"أنا الوحيد الذي يُمكن أن يشعر بعدم وجوده في الدنيا، وسيكون ذلك شعوراً لذيذاً دون شك."
في هذه الأيام الخريفية وعلى هامش قراءتي لكتاب #المتحمسون_الأوغاد للراحل #محمد_طمليه، تلحّ عليّ ذكرى ضبابية لطالبة مدرسة تحاول مُطالعة الجريدة -العرب اليوم تحديداً- وتنظر دائماً لرسمة رجل يكتب في الصفحة الأخيرة من الجريدة، كتاباته كانت أعلى من مستوى إدراكها وفهمها، لكن شعوراً غامضاً يتملّكها عند قراءة كلمات هذا الرجل صاحب الاسم الذي حاولت تهجئته مراراً.. وشاءت الأقدار أن تكون بداية معرفتها به هي آخر أيامه في الحياة..
ها أنا أقف مشدوهة ومصعوقة ومتأثرة إلى آخر درجات التأثر مما قرأت، فللوهلة الأولى تظن أن كاتب هذه النصوص هو كاتب دوستوبي غربي! سوداوية، قلق، ضياع، خوف... خليط من المشاعر والإحساسات المختلفة التي وصلتني وأنا اقرأ هذه القصص، لكن الشيء المتأكدة منه، هو أن الكاتب نجح في وضع يده بكل براعة على جرح -حقيقة- تؤلمني وتؤلم الكثيرين.
رغبة عارمة بالبكاء اجتاحتني إثر انتهائي من المجموعة.. لروحك الرحمة محمد طمليه..
لعمري انه قبس من دستوبيا اورويل و أكثر! تسع قصص قصيرة يرويها طمليه بأسلوبه المتشائم المميز،الذي يدق لدى الانسان ناقوس ذاكرة الألم التي يحاول تحاشيها عبر تفاهات الحياة و تهافتاتها التي تشغله حتى عن استشعار بواطن هذا الألم،هي أول تجاربي مع طمليه و لكنني اراهن بأتها لن تكون الأخيرة!
عندي مشكلة هائلة مع تضخم رؤية طمليه لحاله. الزلمة كان يعتقد إنه رح يكتب رواية تخليه عالمي بدون ما يملك أي إثبات مادي على إمكانياته (عالأقل بنصوصه الأدبية مش الصحافيّة). قصصه سيئة بما لا يمكن إصلاحها (خاصة القصة اللي بتحمل عنوان المجموعة: نمل بيسمي حاله رفاق، مع نقد للحماس الإيدلوجي يتلخص بجملة وحدة: أولئك المتحمسون الأوغاد!).
إذا بدي أعمم أكثر، فكل قصصه على هالشاكلة، متمركزة حولين مقولة بتلف حوليها لحد ما الشخصية تنطقها (ما في شخصيات بالمجموعة، نفس الشخصية بتتكرر، بنفس الثيم بدون أي تنويع عليها). مثلًا بقصّة الخوف بنشوف ناس بتركض وبتنبه البطل: اهرب. وهو بظل يحكي عنهم مجانين، لبلآخر بصير يركض زيهم ويحكي: اهربوا بدون ما يعرف هم بيهربوا من شو!. إنه جد؟ أتفه فيلم وثائقي كان عالأقل حاول يحلل أسباب "الهرب". بس طمليه فكره واصل لمرحلة الهرب ومش قادر يتجاوزها لأبعد من إلقاء اللوم. إلقاء اللوم على أسباب بتبلش واضحة(الحكومة، الفقر، شخصيته، حبيبته اللي مش معبريته، إلخ)، ومع تكرار كلامه عنها بتتحول لأشياء ميتافيزيقية مش واضحة ومفرغة من معناها، بتخلي كلامه بدون مصداقيّة حقيقية وأقرب للادعاء.
" إنهم مجانين. يعملون ليل نهار وكأنهم خالدون إلى الأبد، إنهم يزدادون سمنة فحسب، ومع ذلك فالموت يبتلع الجميع، أنهم المتحمسون الأوغاد. " " سأعود إلى هذا الحذاء حين أكبر، اعجبتني الفكرة فابتسمت وقد زال حزني"
أنها المرة الأولى التي استمع فيها إلى مجموعة قصصية كاملة واتخيل تفاصيلها دون قرأتها من الكتاب. تجربة ممتعة وجميلة. يطرح محمد طمليه اسئلة بسيطة ولكنها بلا إجابة، يثير داخلك الحزن والخوف والفضول والحيرة وتحاول ان تفهم تلك الفلسفة العميقة التي يحاول أن يعبر عنها ويخفيها بين الرموز كما تحاول دوماً أن تفهم نفسك وعالمك.
البُعد الباطني في كل القصص اله سياق محدد وموحد بعناية كئيبة.
بيدهشني هاد النوع من القصص إضافة لجو الدستوبيا والثغرات المقصودة في السرد كيف إنه اللامنطق اللي بيستحكم التفاصيل قادر يرسم تفاصيل واقعية بشكل منطقي ..
متلا في قصة الأحذية فيه ثغرات انه كيف ما انتبهوا انه نمرته مش ٤٢ .. كيف ما فيه قياس في السيناريو وكيف صار هيكا؟ لكن جزء من الدماغ هيتجاهلها ويعيش المأساة الخيالية مع الطفل وينقم معه ع الشي المش مفهوم اللي أفسد عليه راحته .. عجيب كيف رغم اللامنطقية لكن فيه تفاعل عاطفي وفكري
بيستوقفني كيف انه سرد لامنطقي ممكن يشير بالبنان لقضايا حقيقية بنعيشها .. يمكن لإنه جوهر كل شي خطأ حوالينا هو افتقاد لبعد منطقي ما في التفاصيل .. يمكن هاد هو العامل المشترك .. كل الفوضى والخراب في العالم أصلهم ثغرات ولامنطق مستحكم في تفاصيل المشهد.
قالت النملة هؤلاء المتحمسون الأوغاد .. في هذه القصص القصيرة يمكن أن تجد ما تبحث عنه في الروايات العظيمة، ببساطة قصص تلخص الواقع السياسي والاجتماعي، استخدم طميلة اسلوب فلسفي جميل ليسرد قصصه التي تميل للواقعية .
المتحمسون الأوغاد مجموعة من القصص القصيرة جداً المكتوبة بلغة سهلة يسيرة على القارئ لا بها معانى يصعب فهمها ولا تعقيدات لفظية ، إسلوب الكاتب إسلوب سهل جداً لم أجد أحد يكتب بهذا الإسلوب من قبل إسلوب أشبه بالترجمه كما قال لى صديق ما . القصص فلسفية وعميقة جداً وبها نوع من تيار الواقع إن لم تكن هى تيار الواقع بنفسه وتسرى فى ميدانه .