قد يوحي عنوان البحث أننا انتهجنا في دراستنا له نهجا تاريخيا يتتبع الفكرة في ذهن صاحبها، ويسير معها ليرى ما انتهت إليه عنده، يحدد مدى التطور الذي طرأ عليها بعده. ولكننا لم نقتصر على النهج التاريخي وحده، بل انتهجنا أيضا النهج المقارن. فقد كان لزاما لتحديد مدى الصحة في أفكار الأشاعرة أن نقارنها بآراء المعتزلة مثلا.
ونقرر حقيقة هامة في بداية هذا البحث، وهي أن الأشعري مؤسس المذهب لم يأخذ حقه من الدراسة والبحث، ورغم أن المدرسة الأشعرية تضم أقوى الشخصيات التي كان لها أكبر الأثر في توجيه الفكر الفلسفي الإسلامي، إلا أنها ما زالت بحاجة إلى توجيه دراسات مستفيضة إليها تساعد على كشف الغموض الذي يحيط بعقائدها وتحاول إزالة سوء الفهم الذي علق بأذهان الكثيرين عنها. وليس بحثنا هذا إلا محاولة من المحاولات التي تسهم بقدر في إظهار المدرسة الأشعرية بالمظهر اللائق بأقطابها.
وقد جعلت هذا البحث في ثلاثة أبواب تقسمت إلى تسعة فصول:
جعلت الباب الأول لحل مشكلات النشأة، وهو في ثلاثة فصول. تناولت في الفصل الأول نشأة أهل السنة والجماعة، إذ القضية الأولى في البحث أن الأشعرية هي الممثلة لعقيدة أهل السنة والجماعة بالمعنى الخاص. وتناولت في الفصل الثاني تحليل النزاع الذي حدث بين أهل الحديث وبين الجهمية والقدرية الأوائل. وتناولت في الفصل الثالث آراء المعتزلة الكلامية، فعرضت لها عرضا إجماليا.
أما الباب الثاني فقد جعلته للأشعري مؤسس المذهب. تناولت في الفصل الأول حياته ومؤلفاته ومنهجه. وتناولت في الفصل الثاني آراءه الكلامية مع الإفاضة في مسألة الكسب عنده لأهميتها في عقيدة أهل السنة والجماعة. وتناولت في الفصل الثالث مسائل الخلاف بين الأشعرية والماتريدية مع الإشارة إلى عقيدة أبي جعفر الطحاوي المصري المعاصر للأشعري.
أما الباب الثالث فقد جعلته خاصا بمشكلات التطور في المذهب الأشعري. تناولت في الفصل الأول نموذج التطور عند الباقلاني. وتناولت في الفصل الثاني النموذج الآخر من نماذج التطور عند الجويني. أما النموذج الثالث والأخير فقد جعلناه عند الغزالي.
ووقفنا في البحث عند حد القرن الخامس الهجري، علما أن تأثير المذهب الأشعري امتد إلى ما بعد ذلك خلال القرون التالية للقرن الخامس الهجري.