قراءة في كتاب فتنة الوهابية وأحوال نجد / عبد الوهاب بن تركي المطلع على الكتب والأبحاث والدرسات التي تتناول ( الوهابية ) تجده لا يخرج عن إحدى ثلاث وقد تكون هذه للأسف سمة أي كتاب :
النوع الأول (1) كتاب ذا توجه موالي وهذا يغفل كل ماهو حقيقي عن بداية الوهابية من طابع التشدد الذي أنتهجته رغم مناداتها بعودة للصحوة والطريق السليم – كما تقول – وهي حركة لها إيجابياتها ولها سلبياتها سواء كان في الفكر أو التطبيق فهذا لا يهم، وهذه النوعية لا تقدم الحقيقة كاملةً فهي كما يعرف "بوجهة نظر المنتصر" فليس بها غير التزلف وقراءة التاريخ وفق خطط لا يحيد عنها الباحث. مثل
النوع الثاني(2) على النقيض معادي للوهابية سواء كان ذا توجه فردي إنطلاقًا من قاعدته الفكرية الخاصة أو يتبع حزبٍ ما يموّل مشروعه النقدي ضد الحركة لإختلاف فكرهم ونهجهم عن الوهابية ((أكثر مخرجات هذ النقد حاليًآ لغايات سياسية يتورط فيها المؤرخ بالإكراة )) وجل هذا النوع تجده نتاج أقلام ومكتبات عربية في دول الجوار، ويخرج مشوه مملؤ بالشتم والتجريح بعيدً عنما درسناه في المدارس التاريخية وفق كل النظريات. مثل
وثالث الأنواع (3) هو صاحب المدرسة النقدية الذي يتناول إيجابياتها وسلبياتها بنقد موضوعي دون تحزب أو تعصب حيث يقرأ نصوص الحركة وفق آلية ومنهجية تاريخية وهذه أفضل الدراسات التي تثق فيها، وللأسف فجلها يأتي من الخارج – خارج الوطن العربي – ولكنها نادرة هى الأخرى وما يترجم للعربية منها – وربما لا يُترجم إلا أجزاء مخصصة – يظهر على إستحياء خشية السلطات والمؤسسات الحكومية المؤمنة بالحركة الوهابية كنهج إصلاحي رغم إعتراف الكثير من رموز الدولة ببعض المآخذ على الحركة دون تصريح رسمي. مثل Johann Ludwig Burckhardt
في العشرين سنة الماضية بدأ يتقبل السعودي مصطلح الوهابية كإشارة ودلالة لحقبة تاريخية معينة ولتعريف بحدث زمني دون الغاية التي يطلق بها عنان المصطلح نحو التعريض بالشعب كإتكاء على موروث موغل في التشدد. رغم أنه عند الكثير ممن آمن بحركة الوهابية أنه لا مشاحة في الإصطلاح.
أخيرًا يجب أن نقر أن جل نتاج الأبحاث المعادية للوهابية هي نتاج أثر رجعي لمناطق عربية تضررت في القرن الثامن عشر ميلادي من الوهابية ورأت فيها عنصر معادي لفكرها وكل فريق مؤمن بما لديه منها ماحدث في العراق ومنها في الشام ومنها في مصر – لم تصل الحركة عسكريًا لمصر لكن ثمة تصادم تاريخي لمساهمة محمد علي في إسقاط الدرعية منبع الحركة – وبعض مناطق الخليج والحجاز واليمن وغيرها، وفوق ذلك ثمة درسات تصدر من مناطق لم يحدث بينها والوهابية أي تلاحم عسكري ولكنه من باب الدراسة وهذا حق للجميع.
ما كان في الأعلى هو تعريف أو مدخل ليس إلا. قد أقوله في أي نقاش تعريفي للمصدر التاريخي عن الوهابية، الوهابية التي أرى فيها أنها حركة سياسية في المقام الأول وليست دينية فطابعها الديني جاء في الأهمية الثانية ليتعاضد مع الأول وهو الأهم. لها سلبيات ولها إيجابيات لقيت صدى مرحب ولقيت عكس ذلك من نفور، وهذا طبيعة الحركات السياسية عندما تتغلف بعباءة الدين لخدمة مصلحتها.
أما قبل : أن تكون مغالٍ متشدد في نهجك الديني – وفق أي دين ومذهب – أو متمسحًا لنيل بركات رموزك الدينية وأئمتك القادمين من رحم القرن الهجري الأول والثاني وتوصلهم لدرجة الألوهية، أو متميعًا في إيمانك فجميعكم لم تقدموا شيء
أما بعد : عن الكتاب، فتنة الوهابية / المؤلف عبد الوهاب بت تركي أولًا : المقدمة يبدأ الكتاب بمقدمة لشخص اسمه (د. أمين الدوسري) بتوجيه شحن قوي دون أي مادة تاريخية ليس غير رص لبعض الممصطلحات الذي تحاول تأصيل فكرة الكتاب (النص الأصلي) ودعم مقدمته بتعريف "الرجل العربي" وفق مفهوم (عبد الله القصيمي) بدلالة يظنها ذكية كرجل دافع عن الوهابية (أي القصيمي في كتابه "الثورة الوهابية 1936م" قبل تحوله في الكتابة لفكر مخالف عنما سبق) ثم قام وكتب ضد الوهابية، ويستشهد ويزكي جملته "… والدين الإسلامي يبيح ويشرع له ذلك بل يحرضه .. الخ” وهذا من جملة ما وصف القصيمي العربي "… .العربي العنيف العريق في الأنانية ورجل الحسد والبغضاء والحقد والسب والشتم.. الخ” ولا أظنه إلا يصف نفسه ومن شاكله.
فمثل هذه المقدمة مباشرة تعرف مانوعية الكتاب الذي سوف تتناوله ولو أخرجت دار النشر، الكتاب دون مقدمة لربما كان تقبله وصداه أكثر حضورًا مع مقدمة تعريفية بالكتاب فقط. لكن هذه نويعة الدراسات التاريخية العربية / الخليجية تخرج مشحونة فتموت سريعًا، ثم تناول كاتب المقدمة التعريض بالمؤرخ (حمد الجاسر) والثناء على (مقبل الذكير) وكلاهما مؤرخان سعوديان وتشويه الجاسر بحقده على الذكير!. رغم أنني أقر بتاريخية كلا الأثنين بل وبعبقرية الذكير من خلال مدونلته التاريخية. ولكن ما كل هذا الغضب من د. أمين؟!.. هل هو التعصب المذهبي / الطائفية؟.. أما مجرد الإختلاف؟.. أم هي الأدلجة؟.. أم ماذا؟.. لقد كتب مقدمة ربما كانت لتخرج بصورة حسنه لولا عدم سيطرته على تعصبه الذي كان يكتب به وهذا أول ما صدمني في الكتاب.
لا أظن أني سأثق في كتاب أو مقال يحمل أسمه مرة أخرى وهذا ليس دفاعًا عن أحد على أحد، ولكن من أخطر آفات النقد، هو التعصب ففي الوقت الذي ينتقد أحدهم حركةٍ ما أو نظريةٍ ما نجد من يتناول نقد الحركة أو النظرية بتشدد أقوى منها غافلًا أي ملامح إيجابية حتى لو على الصعيد السياسي. أو علي الأقل تناولها بموضوعية. لهذا أعود وأقول أني أتقبل الكتاب الغربي التاريخي أفضل من المحلي لإعتمادهم مدرسة منهجية متزنة حتى لو خلطوا بعض النتائج لكن تفسيرهم أكثر قبول.
ثانيًا : المؤلف (عبد الوهاب بن محمد بن حميدان تركي).. له ترجمة في (علماء نجد خلال ستة قرون : عبد الله البسام) وهو مفتي عنيزة والبحث عن المؤلف مهم جدًا لمعرفة هل الكتاب قد دس على رجل من نجد أم هو له حقيقة، فقد ذكره وقال في معرض الحديث عن آثاره ومؤلفات : له "تاريخ لبعض حوادث نجد مخطوط يقع في نحو عشرين صحيفة من القطع المتوسط وقد سقط من أوله وآخره وقد اطلعت عليه وفيه نيذة تاريخية لا توجد في غيره" ا. هـ، ط 1، 1398هـ، (جـ 3 / ص 673 - 675)، وهي نفس الترجمة في الطبعة الجديدة من نفس الكتاب لم يتغير شيء في سيرته رغم تغير عنوان الكتاب إلى "علماء نجد خلال ثمانية قرون" 1419هـ، (جـ 5 / ص 56 - 59)، ولكن الملفت إشادة مؤلف الكتاب، البسام بعلم وغزارة ومكانة عبد الوهاب بن محمد.
وكذلك ذكره صاحب (السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة : محمد عبد الله بن حُميد ت 1295هـ) في ترجمته لجده العالم (حميدان) وقد أثنى عليه وعلى علمه، ولم يصب في ذكر تاريخ وفاته حيث جعله (1237هـ / 1821م)، والراجح أنه بعد (1252هـ / 1836م) لتأريخ لما قبل وفاته في كتابه والله أعلم، (ص 159 – 160).
ثالثًا : الكتاب العنوان : م يشر أحد لتاريخ عبدالوهاب بن محمد بن تركي بن حميدان غير (ابن بسام) ولم يذكر اسمه حيث أنه ذكر أنه قد اطلع عليه وقد سقطت أوراقه الأولى والأخيرة، فهل كان هذا العنوان (فتنة)؟. حيث من الصعب تأكيد ذلك من عدمه، ووجهة نظري أن كلمة (فتنة) قد تكون أدخلت علي المخطوط فلو أراد المؤلف عنوانًا لكتاب في عصره الذي عاش فيه لجاء مسجوع مثل : (عنوان المجد في تاريخ نجد)، أو (كشف النقاب في تراجم الأصحاب)، أو (تحفة الألباء في تاريخ الأحساء) وغيرها من العناوين التي كانت تؤلف في بلاد شبه الجزيرة العربية حتى عصر قريب جدًا.
علمًا أن ثمة مؤلف شهير (الدرر السنية في الرد على الوهّابية) لمفتي مكة (السيد أحمد زيني دحلان) تم تحريف اسمه هو الآخر إلى (فتنة الوهابية) ليناسب دار النشر ويسهل إقناع القارئ بشرائه.
النص : تعميم مصطلح الوهابية على الكتاب رغم أن الكتاب يخص تاريخ نجد والحجاز وحكومة الأشراف، والحديث عن مناطق شبه الجزيرة العربية وصولًآ في بعض الأحداث التاريخية لبعض المتغيرات في مصر والعراق والكويت والدولة العثمانية
كما أشرت ليس العنوان ولا التبويب من فعل الكاتب هي من عمل دار النشر
لم يكن المؤلف من المتعاطفين مع الوهابية – وهذا أمر حق للجميع – لكن من أمانة الكاتب لم يفعل فعل بعض الكتابات القادمة من الحجاز في عهد الأشراف، أو في مصر عهد الدولة العلوية – أسرة محمد علي – من شتم وقذف وسباب (أنظر كتابات أحمد زيني دحلان عن الوهابية) رغم سوء المصدر الوهابي من تكفير وزندقة الكثير من عامة المسلمين وسفم الدماء بأيديهم أثناء قيام حركتهم
ضعف المادة العلمية (التاريخية) في الكتاب ويبدو جليًا عليها أن الكثير من أسطرها قد فقدت مع الزمان فتجد الكثير من الغموض في النصف الثاني من النص التاريخيو وعندما ينتقل للحديث عن السعودية الثانية – المدة اتي عاصرها يختصر الكثير من الأحداث ويغفل عن الكثير
عدم تحقيق النص ليس غير الإكتفاء ببعض التعليقات البسيطة التي أوردتها (دار النشر : فراديس) بواسطة المؤرخ (عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح البسام 1927 – 2002م) صاحب كتاب (علماء نجد خلال ستة قرون الذي أصبح بعد الزيادة والتوسع علماء نجد خلال ثمانية قرون)، السعودية.
كثرة الأخطاء الطباعية وبشكل ملفت جدًا ومنفّر عند القراءة، حيث أن دار فراديس أخرجت النص بسرعة فائقة وكأن أفراد من الوهابية خرجوا من القرن الثامن عشر ويقفون عند باب الدار بغية ذبحهم!! فأضيفت أحرف وطمست أحرف ولم يتم تعديل أخطاء النص – على الأقل – بعد الكلمة المبهمة، ولا أقصد الحديث عن الجانب النحوي فذلك أمرٌ آخر فقد قصدت ما يُقيم أعوجاج الجملة حتى تفهم