إن من يسمع معظم التوجيه الديني، والوعظ والإرشاد، والدروس والخطب، وما يشيع في ردهات بعض العلماء، وبين بعض الدعاة والوعّاظ، يجد حصر السيرة النبوية في جانب الفقر والحاجة، والضيق والعسر في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقرن ذلك بالزهد والتقلل من الدنيا، والإعراض عن متاعها، وتجنب المال ما أمكن، ومنع الإدّخار، وكأن الأموال من زينة الحياة الدنيا التي يُفَضَّل تركها، وعدم التعلق بها، وقد يزيد بعضهم على ما يفهم خطأ عن التوكل على الله تعالى، وأن الرزق مقدّر ويجب التسليم للقضاء والقدر...
وذكر أكثر المؤلفين والوعاظ والدعاة جانباً من السيرة النبوية في الشؤون المالية، وأغفلوا الجانب الآخر في الملك والغنى والسعة والعطاء والكرم، مع أن الجميع ثابت ومدون في كتب السنّة والسيرة والتراجم وحياة الصحابة وغيرها، وبندْر وجود بحث - وخاصة اليوم - عن الجانب المالي والشؤون المالية الخاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم في التملك والكسب والإنفاق والصدقة والوقف.
وكثيراً ما يقع القارئ والسامع في التناقض في أمور كثيرة؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم فقير، ثم هو يستعيذ من الفقر الذي يكاد أن يكون كفراً، والرسول صلى الله عليه وسلم يدعو أن يكون مسكيناً بما يرادف الفقر، مع أن الفقر والمسكنة من أول أسباب إستحقاق الزكاة التي حُرّمت عليه وعلى أهل بيته، وهو يقرر أن اليد العليا خير من يد السفلى، وثبت أنه أجود بالخير من الريح المرسلة.
ويقولون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عالة على مال خديجة رضي الله عنها مع أنه يوجب على الزوج النفقة، وأن القوامة للرجل؛ لأن أحد أسبابها الإنفاق!... ويكررون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يربط على بطنه الحجر من الجوع، ولم يشبع يومين من الخبر، ويخرج من بيته هائماً من الجوع، فأين أمواله، وكسبه، وتجارته، وما كان يستحقه من الأنفال والقيء والغنائم؟!.
وإذا كانت خديجة رضي الله عنها بهذا الغنى والثراء والترف، فأين ذهبت أموالها في حياتها وبعد وفاتها؟!... هذه الإشكاليات والتناقضات كانت الباعث على هذه الدراسة للكشف عن الحقيقة، وإزالة اللبس، والتوفيق بين الأقوال، وتعيين المراد من الأخبار، وبيان الظروف الخاصة بكل حالة وشرح حقيقة الدين والإسلام والشريعة وذلك في سياق البحث في الإقتصاد النبوي، ليكون الإقتصاد النبوي أسوة وآنموذجاً في جميع ما يتعلق بأمواله صلى الله عليه وسلم، وعمله، وكسبه، وتعدد موارده، وسبل إنفاقه، وأنواع تبرعاته، وصدقاته، في الأمور الشخصية، وفي المجالات العامة.
وإلى هذا، فقد كان هدف المؤلف التوفيق بين التوجه للإقتصاد الإسلامي اليوم لإعتماده في الفكر الإقتصادي الحديث والعالمي، مع تصحيح الصور الموهمة أو الشائعة عن الإقتصاد النبوي بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المصطفى، ورئيس الدولة - كان فقيراً ويدعو للفقر!...
وقد أثبت المؤلف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إقتصادياً بارعاً، وعمد إلى عرض الجانب المغيّب من السيرة النبوية، وردّ على الإقتصار في دراستها من زاوية ضيقة، وما يقترن بذلك من تشجيع الفقر، والدعوة إليه وتفضيله على الغنى، مع ما ورد من تعوّذه صلى الله عليه وسلم من الفقر.
وقد صحح المؤلف الصورة، وجمع الأدلة من الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، ومن كتب السيرة النبوية، وكتب التراجم وحياة الصحابة والتاريخ، وعرض أقوال المفسرين والعلماء وشرّاح الحديث والفقهاء القدامى والمعاصرين، وبيّن تفسير الآيات الكريمة، وخرج الأحاديث النبوية والآثار بمنهج علمي دقيق ومختصر، ودفع التناقضات وردّ الشبهات والأقاويل الباطلة، وفنّد الإفتراءات الواردة على السيرة النبوية.
فجاءت هذه الأطروحة أفضل رسالة عن السيرة عن السيرة النبوية لأنها أحيت السنّة والسيرة، وأخرجت من بطون الكتب الوقائع الصحيحة للجانب المالي من السيرة صححت الأخطاء، ودحضت الترّهات التي نُسبَت إليها؛ كما ناقش المؤلف الأحاديث الواردة في فقر النبي صلى الله عليه وسلم وغناه، ووصل إلى نتائج ممتازة، مع تسليط الضوء - خلال الدراسة - على أحداث السيرة النبوية، وبيان فقه السيرة، وإستخلاص العبر والأحكام منها، واقترح كتابة، رسالة عن "الخصائص المالية للنبي صلى الله عليه وسلم".
كتاب يختلف عن كثير من الكتب التي تناولت زوايا مختلفة من السيرة النبوية، وشخصياً فتح مداركي فيما يخص مصادر دخل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والذي بُعِث ليتفرغ للدعوة وليس الاشتغال بالدنيا. كما ذكر الكتاب بالأدلة أن الإسلام يحارب الفقر ولا يشجع عليه، بل إن الله يحب أن يرى أثر نعمه على عباده، بدليل وجود مصادر دخل متعددة للنبي الكريم وأنه لم يكن فقيراً كما يتصور البعض بشكل خاطئ. الكتاب يركز على الجانب الاقتصادي والمالي لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم ويدحض المعلومة الشائعة أن مصدر دخله يكاد يكون الوحيد هو تجارة السيدة الأولى أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وما ورثه عنها بعد وفاتها. بالرغم من أننا دائماً ما نقرأ في القرآن الكريم في سورة الأنفال الآيتين (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول... آية ١) و(واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خُمُسَه وللرسول... آية ٤١) إلا أنه ربما لم يخطر ببالنا أنا أحد أهم مصادر دخل الرسول صلى الله عليه وسلم هي غنائم الغزوات والفيء الآتي من الأقوام التي استسلمت لجيوش المسلمين دون قتال. ومن هذا الفيء ماهي أراضٍ زراعية كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم نصيب منها (كما لغيره من المسلمين) يتكسّب منه بشكل مستمر، ناهيك عن غنائم الأموال وغنائم الحيوانات (البعير/الإبل والشاة وغيرها) التي له منها جزء من الخُمس (يتم تقسيم الغنائم والفيء إلى خمسة أخماس: ٤ أخماس للمجاهدين أولاً وبقية المسلمين ثانياً وخُمس يتوزع بين الرسول والفئات المحتاجة المذكورة في آية سورة الأنفال (واعلموا أنما غنمتم من شيء ... آية ٤١)). ولا تقتصر الغنائم على الغزوات فقط بل على السرايا التي بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم لوقف إغارة جيش من المشركين على المسلمين قبل حدوثها والسرايا التي بعثها لمباغتة قوافل قريش لاستعادة أموال المهاجرين التي نهبوها بعد هجرة المسلمين إلى المدينة. وقد عدّد علماء السيرة عشرات السرايا التي حدثت في عهده على مر السنين (بمعنى آخر كان لديه دخل مادي مستمر غير منقطع). هذا إضافة لهدايا ملوك الدول المجاورة وهدايا أصحابه له. أي في خلاصة الموضوع فإن الغزوات والسرايا والفيء والهدايا نتج عنها دخل مادي للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مكّنه من أداء مهام قوامته على زوجاته وبناته ومن يعولهم من الغلمان والإماء دون الحاجة للتفرغ لأي عمل دنيوي يشغله عن القيام بالمهمة الأساسية التي بُعِث لأجلها وهي تبليغ الرسالة ونشر الدعوة.
من أهم الكتب التي تناولت هذا الموضوع وهذا رابط الكتاب على موقع الدار https://fikr.com/products/fikr-2857?_... وهذا رابط تعليق من الاستاذ عبد الله الهاشمي عن الكتاب https://www.instagram.com/p/C5McdJtyfp3/ يسلط هذا الكتاب المهم الضوء على الوضع المادي للنبي ( ص ) حيث زعم كثير من المسلمين ان صاحب الرسالة اثر الفقر على الغنى ، ودعا إلى قلة ذات اليد، وان النبي ( ص ) كان عالة على مال خديجة ( رض) ، مع انه يوجب على الزوج النفقة ، ويكررون ان النبي (ص ) كان يربط بطنه الحجر من الجوع ، ولم يشبع يومين من الخبز ..فأين أمواله ، كسبه ، وتجارته ، وما كان يستحقه من الأنفال والفيء والغنائم .. ؟! هذا ما يستعرضه الكتاب ليؤكد ان الرسول عليه السلام كان اجود بالخير من الريح المرسلة، وانه انفق على نفسه من كسب جبنه ، ولم يعتمد على غيره، وتكفّل بمؤنة زواجه ، ونفقات زوجاته وأولاده، وعلى هجرته ، وعلى مواليه وخدمه، وعلى المسلمين، بل حتى على المنافقين وغي المسلمين