ملحمة العصر الحديث الفريدة، وإحدى روائع القرن العشرين الروائية التي أدت بمؤلفها إلى الفوز بجائزة نوبل (1929)، باعتبارها “دُرةً فنيةً يزهو بها الأدب الألماني. وهي الرواية الألمانية الواقعية غير المسبوقة حتى الآن، وقد احتلت مكانةً رفيعة بلا منازع، وكذلك في الآداب الأوروبية”.
استبصارٌ فريد لمآل الطبقة الوسطى، التي يصبح انحدارها فانهيارها تمهيدًا- في ذاته- لصعود النازية. وترجمة دقيقة، كاملة، عن اللغة الألمانية، تحقق معادلة الدقة والسلاسة معا، محافظة على الخصائص الأسلوبية لأحد سادة الإبداع الروائي العالمي
Thomas Mann was a German novelist, short story writer, social critic, philanthropist, essayist, and Nobel Prize laureate in 1929, known for his series of highly symbolic and ironic epic novels and novellas, noted for their insight into the psychology of the artist and the intellectual. His analysis and critique of the European and German soul used modernized German and Biblical stories, as well as the ideas of Goethe, Nietzsche, and Schopenhauer. His older brother was the radical writer Heinrich Mann, and three of his six children, Erika Mann, Klaus Mann and Golo Mann, also became important German writers. When Hitler came to power in 1933, Mann fled to Switzerland. When World War II broke out in 1939, he emigrated to the United States, from where he returned to Switzerland in 1952. Thomas Mann is one of the best-known exponents of the so-called Exilliteratur.
اسم الرواية: آل بودنبروك : قصة انهيار عائلة تأليف: توماس مان ترجمة: محمد ابو رحمة عدد الصفحات: ٩٤٤ صفحة (جزئين) عدد ساعات التسجيل الصوتي : ٣١ ساعة التقييم : ٥/٥
عندما تعقد العزم علي قراءة عمل الف صفحة توعد نفسك بادب كلاسيكي و تتصبر ان عمل بهذا الحجم سيحمل بالتاكيد قدر - تتمني ان يكون محتمل- من الملل. لكن ال بودنبروك ل توماس مان تطيح بك من فصولها الاولي، درس مذهل في كيفيه كتابة عدد هائل من الصفحات بلا توقع او نمطية او سرد عقيم. أربعة اجيال من ال بودنبروك متتالية بعدد كبير من القصص و التعاسات و تفاصيل شخصية تذهلك تماما و تجبرك علي معايشة اسرة تكاد تكون فرد منها قرب نهايتها.
في عزلة ماركيز المئة اسرة يربط اولها في شجرة و اخرها يأكله النمل، هنا يخبرنا توماس مان في العنوان نفسه اننا سننطلق في رحلة طويلة للاسفل ، يحرق لنا النهاية من اول صفحة اننا سننحدر يوم بعد يوم و جيل بعد الاخر. سنبدأ من بيت ذهبي مذهل يحمل تاريخ عتيد و مستقبل محتمل باهر و نسير رحلة الضياع الي ان ينتهي كل شئ. و رغم علمك التام بالنهاية فالحزن يجتاحك تماما عندما تتجسد مخاوفك تلك مع الصفحات الاخيرة.
مشاهد مذهلة نمر بها خاصة مشاهد موت الشخصيات الرئيسية واحدة تلو الاخري و دور الدين البروتستني الهادئ في تمهيد الشخص الي الخلود الا من جزع اخير يفشل حتى راهبات الكاثوليكية و فورات صوفية الاحلام في الانتصار عليه. ************* "فما معني النجاح؟ انه قوة غامضة لا توصف. انه يقظة و استعداد، احساسي بان وجودي في حد ذاته هو المتحكم في حركة الحياة من حولي. انه الإيمان باقبال الحياة، فالسعادة و النجاح ينبعان من داخلنا لذا فلا بد من التمسك بهما ولا نفرط فيهما ليظلا هناك في اعماقنا. فان وهن ما في اعماقنا تراجع، شحب، يكون قد اطلق سراح كل ما حولنا ليعترض طريقنا ثائرا علينا، فتفتر همتنا و تتداعي علينا البلايا. و انا اتذكر مثلا تركيا يقول "اذا ارتفع البنيان حان لقاء الديان" ولا يعني ذلك ان الموت هو المصيبة بل التراجع، التردي، بداية النهاية " ************* مقارنه سريعة بين ابطال توماس مان و ابطال بروست في "البحث عن الزمن المفقود" الفرق الاساسي بين رجل الاعمال و الاقطاعي. البرجوازي عبد لامواله (قلق و توتر و هلع السقوط و الخروج من الطبقة و إمكانية تضحيته بسعادته و سعادة اهله نفسهم لاستمرار عجلة الربح) ك مقابل ل الاقطاعي تكمن سعادته الشخصية (رعايته للفن مثلا و رفاهيته) ، التجارة ك عمل اقتصادي متقلب و نشط مقابل استثمار الارض المضمون المستقر لعقود. و يتسأل توماس نفسه ان كان كريستيان علي حق في اعتبار نفسه و الأسرة نصابين.
استخدمت كل الطرق الممكنه للانتهاء منها قرأت جزء مترجم نصي و صوتي و اجزاء أخرى انجليزية صوتي و نصي، و تميزت ترجمة "محمد ابو رحمة" بسهولة و سلاسة قاربت من الترجمة الانجليزية ذاتها.
من البطل؟ القنصل المؤسس ام تونيا الرقيقة التعيسة ام كريستيان القلق ام توماس حامل هم الاسرة ام هانو ذو الجفون البنفسجية؟ يتحرك ثقل الاحداث من فرع الي فرع لدرجة لا تجعلنا نحكم. الي ان ندرك ما نعلمه من البداية ان البطل هو التدهور في حد ذاته.
-52- ربِّ أَعِنْ برحمتك، الصبر شيءٌ لا يمكن احتماله، ذلك العمر الذي يقبض على عنقي حدَّ الخنق، لا عجبَ أن يسمي توفيق الحكيم مذكراته بـ"سجن العمر"، أنا يومًا لم أكن أرقب الأيام بتلك الحسرات المتتاليات، قالت "سمر يزبك": "ما ذهب منك، لم يكن يومًا لك"، قال أبو تراب الحزمي "حدثني شيطاني: خذ من حب المرأة ما أتاك عفوًا، ولا تركن إلى لُهى كلام مُخدَّرة .. فعما قليل سيسقط نصيفها لغيرك، ويملك سواك أعلاها وأسفلها !".. ماذا في غدي؟ لا شيء، قال توفيق الحكيم: "كثيرٌ من الناس يعيشون طويلًا في الماضي، والماضي منصّة للقفز لا أريكة للاسترخاء"، قال أبو العلاء المعري "قلَّ الثقاتُ فما أدري بمن أثقُ = لم يبقَ في النّاسِ إلا الزّورُ والمَلقُ"، ماذا أنتظر؟ لا شيء، كل ذلك الهمّ المتصل؟!.. يتساءل كافكا في رسائله إلى ميلينا "- بالمناسبة لِمَ أنا بشري -"، ذلك العمر يطاردني بسنواته التعسات، لا شيء، قال الشاعر "أَنََّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا = أُنسًا بِقُربهمُ قَد عادَ يُبكينا"، قال جوستاف فلوبير في رسالة إلى الآنسة لوغوير دو شانتبي "لكن لا تقرأي، كما يقرأ الأطفال، لأجل المتعة، أو كما يقرأ المتفائلون، لأغراض التعلم. لا، اقرأي لإنقاذ حياتك".. لله قلبي.. اقرأُ لإنقاذ أيامي، حتى لا يضيع عمري.. بدأتُ في قراءة رائعة توماس مان الخالدة "آل بودنبروك"، اشتريتها في سلسلة المائة كتاب الجديدة التي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، قرابة ألف صفحة في ترجمة جيدة عن الألمانية لمحمد أبو رحمة على جزئين، العجيب أنها كانت أولى روايات توماس مان تأليفًا، أسلوب توماس مان الذي تمتزج فيه السخرية الخفية بروح الدعابة مع نزعة فلسفية تصويرية لخوالج النفس البشرية قد نرى أوجه في هذه الرواية مع رواية توماس الأخرى الغريبة "الموت في فينسيا" أو "البندقية"، كنت قد قرأتها بترجمة غير طيبة من ترجمات الهلال عن قصة حب مُثلي بصبي صغير، موضوع شائق جعلني أنفر من توماس مان لوقت طويل حتى قرأتُ هذه الرائعة، يحكي توماس مان قصة صعود وانهيار عائلة برجوازية يرمز لها في مقدمته بأنها تشبه قصة عائلته، لكن يغلف كل ذلك بروح سخرية قوية للغاية طول صفحات الرواية، قصة نشأة "طوني" بأنفتها المتكبرة ثم خيبة أملها في زواجها الأول ثم زواجها الثاني ثم خيبة أملها الثالثة في زواج بنتها، سخرية مقيتة طيلة صفحات الرواية كأنه ينتقم من النزعة المادية في خط سير حياتها المضطربة، روحانية توماس بودنبروك الظريفة أثناء قراءته كتاب فلسفي ثم عودته ثانية لمرارة الحياة الواقعية كلها مشاهد مشبعة بروح السخرية، أعتقد أن مشهد موت "توماس" قريب للغاية بصدمة موت يوري المفاجئ في "دكتور جيفاجو" لباسترناك، تلك النهاية غير المتوقعة، تلك الهزائم المتتالية لتلك الأسرة البرجوازية تشعرك بالشفقة حتمًا بعد نهايتك من قراءة الرواية، بل إن توماس مان بارع للغاية في الوصف، فصل كامل عن مدرسة "هانو الصغير" وصفات مدرسيها، الرجل يسترجع ماضيه بتؤدة غريبة في تلك الرواية كأنها مشروع عمره، لا ريب أن حيازته جائزة نوبل عن تلك الرواية - خاصةً - جدير بالملاحظة، الترجمة سلسة للغاية تليق بتلك التحفة الساخرة، قالت نادية الشهراني "لا تقل في سبع كلمات، ما يمكنك قوله في ست"، تلك اللزوجة الروائية والإسهاب في السرد غير المبرر وجدته أثناء قرائتي رواية "لورد جيم" لجوزيف كونراد، كأن هذه السمة خاصة بالروائيين الأقدمين الأوائل، كأن الوقت كان يجري بطيئًا ساعتئذ، ولديهم الوقت كله للكتابة، "جوزيف كونراد" مولع بوصف حياة المهمشين من البحارة ونوتية السفن بكل تفاصيلها وألفاظها العامية، لذلك ترجمته في بعض الأحيان تكون صعبة رغم وجود بناء قصة قوي تعتبر القوام الرئيسي لكتابته، لن ينحدر بشكل عام في تهويمات فلسفية داخلية أو غيبوبة ذاتية كما الأدب الحديث، لكن ستشعر بالملل الشديد أثناء قراءة أي كتاب له، في "اللورد جيم" يحكي قصة عامل سفن يطارده ماضيه حتى يقضي عليه، هرب من سفينة قابلة للغرق هو وطاقم السفينة بشكل حقير للغاية، ولكي يكفر عن وزره ينتقل بنا راوي القصة لأخبار تنقله بين أكثر من وظيفة هربًا من ذلك الماضي المخجل المشين حتى ينتهي به الأمر في جزيرة من جزر الملايو حيث يبدأ حياة جديدة بشهرة لم يكن يتخيلها تنتهي بموته، خمسة وأربعون فصلًا كان يمكن اختصارها في عشرين فصلًا، كتابة تعتمد على الاستطراد والإسهاب الممل بشكل مزري، لكن "جوزيف كونراد" مرضٍ بشكل عام لأي متذوق للأدب، قالت مايا أنجيلو "نحنُ عُميانٌ فقط بالقدرِ الذي نحن نُريدُه".. أنا أتعامى عن فشلي، وخيبة واقعي المأزوم، قال فان جوج "الفنّ يواسي مَن كسرتهُم الحياة"، قال النرويجي هنريك إبسن "كن أيّ شيء تريده، ولكن عِشه إلى أقصى حدّ"، قال إيريك فروم "أن تكون مؤمنًا يعني أن تكون جسورًا؛ أن تفكر فيما يصعب تصوره أو التفكير به!"، قرأتُ رواية محيرة للغاية، لا أستطيع أن أحدد موقفي تجاهها، هل هي رواية جيدة أم لا، حتى أحداثها والقفزات السريعة التي بها جعلتني أتعجب للغاية من الواقعية الشديدة التي تكتب بها الكاتبة قصتها، الرواية لكاتبة دنماركية مخضرمة هي "كريستين تورب" بعنوان "إله الصدفة" تبدأها الكاتبة بقصة إجازة لبطلتها الأوروبية في خريف العمر في إحدى الدول الإفريقية "جامبيا" تلتقي فيها بصبية صغيرة تحاول مساعدتها ماليًا، الشخصية الرئيسة للرواية لا تملك سوى المال طيلة الرواية لتعبر به عن مشاعرها، برود عاطفي غريب يعكس عقلية الشخصية الأوروبية تجاه الأجناس الأخرى، تلك المساومات بين الطفلة الجامبية "مارياما" والمرأة الأربعينية "ماريانا" تجعلك تضيق بشدة بتلك الحالة من الابتزاز المتواصل في بداية القصة وتتمنى أن تتخلص "ماريانا" من شراكها وترجع لحياتها العملية بسرعة في الدنمارك، لكن الغريب أن "ماريانا" تعمل بجد بشكل مغاير لنجد "مارياما" تنتقل للعيش مع أسرة غر قادرة على الإنجاب في لندن بمساعدة ماريانا التي تفقد عملها نتيجة اضطرابها العاطفي وتنتقل من كوبنهاجن للندن لمتابعة "مارياما- الطفلة"؛ وسط إهدار متواصل لمدخراتها التي حاولت توفيرها من سنوات عملها النمطي، قفزة سريعة في الأحداث، ثم وصف لمعاناة مارياما في التأقلم مع هذا الواقع وهربها مع أحد المهاجرين الأفارقة في لندن ثم بحث "ماريانا- الأوروبية" عنها كأنها صارت قضيتها الرئيسة وتشابكها معها في مشهد عبثي بنهاية الرواية ينتهي ��موت "مارياما".. رواية محيرة للغاية بالفعل، لا أستطيع أن أحدد موقفي منها، وليس فيها شيء من التمازج بين الغرب والشرق كما يقال، بل هي خير تعبير عن السيكولوجية الأوروبية تجاه ذاتها، تناقضاتها الداخلية، يقول ياقوت الحموي: "أضحى يُضَيِّقُ فُسحةَ الأملِ = ما مرَّ من عُمري بلا نفعِ !!"، يقول ابن زيدون "سأُحِبُّ أعدائي لأنَّكَ منهمو = يا مَن يُصِحُّ بمقلتيهِ ويُسقِمُ"، ويقول علاء جناب "هُوَ ذا أَسَايَ فمن يضمُّ سمائي = شوْقُ الغَمامةِ؟ أمْ حنانُ الماءِ؟!"، يا قلبي المكبود، أنت في قرارك غير ساكن، "قيل أنه لما أزمع حافظ إبراهيم السفر إلى اليونان، قال الرافعي:ألا تخشى أن تموت هناك، فتموت يونانيًا؟ فقال حافظ: أوَ تراني لم أمت بعد في مصر؛ إن الذي بقي هين!".. انتقلتُ لقراءة كتاب صغير عن "جيته" لدكتور أحمد معوض، الكتاب يعرض لحياة الشاعر الألماني جوته ضمن إطار زمني، لكن فائدته قليلة للغاية، كأنه كتاب أكاديمي متخصص، يصيبك بالملل حدّ التخمة، هناك مشكلة في الدراسات الأكاديمية المؤطرة، أخذناها من النهج الغربي في تلك الدراسات، حجم الفائدة قليل والكاتب لا يتدخل إلا كطيف لا لون له، قرأتُ بعدها كتاب لنبيل راغب في النقد الأدبي بعنوان "معالم الأدب العالمي المعاصر".. يتناول مدارس أدبية حديثة في وقته؛ فات وقتها حاليًا، الكتاب قديم وأغلب الأسماء التي فيه غريبة على سمعي، لكن لم أعدم فائدة في المقارنة بين تينسي وليامز وآرثر ميللر في فصل الأدب الأمريكي، والحديث عن إيتالو كالفينو في المدرسة الإيطالية، لكن الفائدة المرجوة منه قليلة للغاية للأسف، قال مصطفى صادق الرافعي: "دجاجة القفص امرأة متحجبة في نظر الثعلب؛ وحجابها جهل وحماقة ورجعية وتخلف عن زمن الثعالب"، العجيب من الرافعي تدلهه في حب ميّ زيادة وهو يكتب مثل هذا الكلام، قال المنفلوطي في "نظراته" "السبب في شقاء الإنسان أنه دائمًا يزهد في سعادة يومه، ويلهو عنها بما يتطلع إليه من سعادة غده!"، قرأتُ بعدها رواية طارق علي "ظلال شجرة الرمان"، ليست بشيء، ليست بشيء، إذا أردت أن تكتب رواية عن مأساة الموريسكيين، وثورات جبل البشرات لا يمكنك أن تنتج غثاء مثل هذه الرواية التي تجعلك تقئ ما في بطنك بعد قرائتها، كل هذا الهراء، لا ريب أن التكاثر المادي كان أحد أسباب سقوط الأندلس، لكن لم يكن المسلمون في أي عصر على هذا القدر من البلاهة والانحطاط الذي أراد منه هذا المخرج الباكستاني أن يكتب لنا فيلمًا سينمائيًا مليئًا بموبقات ذاته المتدنية، قال جورج برنارد شو "الأفعى لها جلد ناعم وفمها ملئ بالسّم.. كذلك بعض البشر يمتلك لسان جميل وقلب أسود"، قال جون فانتي "بدأتُ أكره المكان. معها كان جزءًا من حلم، ودونها، كان منزلًا وحسب".. قرأتُ بالنهاية "سأكون بين اللوز" لحسين البرغوثي، لم أقرأ من قبل سيرة ذاتية بهذه الشجوية والذاتية العذبة التعبيرية، معركة مع الموت انتهت سريعًا، لا أعلم لما كان قدرًا على الفلسطيني أن يكون أديبًا غريبًا محيرًا، تعدُّ من أغرب ما قرأت من سير ذاتية، قال جون فانتي "هذه حياة تليق بالإنسان: تطوف، وتتوقف، ومن ثم تمضي، إلى الأبد".. أو تموت في لا نهاية.. ما هذا العذاب السرمدي، أنا في هواكم أشتكي؟!، كل ذلك المداد دون جدوى، وأنا الذي واصلتُ ليلي بنهاركم في لا شيء.. لا شيء، قال أحمد بخيت "كلُّ الذي لا يعرفون وأعرفُ، هو ما أحسُّ به وما لا يوصفُ، لا آيةٌ في الحبِّ تسبقُ آيةً، أنا حين اقرأُ فيكِ كلُّكِ مُصحفُ"، قال فانتي "كان هناك الكثير ليقال؛ ولا طريقة لقوله"، الكل يمرُّ.. وأنا أقفُ في انتظار الموعدِ، تلك المرارات في قلبي، لن تنتهي، قال كافكا في رسائله إلى ميلينا "عندما أستلم رسائلك أشعر أنني متصالح مع الحياة، وحين لا أفعل أشعر أن الحياة مخطئة وأبدأ بالتصادم مع كل شيء مع الحياة"، قال جوزيف حرب "لَيْسَ ليْ غَايَهْ، سِوَى أنْ أرَى في الرِّيْح لِيْ رَايَهْ"، قال فرناندو بيسوا "إلهي اجعلني صافيًا كالماء وعاليًا كالسماء، أبْعِدْ الوحل عن طرق تفكيري، إلهي حرِّرني مِنِّي".. ربِّ أَعِنْ برحمتك.
فى البداية لا تبشر الرواية بمتعة حقيقية وتبدو شديدة الملل، ولكنها مع التقدم فى القراءة يتضح بناؤها ويتبلور الأسلوب المميز للكاتب، وهى رواية واقعية تتناول بشكل يومى وتفصيلى حياة أسرة برجوازية فى الفترة من ١٨٣٠ إلى ١٨٧٥، وهى أسرة يتوارث الأبناء عن الآباء فيها مهنة التجارة من خلال شركة أصبح لها اسمها، وبذلك فهى عن بورجوازية تنزع إلى الأرستقراطية، وبالتالى، فقواعد الإتيكيت والقيم المحافظة التى تدعيها غير أصيلة، وتمتلىء بثغرات تفلت منها هفوات محرجة وادّعاءات وثقافة نصف نصف،أو هوس سطحى بالفن دون القدرة على تمثله مما يفضى فى النهاية إلى شكل مبتذل. وهى السمات التى انتظمها أسلوب الكاتب الساخر طوال الصفحات الطويلة لجزءى الرواية. ١ وعبر تداعى الأجزاء الأخيرة، التى برقت فيها صور سريعة لانحلال أفراد الجيل الثالث من الأسرة، يتبدى عمق وتعقيد الأخ الأكبر ومدير الشركة "توماس بودنبروك" حيث يكتشف أن كل جديته كانت قناعا محكما يُخفى به هيكله المتداعى وشحوبه وقلقه وريبته بخصوص كل شىء، وتنتابه ألوان من الرؤى الصوفية التى يستيقظ ليعاوده الارتياب بخصوصها، وفجأة، يموت موتة كئيبة إثر سقوطه فى الشارع على وجهه بعد الإعياء الذى أصابه من عملية خلع ضرس غير موفقة. ٢ وتنتهى الرواية بموت أصغر أفرادها بالتيفود، وهو هانو ابن توماس بودنبروك، الذى فشل والده فى أن يجعل منه خليفته، حيث نما الصبى كشخص حالم سلبى مهووس بالموسيقى، وتجسدت عبره أشد الأفكار سوداوية وقتامة، والتى ربما كانت توحى بعصر قادم من العدمية. ٣ أسلوب توماس مان ثقيل ومعقد، وأحيانا يبنى التصورات بتجريد يليق بالفلسفة، وهو شىء يستهوينى، وربما يُعاب عليه أنه يعبر بجملة معقدة عما يتبادر إلى الأذهان أنه يمكن التعبير عنه بكلام أقل وأبسط. ولكن الحقيقة، أن تعقيد الكاتب هو جوهر أسلوبه، وتعقيد تركيب العبارات ربما يكون ضروريا لوضع بعض الاعتبارات أو الحدود الفاصلة بين شعور بعينه وشعور آخر يكاد يشبهه. والجمل الطويلة التى تتخللها وقفات ربما تهدف بنازع موسيقى إلى توقيف القراءة لأخذ الأنفاس والهدوء من أجل تبصر ذروة دقيقة لشىء مقصود بعينه مفارق لمحيط من أشياء أخرى مُشابهة. ٤
أنا لم أنته بعد إلا من هذا الجزء فحكمي ليس نهائياً، الرواية حتى الآن ولا شك جميلة تجعلني أعيش مع عائلة بودنبروك وحياتهم وتقلباتهم وعثراتهم، لكن شعرت ببعض الإطالة في الأحداث، والتي كان من الممكن اختصارها كثيرًا (في رأيي الشخصي) الترجمة مجهود جبار يشكر عليه المترجم، إلا أني وجدت في بعض الأحيان نفسي قد انفصلت عن الأحداث بسبب إعادتي لصياغة بعض العبارات في ذهني لأني شعرتها مترجمة حرفيًا، وكنت أفضل لو أعاد المترجم صياغتها بأسلوب أفضل.. وفي أول الرواية وجدتني تائهًا في الشخصيات لحد ما لاستخدام الكاتب أحيانًا الاسم الكامل للشخصية ثم استخدام اسم التدليل او الاسم القصير في مقطع آخر، أو مشاركة بعض الشخصيات في العائلة لاسمهم الأول وختامًا كما قلت سالفًا، لا أستطيع الحكم الكامل إلا بعد قراءة الكتاب الثاني