Jump to ratings and reviews
Rate this book

الثورة الروسية – خبرات ودروس

Rate this book
لماذا نقرأ تاريخ الثورات؟

تعلمنا الماركسية أن الثورات كفعل هي دخول قطاعات ضخمة من الجماهير في العمل السياسي المباشر، ولم لا؟ طالما أن العمل السياسي الحقيقي، حتى في أكثر البلدان ديمقراطية (بالمفهوم الليبرالي للكلمة) يبقى دائمًا حكرًا لطبقة معينة، هي الطبقة الرأسمالية في المجتمعات الحديثة، فيخدم مصالحها ويرسخ سلطتها على المجتمع ككل، من خلال ممثلي هذه الطبقة أو من ينوب عنهم من أحزاب ومراكز قوى، وربما حتى أشخاص من خارج هذه الطبقة.

في أعرق الديمقراطيات حتى، تظل مشاركة الأفراد العاديين في الفعل السياسي قاصرة على بضع دقائق كل عدة سنوات، يختار فيها مئات الآلاف، وربما الملايين فردًا واحدًا يمثلهم في البرلمان أو المواقع التنفيذية، مع ما يحمله هذا من تأثير ضخم لمسألة الدعاية ومدى قدرة المرشحين على إنفاق الأموال، وحجم صلاتهم بمراكز القوى الرأسمالية ووسائل الإعلام، إلخ. وهؤلاء هم من يتولون الفعل السياسي الحقيقي لسنوات تالية، بينما يعود الأفراد العاديون إلى بيوتهم وأعمالهم ويكتفون بمقاعد المتفرجين.

الطبقة الحاكمة لا تكتفي فقط بإيهام الأفراد في المجتمع بأن هذا الشكل من أشكال الديمقراطية هو الأمثل والأنضج، وأنه يكفل للجميع حقوقًا متساوية وفرصًا متكافئة للمشاركة في العمل السياسي، لكنها بفضل سيطرتها المباشرة أو غير المباشرة على جهاز الدولة (التى تُوهِم الجميع أنه كيان محايد تمامًا)، وبفضل سيطرتها على وسائل الإنتاج الفكرية، فإنها لا تمل من خلال التعليم والإعلام والمؤسسات الدينية والثقافية وغيرها، من نشر وتعميق الأفكار والقيم التي تمكنها من بسط سيطرتها على المجتمع وتخدم مصالحها هي، وترسخ وجودها، وتمارس هذه الأفكار والقيم دورها جنبًا إلى جنب مع التشريعات القانونية والقرارت السياسية والإجراءات الحكومية، ومع احتفاظ الطبقة الحاكمة بعد كل ذلك، من خلال سيطرتها على جهاز الدولة، بالقدرة على استخدام العنف والقوة المسلحة إذا ما فشلت كل الوسائل السابقة في كبح فعل المقهورين في المجتمع والاحتفاظ به في الحدود المسموح بها.

من هنا يمكن أن نتبين تمامًا معنى أن الثورة هي دخول قطاعات (أخرى) كبيرة في الفعل السياسي، بل إن الثورة هي الوسيلة الوحيدة حقًا في كل المجتمعات الطبقية عبر التاريخ لدخول الطبقات المضطهدة والمستغَلة في الفعل السياسي المباشر، وتوجيه إدارة المجتمع لصالحها.

لن نبتعد عن الحقيقة إذن لو اعتبرنا الماركسية بشكل ما منهجًا لقراءة وفهم وتطبيق الثورات، من حيث هي ذروة الفعل الذي تقوم به الطبقات المستغَلة والقطاعات المضطهدة لتحطيم السلطة السياسية للطبقة الحاكمة وسلبها السيطرة على قوى الإنتاج المادية والفكرية التي تمكنها من رسم المجتمعات وتسييرها بما يرسخ وجودها ويخدم مصالحها.

ولا ينطبق هذا على الثورات في المجتمعات الرأسمالية الحديثة فحسب، فالمنهج الماركسي وتشريحه للصراع الطبقي لا غنى عنهما لفهم حركة التاريخ في مجتمعات ما قبل الرأسمالية وقراءة ثوراتها. ولعل الثورة الفرنسية 1789 تعد مثالًا ساطعًا على هذا، بوصفها ثورة حطمت المجتمع الإقطاعي الفرنسي، وأزاحت طبقة الملك والنبلاء والكنيسة من أعلى هرم المجتمع، مع ما تطلبه ذلك من سلبهم السيطرة السياسية وهدم المنظومة الفكرية والقيمية التي كان يعاد إنتاجها على مدى قرون سابقة، لتحل محلها القيم الفكرية والأخلاقية الجديدة للطبقة البرجوازية الفتية التي اعتلت هذا الهرم لترسم شكلًا جديدًا لعلاقات إنتاج رأسمالية تسمح باستمرار نمو قوى الإنتاج، بعد أن ضاقت عليها علاقات الإنتاج الإقطاعية القديمة.

والدروس التي تقدمها لنا تلك الثورة لفهم سيرورة الثورات عمومًا أكثر من أن تُحصى، وكذلك مسألة فهم ضرورات كل مرحلة تاريخية، وتأثيرها على مسار أي ثورة وأفقها ومآلها في النهاية، وحتى الفرز بالغ القسوة الذي يحدث في خضم تطور الثورة وتجذيرها.

أما ثورات القرن التاسع عشر كثورة 1848، وكميونة باريس 1871، فهي تخبرنا الكثير عن تناقضات النظام الرأسمالي، ورجعية البرجوازية وتوقفها عن أن تكون طبقة ثورية، كما تضع لنا مسألة التمثيل السياسي للطبقة العاملة من خلال حزبها الثوري كضرورة ثورية، وترسم لنا ملامح – ولو مشوَّشة – عن حكم البروليتاريا الممكن ومجتمعها الجديد.

وتأتي لنا ثورات القرن العشرين بدروس بالغة الأهمية والثراء، بحيث لا سبيل لنجاح أية ثورة مقبلة دون استيعابها والبناء عليها، بدءًا من الثورة الروسية 1905، والثورة الألمانية 1918 – 1923، وحتى ثورات العالم الثالث. ولعل أهم ما تقدمه لنا هذه الثورات من بين دروس كثيرة هي أهمية وجود الحزب الثوري المرتبط عضويًا بالطبقة العاملة، والحامل لمشروع تحرر كافة أطياف المجتمع وقطاعاته التي تعاني من الاستغلال والاضطهاد والتهميش والإقصاء، وتقدم لنا هذه الثورات خبرات مهمة عن وجوب وجود ذلك الحزب بشكل ناضج قبل اندلاع الثورات كشرط لنجاحها، وتضعنا كذلك أمام العديد من أشكال الانحرافات والأمراض الخطيرة التي قد تصيب هذه الأحزاب والتنظيمات الثورية، والتي قد تؤدي إلى تدميرها، وإلى إفشال الثورات أو حرفها عن مسارها، كأمراض العصبوية والتطرف اليساري، والانحرافات الإصلاحية والاقتصادوية والنقابوية، والنهج أو التأثيرات الستالينية، وغيرها.

لكن رغم هذا المعين الثري والمتنوع الذي تمدنا به كل هذه الثورات، إلا أنه بعد كل ذلك تبقى للثورة البلشفية 1917 أهمية كبرى وخصوصية ساطعة، فما تحدثنا به تلك الثورة قد لا نجده في أية ثورة أخرى رغم أهميته، فالثورة البلشفية وضعت مسألة تحطيم المجتمع الرأسمالي واقتلاعه من جذوره كحقيقة ممكنة واقعية ومجرَّبة تاريخيًا في سجل الثورات، وتمكنت في سنوات عمرها القليلة من تأسيس مجتمع جديد دعائمه الحرية والعدالة والديمقراطية الجذرية ونمط الإنتاج الاشتراكي لأول مرة في التاريخ على أنقاض النظام القديم، وحمل ذلك معه ثورة حقيقية أخرى في نظرة ذلك المجتمع الغضّ للعلم والفن والثقافة والأخلاق، وقيم المساواة بين البشر، وتحرر المرأة وكافة المضطهدين دينيًا وعرقيًا وحصولهم على كامل ...

68 pages, ebook

First published February 2, 2007

15 people want to read

About the author

Alan Maass

3 books1 follower

Ratings & Reviews

What do you think?
Rate this book

Friends & Following

Create a free account to discover what your friends think of this book!

Community Reviews

5 stars
1 (33%)
4 stars
1 (33%)
3 stars
0 (0%)
2 stars
1 (33%)
1 star
0 (0%)
No one has reviewed this book yet.

Can't find what you're looking for?

Get help and learn more about the design.