إذا كان لديك ماتقوله فاكتب نثرا، وإنل لم يكن لديك ماتقوله فاكتب شعراً. لم يكن لدى الغفوري مايقوله فكتب رواية.
لو كنت مكان الغفوري لمانشرت هذه الرواية بعد جدائل صعدة التي كانت نقلة نوعية بالنسبة لمكانته الروائية، وكانت أكثر كتبه من حيث نسبة القراءة. تمنيت أن تكون هروب الفتى أختا لجدائل صعدة، إلا أنها أبت إلا أن تكون ابنة عم للخزرجي. لا أقصد أنه يجب عليه أن يكتب في الشأن المحلي ويخوض في الحرب والسياسة. فعدد كبير من الروايات الخالدة لم يكن حول قضايا وطنية أو أحداث تاريخية عظيمة. ما قصدته هو الإبداع في الفن الروائي مع طرح قيم إنسانية تغوص في حنايا القارئ، ويبقى منها شيء حتى بعد الفراغ من النص، ربما لأعوام عديدة.
لست ضد الرواية الحداثية غير الخطية، أحببت همنجواي، على سبيل المثال. لكنني ضد أن تكون الرواية مجرد دوامة من الصور والمواقف والعبارات الأخاذة دون تعمق في الشخصية، أو الأحداث أو الزمان والمكان. بالنسبة لهروب الفتي عاري الصدر، والخزري كذلك، يمكنك قراءة أول فصلين فكأنك قرأت الرواية بالكامل. فالقصة تدور في فلكين، الميت وهو يتأمل ماحوله في المستشفى، والميت مع أصدقائه في المقهى قبل أن يموت. ثم فصل آخر في المستشفى يتبعه فصل آخر في المقهى وهكذا دواليك.
بالفعل هناك تأملات عميقة في مسائل كالموت، الجنس، العلاقات الإنسانية...إلخ، لكنها لاتكفي لرفع الرواية على قدميها. أخيرا، وقد ذكرت ذلك في مراجعة جدائل صعدة، خير الكتب هي التي يختفي المؤلف فيها فكأنه لم يكتبها. أما مروان الغفوري فيصر على الظهور بأكثر من طريقة، إما بطريقة استحضاره للأعمال الأدبية بإفراط أو باستحضار أماكن عاش فيها وأحداث عاصرها...الخ. مروان هنا وهناك، رابض خلف كل كلمة، يطل برأسه من وراء كل سطر. عندنا مايكفي من مروان، نريد أن نعرف مايمكن مروان قوله عن الآخرين، بلسانهم، بصوتهم. فليكونوا في رأسك يا مروان واسكبهم على الورق مباشرة. لاتدعهم يمرون على لسانك، لاتجبرهم على العبور من خلال فلاترك الثقافية.
مراجعة طويلة لرواية قصيرة، هي فرصة للحديث عن د.مروان بعيدا عن سعار الفيس بوك.