صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب الدكتور عزمي بشارة ثورة مصر في مجلدين بعنوانين فرعيَين. يتناول المجلد الأول (720 صفحة، من القطع المتوسط) الحقبة بين عام 1952 حتى 11 شباط/ فبراير 2011 (يوم تنحّي الرئيس المصري حسني مبارك)، وعنوانه "من جمهورية يوليو وحتى ثورة يناير"، أمّا الجزء الثاني (672 صفحة، من القطع المتوسط) فعنوانه "من الثورة إلى الانقلاب".
الكتاب تاريخي تحليلي يستخدم مناهجَ متعددة في فهم بنية الدولة والمجتمع، وعلاقة الجيش بالسياسة، وتطور منصب الرئاسة في مصر وصولًا إلى ثورة يناير، كما يعدّ الجمهورية التي سادت في مصر حتى ثورة يناير جمهورية واحدة يسمّيها يوليو ويقسمها إلى مراحل ذات ميزات خاصة بها. ويتوقف مطولًا عند توثيق ثورة 25 يناير وتحليلها بناءً على شهادات ومصادر. أما الجزء الثاني فيتناول المرحلة بين 11 شباط/ فبراير 2011 و3 تموز/ يوليو 2013، محللًا أسباب تعثّر التحول الديمقراطي في مصر وخلفياته، ومقدمًا إسهاما في نظرية التحول الديمقراطي انطلاقًا من التجربة المصرية. ويقول المؤلف إنّه يدرك أنّ الكتاب طويل، ولكن لم يكن ممكنًا الإحاطة بتاريخ الثورة المصرية وتحليل خلفياتها الاجتماعية والتاريخية من دون توثيق مفصّل ودقيق. فالكتاب يفترض أن يكون مرجعًا عن هذه الحقبة المهمة في تاريخ المنطقة العربية، ومصدرًا للباحثين والفاعلين الاجتماعيين والسياسيين والمثقفين العموميين. وهو ليس من نوع الكتب الصحفية التي يكتبها مؤلفون أجانب بعد مكوث فترة في مصر وإجراء بعض المقابلات. وإضافةً إلى التحليل النظري المتداخل المناهج (علوم سياسية، واقتصاد، وتاريخ، وعلم اجتماع، وتحليل خطاب)، أخذ المؤلف على عاتقه مهمة لا بد من إنجازها وهي تأريخ الثورة المصرية وتوثيقها. وقد استعان فيها بمجموعة من الباحثين الذين وثّقوا وأجرَوا مقابلات.
(حول الجزء الأول من الكتاب)
في الجزء الأول من كتابه ثورة مصر المعنون من جمهورية يوليو إلى ثورة يناير، والصادر لتوّه عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (720 صفحة، من القطع المتوسط)، يستنفد بشارة أدوات بحث متعددة وجهدًا استقصائيا لفهم حقبة بالغة الأهمية من التاريخ المصري الحديث.
في تقديمه كتابه هذا، يقول بشارة إنّ الغرض منه إنتاج بحث توثيقي عن ثورة مصر 2011، وهذا محور الكتاب الذي يبدأ بعرض تاريخي لفهم السياسة والمجتمع والجيش في مصر، محدّدًا بصعود جمهورية يوليو وأزمتها التاريخية في نهاية عصر مبارك، معترفًا بصعوبة كتابة مقدمة تاريخية للثورة المصرية، لأنّ التاريخ المصري غير مجهول، ولكن الكتاب يعيد سرده بطريقة مختلفة ملقيًا الضوء على زوايا مهمة متعلقة بطبيعة النخبة السياسية والتحولات الطبقية في مصر وعلاقة الجيش بالسياسة، وجذور الاستبداد وجذور الاحتجاج. وبعد عرض تاريخي تحليلي للثورة، تتمحور المهمة الرئيسة في الجزء الأول من الكتاب على تأريخ مسيرة الاحتجاج حتى 25 كانون الثاني/ يناير 2011 وما بعده، حتى 11 شباط/ فبراير 2011 وفقًا لمقاربات التاريخ المباشر، ما استدعى غوصًا في تفصيلات الحراك الثوري، توثيقًا وتحليلًا، لتقديم مرجع أكاديمي توثيقي للقارئ، سواء أكان مواطنًا مهتمًا بالشأن العمومي أم باحثًا.
في الفصل الأول خلفية تاريخية موجزة، يوجز بشارة الخلفية التاريخية التي أدت إلى اندلاع ثورة 23 تموز/ يوليو 1952. ويقول لو كان على ثورة 25 يناير صوغ ذاتها بجملة واحدة لنطقت "مصر للمصريين فعلًا"، أي لكلّ المصريين لا لبعضهم، في استعادةٍ تاريخية لثورة المصريين ضد رهن مصر للديون الأجنبية، حين رفعوا شعار "مصر للمصريين" أول مرة، في أيام الوصاية الإنكليزية. ويستعرض التطور الذي عرفته القوات المسلحة المصرية من مؤسسة لا تتدخل في الشأن الداخلي إلى عنصر مؤثّر في القرار، توّج تأثيره هذا بثورة الضباط الأحرار. ثم يعرض بشارة بداية المرحلة الناصرية، وقرارات إلغاء دستور عام 1923، وحظر الأحزاب، وإنشاء هيئة التحرير، وصفقة الأسلحة التشيكية، وتأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثي، وإعلان الوحدة المصرية – السورية، والانقسام بين إعادة الحكم إلى المدنيين وإبقائه في أيدي العسكريين، ورفض مصر الانضمام إلى حلف بغداد، ونكسة 1967 وتنحّي عبد الناصر ثم عودته، وحرب الاستنزاف.
في الفصل نفسه، يسهب بشارة في وصف خيارات جمهورية يوليو، منطلقًا من أنّ ثمة "عناصر كثيرة مشتركة بين عهود مبارك والسادات وعبد الناصر، من حيث بنية الدولة والنظام الأمني السائد فيها ووجود حزب حاكم متداخل مع بيروقراطية الدولة، إلى جانب ملامح تدفعنا إلى القول إنّ هذه النظم الثلاثة في حقيقتها جمهورية واحدة، هي جمهورية 23 يوليو". ثم ينتقل إلى محمد أنور السادات والسلام مع إسرائيل وخروج مصر من دول المواجهة العربية، والتراجع داخليًا عن النظام الاشتراكي، وصولًا إلى مقتل السادات، وتبوّؤ حسني مبارك سدة الرئاسة، لتنتقل مصر بعدها إلى عهد حزب الرئيس، والاعتماد على الجيش والأمن لحفظ النظام، والتحالف مع الولايات المتحدة. ينتقل بشارة بعدها إلى تناول التحولات في الجيش المصري: من هيمنة العسكر وتداخل سلطات الجيش والرئيس، إلى خضوع الجيش لمنصب الرئاسة، إلى استقلالية الجيش، ثم يتناول الجانب الاقتصادي مسلّطًا الضوء على اللبرلة الاقتصادية والسلطوية السياسية في مصر، وانتقال السلطة والمجتمع من التعاضدية الناصرية إلى تكريس الزبائنية، وصعود طبقة رجال الأعمال، انتهاءً بتردي الأوضاع الاجتماعية في عهد مبارك.
يقدّم بشارة في الفصل الثاني، لم يكن شعب مصر خاملًا قبل 25 يناير: موجز تاريخ الاحتجاجات في مصر الحديثة، سردًا بالأسماء والوقائع التامة لحركات الاحتجاج في التاريخ المصري الحديث بعد ثورة 23 يوليو، حتى مقتل خالد سعيد، الشرارة التي أشعلت نار 25 يناير، من دون أن يؤرخ لها، كما يقول. يورد نظرة سريعة، بعيدة عن الإحاطة بتاريخها كلّه، ويتوسع في التفصيلات كلما اقترب من 25 يناير، فللاحتجاج في العقد الأخير من عهد مبارك علاقة مباشرة بتفجر الموجة الثورية في 25 كانون الثاني/ يناير 2011.
عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ورئيس مجلس أمناء معهد الدوحة للدراسات العليا. مفكر وباحث عربي معروف، نشر الدكتور عزمي بشارة مئات الأوراق والدراسات والبحوث في دوريات علمية بلغات مختلفة في الفكر السياسي والنظرية الاجتماعية والفلسفة، ومن أبرز مؤلفاته: المجتمع المدني: دراسة نقدية (1996)؛ في المسألة العربية: مقدمة لبيان ديمقراطي عربي (2007)؛ الدين والعلمانية في سياق تاريخي (جزآن في ثلاثة مجلدات 2011-2013)؛ في الثورة والقابلية للثورة (2012)؛ الجيش والسياسة: إشكاليات نظرية ونماذج عربية (2017)؛ مقالة في الحرية (2016)؛ الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة (2017)؛ في الإجابة عن سؤال: ما السلفية؟ (2018)؛ تنظيم الدولة المكنى ’داعش‘: إطار عام ومساهمة نقدية في فهم الظاهرة (2018)؛ في الإجابة عن سؤال ما الشعبوية؟ (2019)؛ والانتقال الديمقراطي وإشكالياته: دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة (2020)، ومنها كتبٌ أصبحت مرجعيةً في مجالها.
كما أنجز بشارة عملًا تأريخيًا تحليليًا وتوثيقيًا للثورات العربية التي اندلعت في عام 2011، ونشره في ثلاثة كتب هي: الثورة التونسية المجيدة (2011)؛ سورية درب الآلام نحو الحرية: محاولة في التاريخ الراهن (2013)؛ ثورة مصر (في مجلدين 2014). تناولت هذه المؤلفات أسباب الثورة ومراحلها في تلك البلدان، وتعد مادةً مرجعيةً ضمن ما يُعرف بالتاريخ الراهن، لما احتوته من توثيق وسرد للتفاصيل اليومية لهذه الثورات مع بعدٍ تحليلي يربط السياقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل ثورة في ما بينها.
Azmi Bishara is the General Director of the Arab Center for Research and Policy Studies (ACRPS). He is also the Chair of the Board of Trustees of the Doha Institute for Graduate Studies. A prominent Arab writer and scholar, Bishara has published numerous books and academic papers in political thought, social theory, and philosophy, in addition to several literary works, including: Civil Society: A Critical Study (1996); On the Arab Question: An Introduction to an Arab Democratic Statement (2007); Religion and Secularism in Historical Context (3 volumes 2011-2013); On Revolution and Susceptibility to Revolution (2012); The Army and Political Power in the Arab Context: Theoretical Problems (2017); Essay on Freedom (2016); Sect, Sectarianism, and Imagined Sects (2017); What is Salafism? (2018); The Islamic State of Iraq and the Levant (Daesh): A General Framework and Critical Contribution to Understanding the Phenomenon (2018); What is Populism? (2019) and Democratic Transition and its Problems: Theoretical Lessons from Arab Experiences (2020). Some of these works have become key references within their respective field.
As part of a wider project chronicling, documenting, and analyzing the Arab revolutions of 2011, Bishara has also published three key volumes: The Glorious Tunisian Revolution (2011); Syria's Via Dolorosa to Freedom: An Attempt at Contemporary History (2013) and The Great Egyptian Revolution (in two volumes) (2014). Each book deals with the revolution’s background, path, and different stages. In their narration and detail of the revolutions’ daily events, these volumes constitute a key reference in what is known as contemporary history along with an analytical component that interlinks the social, economic and political contexts of each revolution.
رغم تحفظي على شخصية عزمي بشارة كونه شخصية جدلية للغاية، وتبعية مركز الدراسات الذي يديره لقطر وما هو معروف عن مواقفها خلال الربيع العربي، إلا أنه يمكن اعتبار الكتاب أكبر محاولة موضوعية لتأريخ يوميات الثورة المصرية كما حدثت، مع احتوائه على كم هائل من المصادر التي وصلت إلى مئة صفحة.
أُشيد بالكاتب لحياديته عند تناوله حقبة جمال عبد الناصر، رغم أنه تناول فترة ما قبل مبارك باقتضاب شديد لا يتناسب مع أهمية هذه المرحلة ودورها في تشكيل علاقة الجيش بالرئاسة والعقد الاجتماعي. لذلك، أنصح دائمًا بقراءة كتب تتناول تلك الحقب بتفصيل أكبر.
كنت في الرابعة عشرة من عمري عند اندلاع ثورة 25 يناير، ورغم مشاركتي في المظاهرات بعد اندلاعها، والتي أعتقد أنها كانت حوالي تسع مرات، إلا أنني أعاني مما يُعرف بتجزئة الذاكرة، حيث أشعر بغياب السياق عند استرجاع تلك اللحظات.
لقد شكّل تواجدي في تلك المظاهرات جزءًا كبيرًا من شخصيتي، وأعتقد أن اطلاعي على مدى تعقيد كل ما كان يحدث حولي ساهم في جعلي أكثر حكمة في الحكم على الأمور. فقدت أيضًا أحد أصدقائي، محمد حسن كرستي، حيث شاهدت جسده المصاب بالرصاص على شاشة التلفاز، وكنت قد تحدثت إليه عبر الهاتف قبل استشهاده بربع ساعة.
أنظر دائمًا إلى ثورة 25 يناير بنظرة حنينية خاصة، خصوصًا عند مشاهدة صورها والفوتوغرافيا الرثائية التي تذكرني بأنني كنت أؤمن بإمكانية إحداث تغيير حقيقي. لكننا اكتشفنا في النهاية أننا أصغر مما كنا نتصور.
عمل هام جداً، وأعتقد بعد سنوات في ظل طمس ما حدث في ذلك العام في كل العام العربي، سيكون لذلك الكتاب مع كتابات بشارة الأخرى عن الثورات نصيب الأسد في توثيق وسرد ما حدث وعرض صورة كاملة ممتدة وضاربة في الجذور التاريخية للأحداث، العمل موضوعي في تحليل ما يتعلق بجمهورية يوليو أو حكم العسكر، وعرض شائق ووافي لمسيرة العسكر في السياسة المصرية وخطوات تحييدها وخطوات رجوعها مرة أخرى لممارسة السياسة، لم يجور على عبد الناصر وإرثه كما اعتاد بعض المؤرخين، ونجح جيداً في الفصل بين شخصية وحقبة كل رئيس حتى حسني مبارك، ربما لي تعليق واحد على العمل وهو أن صوت الشباب الإخواني هو الغالب على الشهادات التي أوردها بشارة عما حدث في الثورة، وكان بإمكانه إعطاء مساحات أكبر لأصوات أخرى غير ناشطي حركة الإخوان المسلمين والتي عرضها وعرض دورها وانقساماتها في مسيرة السياسة المصرية ببراعة أيضاً، أدخل إلى الجزء الثاني متحمساً رغم توجسي بأن الكتاب سيكون ملئ بالتنبؤات والأحكام المتسرعة على فترة السيسي التي لازالت ممتدة، ورأي الكتاب في ما حدث في 30 يونيو رغم أنني يمكن قراءته من ذلك الكتاب بأنه ربما لن يعترف بالجذر الشعبي الحقيقي لما حدث، بغض النظر عما أعقبه، ولكن سنعرف
غرض هذا الكتاب كما يوضح بشارة في أكثر من موضع هو الكتابة الموضوعية لتاريخ الثورة المصرية في مرحلة قريبة من وقوعها بالرغم من سلبيات ذلك وذلك لقطع الطريق على تحريفها وتزويرها والعبث بمعطياتها من قبل قوى محسوبة على الثورة المضادة وهو ما يحدث في مصر منذ الانقلاب العسكري عام 2013، حيث يجري إعادة تقديم ثورة يناير على أنها مؤامرة خارجية، كما يجري طمس وتناسي مواقف القوى السياسية المختلفة (سواء كانت إسلامية أو علمانية أو غيرها) التي تفسّر تناقضاتها ومواقفها الملتبسة أثناء الثماني عشرة يومًا الأولى وحتى إطاحة مبارك مواقفها لاحقًا من الثورة المضادة ومن الموقف من الحكم العسكريّ. هذا الكتاب، في قسم كبير منه، هو وثيقة تاريخية-تحليلية مستمدة من مئات الشهادات والمقابلات التي لم تغطي يوميات الثورة فحسب، بل تتبعت أيضًا مقدماتها في العقد الأخير من حكم مبارك، مرفقًا بتحليل نظريّ طويل يحاول قراءة التشكل التاريخي والاجتماعي للسلطوية المصرية.
يمكن تقسيم هذا الجزء من الكتاب إلى ثلاثة أقسام:
الأول يقع في فصل الكتاب الأول المعنون بـ"خلفية تاريخية موجزة". وهو مساهمة نظرية مكثفة يمكن لها أن تستقل في كتيب لوحدها، تهدف إلى تقديم تحليل فكري وتاريخي واجتماعي لتطوّر النظام التسلطي المصري محددةً أهم ملامحه. وعلى الرغم من أن الكتاب يبدأ بمقدمة تغطّي تاريخ مصر حتى ثورة يوليو 52، إلا أنها تركّز أساسًا على ما يسميه عزمي بشارة بـ"جمهورية يوليو". يقدم هذا الفصل نقدًا مركّبًا للناصرية، فعلى الرغم من أن الضبّاط الأحرار بعد انقلابهم على الملكية قد انطلقوا من أحلام بتنمية المجتمع المصري وهزيمة الارستقراطية الفاسدة والمرتبطة بالاستعمار. وعلى الرغم من أنَّ ذلك قاد في الخمسينيات والستينيات إلى تحقيق إنجازات هائلة على مستوى العدالة الاجتماعية والتحديث، وعلى الرغم أيضًا من أن السياسات الناصرية هدفت إلى توسيع قاعدة النظام الاجتماعية باحتواء الطبقة الوسطى الريفية، إلا أنّ تكوين الضباط الأحرار المضاد للديمقراطية، ونظرتهم السلبية إزاء الشعب المصريّ التي وسمته بالجحود والجهل والخداع، أدى في مراحل لاحقة إلى تشكيل دولة سلطوية تعزل نفسها باستمرار عن شعبها في نظام أشبه بنظام فصل عنصريّ-اجتماعيّ، وتعتبر بيرقراطية الدولة هي حزبها التي تقمع من خلاله تشكل مجتمع مدني فعّال وتستقوي بها على ناقديها وتستعملها كجهاز ضخم يحتوي من يمكن احتواءه. ينفرد هذا الفصل أيضًا بتقديم تحليل سوسيو-تاريخي يتتبع من خلاله بشارة صراع مؤسسات الدولة طوال النصف الثاني من القرن العشرين وتطوّر قوة ونفوذ منصب الرئاسة وعلاقاته مع بقية المؤسسات الأخرى كالجيش والقضاء. وفي الحقيقة، فإن مساهمة الفصل الأساسية، والتي لا غنى عنها لفهم السياسة في مصر اليوم، هي قراءة جمهورية يوليو من خلال تتبع العلاقة بين الجيش ومؤسسة الرئاسة بالتحديد. ففي حين بدأت المرحلة الناصرية بوجود دولتين (دولة للعسكر ودولة للزعيم)، فإن عوامل عديدة تاريخية ساهمت بأن يخضع السادات الجيش إلى منصب الرئاسة ولكن في مقابل أن يشكل الجيش دولةً اقتصادية موازية له "تحكم ولا تحكم بنفس الوقت"، ففي مقابل عدم ممارسته السياسة بشكل مباشر، تمتع الجيش بما يشبه الحكم الذاتي وحصل على "قطاعه العام". هكذا، فما بدأ في بداية "جمهورية يوليو" وكأنه أحلام وردية لتنمية المجتمع المصريّ، انتهى في مراحلها المتقدمة إلى هوس بالتمسك بالسلطة ووعي البيروقراطية المصرية لنفسها كأنها جماعة اجتماعية-سياسية تعقد تحالفاتها مع قوى خارجية وداخلية بهدف البقاء بالحكم بأي ثمن ليصل بها ذلك إلى حدّ رعاية الفساد وتوزيع الموارد العامة على شبكاتها الزبائنية التي فرّخت في العقد الأخير من عهد مبارك تكتلات من رجال أعمال طفيليين اخترقوا مختلف نواحي الدولة والمجتمع، واستفزوا حتى أقطاب داخل النظام، وكانوا سببًا في اندلاع الثورة، وفي المقابل أدى ذلك إلى الاستهتار بأرواح غالبية المصريين ونبذهم في جغرافيات خاصة بهم، تتسم بالفقر والتهميش، لتصبح الدولة في المصرية المعاصرة هي دولة الأقلية الاجتماعية، وليتم تفريغ القطاع العام من محتواه، ففي عهد مبارك أصبح الامتيازات الاجتماعية (الحقيقية) للقطاع العام تحيل إلى الرتب العليا في الجيش والبيروقراطية المصرية، في حين تمّ تفريغ الخدمات الاجتماعية العامة مثل الصحة والتعليم والأمن من محتواها، وبدأت شرائح واسعة من زبانية النظام مغادرة المدن الأصلية والسكن في مدنٍ مسوّرة وجديدة صحراوية أصبحت هي العلامة البارزة لنمط الحياة الصحيّ والمثاليّ.
وعلى عكس الفصل الأول اتسم الفصلالثاني بجهد توثيقي كبير رصد من خلاله أنماط الاحتجاج التي سبقت ثورة. ومن خلال قراءة هذا الفصل يمكن الاستنتاج بأنّ هنالك نمطين عامين ميزا الاحتجاجات في عهد جمهورية يوليو. الأوّل هو الاحتجاج السياسي الذي قامت به مجموعات مختلفة سرعان ما استطاع النظام قمعها أو احتوائها، وقد غاب هذا الشكل في عهد عبد الناصر الذي اتسم بقمعية غير مسبوقة (باستثناء احتجاجات الطلاب بعد هزيمة 67 التي جرى قمعها بسرعة)، إلا أن هذه الاحتجاجات تكاثرت في عهد السادات كرد فعل على سياسات السادات، وعادت في العقد الأخير من عهد مبارك بتأثير من الانتفاضة الفلسطينية ومع التزايد الكبير في أمننة المجتمع، وبروز نجم جمال مبارك، وبعد ظهور جيل جديد من شباب الأحزاب والجماعات السياسية وصل إلى قناعة بعدم جدوى العمل على إصلاح النظام وبضرورة تجاوز أطر الأحزاب السياسية التقليدية في العمل السياسي، هذا بالإضافة إلى التمرد المحدود في بعض مؤسسات الدولة وعلى رأسهم القضاة حين حاول النظام تقليم اظافرهم (وهو ما حصل في النهاية مع انتخاب الزند رئيسًا لنادي القضاة بدعم من أمن الدولة) وأخيرا الاحتجاجات التي اعقبت انتخابات 2010 والذي قطع القشة حتى مع القوى والجماعات القانعة بهامش مشاركة ضيّق.
أما النمط الثاني من الاحتجاجات فكان ذي طابع اجتماعي ومطلبي، وكان عمليا احتجاجا على تراجع النظام عن المكتسبات الاجتماعية لجمهورية يوليو ومسار اللبرلة الذي افتقد لأي مشروع وطني أو عقلاني ينظمه، ويمر هذا الفصل على احتجاجات الخبز 1977 ومرورا بانتفاضة الأمن المركزي 1986 وانتهاء بمئات الاحتجاجات الفلاحية والعمالية والنقابية في العقدين الأخيرين قبيل الثورة كان أبرزها احتجاجات الفلاحين في النصف الثاني من التسعينيات وإضراب عمال المحلة عام 2006. هدف هذا الفصل كما هو واضح من عنوانه، الإيضاح بأن ثورة 25 يناير لم تأتي من فراغ، بل جاءت عمليا ردًا على السياسات الاقتصادية والأمنية التي مارسها النظام لكبح جماح المجتمع إلى حد جعل الوضع في مصر في السنوات الأخيرة من حكم مبارك لا يمكن أن يُطاق.
أما القسم الثالث من الكتاب فهو الأهم ليس لأنه يقوم بالتوثيق اليومي لأحداث الثورة المصرية بما فيها التظاهرات الكبرى التي قادت إلى احتلال ميدان التحرير بل أيضا ترصد الثورة في مدن أخرى هي الاسكندرية والسويس وسيناء والمحلة الكبرى وأسوان وهي نماذج غيبها التركيز الإعلامي على ميدان التحرير ومركزية القاهرة في المشهد السياسي والإعلامي وحتى الحضري. ويمكن للقارئ في هذا الفصل ملاحظة كيف تآلف "العفويّ" و"المقصود" في الثورة المصرية، وكيف تناوبت شرائح من الطبقات الوسطى والشباب والمهمشين على الانتقام من النظام في فترة ال18 يومًا، وكيف انقلبت شرائح اجتماعية كانت محسوبة كقواعد اجتماعية للنظام (خاصة في المناطق الشعبية) ضده لأن السياسات التمييزية في الثلث الأخير من عهد مبارك لم ترحم أحدًا حتى وصلت في الأيام الأخيرة قبل تنحي مبارك إلى مصانع القوات المسلحة ذاتها. ويفرد هذا الفصل أيضًا توثيقا لسلوك الجيش في هذه المرحلة المبكرة كاشفًا عن رهاناته ودوافعه ومناوراته، ففي المجمل حرص الجيش على دعم النظام ضمنيًا حتى تيقن بأنه لا مجال لإنقاذ رأسه وأن عدم اتخاذ قرار كان يعني وصول الثورة إليه.
أما الجزء الذي يتعلق بالمحافظات فيبين كيف اتسمت الثورة في المحافظات بسمات بيئتها المحلية، ففي المحلة الكبرى كان تناقض ريف-مدينة أساسيا في مسار الثورة في حين طغت الصبغة العشائرية والعنف المسلح المحدود على احتجاجات سيناء، أما في السويس فقد لعبت المظلومية المحلية دورها في اندلاع ثورة صارمة ضد أجهزة النظام، في حين لعبت الشخصية الاسكندرانية دورًا في التغلب على طبيعة المدينة "الشطرنجية" واستطاعت تحقيق ما اعتبر مستحيلا في الخيال الأمنيّ آنذاك، وقد ساق الكتاب حالة أسوان التي شهدت وقفات احتجاجية محدودة جدا لتبيان أن التهميش الاجتماعي والحرمان وحده لا يكفي لفعل احتجاجي واسع النطاق.
غير أن أحد المساهمات الأساسية التي تحسب لهذا الفصل أيضًا هو تتبعه لمواقف النخب السياسية في الثمانية عشر يوما وتقلباتها وحواراتها المتقطعة مع النظام. ويمكن للقارئ أن يلحظ كيف كشفت الثورة عن انقسامات جيلية في مختلف الأحزاب والمجموعات السياسية وعلى رأسها الإخوان المسلمين. ويمكن له أيضا أن يلاحظ تبلور تحالفات لحظية تتسم بالانتهازية واصطفافات بين أكاديميين وتكنوقراط من جهة وبين ممثلي الأحزاب التقليدية من جهة أخرى كان لكل مجموعة مصلحتها الفئوية في الحوار مع النظام، إلا أن غضب الشارع، وحماسة اللحظة الثورية دفعت كلا الفريقين لاتخاذ مواقف أكثر جذرية ولكن سرعان ما تبين لاحقًا أنها انتهازية إذ عادت أغلب أقطابها في المرحلة الانتقالية مستدعية ديكتاتورية الجيش والبيروقراطية ضدّ ديمقراطية لا تعجبها وهو ما دفعت ثمنه لاحقًا ودفعت ثمنه مصر بشكل عام غاليًا.
ولا يغيب عن هذا الفصل أيضًا تقديم إشارات نقدية إزاء سلوك الثوار وائتلافاتهم في هذه المرحلة المبكرة. فعلى الرغم من الذكاء المنقطع النظير في التخطيط وسحب البساط من تحت خطاب النظام الإعلامي آنذاك ضد الثورة، وحرصهم على أن تأخذ الثورة طابعا وطنيًا مخافة أن تُتهم بالأخونة، إلا أن الغرور والقلق من خيانة الأحزاب التقليدية، ولّد لديهم ما يشبه الهوس بالشك بالجميع، وهو ما كان له آثار وخيمة لاحقًا حين وجد الثوار أنفسهم بلا حلفاء، وحين شعر العديد من الناس بأهمية استرداد النظام العام حتى لو بالانقلاب على الديمقراطية.
بشكل عام، يمكن القول إن هذا الكتاب يعتبر وثيقة أساسية مهمة لتوثيق مرحلة مفصلية في تاريخ مصر المعاصر، وهو بالإضافة إلى ذلك رسالة وفاء إلى الثورة المصرية في وقت أصبحت فيه ذكرى ميدان التحرير جزء من ماضٍ يحرص العديدين الآن على تزويرها.
يتكون الكتاب من قسمين .. القسم الأول يتناول تاريخ مصر المعاصر بأسلوب تصاعدي في التفاصيل من الحقبة الملكية حتى عهد مبارك .. بينما القسم الثاني يتناول أحداث ثورة يناير بشكل تفصيلي في القاهرة و المحافظات الأخرى .. قبل أي شئ أبهرني الجهد المضني المبذول في توثيق الاحداث و الحصول على شهادات شباب من الثورة حول الأحداث .. لا شك أنها أكبر محاولة لتوثيق أحداث الثورة بكل هذا التفصيل و التعمق في الأحداث و رغما من كوني عايشت بنفسي أحداثا من الثورة إلا أن الكتاب ألقى لي ضوءا على جوانب كثير لم تخطر لي ببال و قدم تفسيرا لكثير من الأحداث التي لم تكن مفهومة و أزال الستار عن الصورة الكبرى .. أعجبني أيضا حرص الحيادية و الموضوعية في تصوير الأحداث و عدم الزج بأراء الكاتب حول الواقعات كما أن القسم التاريخي أيضا هو من أفضل ما قرأت حول تاريخ مصر الحديث
وبعد مرور ١٣ عاما على ثورة الشعب هل تحقق ما ثاروا من أجله أم تم إجهاض الحلم قبل أن يُولد منذ فترة وأنا أبحث عن كتاب يؤرخ لثورة يناير واعتقدت بأن المؤلفين أحجموا عن ذلك لقرب الفترة وأن أى عمل تأريخى لهذه الفترة لابد وأنه سينحاز إلى طرف ما حتى وجدت ضالتى فى هذا الكتاب وهو أفضل ما كُتب عن ثورة يناير الكتاب يعود بتأريخه إلى ما قبل صعود جمهورية الضباط فى يوليو ١٩٥٢ ويستعرض حال الأمة المصرية سياسيا واجتماعيا وحزبيا قبل هذه الفترة وما بعدها وصولا إلى حالها عشية قيام ثورة يناير ويستعرض بشهادة المشاركين فيها يوميات الثورة فى مختلف ميادين مصر حتى تنحى مبارك وجهة نظر المؤلف أنه كلما ابتعدنا زمنيا عن فترة الثورة سيكون التأريخ أصعب لأن الرواية الرسمية هى التى ستسود ووقتها سيتم حذف وتعديل الكثير من المفاهيم والأحداث المتعلقة بالثورة لذلك وضع هذا الكتاب
كتاب وثائقي من الدرجة، يجب ان أشيد بحيادية الكاتب إلى حد كبير والمصادر المتعددة التي أعتمد عليها. بالرغم من غلو الكتاب النسبي إلا أني أعتقد مناسبة هذا السعر نسبة للمجهود المبذول في التوثيق والمصادر المتعددة المعتمدة في هذا الكتاب. شكراً للكاتب والمساعدين. كما أعتقد ان هذا الكتاب سيكون لفترة طويلة من أفضل من وثق لثورة مصر 🇪🇬.
تحفظت بشدة علي عزمي بشارة في كل كلمة كنت حريصًا علي ألا يدخل ذهني شيئ بدون الوقوف معه لكني أعتقد أن هذا عمل يجبرك على احترامه والوثوق به
لكن الكتاب كان شاقًا علي نفسي وأنا أعيش للمرة الثانية أحداث الثورة وكأنه في نفسي شيئ يطالبني بالصراخ لهؤلاء بالحذر من هذا المصير المشؤوم الذي آل إليه كل شيئ في مصر
بعتبر الكتاب مصدر موثوق لمعرفة التاريخ الحديث المختص بالثورة, المصداقية في نظري جاية من مشاركة شباب من اللى كانوا موجودين في الاحداث اثناء الثورة وقبلها وكذلك للمهنية في عرض المعلومات, بالطبع رأى الكاتب كان واضح في مواقف كتير لكنه كان بيوضح في معظم الأوقات أسباب اجماعه على الرأى ده بالذات وبيعرض تناقضات المؤرخين لو ينفع نقول عليهم كده, اختص بالذكر الظباط الاحرار والتناقضات اللى كانت في مذكراتهم على سبيل المثال. يحسب لعزمي بشارة انه سلط الضوء على أخطاء كل الأطراف على مر التلاتين اربعين سنة اللى فاتوا. وهيبان أكتر الكلام ده في الجزء التاني. أنا برشح الكتاب ده لأصدقائي وأتمنى تلاقوا فيه حاجة مفيدة, ونشوف ايه الغلط ونتعلم منه أيا كان توجهنا حتى كأفراد مستقلة. ومن هنا أستعير كلام علاء عبد الفتاح "الحرب ضد المعنى لم تحسم بعد, لنتواصل مع العالم مجددا لا للاستغاثة ولا للبكاء على أطلال أو لبن مسكوب وانما لاستنباط دروس وتلخيص خبرات وتكثيف مشاهدات عساها تفيد المناضلين في زمن ما بعد الحقيقة"
الكتاب يعتبر من أفضل الكتب تأريخا للثورة المصرية مع تحليل وافي لارهاصاتها التاريخية من زوايا اجتماعية واقتصادية وسياسية ، مع شرح وافي لتطور حركة الاحتجاجات المصرية منذ ١٩٥٢ الى حين الانتفاضة والانفجار الكلي في يناير ٢٠١١ ، أكبر عيوب الكتاب في نظري هو في عرضه لأحداث الثورة نفسها ، حيث عرضها بصورة قصصية إخبارية بدون محاولة تحليل القرارات والأحداث البالغة الأهمية بصورة منعزلة ، فلم يحلل مثلا موقف الجيش من مبارك طوال أيام الثورة بشكل واف ومستقل ولم يستغل مصادر ومعلومات معروفة ومنتشرة لتحديد سبب اتخاذ الجيش قراره بالت��خل ضد مبارك ولأي حد كان ينوي التدخل في سلطة البلد مستقبلا ، لم يقدم كذلك تحليلا وافيا لمواقف القوى السياسية في البلد ونواياها وتوقعاتها من نتيجة الحراك ، كان هناك ذكر واضح لمواقف هذه الأطراف خلال عرض أحداث الثورة ولكن بدون تحليل دقيق لها بصورة مستقلة ، على كل ، يعتبر الكتاب مجهودا عظيما لتوثيق الثورة المصرية ، وتحليله لارهاصاتها التاريخية وتطور حركة الاحتجاج المصرية يشفع عدله قصوره في تحليل الأحداث الداخلية للثورة