في عمله الروائي الأول "جنوب الملح"، الصادر عن "دار البرزخ" في الجزائر و "دار الجديد" في لبنان، حاول الكاتب ميلود يبرير (1985)، صياغة رؤيته الخاصّة لسنوات العنف والإرهاب(العشرية السوداء) وكذلك نظرته لثورة التحرير وجزائر ما بعد الإستقلال. الرواية نالت المرتبة الثالثة في "مسابقة الشارقة للإبداع العربي" للإصدار الأول في دورتها الثامنة عشر. نقرأ في الصفحة 35 على لسان مصباح بطل الرواية : "تعذبنا، نعم تعذبنا حكايات الموت والمجازر وحضر التجول والحواجز المزيفة والتمشيط والقنابل، يعذبنا حلمنا بأشياء بسيطة، يسيطة جدا كأن نمشي دون خوف، كأن يرتاح الموت منا يوما واحدا، لكن الموت هنا لا يرتاح، لا يتأخر، لا يمرض، لا يموت الموت هنا آلة عمياء لا تتعب" ؛ حاول يبرير القبض على جزائر التسعينيات التي كانت مليئة بكثير من الجنون والتناقضات، فلجأ إلى المزاوجة بين عديد الثنائيات من خلال شخصيات الرواية ؛ كالتدين والإنفتاح على الآخر و كالصمت والبوح و كالألم و السعادة ممازجا بين العامية والفصحى في الحوارات، مثلما عبث بالزمن السردي، من خلال خلق زمن غير تقليدي سمح له بالانتقال بحرية بين الماضي إنطلاقا من ثورة التحرير و الصراع بين المصاليين و الأفالانيين والمستقبل الذي يمثل مرحة التسيعنيات و مطلع الألفية الجديدة، مقدما رؤيته للفن الفوتوغرافي الذي يراه طريقة للتحدي و نقل معاناة الآخرين، بعدها فقد المصور علاقته بآلته، وأحس باللاجدوى في زمن لا يبصر، فهل يا ترى نحن أمام فصول تحث على التشبث بالموت أم بالحياة؟ فهما يتداخلان في مفاصل كثيرة، حتى أن أحدهما يدافع عن الآخر، في منحى وجودي طعمه الروائي برؤى فلسفية، في الرواية وبين الجلفة والعاصمة وصف أيضا الكاتب الجانب المنير من حياة الجزائريين البسطاء رغم حجم الألم و الحرب الأهلية و كيف تشبثوا بالحياة و تحدوا الموت الذي كان يهددهم صباحا مساءا.
مصباح بطل الرواية يشبه كثيرا الكاتب ميلود يبرير، فهما أبناء الجلفة أي جنوب المتوسط، ابناء اللامكان اللذان يشبهان الصحراء بغرباتها و ثرائها و تفردها، مصباح الذي ورث مهنة التصوير والشغف به من خاله قويدر، و كان شاهداً على تقلبات كثيرة، فقد عايش أفول اليسار، والتظاهرات وبدايات التطرف الأصولي الذي انتهى إلى حرب أهلية دموية، أحرقت في طريقها كل شيء. وهو واحد من جيل ما بعد الاستقلال، ذلك الجيل المشتّت، المأزوم، الضائع في هويته وانتمائه، الضائع بين ماضيه وحاضره، فالماضي فيه بطولات ضد الفرنسيين، ثورة على الاحتلال، وعمٌّ استشهد في الجبال، والحاضر فيه أبٌ ينتمي إلى الحزب الشيوعي، ومعجبٌ بالثقافة الفرنسية، يأكل أوراق المنشورات كي لا تكون سبباً في اعتقاله، "ينطفئ" مصباح إذن بعد فقدانه بصره نتيجة ورم في دماغه، لتكتمل بذلك حكاية الضياع والتيه، وينغلق الزمن السردي للرواية في علاقته مع ابنته الوليدة التي قرّرت، لاحقاً، نشر كرّاسة ضياع جنوبي آخر...
يبدو أن جنوب الملح ستكون أفضل عمل أقرأه لهذا العام، كما يبدو أننا بصدد ميلاد كاتب جزائري من طينة الكبار. مأخذي الوحيد على الرواية أن الكاتب استعجل إنهاء الأحداث والتخلص من تسكع مصباح في الأزقة والأسواق....لكنني أتفهم تصرفه هذا واستعجاله، فعمل كهذا لابد وأن يكون قد أرهقه حد الاستنزاف. شكرا ميلود يبربر، بانتظار جديدك.
رواية سهلة القراءة بمحتوى يمكن وصفه بالعادي، وطرح سطحي أغلب الأحيان، حتى في المواضيع المهمة ومن الأمثلة التي تخطر على بالي الآن العشرية السوداء إذ كانت حاضرة في الخلفية، لكنها لم تعالج بعمق يشعرني بثقلها الحقيقي لم أستطع لمس أثر الفقد والصدمة في شخصية "مصباح" رغم أنه فقد والديه في أحداث عنيفة عاشها عن قرب وأيضا إثارة سؤال أخلاقيات المصور قرب النهاية،كان طرحا جيدا ومثيرا ، لكنه تراجع فجأة دون تطوير أو إنهاء مقنع للنقاش، أنا لا أطالب بحل أخلاقي نهائي، لكن على الأقل كان بالإمكان إغلاق هذا الخط بشكل أفصل! الأسلوب في بعض المواضع بدا منمقا أكثر من اللازم، مع تشبيهات عديدة مرتبطة بالنساء بشكل لم أفهم مبرراته. في النهاية الرواية ليست سيئة، لكنها لم ترو عطشي من أي جانب لا من ناحية التوثيق التاريخي ولا على المستوى العاطفي الوجداني.
إنّ الفروق الأساسية بين نوعيّية الصور وقيمتها الفنيّة ليست على الإطلاق فروقًا قائمة بين التطوّر التقنيّ لآلات التصوير التي التقطت بها، طبعا هناك حدّ أدنى مطلوب من التقنيّة ،لكنّنى أريد أن أقول إنّ آلة التصوير الحقيقية للمصوّر هي عينيه، أتتصوّرون مصوّرًا أعمى أو ضعيف البصر؟! لكنّ العين التى تصوّر وراءها عقل وبنية نفسيّة وسُلّم قِِيَمِ،وهذه القيم تختلف من مُصوّر إلى آخر، هل يتحتّم علينا كمصوّرين أن نحتكم إلى سلّمَِ قِيَمٍ واحد؟ وأين يلتقى ومتى يتعارض الفنّ والأخلاق؟! الرواية جميلة من الروايات القليلة اللى مقدرش اسيبها من أيدى من غير تكملتها فى الغالب مكنتش بحب قراْة روايات اللى بتتكلم عن السير الذاتية بس فى بعض الروايات اللى بتبقى كتلة من المشاعر الإنسانية اللى مبتقدرش تصرف نظرك أنك تتداخل معاها بأى شكل من الاشكال