تقول الأسطورة إنَّ شِعر العرب إنَّما هو من وحي الشياطين، وشعرَ العجم إنَّما هو من وحي العرائس؛ ومن هنا كانت الفتنة، من هنا كان الشعر الذي ينعم بمذاقه ذوو الذوائق الأدبية الرفيعة، ويأتي أحدُ أرفعِهم؛ «العقاد» ليسُوق لنا من وحي أجمل أشعار القدماء عربًا وعجمًا مجموعةً من الأبيات شديدة الفرادة والتألُّق، توخَّى فيها عذوبة اللفظ والمعنى، أصالة الفكرة وتنوُّع الأفكار، تعدُّد النماذج والأنساق، لنجد أنفسنا بصدد عشرات القصائد العربية والعالمية المتميِّزة، والتي ربما لم يتسنَّ لنا مطالعة أكثرها من قبلُ، فقد حرَص المؤلِّف على تقديم المغمور على المشهور، والنادر على الوافر.
ولد العقاد في أسوان في 29 شوال 1306 هـ - 28 يونيو 1889 وتخرج من المدرسة الإبتدائية سنة 1903. أسس بالتعاون مع إبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري "مدرسة الديوان"، وكانت هذه المدرسة من أنصار التجديد في الشعر والخروج به عن القالب التقليدي العتيق. عمل العقاد بمصنع للحرير في مدينة دمياط، وعمل بالسكك الحديدية لأنه لم ينل من التعليم حظا وافرا حيث حصل على الشهادة الإبتدائية فقط، لكنه في الوقت نفسه كان مولعا بالقراءة في مختلف المجالات، وقد أنفق معظم نقوده على شراء الكتب.
التحق بعمل كتابي بمحافظة قنا، ثم نقل إلى محافظة الشرقية مل العقاد العمل الروتيني، فعمل بمصلحة البرق، ولكنه لم يعمر فيها كسابقتها، فاتجه إلى العمل بالصحافة مستعينا بثقافته وسعة إطلاعه، فاشترك مع محمد فريد وجدي في إصدار صحيفة الدستور، وكان إصدار هذه الصحيفة فرصة لكي يتعرف العقاد بسعد زغلول ويؤمن بمبادئه. وتوقفت الصحيفة بعد فترة، وهو ماجعل العقاد يبحث عن عمل يقتات منه، فاضطرإلى إعطاء بعض الدروس ليحصل على قوت يومه.
لم يتوقف إنتاجه الأدبي أبدا، رغم ما مر به من ظروف قاسية؛ حيث كان يكتب المقالات ويرسلها إلى مجلة فصول، كما كان يترجم لها بعض الموضوعات. منحه الرئيس المصري جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية في الآداب غير أنه رفض تسلمها، كما رفض الدكتوراة الفخرية من جامعة القاهرة. اشتهر بمعاركه الفكرية مع الدكتور زكي مبارك والأديب الفذ مصطفى صادق الرافعي والدكتور العراقي مصطفى جواد والدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ.
نادراً ما تعجبني كتب المختارات ، وأعتبرها إفلاساً أدبياً للكاتب !! .. إلا أن هذا الكتاب هو من أروع ما قرأت ، فقد قلب العقاد _وهو العقاد_ بطون أمهات الكتب والدواوين ليستخلص لنا بحاسته الأدبيه هذه الروائع الغنيه وبيت القصيد هنا أنه ابتعد عن الشائع والمشهور واختار أن يجعلنا بتذوق الشعر بحاسته .. رحم الله العقاد .
مختارات شعرية عالية عربية رائعة، تعمد العقاد أن يبتعد في أكثر مختاراته عن الأبيات المشهورة الشائعة، وقلّب بطون الكتب والدواوين ليخرج لنا بهذه الصورة الغنية الألوان
لست من المجيدين في تذوق الشعر، وحينما يختار العقاد أبياتا مختارة من الشعر العربي والأجنبي فمهمة تذوق هذه الأبيات تكون أشد وعورة وصعوبة؛ لأن العقاد خبير شديد المراس في تذوق فنون القول بلغات مختلفة، لذلك لم يكن لي حظ اقتباس أي مختارات يمكن عرضها هنا في هذا التعليق، لكن عموما استطعت الاستمتاع بالكثير من الأبيات المختارة هنا، وإن كان أغلب ما ورد بعيد تمما عن ذائقتي.