بأي حق يتحدث حاضري عن ماضيّ؟ هل يتميز الحاضر بأفضال عن الماضي؟ أية «نعمة» قد تكون هَدَتْني؟ أهو مجرد الزمن الذي ولّى، أم هي قضية أساسية عنَّت لي في طريقي؟ رولان بارط
Abdelfattah Kilito is a well known Moroccan writer. He was born in Rabat in 1945. He is the author of several books in Arabic and in French. He has also written articles for magazines like Poétique and Studia Islamica. Some of the awards Kilito has won are the Great Moroccan Award (1989), the Atlas Award (1996), the French Academy Award (le prix du Rayonnement de la langue française) (1996) and Sultan Al Owais Prize for Criticism and Literature Studies (2006).
هنا كيليطو أستاذ وناقد أدبي .. وذلك من منطلق أن الأدب كغيره قابل للنقد، ومحتاج لقواعد، فكما كان يقول خلف الأحمر "إذا أخذت درهما تستحسنه وقال لك الصيرفي إنه رديء هل ينفعك استحسانك إياه؟" إذن هنا يقرر الفصل بين الذائقة والمعيار الموضوعي للحكم، ويؤكد على أهمية عمل الناقد ووجوده، فمهما بلغ العمل الأدبي من القداسة، ومهما ارتفع سقف الأدب، فلا زلنا بحاجة للنقد. كيليطو هنا يفكك النصوص السردية، ويسمي مصطلحاتها، ويعيد تركيبها، ويتساءل عن تقسيمها.. إذ إن التقسيم ليس بالعملية البريئة، فكما يقول بارت: قل لي كيف تقسم الأشياء أقل لك من أنت. هو هنا في لقاء مع الماضي الأدبي الذي فرض نفسه على قواعد الأدب الحاضر، يرى كيف قسم؛ ليعرف ماهيته وتعريفه وفق الثقافة العربية، لأن اللغة ليست جزءا من الإنسان، بل هي أفق استطاعته وعجزه كذلك! كما ذكر الخطيبي في تقديمه الرائع للكتاب. عن العلاقة بين الأدب والارتياب، الأدب والغرابة، الأدب والانفتاح.. كيف تفسر حكاية السندباد واقع الانفتاح الثقافي الذي نعيشه اليوم. هذا ما لا يستطيع تفسيره أحد سوى كيليطو هنا! كيليطو هنا يشير إلى أمر مهم، بذلك الأمر استطاع أن يدعو للأصالة والحداثة معا بطريقة غريبة، فقد ذكر قصة مفادها أن أبا نواس أراد نظم الشعر، فاستأذن من أستاذه أن يفعل، فرفض إلا بشرط أن يحفظ ألف مقطوع للعرب، فلما حفظ أبو نواس ألف مقطوع ما بين أرجوزة وقصيدة جاء لأستاذه، فأنشدها بين يديه، ثم سأله أن يأذن له في نظم الشعر، فلم يأذن له إلا بشرط نسيانها جميعا! فلما فعل، أذن له حينها بنظم الشعر. انتهت الحكاية. أتعلم ما الذي فهمته من هذه القصة؟ ما الدرس الذي حاول إيصاله هذا الأستاذ؟ أظنه التأكيد على أهمية الدراسة على قواعد وأسس منهجية بل وصارمة، معرفة الماضي وحفظه ودراسته والاهتمام به، ثم بعد أن يمضغه المرء ويبتلعه، ليذوب في كريات دمه، هنا يذهب لإعداد طبقه الخاص، وبين هاتين المرحلتين وقت مهم، وقت اللافعل، وهو الوقت الذي ينضج فيه الطالب على مهل، هو بحاجة لهذا الوقت للنضج، ودون أي إنتاج يذكر، لتجيء بعدها مرحلة العطاء المنفصلة عن الأخذ، فالعطاء المباشر للأخذ يشوبه التأثر الأعمى المباشر لما أخذ، عدم اكتمال المعنى في نفسه، لم تزل الكلمات التي درسها ساخنة كما خرجت من فرن معلمه، وها هو يظن أنه الآن يستطيع مضغها ومن ثم إعداد أخرى مشابهة لها، وكيليطو هنا يدعو لعدم النسخ والتقليد، دون نبذ القواعد وعدم فهمها ودراستها، فالنبذ كذلك يورث منتجا عبثيا لا مجال لدراسته وفهمه، ولا حدود تبين بها رسمه، فهو في الأولى منتج مقلد، وفي الثانية منتج غير قابل للتعاطي والفهم. هذا هو سر العمل الأدبي العظيم!
أخيرا لحد الآن وأنا أقرأ لكيليطو، أجد أن هنالك كلمات سر تحركه، تتكرر معه دائما في مؤلفاته، يبدو أن لها تأثيرا كبيرا عليه، وفضلا واضحا على مؤلفاته، هي:الجاحظ، ألف ليلة وليلة، الحريري، ابن رشد، الجرجاني، ابن رشيق، ابن بطوطة، حي بن يقظان.. من أيضا؟ هل ستطول القائمة مع قراءتي لبقية الأعمال؟ لا أعلم.. لكن الأكيد أن خلف هؤلاء يكمن سر كيليطو :)
صحبة عبد الفتاح، يمكن أن تصبح عاشقا للأدب الكلاسيكي. الف ليلة وليلة، كليلة ودمنة، حي بني يقظان، الحيوان والبخلاء، وتاملات ابن رشيق اللغوية، وأسرار البلاغة للجرجاني، وتراجم الشعراء ومٱثرهم ونوادرهم . كلها وغيرها كتب عكف الأديب الأريب على دراستها، ونقدها. نقد جميل، عذب، يجعلك تسبح مع الحكايات بتأويلاتها المختلفة. أسلوبه جميل وشيق، وهو يقوم بتناول الأدب الكلاسيكي من مختلف انواعه، سواء كان ترجمة، او سيرة، او شعر، كل هذا يخضعه كيليطو للتحليل والنقد والتأمل. ويخرج منه دررا أدبية، قواعد لغوية، افكارا بيداغوجية. ويظهر لنا كم أن التراث العربي غني،وكم بإمكانه ان يتفح لنا من ٱفاق ثقافية وفكرية.
انه يفتح اتجاهات عديدة لقراءة الأدب العربي، انه بمجهوده الجبار، يجيبنا على سؤال عريض : لماذا لا نتخلى عن الأدب العربي ؟ او بالاحرى مؤلفاته هي استغراب عريض موجه لاولئك الذين يدعوننا للتخلص من تراثنا العربي غثه وسمينه.