أبو عمرو خليفة بن خياط : ت 240هـ / 854م لا تختلف أهمية هذا التاريخ العظيم (خليفة بن خياط) عن أي تاريخ مهم كالطبري وابن الأِثير وابن خلدون وغيرها. وربما لأن الناس أعتنت بهذه التواريخ لتشعبها وتغطيتها لقرون طويلة (في عدة مجلدات تجاوز بعضها الـ10) بينما خليفة بن خياط تجده في جزء واحد. فهو كتاب فوق عناية صاحبه بالتوثيق والأسانيد عناية فائقة مثله مثل (تاريخ البداية والنهاية : ابن كثير) هو مختصر إختصارًا غير مخل. راعى فيه مؤلفه ذكر الأحداث دون تعدد الروايات إلا في القليل النادر.
وله كتاب آخر شهير بعنوان (طبقات ابن خياط) وهو مع تـخصصه في الأعلام إلا أنه يضم كمية كبيرة من المعلومات التاريخية، وكتب الطبقات باب تأليفي عظيم في كتب التراث ومايزال العمل فيه قائم ليومنا هذا، وكذلك له غير هذين الكتابين ذكرت بأسمائها ولم تصلنا وبعضها قيل أنه مخطوط والله أعلم، وهو للمعلومية أقدم تاريخ بين يدينا - وصلنا - كتاريخ اليعقوبي وإن كان تاريخ اليعقوبي مسيس لغلوه في تشيعه - عفى الله عنه – وفي النهاية كل فريق – للأسف – يعتمد ما يوافق هواه دون النظر إن كان الذي يوافقه أصواب هو أم على الخطأ وهذه كارثة أخرى.
مما تمتاز به تاريخية بن خياط :
كأول ميزة هذا من أعظم كتب التاريخ الإسلامي ( وأوثقها ) وقد غطى قرنين وربع القرن.
أول الكتاب مقدمة تاريخية عن أهمية التاريخ والتدوين عند المسلمين وبدايته، وهذا نهج نهجه الكثير من المؤرخين كابن خلدون وغيرهم، وماكتبه عن التدوين التاريخي مع ماكتبه ابن خلدون تعتبر من أسس المدخل لمعرفة الكتابة التاريخية (*) وبدايتها.
منهج التأليف – دون شك – المنهج الحولي بتتابع السنين (ثم دخلت سنة كذا.. ثم دخلت سنة...) وهكذا.
يتحدث عن سيرة الرسول – صلى الله عليه وسلم – كأي تاريخ عربي إسلامي، ثم الخلافة الراشدة، ثم الخلافة الأموية، ثم الخلافة العباسية وبهذا يغطي الكتاب الفترة الزمنية المنحصرة بين (عهد الرسول إلى 232هـ / 847م) أي ينهي كل العصر العباسي الأول ويقف عند بداية العصر العباسي الثاني عهد المتوكل على الله.
من أوفى المصادر التي تناولت السيرة النبوية بشقيها المكي والمدني وهي دون شك مكملة لما لحقها فيما بعد من كتب السير والمغازي عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – فقد أجاد فيها.
كذلك يتضح مدى شدة إختصاره عندما تناول الجزء الأخير من التاريخ العصر العباسي الأول منذ (180هـ) حتى سنوات (232هـ) فتجده يذكر سنوات ببضعة أسطر وسنوات بسطرين وسطر واحد بل وجملة واحدة (**). رغم معاصرة للدولة العباسية وبالتحديد هذا العصر، ونحن نعلم أنه تقصد أن يكون كتابة مختصرًا لكنه مركّز.
هذا الكتاب من أقدم المؤلفات العربية التي حفظت لنا حتى وصلتنا بعد ضياع الكثير من كتب العرب القديمة التي تم تأليفها في أول القرن الثاني والثالث الهجريين.
إنفراد تاريخ ابن خياط بأحداث وأسماء ذات حدث تاريخي غفل عنها مصدر مهم كالطبري وغيره.
عناية ابن خياط بالجانب المالي – التاريخ الإقتصادي – عناية فائقة ولا أدري هل قصد ذلك أم كان مجرد سارد للحدث كجزء من منظومة تاريخية لسنةٍ ما.
النسخة التي وصلتنا هي من رواية لأحد أئمة الحديث الأندلسيين (بقى بن مخلد ت 276هـ) وهو الآخر ثقة.
عناية ابن خياط بأسانيده أي الرجال الذين يروي عنهم مروياته التاريخية. أحد رواة الحديث الشريف عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – وهذا يجعله في منزلة متقدمة وثقة جدًا.
إعتماد ابن خياط على المؤرخين السابقين الذين لم تصلنا كتاباتهم، والذين كان بعضهم يكتفي بدور (الراوية) دون توثيق (تدوين) وهذا جعل مؤلفه في المقدمة.
من أفضل النسخ المحققة نسخة أكرم ضياء العمري (صاحبة صورة الغلاف بالموقع) كتحقيق أنصح به، وهنالك نسخة دار الكتب العلمية بعناية د. مصطفى نجيب فواز، و د. حكمت كشلي فواز، وهي ليست بجهد ومتانة نسخة العمري.
ــــــــــــــــــــــــــــ إضافة : (*) أنظر بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب، لبنان - بيروت 1960م، عبد العزيز الدوري.
(**) أنظر الصفحات الأخيرة (ص 471 – 480) على سبيل المثال.