يحقق كتاب «تاريخ المسرح في العالم العربي في القرن التاسع عشر» رغبة كل عاشق للفن المسرحي في الوصول إلى بداياته العربية الحقيقية وأهم رموزه الذين وضعوا الأساسات للمسرح العربي.
تندر الكتابات التي تستفيض في الحديث عن المسرح العربي في تلك الفترة المبكرة من تاريخه، وفي هذا الكتاب يصحبنا الدكتور «سيد علي إسماعيل» في رحلة شائقة يسلِّط فيها الضوء على نشاطات مسرحية منسية أو خفية، هي حصيلة بحثٍ مضنٍ قام به المؤلِّف لجمع هذه المادة المتميزة والنادرة، وتوثيقها، وإيلاء أهمِّ الشخصيات والفرق والجمعيات المسرحية (التي غدت مجهولة في عصرنا الحالي) ما تستحقه من اهتمام، لتُبعث ذكراها من جديد. أثناء عرضه لخبايا المسرح العربي، يتطرق الكاتب كذلك إلى نقد للنصوص المسرحية، مع ذكر لأهمِّ النقاد المسرحيين الذين تعرضوا لتلك الفترة الزمنية المهمة التي شكَّلت الأساس الذي ارتكزت عليه النهضة المسرحية العربية في القرن العشرين.
أ. د. سيد علي إسماعيل: كاتب مصري متخصص في الأدب المسرحي وأستاذ اللغة العربية بكلية الآداب جامعة حلوان. نُشر له العديد من الإسهامات عن المسرح وتاريخه؛ ممَّا جعله من أهم الكُتَّاب المعاصرين الذين اهتموا بالمسرح كواحد من أهم الفنون الحديثة.
وُلد «سيد علي إسماعيل علي» في القاهرة عام ١٩٦٢م، وحصل على ليسانس اللغة العربية من كلية الآداب جامعة عين شمس، ثم الماجستير من القسم ذاته عن موضوع: «دور المرأة في مسرح توفيق الحكيم»، والدكتوراه في موضوع «أثر التراث العربي في المسرح المصري المعاصر»، ليلتحق بالسلك الأكاديمي لتدريس الأدب في الجامعات المصرية، حتى وصل إلى منصب رئيس قسم الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم جامعة المنيا، وتم انتدابه في المركز القومي للمسرح وفي عدة جامعات عربية.
تخصص إسماعيل في الأدب العربي الحديث وخصوصًا في فرع المسرح، وبدأ في نشر مؤلفاته التي تتناول المسرح العربي بدايةً من عام ١٩٩٦م ليستمر إلى الآن في الكتابة المكثفة ما بين الكتب العلمية المطبوعة والكتب النقدية والتوثيقية والمقالات المنفصلة التي تتناول جميع أوجه المسرح في الفترات الزمنية المتعاقبة منذ نشأته، ومرورًا بالأجيال المسرحية الرائدة وحتى العصر الحديث، بالإضافة إلى المسارح التي أثَّرت في المسرح العربي وأثَّر فيها. وقد اهتم إسماعيل بشكل خاص بأن يفرد الكتب في المواضيع المنسية من ذاكرة المسرح العربي والتي لم يستفض فيها الكثير من المؤلفين ونقاد المسرح؛ فقد تناول في أبحاثه المسرح في القرن التاسع عشر، ونفض الغبار عن نصوص مسرحية نادرة صعُب على الباحثين وعشاق المسرح الوصول إليها.
كما يتكرر حلول الدكتور «سيد علي إسماعيل» عضوًا بارزًا بالعديد من اللجان التحكيمية المسرحية والدراسات العليا وبصفة رسمية في المهرجانات المسرحية العربية، ولجان تطوير التعليم الأكاديمي، وضيفًا في العديد من البرامج الثقافية والأدبية التلفزيونية والإذاعية، ومُحاضرًا في الدورات التدريبية والندوات التثقيفية بمعارض الكتاب والمراكز الثقافية، وقد حصل على العديد من دروع التكريم وشهادات التقدير من مؤسسات ثقافية وأكاديمية عربية.
وهو يجمع في كتاباته بين استخدام الأساليب العلمية في التحليل والرصد والتدقيق بالإضافة إلى الأسلوب المبسط ليصل القارئ إلى المعلومة بسهولة ويسر، كما أنه يؤمن بالعمل الجماعي كطريقة لتدريس الأدب ويحرص على استخدام الوسائل الحديثة في التعليم.
مصدر مفيد جدًا للتعرف أكثر على تاريخ المسرح في مصر، خاصةً في القرن التاسع عشر، فقد كان مثيرًا للاهتمام معرفة كيف كان لهذا الفن قيمة كبيرة في مصر، وكيف كانت قبلة للفرق المسرحية من أوروبا والشام، وكيف وصل هذا الفن لدرجة نشأة العشرات من الجمعيات المسرحية لدعمه وتمويله ورعايته، فقد ذكر الكاتب في فصل (الجمعيات المسرحية) ما يقرب أو يزيد عن خمسين جمعية مسرحية في مصر، مختلفة الأصول والمعتقدات والقوميات.
ومن أكثر ما لفت نظري واهتمامي، ما جاء في الصفحة 196 عما ذكره (سليم النقاش) في مقال (فوائد الروايات أو التياترات) عام 1875م: قد كنت أعشق مصر.. إذ عاينت تقدمها تمدنًا.. الذي وضعها في مصاف بلاد أوروبا، بيد أن أهلها ممتازون عن الإفرنج بما لهم من الرقة ولين الجانب وإكرام الغريب، هذا وإن منهم علماء بلغوا المرتبة العليا في العلوم خصوصا في اللغة العربية.. ويوجد بأهلها كافة ميل إلى تحصيل العلوم ورغبة في مساعدة أهلها، وهذه الرغبة توجد مضاعفة عند حكومتهم.
علمًا بأن (سليم النقاش) أحد رواد المسرح العربي، وجاء إلى مصر من لبنان لإنشاء عروض مسرحية باللغة العربية، كما جاء في ذكر سيرة (القباني) الذي جاء إلى مصر بعد معارضة مشايخ الشام لعروضه المسرحية، والذين صعدوا الأمر حتى جاء أمر من السلطان العثماني بمنع التمثيل في دمشق!
ربما كانت بعض الفصول أكثر إثارة للاهتمام لي مقارنة بأخرى، وهذا ما أثر على تجربة قراءتي، لكنه لا يقلل من أهمية الكتاب، وتذكيره بأهمية هذا الفن، وأهميته لمصر بشكل خاص، وكيف كانت مصر مهمة له كذلك، مع أمل أن تعود تلك الأهمية المتبادلة قريبًا.