الحارث بن أسد بن عبد الله المحاسبي البصري كنيته أبو عبد الله، سمي المحاسبي لأنه كان يحاسب نفسه. أحد أعلام التصوف في القرن الثالث الهجري، يقول عنه أبو عبد الرحمن السلمي أنه «أستاُذ أكثرِ البغداديين»؛ وهو من أَهل البصرة ولد سنة 170 هـ.
هذه خصال مجربة جربها أهل المحاسبة لأنفسهم، فلما قاموا بها وصلوا إلى المنازل الشريفة، وهي عشر خصال:
أولها: لا تحلف بالله لا صادقاً ولا كذاباً لا عامداً ولا ساهياً
والثانية: إياك والكذب في حق أو باطل أو مزاح أو غير ذلك
والثالثة: احذر أن تعهد أحداً شيئاً فتخلفه وعده وأنت تقدر عليه، واقطع الوعد الآجل بالكلية فهو أقوى لأمرك
والرابعة: إياك أن تلعن شيئاً من خلق الله أو تؤذي ذرة فما فوقها، فإن ذلك أخلاق الأبرار، ويستنقذك من مصارع المهلكات
والخامسة: إياك أن تدعو على أحد من خلق الله وإن ظلمك
والسادسة: إياك أن تشهد على أحد من أهل القبلة بكفر أو نفاق ولا تكفر أحداً بذنب
والسابعة: إياك والنظر والقصد إلى شئ من معاصي الله، وكف عنها جوارحك
والثامنة: إياك أن تجعل لأحد عليك مؤنة صغيرة ولا كبيرة
والتاسعة: اقطع طمعك من الآدميين ولا تطمع نفسك في شيء مما في أيديهم
والعاشرة: أن لا تلقى أحداً من الناس إلا رأيت له الفضل عليك، فلعله يكون خيراً منك عند الله في الآخرة، وإن كان صغيراً أو جاهلاً.
إنك لا تصل إلى حلاوة العبادة، وفي قلبك شيء من الدنيا، فإذا خرج من قلبك شيء من أمور الدنيا دخل مكانه علم من علوم الآخرة.
اعلم أن سبب الزهد في الدنيا الصمت إلا عن ذكر الله تعالى، مع دوام الفكر، ويعرف العبد نفسه بكثرة ذمه إياها، ويعرف نعم الله تعالى بكثرة ذكرها، وعلى قدر فكرتك في شدة عقاب الله تعالى يعظم خوفك، وعلى قدر ذم العبد لنفسه في تقصير الشكر يستوجب الزيادة من ربه تعالى.
اعلم رحمك الله، أنك لا تصلُ إلى طهارة قلبك، وإلى حسن نيتك، إلا بالتوبة النصوح، واجتناب المحارم، وترك الشهوات كلها، والوقوف عند الشبهات، ولا ترى مثلَ خلةٍ إلا سددتها، ولا فساداً إلا أصلحته.
لا تكن همتك في كثرة العمل إلا إذا صحبتَ الإخلاص لله تعالى، وأما عملٌ دون إخلاص؛ فهو مردودٌ على صاحبه.
المراقبة هي باب المعرفة بالله تعالى، وهي فرض من الله تعالى على العباد، وبها يحظى العبد عند الله تعالى.
اعلم أن طريق الحكمة هو الصمت، فإذا صمت ملكت قلبك، فيكون صمتك تفكراً، ونظرك اعتباراً، وكلامك ذكراً، ولا تختر على الصمت شيئاً إلا ما يلزمك من فرائض الله عز وجل.
- وعلامة البراءة من الرياء: أن يستوي عند العبد العمل في الخلوة والملأ، ويستوي عنده المدح والذم والثواب والعقاب والقبض والبسط وغير ذلك من الأحوال.
- ليس مراد إبليس أن يوقعك في المعصية فقط وإنما مقصوده أن تدخل معه حيث يدخل في جهنم -أعاذنا الله منه ومنها- .. فإذا عرفت إبليس بهذه الصفة فألزم نفسك الحذر منه وحاربه أشد المحاربة.
- لك في نفسك شغل شاغل عن الوجدة على الناس سواءً من ذمك أو مدحك.
- وحاسب نفسك محاسبة من يعلم أنه قادم على الله تعالى ويعلم أن الله يسأله عن جميع ما يكون منه في السر والجهر ويعلم أنه لا ينجو من الله إلا بالصدق والاستقامة مع عفو الله وجوده وكرمه.
- ملاك الأمر: التواضع.
- وعليك بالرفق، فإن نفسك هي مهجتك، فلا تنفرها، وخذ منها لها، وبالله تعالى فاستعن في أمورك كلها، فإنه المعين عليها، لأنّ بيده إغاثة القلوب وأنفاس الخلق أجمعين، يعلم السر وأخفى، وهو فتاح القلوب لما يحبّه ويرضاه، فاستعن بالله تعالى في أمورك كلها، ولا تبالي بمن عاداك إذا كان الله تعالى معك، وكفى بالله حفيظاً، كان الله لنا ولك فإنه القائد والسائق إلى كل خير.
- من قوي عزمه هانت عليه مخالفة الهوى، ومن قوي عزمه يتبين له فضله في قلبه، ويتبين له الذي يأتيه من عون الله تعالى له!
- الناس في الخوف على ثلاثة أقسام: رجلٌ خاف ألا تقبل له توبة فهذا عامل للتوبة والانتقال، ورجلٌ خاف أن تُردّ عليه حسناته، فهذا مستقبل للطاعة. ورجلٌ ألزم قلبه خالص النية وعظمة الله عزّ وجلّ، فأذهله ذلك عن إثبات البرّ لنفسه، وأدمن السكينة والوقار والتذلل والتفكّر والتذكّر لله عزّ وجل، فهذا عبدٌ إنما يرى نفسه أبداً في جهنم. هؤلاء أشفقوا من الطاعات أن تكون أشدّ عليهم من المعاصي؛ فإذا كان هذا خوفهم من الطاعات، فكيف خوفهم من المعاصي والعقاب؟!
كتاب قيم، فيه من النصائح ما يُنجي الأرواح ويحفظ القلوب وينير البصائر ويوقظ الضمائر بإذن الله. رزقنا الله العلم بما فيه والعمل به.
قال الحسن البصري: ذهبت المعارف،وبقيت المناكير، ومن بقى من المسلمين فهو المغموم. فماذا يقولون لو عاشوا إلى زماننا؟ والله المستعان.
يقول الفقيه السمرقندى : - من عمل الحسنة يحتاج إلى خوف أربعة أشياء ، فما ظنك بمن يعمل السيئة ؟! أولها : خوف القبول ، لأن الله تعالى قال :( إنما يتقبل الله من المتقين) المائدة : ٢٧ والثاني : خوف الرياء ، لأن الله تعالى قال :(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) البينة : ٥ والثالث : خوف التسليم والحفظ ، لأن الله تعالى قال :( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ، فاشترط المجيء بها إلى دار الآخرة . والرابع : خوف الخذلان في الطاعة ، لأنه لا يدرى هل يوفق لها أم لا ؟ لقول الله تعالى :(وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) هود : ۸۸ .