الإمام العلامة البحر أبو عبيدة (110-209هـ/728-824م) معمر بن المثنى التيمي تيم قريش مولاهم البصري النحوي صاحب التصانيف ،ولد في الليلة التي توفي فيها الحسن البصري ،حدث عن هشام بن عروة ورؤبة بن العجاج وأبي عمرو بن العلاء وطائفة ،ولم يكن صاحب حديث وإنما أوردته لتوسعه في علم اللسان وأيام الناس، حدث عنه علي بن المديني وأبو عبيد القاسم بن سلام وأبو عثمان المازني وعمر بن شبة وعلي بن المغيرة الأثرم وأبو العيناء وعدة ،حدث ببغداد بجملة من تصانيفه ،قال الجاحظ :لم يكن في الأرض جماعي ولا خارجي أعلم بجميع العلوم من أبي عبيدة ،وقال يعقوب بن شيبة :سمعت علي بن المديني ذكر أبا عبيدة فأحسن ذكره وصحح روايته وقال: كان لا يحكي عن العرب إلا الشيء الصحيح ،وقال يحيى بن معين: ليس به بأس ،قال المبرد: كان هو والأصمعي متقاربين في النحو وكان أبو عبيدة أكمل القوم ،وقال ابن قتيبة :كان الغريب وأيام الغريب أغلب عليه وكان لا يقيم البيت إذا أنشده ويخطئ إذا قرأ القرآن نظرا وكان يبغض العرب وألف في مثالبها كتبا وكان يرى رأي الخوارج ،وقيل: إن الرشيد أقدم أبا عبيدة وقرأ عليه بعض كتبه وهي تقارب مائتي مصنف منها كتاب "مجاز القرآن" و"غريب الحديث" و"مقتل عثمان" و"أخبار الحج" وكان ألثغ بذيء اللسان وسخ الثوب ،وقال أبو حاتم السجستاني: كان يكرمني بناء على أنني من خوارج سجستان ،قلت :قارب مائة عام أو كملها فقيل :مات سنة 209هـ وقيل مات سنة 210هـ ،قلت :قد كان هذا المرء من بحور العلم ومع ذلك فلم يكن بالماهر بكتاب الله ولا العارف بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا البصير بالفقه واختلاف أئمة الاجتهاد بلى وكان معافى من معرفة حكمة الأوائل والمنطق وأقسام الفلسفة وله نظر في المعقول ولم يقع لنا شيء من عوالي روايته. سير أعلام النبلاء: بتصرف. له الكثير من التصانيف منها: «نقائض جرير والفرزدق»«مجاز القرآن»«رسالة العققة والبررة»«مآثر العرب»«مثالب العرب»«فتوح أرمينية»«ما تلحن فيه العامة»«أيام العرب»«الإِنسان»«الزرع»«الشوارد»«طبقات الشعراء» «طبقات الفرسان»«المحاضرات والمحاورات»«الخيل»«الأمثال»«تسمية أزواج النبي».
أستطيع أن أزعم أن الاطلاع على هذا الكتاب يكفي لتكوين رؤية متكاملة عن تاريخ الجاهلية والعصر الإسلامي والأموي وآدابه وعاداته وحكاياته، إنه ليس كتابا في شرح قصائد هجاء جرير والفرزدق ورفاقهما، ولكنه مدوّنة ثقافية اجتماعية أدبيّة، ويعد ملحمة من ملاحم العربيّة التي لم تحظ بالقدر الذي تستحقه من الاهتمام
عندما أشعر ألا مزاج لي للقراءة عادة ما أعود إلى الشعر العربي "القديم غالبا"، ولي مع هذه النقائض أو قصائد الهجاء بين أهم شاعرين في العصر الأموي جرير والفرزدق ذكريات تعود بي إلى كلية الآداب في جامعة دمشق في السنة الثانية إذ اشتغلت على حلقة بحث عنها لمادة الأدب الأموي... وها أتصفحها بشيء من الحنين إلى زمن الدرس والشعر والصبا.. جرير والفرزدق ندان عظيمان خصمان صديقان فحلا شعر من الطبقة الأولى للعصر الأموي وما نقائضهما إلا وثيقة وتراث أدبي عربي لغوي عظيم.. وإن لم تغن النقائض عن قراءة ديوانيهما منفردين.. ملحوظة: ضمت الطبقة الأولى أيضا الأخطل والراعي النميري الذي دمغته رائعة جرير الدامغة فقتلته رغم فحولته "فغض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا" فمات كمدا في زمن كان للكلمة وقع السيف بل أشد وأعظم..