ولا شك أن كلام السلف وما نقل عنهم من سيرهم لا يمكن حصره واستيعابه، ولو جمع كل ما نقل عنهم لبلغ ذلك عشرات الكراريس والمجلدات الضخمة، ولجمع ما لا ينبغي ذكره من البدع والخرافات والمبالغات التي نجزم يقينا أنها لم تصح عنهم، فقد کذب عليهم كما كذب على النبي ، وأما من جاء بعدهم فقد يقع منهم بعض هذه الأخطاء ولكن حسناتهم تغمر سيئاتهم.
هذا الكتاب جمع وترتيب من ثنايا كتب العقيدة والأدب والسير والتراجم والتواريخ وشروح الحديث والسلوق والرقائق واللغة وكتب اخري تتحدث عن حياة السلف في شتى جوانب العبادات ، وحال السلف بين القول والعمل.
وغرض هذا الكتاب: يقدم للقارئ والباحث ما كان عليه سلفنا الصالح بعيدة عن ما كذب عليهم، أو ما صدر عن بعضهم الأخطاء التي فعلها باجتها منه وحسن نية. فالهدف هو أن يعيش المسلم حياة السلف، وأخلاقهم، وتعاملهم، وعبادتهم، وصلاح سريرتهم، وسلامة صدورهم، وغير ذلك مما يزيد من همة المسلم، ويحثه على الاقتداء بهم ، والتمسك بآثارهم ؛ فعند ذلك سيلاحظ مع الأيام تغير ظاهرة في حاله وقلبه .
منهج مادة هذا الكتاب يذكر المؤلف ما يفيد المسلم في أمر دينه ودنياه، وما يعينه على إصلاح حاله وقلبه، وإصلاح خلقه وسلوكه. وأما ما سوى ذلك فلا يذكره لقلة الفائدة من ذكره. فلا يذكر الأمور التالية : أ- ما يقدح في العقيدة أو ما يضادها، وهي وإن كانت قليلة ونادرة فقد وجد شيء من ذلك كالتوسل بالموتى، والاستغاثة بهم، وغير ذلك. ب - كل ما يخالف الكتاب والشئة. مثل ما ذكر عن بعضهم أنه لا يسأل الله الجنة ؛ لشدة خوفه وحيائه منه . وكذلك ما يذكر عن بعضهم أنه يصوم الدهر ولا يتزوج النساء. وغير ذلك. ج - التواريخ والمواقع والغزوات والأحداث، فهذه لها كتبها الخاصة. د- كل ما يخالف العقل والواقع، كما يذكر عن بعضهم أنه لا يأكل في الشهر إلا وجبتين فقط، وبعضهم احتبس بوله أربعة عشر يوما، وما يذكر عن بعضهم أنه يمشي على الماء، فقد روي عن بعضهم أنه جاء إلى أحد هؤلاء وهو قائم يصلي على الماء، قال: فلما أحس بي: أوجز في صلاته، ثم أخذ بيدي، فوقفني على البحر، وحرك شفتيه، فقلت في نفسي: إن مشى على الماء مشيت معه . فما لبث إلا يسيرة، فإذا الحيتان قد برزت مد البحر، وقد أقبلت إلينا رافعة رؤوسها من الماء، فاتح أفواهها ، فقلت في نفسي : أين ابن بشر الصياد؟، فلما ذكرته في نفسي تفرقت؟!!!. ه - المبالغات والترهات التي لا تليق بكرامة الإنسان، فضلا عن المسلم، فضلا عن أهل العلم والفضل.
من ذلك ما يذكر عن الحسن الفلاس أنه يلبس ما في المزابل . ومثل ذلك قول سري السقطي: تعجبني طريقة الحسن. وكان الحسن لا يأكل إلا القمامة . و _ما لا فائدة من ذكره أو فائدته قليلة من القصص والخطب وغيرها. وكذلك ما يذكره بعضهم من الإسرائيليات التي لا نعلم صحتها، وقد يذكر بعضها إذا كان في ذكرها فائدة . ل - الأحكام التي تقال في التزهيد من الدنيا ورغد العيش التي لا دليل عليها . مثال ذلك: قول إبراهيم التيمي : ما أكل آكل أكلة تسره ولا شرب شربة تسره إلا نقص بها من حظه من الآخرة. ومثل هذا الكلام يحتاج إلى توقیف ولا مجال فيه للاجتهاد . م - أيضا ما قيل في المبالغة في الخوف والبكاء إلى حد لا يتصوره عقل ولا يقره نقل، مثل ما يذكر عن سفيان أنه قال : كان سعید بن السائب لا تكاد تجف له دمعة: إن صلى فهو يبكي، وإن طاف فهو يبكي، وإن جلس يقرأ القرآن فهو يبكي، وإن لقيته في الطريق فهو يبكي . وكذا ما يذكر أن بعضهم لم يرفع رأسه إلى السماء ولم يضحك أربعين سنة . ن - أيضا المصطلحات والتعريفات التي لا معنى لها أو يصعب فهمها، مثل قول بعضهم : قلب المحب يهيم بالطيران، وتكلمه لدغات الشوق والخفقان . وقول بعضهم : الإخلاص : ارتفاع رؤيتك عن فعلك . والتوكل: إسقاط رؤية الوسائط والتعلق بأعلى الوثائق . قال ابن القيم له في معرض رده على أمثال هذه المصطلحات - کالفناء والاتصال وجمع الشواهد وجمع العين -: ولم يأت له ذكر في القرآن ولا في السنة ولا يعرفه إلا النادر من الناس، ولا يتصوره أكثرهم إلا بصعوبة ومشقة، ولو سمعه أكثر الخلق لما فهموه ولا عرفوا المراد
منه إلا بترجمة، فأين في كتاب الله أو سنة رسوله أو كلام الصحابة الذين نسبة معارف من بعدهم إلى معارفهم كنسبة فضلهم ودينهم وجهادهم إليهم ما يدل على ذلك أو يشير إليه، فصار المتأخرون أرباب هذه الاصطلاحات الحادثة بالألفاظ المجملة والمعاني المتشابهة أعرف بمقامات السالكين ومنازل السائرين وغاياتها من أعلم الخلق بالله بعد رسله؟ هذا من أعظم الباطل ... فلا تجد هذا التكلف الشديد والتعقيد في الألفاظ والمعاني عند الصحابة أصلا، وإنما يوجد عند من عدل عن طريقهم.
ي - ما قيل في المدح للشخص؛ ككثرة حفظه، أو حسن صوته في تلاوة القرآن، أو ما له من منزلة ومكانة عند العلماء والكبراء، وغير ذلك . علما بأن ما كر أخطاء وترهات لم توجد في عهد الصحابة والتابعين . بل جاءت بعد ذلك. وفي كثير منها لم تصح ولم يثبت سندها كما تقدم بيانه . وقد يذكر بعض هذه المخالفات ذکر تعقيبات عليها .
يذكر كل ما يتعلق بحياة السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وقد أذكر من جاء بعدهم لإتمام الفائدة . لا يذكر المسائل الفقهية، والفتاوی، والتفاسير التي نقلت عن السلف. أما بالنسبة لكتاب سیر أعلام النبلاء فقد ذكرت تعليقات الإمام الذهبي وجعلتها في المتن . نقل بعض التعليقات المهمة التي تكون إما توضيحا أو تعليقا أو تعقيبا أو توجيها ونحو ذلك . أضف إلى كتب السير والتراجم والتواریخ نوعين من الكتب : كتب العقيدة ،كتب الأدب . فأضف إلى كتب السير والتراجم والتواریخ : شيئا من كلام السلف في العقيدة حيث لم تستوعب هذه الكتب ما نقل عنهم في هذا الباب . و كذلك أضف كتب الأدب لخلوها من الملح والأدب وفنون الشعر في الغالب . و أدخل في هذا الكتاب بعض المواضيع التي لا يشملها عنوان الكتاب مثل : أحوال المنتكسين. وأرد بذلك أن تتم الفائدة وأطيكون قد حوی أكبر قدر من نقولهم وأحوالهم في شتى المواضيع .
منهج ترتيب مادة هذا الكتاب قسم الكتاب إلى مواضيع وعناوين، وربما جعل عناصر تحت أحد العناوين لكثرة فروعه . اعتني بشمولية العناوين، فكل ما يشمله العنوان أو يدور حوله جعله ضمن هذا العنوان، فمثلا : موضوع الرجاء وحسن الظن بالله أدخل تحته كل ما يتعلق بالرجاء ؛ فذكر أقوال السلف في فضل الرجاء وحسن الظن بالله ، والقصص في ذلك، وما قيل عن رحمة الله وعفوه وتجاوزه، والقصص في ذلك . رتب النقول عن السلف على حسب القرون، فبدأ أولا بقرن الصحابة ثم قرن التابعين ثم تابعيهم وهكذا . إذا وجد كلاما لأحد السلف وهذا الكلام يحتوي على عدة مواضيع فربما جزأ هذا الكلام وجعل كل جزء تحت ما يناسبه من العناوين .
بالنسبة للمصادر فكتفي الباحث بمصدر أو مصدرين لكل نقل. فإن أكثر في هذا الباب ينقل بعضهم عن بعض، ولو تتبع هذه المصادر لزاد الكتاب بغير فائدة تذكر . بالنسبة للأبيات الشعرية؛ فقد اقتطفت منها الأبيات التي تحمل في طياتها المعاني الجميلة والعبارات الهادفة الواضحة، التي تزيد الكتاب حلاوة وأنسة، ولا وشوقا .
كتاب بمثابة دورة إيمانية، يجدد الإسلام في القلب، علي الرغم من أنني أفضل أن أعبد الله كما لم يعبده غيري، أنا أؤمن أن الإسلام نزل للجميع و لكننا نعبد الله كل حسب منظوره، بدون ابتداع أو إنقاص من الدين بطبيعة الحال. . الكتاب به، رغما عن ذلك، من شطحات الخيال الشيء الكثير. السلف لم يكونوا كيانا واحدا، كان منهم الوسطي و المتشدد، و منهم من خرج عن الدين بحجة المغالاة في العبادة... يحتاج كثيرا من الصبر حتي تنهيه. .