الأثر. فما نحن سوى ظل والأثر فينا أصل، بدليل أننا نزول ولا نترك وراءنا سوى الأثر. بل لا نبقى إن بقينا إلا في الأثر."
• "فما نحن سوى قوم لا نهلك إلا بما نهوى، كما لا ننجو إلا بما نخشى."
• "اللسان لم يُوجد ليقول، ولكن وُجِد ليُخفي القول، بدليل عدم وجود إنسان واحد يجرؤ أن يعترف بأن ما قال هو حقًا ما أراد أن يقول."
• "يخفق المسعى إذا انطفأت في القلب جذوة التصميم. السر كله في الحماس. لا شيء يفلح إذا ترددت الإرادة. لا شيء يفلح إذا تدخلت الوسوسة. لا غاية تُدرك إذا انكسر عظم النية وارتدت القدم إلى الوراء خطوة."
كنت أظن أنني سأكتب مراجعة طويلة ... لكن اللانهاية صدمتني المزيج الرهيب بين الضبابية والوضوح جعلني أهيم في الرواية كما هام التوارق في الصحراء الضبابية تحوّلك لمتأمل ، متصوّف ، تائه الوضوح يملأ قلبك بالشجن ،المحن ،والشوق للوطن
ما عساي أقول : سوى أنّ هذا الكوني حرّك الشجون في فؤاد بنت العرجون 😢
رواية تعصر تفاصيل اللحظة و المكان، تصور في ذهنك رؤية مبهمة عن البطل .. تارة ضبابية، وتارة أخرى بوضوح شمس الصباح ، رواية تكرمك بتصور يسكنك منذ الصفحات الأولى عن كينونة الإنسان بكل عفنها ورائحتها، بكل خطوط جسده وعيوبه، رواية تشل فيك الحركة، تجعلك أسيرا لأنصاف الثواني تعدِّد أحداثها، رواية ترى من خلالها شخوصا على ركح الحياة بكل التشققات التي يحدثها فيها الزمن والآخر، في نوعية شخصياتها وهواجسها، رواية تحمل إليك تحليلا لمرض ينغص صفو العقل و الانسان، و تناقش حكمة بدافع غير مطلق التصديق، رواية تجنبك الحلم الطويل بإيقاظك عنوة مع تسارع الحدث أو تغير نفسية الرفيق بغتة..أو حنين وضمأ روحه المكابرة للماء المفقود في كفيه.. لكنك تفر اليه من جديد بذات الأنين المجنون ،رواية لن تجنبك الدهشة في لغوها العذب الساحر الذي يدور في حلقة من الانفعالات لكنها في النهاية ستجيبك عن السؤال ..ستنتشلك من حيرتك: (أَبقي قلبك البيت الذي اختاره الله سكنا)
ياللهول، أي مزاج تملكك لتكتب هذه الروحانية العالية الصادقة البريئة بين كائنين! قبلة على الجبين لأجل كل حرف كتبته أناملك في هذه الرواية
لا أعرف من منكم على تواصل مع ابراهيم الكوني، ولا يهمني، لكن بلغوه رسالتي هذه ، قولوا له أني لا أريده أن يموت.
من أجمل الروايات العربية التي قرأتها، إن لم تكن أجملها أشكر إبراهيم الكوني أن منحني متعة قراءة رواية عميقة، تستثير فينا التفكير والتأمل، وتجعلنا نقترف التساؤل مع الراوي.. الحنين إلى الوطن، متمثلاً في الناقة "ناقة الله" ورفيق دربها وشقيق روحها "أسيس" علاقة صداقة روحية بين شاب من أبناء الصحراء و"ناقة" بدأت من طفولة أسيس ومولد الناقة واستمرت عمراً.. صداقة ألغت كل الحواجز لدرجة نسي معها أسيس كونها "حيواناً، ناقة"! العمق الذي وصلت له تلك العلاقة بمكان جعل "الصمت" يتسيد حواراتهما الدائمة، للحد الذي لم يجعل للكلام ضرورة عنده ما دام الصمت هو لغة الحوار مع رفيقته التي يهمه أمرها وحدها لا غير.. أجاد الكوني في الوصف بدقة جعلتني أتحسس الرمل في عيني وهو يصف الصحراء وقت هبوب الريح.. أحسست معه ومع جمال وصفه بالعطش الشديد الذي أصاب "أسيس" شعرت بالجرح في الحلق إثر شربه لمياه شديدة الملوحة، ليروي عطشه.
حوارات فلسفية، صوفية، وروحية، رواية مختلفة تستحق القراءة..
"إننا نهلك بما نهوى لا بما نخشى"! يمّمت صوب الجنوب.. باتجاه الوطن المفقود.. وطن الصلاة.. تفصل بينها وبينه صحراء كالمارد العظيم.. جنوده الريح و الغبار والضمأ وسيوف كلٍ منهم كثبان هائلة سرمدية وتتسوّرهم جدران العدم!
أين لها أن تنعم بالعيش في وطن الله وقد سُلِب منها بسكاكين الغرباء! وطنها الصحراء وهي ما زالت تسكن الصحراء ولكنَّ الوطن هاجر من الوطن.. فأي بلية هذه التي لم تعد تعترف إلا بصحراء البُعد المفقود؟!
إن كنت سأقتبس شيئاً من الكلمات فلا أخالني أترك حرفاً أو نقطة دون اقتباس! رواية هي من روائع ما كُتب عن فقد الأوطان بطلتها مخلوقة بجرم ناقة ينخر روحها سوس الحنين فلا هي ترضى بالعيش في الوطن البديل ولا هي تملك العودة للوطن المسلوب. رواية مُلهمة للفكر ومُوجِعة للروح
لغة عظيمة ، مفردات جبارة ، عبارات وتراكيب قوية تجبرك على إعادتها اكثر من مرة لكي تستوعب روعتها ، نثر بديع ، وأسلوب لغوي يفوق الوصف لكن بنفس الوقت العمل الروائي ليس لغةً فقط هنالك شخصيات ، أسلوب روائي ، حبكة ويبدو أن إبراهيم لم يسمع بهذه العناصر إطلاقًا لذلك لم يستخدمها ، مما يجعلك تشعر بأنك تقرأ موضوع إنشاء لطالب في المدرسة حيث التعابير تطغى على الفكرة..
في أول قراءة لي لابراهيم الكوني اعتقد انه يمكنني القول أنها كانت تجربة عادلة -ان وجد شيء كهذا- هل أحسست بالمتعة؟ نعم هل استغربت التشبيهات واللغة أحيانا؟ نعم
ولكن؛ ما استوقفني بحق هو الاحساس الغريب الذي كان يغمرني بعد أنا قطعت شوطا في قراءتها، لا اعرف كيف أصفه ولكن كأنما كنت في الصحراء مع أسيس وناقته في صمتهما ومطاردته لها، كأنني أراه تأن حنينا لوطنها لا أدري، شعور غريب هو. وهذا ان دل انما يدل على براعة الكوني الذي جعلني أحس كأنني أعرف أبطاله وأحسست معاناتهم بل أحببت صحراءهم.
لا أخفي تعجبي في بادئ الامر من هذه العلاقة الغريبة بين رجل وناقته حتى لتحسب أنها محبوبته -وهي كذلك هنا-، كيف يمكن لإنسان أن يرتبط بحيوان لهذه الدرجة، ما هو السر! وهكذا تابعت فضولي لأجد نفسي وسط قصص كثيرة عن العلاقة المميزة التي تجمع الراعي بجماله/ناقته وعجائبية هذا المخلوق؛ في تصرفاته وتكوينه وحنينه. حنين هذه الناقة لوطنها الذي حرمت منها وبذلت في سبيل الرجوع اليه كل شيء وذرفت كل دمع. وكما قال الشاعر: شَوقٌ إليكِ، تَفِيضُ مِنهُ الأدمُعُ .. وجوًى عليكِ، تَضِيقُ مِنهُ الأضْلعُ
ومن أهم ما قدمته الرواية فهو تصوير جانب من معاناة شعب الطوارق الذي عانى وما زال يعاني ولهذا قصة طويلة تدمي القلب لا مكان لها هنا، فلنقل فقط أن الكوني عكس جزء من هذه المعاناة ببراعة.
أطلت الحديث؟ اغفرو لي! أو كما قال أسيس سُوْرفيد.
زد على كل هذا لغة الكوني المميزة وتشبيهاته التي تحمل في طياتها الكثير احيانا يلزمك ان تقرأها مرتان ثم تشهق تعجبا، أحسست ببعض الغلو أحيانا واستصعبت تركيبات الجمل واختياره للمفردات -ولكن عزوت هذا لجهلي-.
بصورة عامة كانت هذه بداية موفقة لي مع الكوني، ممتعة، لها سحر من نوع ما، تقربك الى فهم هذا الشعب التارقي. وكما قال أحد القراء: الكوني يجعلك تحب الصحراء؛ وهو كذلك! هو يدخلنا أو بالاصح ينقل لنا فكر واحساس هؤلاء الذي يعتبرون الصحراء أرض الله، يحبونها رغم ما تبديه من عدم وخواء يُنفر منها، حتى لتجد نفسك مشدوها بحبهم وارتباطهم بها.
الشخصية المحورية في الرواية هي ناقة،علاقة الإنسان بالكائنات الأخرى التي تتقاسم معه المكان وظروف العيش، علاقةً متشابكة. وهكذا هي علاقة "أسيس" بناقته التي أطلق عليها اسم "تاملالت" أي الجاموس البري بلغة الطوارق، "يكاد يجزم أنه نسي أنها بعير أصلاً وهو الذي لم يعرف لنفسه خلاً سواها، ولم يجد لنفسه مخلوقاً يفهم له منطقاً غيرها. بلى! بلى! المهم هو المنطق. الأهم من كل شيء هو المنطق. وقد أنساه منطق المخلوق الذي يسمّيه أبناء الصحراء ناقة كل منطق آخر. أنساه منطق الإنس والجنّ والطير منطق تاملالت أمّ كل منطق لأن ذخيرته ليست اللسان أو الصوت. ذخيرته ليست العبارة ولا حتى الإشارة، ولكن سلاحه هو الأقوى لأنه الصمت. تدور أحداث الرواية في فترة الستينيات من القرن العشرين وهي حقبة تاريخية مهمة في حياة قبائل الطوارق، إذ قُسمت "تينبكتو" مملكة الطوارق بين أربع دول هي ليبيا والجزائر والنيجر ومالي، وفقاً لمصالح فرنسا التي كانت تحتلها، وبسبب ذلك هُجّر عدد كبير من الطوارق من وطنهم الأصلي، ليعيشوا فصول الشتات والاغتراب، "تلك كانت مكافأة المحتل لأمة استعبدها قروناً فقدّم لها وطن الملثمين هدية، لأنهم آثروا أن يموتوا أحراراً على أن يعيشوا تحت رايته عبيداًً
من اجمل ما قرأت علي الاطلاق ، اللغه رااائعه جدا ،تشبيهات مبتكره ، لم اري احدا يستخدم اللغه كما يستخدمها ابراهيم الكوني. اول قراءه لي له واصبحت عاشقه ل اسلوبه البديع ،الرجل يجعلك تحس بما تقرا وكانه يقين امامك تراه عيناك. يصف ما يهواه قلبه الصحراء وطنه حتي لتظن انك ايضا ابن تلك الارض ، لم احب يوما الصحراء لكني اجدني الان منجذبة اليها اتوق لرؤية تلك الارض التي سحرت الكاتب وجعلته لا يتشدق الا بها ولا يتغي الا بجمالها. الرواية بين ايديك لتغترفوا الجمال منها ، لا احب ذكر محتويات الروايه تلك مهمة من يريد القراءة
أن تقرأ للكوني يعني أن تقرأ ما تحت السطور قبل السطور، أن تعشقة الجنة التي يرسمها، وكأنك لم ترى الصحراء من قبل؛ وكأنك فعلًا تستطيع أن تحب الصحراء، نعم ستحبها على الأقل بين دفتي هذا الكتاب. أن تقرأ للكوني فهذا يعني أن لك جلد، جلد على الاستمرار في القراءة لزمن يطول ويطول، لكن أن تسمع له فهذا كجلوسك في ركن تستمع لقصص الحكواتي حتى ينتهي من قصته، لا تنام ولا ترمش فقط تنتظر الحكاية لتنتهي وتعرف... هل يعود إلى وطنه؟
تيمّم صوب الوطن المفقود بعينين مفجوعتين مليئتين بكمّ من حزن لم يعرف له مثيلاً حتى في عيون أشقى خلق الله دون أن يرفّ لها جفن ، أو تطرف لها العين . تحدّق في الفراغ القاسي ، العاري ، اللانهائي ، المهيمن ناحية الجنوب كأنه صلاة الشهيد الذي لا يملك للخلاص سبيلاً سوى الصلاة : الناقة تاملّات هي الشخصية المحورية في الرواية التى يتناول فيها الكوني احداث مهمة عن حياة الطوارق وقعت عام 1963 حين قامت فرنسا بتقسيم الصحراء الكبرى لأربع دول والمذابح التي ارتكبها موديبوكيتا زعيم مالي والحملة التى قادها ضد الطوارق وتهجيرهم ونفيهم ليعيشوا الشتات والاستعباد والفقدان فيجد الطوارق أنفسهم امام من يطالبهم باثبات الهوية ويصنع الحدود والحواجز بينهم لكنهم يرفضون العبودية واختاروا ان يموتوا أحراراً وكما يقول الكوني : إنكار الهوية وحده ضمان حرية : يطرح الكوني ايضا عدة اسئلة موجعة عن معنى الوطن المفقود والانتماء والمنفى والحنين والجمال والاغتراب والعدالة والحرية ، الرواية رائعة ، السرد بديع ، اللغة عذبة وبالرغم من احداث الرواية الأليمة تتسرب تعابير الكوني ولغته البديعة كذرات من شعر
الكوني وعالمه الآسر المتفرد،الصحراء،مملكة تنبكتو،أهل الخفاء،وأهل الظاهر،وتقلبات النفس البشرية في عالمه الذي لا يفتأ يعيد تشييده كل مرة،بهندسة معماري فذ لا يجاري في مضماره ولا يشق له غباربطبيعة الحال.
كنت أفضل لوكتبت عن الرواية بشكل مفصل،وربما كان الأفضل لو فعلت حينما انتهيت منها منذ أسبوعين أو أكثر،لكنني لم أفعل لأسباب مختلفة،وللأسف فليست أحداث الرواية حاضرة في ذهني بجلاء،إلا أن الثابت عندي أنها أعجبتني بناءا وسردا "ولغة"،اللهم إلا بعضا من ملل أحسست به في المنتصف ربما،وقدرا من تكلف رادودني نتيجة له خاطر أن اللغة أحيانا قصد بها أن تفتن القاريء عن عمد،الأمر الذى دفع الكاتب للتزيد في هذا المضمار بقدر،وهو مالا أحبه،وقد يروق غيري والأمر سجال علي كل حال.
الخلاصة أن الرواية كغالب أعمال مبدعنا المتفرد،تستحق القراءة بأناة ،وعلي مهل،وبأقصي قدر من الهدوء وصفاء النفس،لمن استطاع إليهما سبيلا.
يستعرض إبراهيم الكوني في هذه الرواية معضلة الحنين للوطن خارج المعنى الجغرافي المألوف من خلال قصة الصداقة بين الشاب أسيس وناقته تاملّالت. يبين الصراع للتعايش مع هذا النوع من المشاعر حيث تمكن العقدة، الحل يكون حزيناً في نهاية القصة لكنه مبرر بما يتناسب مع السياق العام للرواية.
وجدتها مشابهة نوعاً ما لرائعته "التبر"، خصوصاً علاقة الصداقة بين أوخيّد والأبلق المهري.
قصة أسيس وناقته تاملالت نمط يتكرر في أعمال الكوني التي تتخذ من العلاقة بين الرجل وبعيره مدخلا إلى حياة الصحراء. تحكي الرواية مصاعب الحياة في الصحراء على خلفية بدايات تقسيم الصحراء بين الدول بعد الحرب العالمية الثانية واضطهاد الطوارق عام 1963.
قراءة في رواية "ناقة الله" للكاتب الليبي إبراهيم الكوني.
صدرت الطبعة الأولى من الرواية سنة 2015، و في نفس السنة دخلت القائمة القصيرة للمنافسة على جائزة مان بوكر الدولية المرموقة في صنف الأعمال المترجمة من لغات أجنبية إلى اللغة الإنجليزية.
الرواية ككل أعمال الكوني تدور أحداثها في الصحراء الكبرى من خلال شخصيات محدودة تخلق جوا أسطوريا دراماتيكيا، ومن أحداث ونفسيات الأبطال تطفو على سطح الرواية أسئلة وجودية مقلقة حول ماهية الوجود والخير الشر والعدالة الإلهية، في "ناقة الله" يتحدى الكوني جورج لوكاتش و كل من جزموا أن الرواية تؤثثها المدينة بشوارعها وكثافة سكانها ومشاكلها وجرائمها، إن إبراهيم الكوني يجيد خلق عوالم روائية خاصة من اللاشيء و من عدم الفيافي.
آسيس وتملالت أكثر من مجرد علاقة بين شاب وناقة!
آسيس البطل الصريح في الرواية رافق عمه بيلما لأول مرة لاستجلال احجار الملح من البلاد البعيدة ليثبت فحولته فالذهاب في ركاب القوافل حينها كان العلامة الأولى على الرجولة، عادا إلى الديار-القبيلة-، المرمية في رقعة منسية من الصحراء الكبرى أو الفردوس ذو الجدران من عدم كما يصفها الكوني، فتزامنت العودة مع ميلاد (اللقية) الناقة التي لالون لها، كافئه العم بها نظير تعبه وشقاءه في الرحلة، قالوا إنها تحمل لون الجن، ونسجوا قصصا تقول إن الفحل الذي وطأها كان شبح جن، أحب آسيس الناقة الشقية التي فطمتها أمها وعافتها فتولى هو دور الأم المرضعة، لقد هام بحبها، فتاملالت هي ناقة الله الأنثى التي لا هوية لها ولا جنس لها إنها من بنات الأنام.
ماهي رمزية الناقة في أدب الصحراء في روايات الكوني بالتحديد ؟ "هل يستطيع أن يجزم أنها ناقة إذا كان لا يستطيع أن يجزم بأنها حيوان أصلا؟ ...وهي أنها ليست حيوانا وليست انسانا..." ص18 تاملالت تحمل هوية اللاهوية، و علاقة البدوي آسيس بالناقة ينسج برزخا عدميا للاهوية، إن الناقة في الثقافة والموروث الأدبي العربي ليست وسيلة إلى غاية بل هي مجمع كل شعور بالغائية الواضحة والغامضة، فهي خالقة الأساطير وكانت من بين العوامل التي أخرجت الشعر من الغناء الساذج إلى الإبداع الحقيقي والتعمق في الطرح أو لنقل إن الناقة هي التي نقلت الفكر العربي قبل الإسلام مما نسميه طبيعة الوصف إلى طبيعة الدراما والصراع، فالعلاقات الأساسية بين الأديب الشاعر والعالم في شكل مزاج من الرفض والقبول تكمن في هذه الناقة، إن صورة الناقة قريبة من صورة الفرس، إِن كلا الصورتين نتاج لرؤية جماعية مشتركة تقدس الحيوانين وتعلي من شأنهما، كان للناقة مكانة مهمة في قصائد الأدباء العرب القدامى، نظرا لما رأوه من أهمية في وجودها على طول مساحة النص الشعري، فهي المرافق و الصديق في الرخاء والشدة، في الحرب والسلم، في الحياة والموت، فالناقة تهدى لأعز الناس، فهي العراقة وملح الأراضين، وحضورها مثال كامل الأوصاف، تتميز ب: الصلابة والمتانة/السرعـة/الصبـر/المقاومة للتحولات/الصحة البدنية(عظيمة الضلوع)/القدرة على المقاومة البساطة/الخصوبة/الأمومـة/الجمال/الشرف والنبالة/الحياة المطلقة/السلام/الطهـارة، لكن ناقة الكوني تملالت أو ناقة الله لا تتوفر فيها كل هذه المواصفات، فهي بشعة، نحيلةيمكن عد أضلاعها، بلاهوية، متطير منها، فطمتها أمها وتولى آسيس ارضاعها والعناية بها، هذه السمات السيئة وراءها أسباب أدت إلى ظهروها، فناقة الله تريد العودة إلى وطنها الأم(صحراء الجنوب) والعيش بسلام دون خوف وحروب...إنها السجية/الأصل/الوطن/السلام.... آسيس أحب الناقة الشقية وتعلق بها رغم سوءها وكرهها، قصد شاعرة القبيلة وطالبها أن تنظم قصيدة غزل في مديح اللقية المذمومة، أي قارىء يتساءل عن خلفية وسبب هذا الحب للناقة تملالت! أرى أن الكوني في روايته "التبر" و في هذه الرواية أيضا -ناقة الله- أراد أن يكرم الناقة، هذا الكائن العجيب الذي وهبه الحياة بعد أن تاه في عمق الصحراء الليبية وهو في عمر الخامسة، هذا التيه لمدة ستة وثلاثين ساعة كان معرض للمهاجمة من طرف حيوانات الصحراء، دون ماء و ووسط ملايين الأطنان من الرمال بذكاءه اقتفى أثر خف الناقة حتى بلغ منبع ماء ثم أرجع إلى عائلته، هذه الحادثة أراها مفصلية في سيرة "نبي ليبيا" فالساعات التي ضاع فيها وسط الصحراء أتاه مارد الصحراء يحمل وحيا أدبيا عبقريا ومتميزا وبكم هائل بحيث لازال الكوني يبدع رغم انتاجه لأكثر من تسعين عملا بين الرواية والقصة والنقد.
إبراهيم الكوني يتحدى جورج لوكاتش و يؤثث رواياته من عدم!
جورج لوكاتش: « الرواية ابنة المدينة».
قبل التعليق على قول لوكاتش نعود إلى سؤال "كيف نشأت الرواية؟" أولا إن الرواية ضرب من الأدب والفن، وبالتالي فعلينا أن نسلم أن تعيين عوامل مادية لنشأة الفنون عامة والرواية بشكل خاص يعد مجهودا بنيويا شائكا منذ البداية، وجل النظريات والمقاربات هي عبارة تقديم تفسيرات محتملة للنشأة بأثر رجعي، وهذه طريقة متجاوزة في مابعد الحداثة وما بعد بعد الحداثة. إذا كان الفيلسوف الألماني هيغل قد علل نشأة الرواية بتطور الوعي الإنساني تجاه الكون والطبيعة، فإن الفيلسوف الماركسي جورج لوكاتش سيبني على هذه الأطروحة مستفيداً من إسهام الفيلسوف الألماني الآخر كارل ماركس ونظريته المادية في التحليل الإجتماعي للطبقات، حيث سيقوم لوكاتش بتقديم تفسير لظهور الرواية من منظور الصراع الطبقي، وبحسب لوكاتش فإن الرواية تكون بذلك "ملحمة الطبقة البرجوازية"، حيث ظهر هذا الضرب الجديد من الأدب بصورة متزامنة مع الثورة الصناعية وصعود الطبقة البرجوازية على مسرح التاريخ في القرن السابع عشر، وكما أن لكل طبقة ملحمتها الخاصة، فإن الرواية هي ملحمة الطبقة البرجوازية والتي من خلالها عبرت فيها هذه الطبقة عن نفسها ونمط حياتها. لا يكتفي لوكاتش بالتفسير المادي لنشأة الرواية، حيث يعود مجدداً إلى أطروحة الوعي عند هيغل، فيرى أن الرواية هي "ملحمة عالم بلا آلهة"، قبل العودة لرواية "ناقة الله" علينا أن نفتش في الروايات، بما فيها الروايات العربية، عن المدينة في جمالها وقبحها، في تحولاتها وتناقضاتها، في عوالمها المختلفة، في مخملية حياة من يتربعون على قمة الهرم الاجتماعي، وفي انسحاق البشر الكادحين المسكونين بالاغتراب في مدينة غير آبهة بهم، حتى لو كانوا قد ولدوا فيها، وخبروا عوالمها، كروايات نجيب محفوظ و محمد شكري، فيمكن للرواية أن تبحر مع المبحرين والصيادين إن اختارت أن تجعل من البحر فضاء لها، ويمكن لها أن تتوه بنا في عالم الصحراء الغامض، إن هي جعلت من الصحراء مكاناً لأحداثها، ويمكن لها أن تخترع أمكنة قد تصغر حد ألا تتجاوز زنزانة في سجن، أو غرفة في بيت، أو مقهى ناء، ففي -ناقة الله- خلقت المتعة الروائية من عدم الصحاري وبوجود اله عكس ما نظر له لوكاتش.
شاعرية عالم الحيوان الروحية عند الكوني.
إنّ الحيوان الصحراوي المتمثل في الناقة تملالت يعتبر عنصرا من عناصر البناء الروائي، والناقة عند الكوني ليست حيوانا عاديا، بل هي كائن مؤنس، مؤنسن، أعاده للحياة بعد أن مات لمدة ستة وثلاثين ساعة، الكوني متأثر بصورة الحيوان في القرآن الكريم، واستهل روايته بآية قرآنية، و كثيرا ما يذكر غراب قابيل، أو نمل سليمان، أو هدهده… إن الحيوان الصحراوي عنده كائن قيمي له مشاعر وأحاسيس ووفاء، ويملك قدرة التعبير عن نفسه، ويستلهم الخطاب عناصر الكينونة فيه، فهو صاحب رؤية محملة في الخطاب.يتقن بمهارة فائقة لعبة تحريك هذه العوالم عبر فضاءات تعانق المطلق، وتمتد امتداد الأفق في الصّحراء، وتتراقص تراقص السّراب في عين الظمآن إلى حقيقة ما، إلى مكان ما، إلى شيء ما ضائع ومفقود، وعبر أزمنة نائية وغائرة في الوجود الإنساني تتحسّس نبضات هذا الوجود و تترسّم خطاه، بلغة صوفية عارفة، وبفلسفة الوجودي المؤمن والتائه الذي يسكنه السؤال الهوياتي.
الصّحراء أيضا وصية لأنها رسول السّماء، في "ناقة الله"، لا تعني الصحراء هذا المكان المرئي، المفعم بالفراغ اللامحدود، وإنما الصّحراء هي رمز أو بالأحرى، مجموعة من رموز حيّة، وإيحاءات ثريّة مكتنزة بالدلالات المتوثبة، الحاضرة والمؤجلة، التي تتوارى خلف تخومها النائية أسرار وأشواق وأشجان وحنين وتصورات و فلسفة ومواقف من حقيقة الواقع والحياة والإنسان والوجود، كل شيء في الصحراء، في الخطاب السردي، عند إبراهيم الكوني علامة مختزنة بكمّ هائل من المعاني خلف كلمات بسيطة بساطة المكان الجغرافي، ولكنها عميقة في دلالاتها عمق المكان الصّحراوي، وهي تستدعي ذلك التّراث الغني من التاريخ والأسطورة والتصوّف والفلسفة والعادات والقيم الإنسانية التي تختزل عادات وأفكار وعقائد وتاريخ فتصنع أسطورة الصحراء، وعلى هذه الجزئيات التي تعبر عن علاقات حياتية بين الإنسان الصحراوي ومكانه، إبراهيم الكوني حول الصحراء في خطابه السردي إلى قطب مكاني في مواجهة الأمكنة الأخرى، ليس بوصفها مكانا جغرافيا وإنما بوصفها مجموعة من القيم، كما يراها هو وكما تراها شخوصه، تقاطب الصّحراء عنده بين الصحراء الجبلية والصّحراء الرملية، كلّها صحراء واحدة، وهكذا فالصحراء هي قطب قيمي جاذب لكل قيم الخير والحرية والسموّ الرّوحي والسّعادةفي صحراءه المكان الأنثى التي تحمل فتنته وغوايته، يبني روايته هذه -ناقة الله- بغموض سحري غريب ومتناقض و الذي يجسد حضورا فاعلا لعوالم المخلوقات، ويخلق أحداثا وشخصيات روائية من العدم تحاكي أساطير الأولين و تتجاوز كل ماهو نظري ونسقي.
تاملالت ناقة الله أو الوطن المفقود! "أي وطن ذلك الوطن الذي لا يكون ناقة الله" ص 287 "الوطن ليس هو الوطن، ولكن الوطن ما هو إلى الباب المؤدي إلى الوطن، إلى الوطن المفقود في الوطن" ص86
تاملالت وضعت وليدها بعد طول انتظار، أصبحت أما لأول مرة، حوارها صار عقالا متنقلا، يعيقها في رحلة العودة نحو صحراء الجنوب، تعلقت به و كانت تحسب له ألف حساب لضعفه وهشاشته وثقل حركته، إلى أن قررت فجأة أن تتخلص منه وتتركه لكي لا يثقل حركتها وتعود في أقرب وقت إلى بيئتها الأم، إلى وطنها. آسيس في رحلاته التجارية و تنقلاته على مستوى الصحراء الكبرى رفقة تاملالت، تفاجىء بالحدود التي رسمتها دول الإستقلال؛الجزائر، مالي، النيجر، موريتانيا، فالكوني لم يخفي اسغرابه وسخطه على سياسات الإستعمار الفرنسي، و سياسات دول الاستقلال التي لم تختلف على المستعمر في إستراتيجيات التفرقة، فيقول: "لماذا لا نتخيل أن كل مكان في دنيانا هو وطن؟ لماذا لا نقنع أنفسنا أن الوطن فينا، وليس في المكان، أو أي مكان؟"، كما لم يخفي امتعاضه على منح صفة الدولة للنيجر ومالي وتشاد، هذه الدول التي يراها لا تمتلك مقومات قيام الدولة، على عكس الطوارق الذين لهم لهم لغة وكيان ثقافي ضارب في عمق التاريخ الإنساني، وتمنى أن يعيش في دولة الملثمين الكبرى، فحسبه منح تلك الدول السيادة الكاملة ماهو إلا انتقام من الفرد الإفريقي والصحراوي، فبعد مرور سبعة عقود على استقلالها لاتزال تغرق في براثن التخلف والجهل والأوبئة. كما تطرق إلى اشكالية قل ما طرحت في الأدب و هي العنصرية ضد البيض الطوارق من طرف السود الذين تم تغذيتهم بالكراهية لكل ما هو مختلف من قبل الإستعمار الفرنسي وكل من يخدم أجندته من السود في الصحراء الكبرى.
إبراهيم الكوني وعداؤه الدائم لساسة الجزائر!
كثيرا ما يردد إبراهيم الكوني في مقابلاته التلفزيونية أو في مقالاته، أن اقحام السياسة وخطاب الكراهية في الرواية والأدب هو بمثابة إنتحار أو كمن يطلق الرصاص من مسدس وسط سيمفونية موسيقية جميلة، إلا أن في روايته هذه -ناقة الله- نقف على هذا التناقض الغريب الذي نرى أنه ليس بسبب محدودية الرؤية إنما هو خلفية نفسية لم يستطع الحكيم الكوني أن يتخلص منها وأطلق عليها "جرح الجزائر"، ودائما ما يردد أن الجزائر خذلت الليبيين والتونسيين والمغاربة و الماليين وهذا الخذلان في رأيه هو غلق الحدود وعدم الاعتراف بالجميل الذي قدم للثورة الجزائرية، ويرى أن الجزائر هي من اعتدت على المغرب في حرب الرمال، كان لم ينسى. لم يغفر للهواري بومدين مطالبته لمعمر القذافي بمنع نشر كتاب فكري لابراهيم الكوني موضوعه الثورات، هذه الآراء الغربية ذكرها في مقال نشر بالموقع الإلكتروني "كود" تحت عنوان: (الجزائر.. هذا الجار لم يكتفِ بأن يخذل أهل الجوار كليبيا أو المغرب أو تونس، ولكنه أبََى إّلّاّ أن يخذل نفسه أيضاً).
"على بعد بضعة أمتار من هنا تقع سين التي قصفها الفرنسيين بالطائرات ف 1957 أثناء حرب التحرير، واقتحمها الجيش الفرنسي ليستشهد فيها احد ابنائي ، كان ذلك عدوانا على دولة مستقلة هي ليبيا، ومن باب الانتقام اجرنا ابطال المقاومة ولم نبخل عليهم لا بالمال ولا بالرجال، ولكن ماذا نفعل اذا كانت سنة الدنيا هي التي قضت بأن ننال النكران جزاء الإحسان، ويخذلنا الذين يحكمون لأنهم ليسوا هم المقاتلين الذين عرفناهم بالأمس!" ص101 أولا لا ينكر إلا جاحد نضال عائلة الكوني ضد الاستعمار الإيطالي، ثم دعمها الثورة الجزائرية من طرف والد إبراهيم وعمه فكانا ينقلان السلاح من مصر إلى الجزائر، وكان محلا بحث من قبل السلطات الفرنسية التي بقيت متمسكة بصحراء ليبيا لمدة عقد من الزمن بعد استقلال الشمال، نرى أن إبراهيم الكوني عاش كطفل تجربة نزيف روح، و عاش في الصحراء مطاردا بشبح عدو مجهول، و كبر على أمل وفكرة انشاء دولة الطوارق في الصحراء الكبرى، بعد مجيىء دول الاستقلال كان للجزائر الحيز الأكبر مساحة والنصيب الأوفر من الثروات والتنوع الطبيعي، والسجل الأكثر ثراء تاريخيا، وهذا ما كان بمثابة الصدمة لنبي ليبيا، وهذا ما نراه السبب الطبيعي الذي حول وجدانه الهش الشاعري إلى شيخ شرير يتضايق من بعبع بل كابوسا اسمه الجزائر.
لغة فخمة ومفردات كبيرة ومرهقة اغلب الاحيان خطّ الرواية ضائع فلا استطيع ان اكون تصور عن سير الاحداث وتتابعها رغم ان الكاتب كان يذكرنى انها رواية فى بداية كل فصل ويعيد ذكر الشخوص فى عدد من العبارات ثم يسترسل فى الحديث عن رمزية الوطن والحرية والقهر والحنين فتضيع الرواية ويبقى الرمز رفم انى لم اعد استكمل اى رواية لا افهمها ولكنى اكملت هذه الرواية ربما لان اللغة ممزوجة فعلا بسحر لسان اهل الصحراء ولها وقع فى النفس حتى وان كانت المفردات معقدة ربما المشكلة لدى انا فهذه ليست المرة الاولى التى اقف فيها امام نص بلهجة مختلفة عن لهجتى حتى وان كانت باللغة العربية الفصحى واعجز عن الفهم الكامل للعبارات والتراكيب
كان لقائي الاول مع الاديب الطوارقي الكبير إبراهيم الكوني، تجلى هذا القاء بيننا في جمال وسحر هذه الرواية التي تقع بين البين، مرة ضبابية مبهمة تتخبط في صفاحتها لا تدري اين انت وإلى اين ستهتدي ومرة كوضوح الشمس في رابعة النهار تعيش احداثها كأنك أنزلت في صحرائها الكبرى بين ابطالها الكثر، تأخذ انفاسك تلك التفاصيل الصغيرة العجيبة التي استنطقها الكوني في وصف الناقة والصحراء والضمأ والشجن والمحن والحنين والتضحية، رواية تدعوك لتأمل تدعوك لتصوف تدعوك لتفكر تدعوك وتدعوك فتجيب، لا اعلم كيف استطاع الكوني هزي بهذه الطريقة، حقاً انت ساحر يإبراهيم قطعاً لن يكون هذا لقاءنا الاخير سأختم هذه المراجعة بهذا الاقتباس العظيم "لأن الحنين بلا ترياق حقا".
ناقة الله.. كل ما هنالك أن الحنين كان في حياتها الساحر الأدهى. الحنين فتنة الشعراء وأفيون النفوس التي وجدت نفسها في الصحراء بلا حول، لأنها لم تنتم يوماً إلى جنس الخليقة التي تدبّ في الصحراء.
إبراهيم الكوني متمرس بعمق في صحراء بلاده، ولغته ساحرة وعبقرية.