هذا الكتاب يضم مختارات من الخواطر التي نشرها الكاتب الكبير توفيق يوسف عواد في الصحافة اللبنانية، خلال ما يقارب نصف قرن وفي تسمية الكتاب نفسها ما يضيء معنى هذه الخواطر فهي نظر عابر متناثر. لكنه نظر يستلخص لك باطن الأشياء من ظاهرها، هذه الأشياء قوية الحضور سريعة الزوال. وهذا النظر ثاقب نفاذ، سافر شعري مشبع بروح الفاجعة. الشعر الفاجعة في خواطر عن أشياء غبارية قلما تلفت الانتباه؟ نعم. وفي هذا تكمن جاذبية هذا الكتاب وتتضح مرة أخرى شخصية توفيق يوسف عواد، الشاعر، الشاعر في الدرجة الأولى، الشاعر أولاً وأخيراً فهذه الخواطر توحي بهشاشة الأيام، وبالمتناقضات التي تثقل عرباتها الظافرة والفواجع التي تختم على وجوهها كأقنعة من الندوب التي تمحى.
ولد توفيق يوسف عواد العام 1911 في بحرصا ف - المتن - جبل لبنا ن- تعلم مبادىء القراءة والكتابة في قريته وفي بكفيا ثم انتقل الى كلية القديس يوسف في بيروت لمتابعة دروسه الثانوية التي انهاها العام 1928 - التحق بمعهد الحقوق في دمشق ونال اجازته منه العام 1934.
عمل في الصحافة فكانت منبراً للدفاع عن الحقوق التي درسها وتمرس بها ومجالاً للتعبيرعن موهبته الأدبية التي تفتحت من على مقاعد الدراسة. حررفي صحف عديدة منها "العرائس"، "البرق"، "البيرق"، "النداء" و"القبس" - أمضى زمناً طويلاً رئيساً لتحرير"النهار" منذ تأسيسها العام 1933 حتى العام 1941 سنة تأ سيس "الجديد" المجلة التي أنشأها توفيق يوسف عواد تحقيقاً لحلمه بأن يجمع المواهب الشابة والجريئة في مجلة أسبوعية ما لبثت أن تحولت جريدة يومية. الى جانب عمله في "النهار" كان أحد أعضاء أسرة "المكشوف".
في العام 1946 انتقل توفيق عواد الى العمل الدبلوماسي فكان قنصلا ً للبنان في ايران واسبانيا ثم سفيرا ً في مصر المكسيك واليابان وايطاليا.
العام 1975 تقاعد توفيق عواد من العمل الدبلوماسي ليتفرغ للكتابة مجددا ً، حتى وفاته بسبب القصف على بيروت العام 1989.
انطلق أدب توفيق يوسف عواد من واقع الانسان اللبناني والبيئة المحلية ليبلغ، بحرارته وصدقه ونفاذه، عمق التجربة الانسا نية الشمولية وكان لثقافته العميقة المنفتحة أثرها البا لغ في صقل هذا الادب الذي أوصت منظمة الأونسكو بترجمة نموذج منه اعتبرته من "آثار الكتا ب الأكثرتمثيلا ً لعصرهم" عنينا روايته طواحين بيروت.
كتب القصة القصيرة التحليلية ذات الأبعاد النفسية والاجتماعية وكان يهدف الى تمزيق الأقنعة التي يختبىء ورواها الناس المسطحون والمزيفون... قال له مخائيل نعيمة في رسالة على أثر صدور "الصبي الأعرج"، كأنك ما خلقت الا لتكتب القصة.
إنني أحسد توفيق يوسف عواد على حُسن اختياره عناوين كتبه، فلابد من رسالة ماجستير أو دكتوراة تتحدث عن هذا الشيء بالتحديد، فلدية ذوق رفيع في جودة اختيار العنوان فضلا عن جودة المتن التي لازمته في كل ما كتب سواء في الصبي الأعرج، أو هنا، أو حتى أبياته القصيرة. غبار الأيام سيرة ذاتية من أروع السير الذاتية التي كُتبت في الأدب العربي بسبب القلم السيال الذي يتميز به، ومن أجل جملة الأحداث المذكورة في السيرة بداية من الحرب العالمية الأولى.