يضم هذا الكتاب سلسلتين من المحاضرات ألقيت الأولى منهما في السنة الدراسية 1961-1962 عن النظرية العامة لفنون الأدب وكيفية نشأتها والتقسيم الكبير للأدب إلى شعر ونثر وأسس هذا التقسيم وأنواع الشعر، وقد احتفظتُ لهذه السلسة بطابعها التلقائي كما ألقيتثها ودوّنها الطلبة. وفي السلسلة الثانية تحدثتُ بالتفصيل في السنة الدراسية 1962-1963 عن فنين من فنون الأدب هما فن المسرحية وفن النقد، وأعدت كتابة هذه السلسلة بنفسي بعدإلقائها محاضرات. وإن كنت حرصت فيها هي الأخرى على ألا أدخل عليها من التفصيلات ما يطمس الخطوط والحقائق العامة التي لا بد من وضوحها لسلامة الرؤية الشاملة المتكاملة، كأساس للسيطرة على المادة الثقافية والفنية كلها، وإرسائها على أسسها العامة.
محمد مندور (1907-1965)م، أديب مصري، صحافي، وناقد أدبي، ولغوي. مارس الصحافة والتدريس الجامعي. عاش تاريخا حافلا بمعارك سياسية, وفكرية, واجتماعية مؤثرة.
ولد محمد مندور في الخامس من يوليو 1907م في قرية كفر مندور، بالقرب من منيا القمح بمحافظة الشرقية. حصل على شهادة الليسانس في الآداب سنة 1929، كما حصل بعدها على ليسانس الحقوق سنة 1930، وفضل السفر في بعثة دراسية إلى باريس على أن يتم تعيينه وكيلاً للنيابة. هناك التحق محمد مندور بمعهد الأصوات الشهير بباريس، حيث درس أصوات اللغة دراسة متأنية، وقدم بحثاً مهماً عن موسيقى الشعر العربي وأوزانه.
عاد إلى مصر في 1939، وكان أحمد أمين عميداً لكلية الآداب، ورفض طه حسين تعيينه في قسم اللغة العربية، فطلب منه أحمد أمين أن يدرّس الترجمة، وفي سنة 1942 تقرر إنشاء جامعة الإسكندرية، فاتخذ مديرها طه حسين قراراً بتعيينه فيها.
يضم هذا الكتاب سلسلتين من المحاضرات أُلقيتا في الأعوام ما بين (1961:1963)، يتناول فيهما الدكتور محمد مندور فنون الأدب: الشعر والنثر. يقدم أولًا تمهيدًا عن كيفية نشأة الشعر والنثر ومراحل تطورهم، ينتقل بعدها لتوضيح أُسس هذا التقسيم وعرض خصائص كل فن على حدة. يتطرق بعدها للحديث عن الشعر في البداية من خلال عرض مقاييسه الموسيقية المتمثلة في العروض في الشعر العربي والنبر في الشعر الإنجليزي والمقطع الصوتي في أغلب الشعر الأوروبي، محللًا خطوات تطور الموسيقى الشعرية في جميع اللغات. يكمل بعد هذا حديثه عن مقاييس الشعر من جهة المضمون، والملكات الخالقة أو الخيال، والأسلوب. ثم يقوم الكاتب بتقسيم الشعر على أربعة أنواع: الشعر الغنائي، الشعر الملحمي، الشعر الدرامي، الشعر التعليمي.. يتناول الأقسام الأربعة بالتحليل النشأة وعند أي البلاد كانت بدايته مع عرض لمراحل تطور كل فن وأيها أنقرض وأيها بقى وتطور. ومن الجدير بالذكر أن الشعر التعليمي لا يشمل ألفية ابن مالك وما شابهها من المنظومات التعليمية العربية، بل هو نوع أوروبي له مقومات الشعر مع مسحة تعليمية.
يتناول الكاتب ثانيًا أحد الفنون الشعرية والنثرية معًا وهي المسرحية، والسبب في إدراجه في الحديث بعد الشعر أن نشأة المسرح كانت شعرية، وظلت هكذا قرونًا إلى أن ظهر النثر في المسرحية حديثًا. يتوقف الكاتب على كل عنصر من عناصر المسرحية ويتناوله بالتحليل الدقيق، ثم يختتم هذا الفصل بمقاييس عامة للنقد المسرحي.
ثم ينتقل إلى فن آخر وهو النقد، موضحًا نشأته على يد أرسطو وعوامل تطوره، متناولًا مناهجه ووظائفه. ويتبقى آخر فصلين في الكتاب اللذين يتحدث فيهما عن فن الخطابة، وفن المقالة، مع توضيح للنشأة وعوامل التأثير الذي يستم بها كل فن والتطور الذي مر بهما، وعرض في نهاية فصل الخطابة نص من خطبة للزعيم اليوناني بركليس في رثاء موتى السنة الأولى من الحرب بين أسبرطة وأثينا. وكان فصل المقالة هو آخر فصول الكتاب.
كتاب جيد جدًا في طريقة عرضه وتناوله وتحليله لمختلف الفنون بقدر كبير من الموضوعية.