Jump to ratings and reviews
Rate this book

دين الحياء من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني #3

دين الحياء من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني 3: روح الحجاب

Rate this book

183 pages, Paperback

First published January 1, 2016

7 people are currently reading
281 people want to read

About the author

طه عبد الرحمن

38 books1,103 followers
طه عبد الرحمن (من مواليد عام 1944 بمدينة الجديدة المغربية)، فيلسوف معاصر، متخصص في المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق. ويعد طه عبد الرحمن أحد أبرز الفلاسفة والمفكرين في العالم الإسلامي منذ بداية سبعينيات القرن الماضي.
تلقى طه عبد الرحمن دراسته الابتدائية بمدينة "الجديدة"، ثم تابع دراسته الإعدادية بمدينة الدار البيضاء، ثم بـجامعة محمد الخامس بمدينة الرباط حيث نال إجازة في الفلسفة، واستكمل دراسته بـجامعة السوربون، حيث حصل منها على إجازة ثانية في الفلسفة ودكتوراه السلك الثالث عام 1972 برسالة في موضوع "اللغة والفلسفة: رسالة في البنيات اللغوية لمبحث الوجود"، ثم دكتوراه الدولة عام 1985 عن أطروحته "رسالة في الاستدلال الحِجَاجي والطبيعي ونماذجه".
درَّس المنطق وفلسفة اللغة في جامعة محمد الخامس بالرباط منذ 1970 إلى حين تقاعده 2005. وهو عضو في "الجمعية العالمية للدراسات الحِجَاجية" وممثلها في المغرب، وعضو في "المركز الأوروبي للحِجَاج"، وهو رئيس "منتدى الحكمة للمفكرين والباحثين" بالمغرب. حصل على جائزة المغرب للكتاب مرتين، ثم على جائزة الإسيسكو في الفكر الإسلامي والفلسفة عام 2006.
تتميز ممارسته الفلسفية بالجمع بين "التحليل المنطقي" و"التشقيق اللغوي" والارتكاز إلى إمدادات التجربة الصوفية، وذلك في إطار العمل على تقديم مفاهيم متصلة بالتراث الإسلامي ومستندة إلى أهم مكتسبات الفكر الغربي المعاصر على مستوى "نظريات الخطاب" و"المنطق الحجاجي" و"فلسفة الأخلاق"، الأمر الذي جعله يأتي بطريقة في التفلسف يغلب عليها التوجه "التداولي" و"الأخلاقي".

Ratings & Reviews

What do you think?
Rate this book

Friends & Following

Create a free account to discover what your friends think of this book!

Community Reviews

5 stars
8 (36%)
4 stars
6 (27%)
3 stars
5 (22%)
2 stars
1 (4%)
1 star
2 (9%)
Displaying 1 - 7 of 7 reviews
Profile Image for نورة.
792 reviews893 followers
February 3, 2019
مدخل: "ارتدى الإنسان اللباس أول ما ارتداه، لا اتقاء عارض طبيعي أو وقاية لنفسه، وإنما سترا لعورته، حياء من ربه" *المؤلف.

بعد أن كشف المؤلف عن نظريته الائتمانية، وتوصل فيها إلى أن الحياء هو الأساس الذي تقوم عليه الأخلاق، وربطه بشاهدية الشهيد البصير في كتابه الأول، والذي تحدثت عنه هنا:
https://www.goodreads.com/review/show...
وبعد أن انتقل في الجزء الثاني لواقع ثورة الاتصال الحديث، وعراه وكشف انتكاس الفطرة فيه، وربط ذلك بفلسفته تحليلا وتفسيرا، وأطر فلسفته فيه بشكل جيد، ليكتمل فيه عقده الائتماني، والذي تحدثت عنه هنا:
https://www.goodreads.com/review/show...
فإنه هنا في الجزء الثالث والأخير انتقل من الكلام النظري العام للواقع، وتناول الحجاب كأبرز رمزيات الحياء بل وأهم تطبيقاته -إن للمرأة أو الرجل كذلك كما بيّن-، ولئن كان في الأجزاء الأولى يتسم بالطابع التنظيري الحاذق، فإنه هنا يبدو لي أنه تخلى عن كرسي التنظير والعرض لفلسفته، إلى كرسي الدفاع عنها باستخدام أحكام الخصم ورمزياته، فهو هنا لم ينطلق بشكل كبير للحديث عن الحجاب ضمن إطار فلسفته الشمولية بقدر الدفاع عنه ضد أعدائه -العلمانية على وجه الخصوص-، لذا فلم يكن ما توقعت -على الأقل ابتداء- من إكمال مسيرته في الأجزاء السابقة بالحديث عن الحجاب ضمن منظومته المتكاملة، بل إنه تجاوز ذلك على ما أظن لاكتفائه بما ورد مسبقا من أحاديث كافية تشمل الحجاب في إطارها الواسع، بالإضافة لما ورد عرضا في هذا الكتاب أو سابقيه من فصول ربطت بين الحجاب والحياء بشكل متفرق ومبثوث في هذه الأجزاء، فابتدأ الكتاب هنا بتهم الخصوم والرد عليها.
ورغم ما للأجزاء السابقة من تفوق من حيث قوة التنظير والتأصيل والربط، إلا أن نزول هذا الكتاب للواقع الملموس، وتناول أبرز القضايا التي تخصه بالطريقة الجدلية كان كذلك مفيدا وأكثر متعة، ولكل أهميته ووزنه، وكان لهذا الجزء أن يفوق سابقيه لو كان أكثر شمولية في عرض الآراء المخالفة لا سيما المتكررة الذكر والقوية الانتشار، وأكثر تراتبية وتنظيما وتأصيلا في استعراض شبهات الحجاب وتهم خصومه، فلربما كان لإنهاك المؤلف بالمؤلفات السابقة دور بمجيء هذا الكتاب بشكل أكثر اقتضابا مما يجب، وأقل من حيث التنظيم وحسن الانتقال بين التهم، وعدم تناولها بفلسفته هو قبل الانتقال لفلسفة خصمه.
بالنسبة للتهم التي تناولها حول الحجاب متفاوتة، فمنها تهم جديرة بالذكر، ومنها تهم ثانوية وعرضه لها كان كذلك ثانويا، ومنها تهم استغربت تناوله المستغرق لها واستعراضها وتحليلها تحليلا ممتازا وهي ليست بتلك التهم الشهيرة أو القوية فيما يخص موضوع الحجاب وشبهه، فليته احتفظ بقوته في الرد وحسن العرض لفلسفة الخصم ودحضها لشبه هي حقا أولى بذلك، لاسيما أن بعض الشبه كانت ضعيفة وواهية لدرجة استبعادها بمجرد قراءتها وذلك بأسهل الطرق ودون تكلف.
بالنسبة لتهم الحجاب العلمانية -وهو من الفصول المهمة لكون هذه التهم هي الأكثر رميا في واقعنا-والرد عليها، أرى تعميم ما ورد فيه على كل التهم العلمانية، والتي تنحصر في قمعها للدين في أماكن ومجالات دون أخرى مع ادعائها بحرية الأديان، ولم تعلم أنها بذلك أساءت للديني والروحي بجعله محصورا في مسجد أو منزل، فتكون بذلك حاربت الدين وتبوأت مكانه كدين آخر، أو كما سماه طه "دين اللادين"، مع ادعاء اعتباطي بكونها الجامع بين الأديان المتسامح معه، ولم تعلم أنها بذلك لم تبق لبقية الأديان مجالا للظهور، فكما أن العلمانية تسقط إن آمنت بعدم حرية الفرد الآخر "المطلقة"، فالدين كذلك يسقط إن فرضت العلمانية عليه "النسبية"، فلا أنصاف حلول في الأديان، "لكم دينكم ولي دين" كما قالها النبي المصطفى حينما واجه الحل "العلماني" من كفار قريش بقبول الدينين عن طريق توزعهما على الأيام، وما فعله العلمانيون أنهم وزعوا الدين على الأماكن وحدوه بمناطق ومجالات، فعلمانية قريش زمانية، وعلمانية اليوم مكانية، وأظن أن طه عبدالرحمن قد تناول هذا الأمر بشكل جيد في كتابه "روح الدين".
نعود لردود المؤلف على التهم العلمانية فيما يخص موضوع الحجاب، ونذكر منها بعض الحجج التي في رأيي تصلح للرد العام على كل تهمة علمانية أمام كل شريعة دينية:
-أن العلمانية تعتبر الحد الفاصل بين السياسي والديني، بناء على تصور فاسد للسياسة والدين، أما فساد تصورها للدين، فيقوم في حصرها الدين في الوجدان، وحصر الوجدان في خصوصية الإنسان، والصواب أن لوجدان الإنسان امتدادا في كل جانب من جوانب حياته، وأما فساد تصورها للسياسة فيقوم في حصر السياسة في التدبير اللاأخلاقي، وحصر التدبير اللاأخلاقي في مظاهر الإنسان الخارجية، والصواب أنه لا تدبير يرتقي بالإنسان بغير استناده إلى القيم الأخلاقية، وأن السياسة بغير أخلاق إنما هي تدبير الدواب، وأن المصالح بغير معان أخلاقية إنما هي مفاسد خفية.
-أن وضع العلمانية كوضع الدين، إذ أنها عبارة عن رؤية شاملة إلى الأشياء، كما أن الدين عبارة عن رؤية شاملة إلى العالم، فالعلمانية دين اللادين، فليس للعلمانيين أن يفخروا بأنهم علوا على المتدينين، فإنما هم متدينون مثلهم استطاعوا أن يموهوا على الناس، بفضل سلطانهم السياسي والإعلامي، بأنهم مرقوا من الدين، وما هم بمارقين، وما دينهم إلا دين المروق.
-فساد تحكيم المظهر الخارجي في الفصل بين الكرامة والإهانة، فدلالات المظاهر الخارجية غير حاصل البتة، فما يراه العلمانيون مذلا للمرأة، يراه غيرهم معزا لها، والعكس صحيح، كما أن الكرامة قيمة، وكل قيمة عبارة عن معنى لا يدرك بالحس، وإنما بالفهم، فكيف يستدل بالمحسوس على المفهوم؟
-بؤس الدعوة إلى التشبه المتبادل، والمساواة المطلقة، رغم اختلاف المرأة عن الرجل، فقد يكون ذلك مجحفا بحقها، كما قد يكون مجحفا بحقه-وأظن أن هذه النقطة بالذات ليس بحاجة للحديث عنها إذ تناولت بكثرة في الآونة الأخيرة-.
-شناعة القول باستئثار الرجل بجسم المرأة، والحق أن العلماني هو من افترض بذلك صورة العلاقة بين الرجل والمرأة بأنها علاقة "مالك" و"مملوك"-وهي الملكية التي حاربها المؤلف كمفهوم كثيرا في فلسفته ودعا إلى أن الإسلام يقوم على أسس كبرى من أهمها نقل المرء من عالم المِلك إلى عالم الملكوت-، فقرر أن علاقة المرأة بجسمها علاقة ملك، فإذا انتزعت منها ملكيته، فقد لحقها الاستلاب والاستعباد، بينما العلاقة علاقة "ائتمان"، وعلامة هذا الائتمان الأول أن لتمكين المرأة زوجها من جسدها شروطا ينبغي أن يستوفيها، قائمة على ما أسماه الله "ميثاقا غليظا"، ناهيك عن شروط جماع الرجل لزوجته التي لا تعطيه الحق في أن يأتيها إلا من حيث أمره الله، وفي الأوقات التي أباحها له الله، لا كما تفعل غير المسلمة -مثلا- حينما تشعر بأنها مطالبة بتعويضه وإغرائه بشتى الصور كي لا يملها، وهي وإن ادعت فعل ذلك برضا، فإن للضغط المجتمعي المليء بالخيانات الزوجية دورا في جعلها تنزل لهذه المنزلة من السفالة في تعاملها مع جسدها وزوجها، وهو ما لا تفعله المرأة المسلمة وإن أراد ذلك زوجها، فأين هو الاستعباد؟
-تقوم العلمانية على إسقاطها الفصل على الحجاب، بينما الحجاب ما هو إلا وضع "اعتبار للآخر"، إذ بتحجب المرأة فإن وجدانها ينفتح على الآخرين بحضورهم تجربتها الإيمانية، ووضع إيمانهم في اعتبارها لا إيمانها فقط، كما أن ارتداءها للحجاب أمام الآخر هو تعبير عن الحياء الذي كسا باطنها، فكست ظاهرها بالحجاب تعبيرا عنه، كما أن المحتجبة قررت بمحض إرادتها أن يكون الأصل الذي يبنى عليه علاقتها بالتدبير هو "المطلق"، فهي بفعلها هذا تستمد المشروعية والمعقولية من هذا الأصل المطلق، وتستشهد حضوره.
-في ادعاء الليبرالية إعماء الحجاب للمرأة وربطهم للحجاب بالعمى، يبين طه أن الإعماء يكون بظن الإنسان أن له حقا في امتلاك عينه وما تقع تلك العين عليه، فيكون بذلك خان الأمانة المعطاة له من الله، فالملك هو الحجاب الذي يعمي الإنسان إعماء كليا، وحجاب المرأة ما هو إلا إعماء لهذا الملك.
-أخيرا في مناظرة العلماني فإننا نحيله لواقعه، فإننا لم نجد العالم العلماني الذي ربط الحجاب بالشهوانية والتسلط للرجل أنه كان سليما منهما، فالواقع أن الواقع العلماني مفرط بالشهوانية والعنف، حتى كاد لا يسلم منه حيوان ولا طفل، بل حتى شرع الشهوانية المستقذرة وهي الشذوذ، فلم نجد في انفتاحه تقبلا للمرأة واعتيادا على جسدها، بل لئن شنع على الرجل المسلم غضه للبصر بكونه شهوانيا، فنحن نقول له لئن اعتدت على النظر للمرأة فما ذاك إلا لوصولك لكل جزء من أجزاء جسمها، حتى ما عاد يغريك فيها شيء فانتقلت للرجل والحيوان وغيرهما، بل ورغم ذلك، ورغم تشريع الزنا والشذوذ، فلم لا زالت نسب التحرش والشكوى العالمية منه في ازدياد؟ لم ما زال هنالك مغتصبون ومتحرشون بالصغار بل وبالمحارم؟ لم لا يكاد يخلو فلم ولا برنامج حواري شعبي من كلمات فاحشة حتى كأنهم أصبحوا يستحضرون "الجنس" بكل أحواله، في تعليقاتهم وأحاديثهم وصورهم وإعلاناتهم وأفلامهم وبرامجهم!
كل ذلك ما كان ليكون لو لم ينزع حجاب الحياء ابتداء من الرجل بغض البصر والعفة اعتقادا وقولا وعمالا، ومن المرأة بالحجاب والاحتشام اعتقادا وقولا وعملا، إذ إن الذي خلقهم ابتداء أعلم بطبيعة حالهم، وبما تصلح به أمورهم، فشرع لهم ما يمنع من وقوع ما حاربوا شرائع الله بغية عدم وقوعه، فكان وقوعه شنيعا مستفحشا ومتعديا، ومشكلة الإنسان الحديث ليست فقط في ذلك، بل في كونه ابتغى حفظ حق المرأة بما يشتهيه فوقع في تضييع حقوقها، وادعى السلام وتفاخر بامتلاك أدواته، فإذا بعالمه يشتعل حروبا وخوفا، فمن ابتغى العزة بغير الله، أذله الله، ومن ابتغى السلام بغير الله، أخافه الله، ومن ابتغى الحفظ بغير الله، ضيعه الله.
وأظن أن الدكتور طه حلل نفسية العلماني في حربه على الحجاب تحليلا نفيسا، بقوله أن العلمانية أصلا مبنية على الانكشاف والحس والشفافية، فحجاب المرأة يحول بينها وبين إرادته إخضاعها لمنظوره التجزيئي، فأول حجاب يصطدم به هو حياؤها، مما يحدث في نفسه شعورا بالطرد والخزي.
وأظنه أصاب بشكل كبير، إذ ذلك مما يبرهن سبب حرب بعض "مدعي الليبرالية" لدينا على النقاب خصوصا، رغم عدم إلزام امرأته وأهله به، وامتلاكهم الحرية في ذلك، فقد دفعني ذلك للتساؤل أحيانا إذن لم يصر على محاربته؟ ما مشكلته معه؟ أظن أن ما ذكره الدكتور أحد أهم الأسباب، فـ"الداشر" كما نقول بالعامية التي نصف بها الحقيقة خلف كل داع لنزع الحجاب، لا حبا وحرصا على المرأة -خصوصا التي هي بنفسها ذكرت له اختيارها ذلك بإرادتها-، وإنما يحز في نفسه أن تحتجب كل امرأة عنه، أن تتحد�� بلسان حال حجابها بعدم رغبتها في اطلاعه ولو على جزء من أجزائها، أن يطرده سمت عباءتها ويطرد أفكاره المنحرفة المتحررة بهيبة هذا اللباس، وأن لا تبقي هذه الفضفضة مجالا لأي انحناءات في مخيلته، هو يريد أن يمتد نظره لكل امرأة حتى لا يبقى بينه وبينها أي مانع، وأن يوجد ولو الحد الأدنى لحرية الوصول لأي امرأة، وامتلاكه لجسدها ولو بالنظر.
تحدث في الفصول الأخيرة عن العلاقة بين الزوجين في الإسلام ومدى سموها، إذ إنها علاقة لباسية، لا يراد منها تعرية الآخر وإنما كسوته، أن تكسي المرأة عورة الرجل وهي حاجته لها، وأن يكسو الرجل عورة المرأة وهي حاجتها لها، فيقومان مقام اللباس لبعضهما البعض، أي أنه يجوز القول: لا وجود للعري، بمعنى التجرد الكامل، في التصور الإسلامي، حتى بين الزوجين، ففلسفة المؤلف تؤكد على إقصاء الشارع الإسلامي للعري مفهوما وواقعا، لا كما تقوم بعض الفلسفات عليه حتى توصلت لجعله فنا ينكشف به الإنسان وحوائجه.
كما تحدث عن الحجاب كـ"استعصام" و"تحصين" و"رمز للحياء" بكلام جميل، قرر فيه أن "الحياء حقيقة والحجاب مجاز"، وذكر أن الإسلام ككل حينما أمر بشرائعه -ومن ضمنها الحجاب-، فإنه أمر بذلك بموجب خاتميته، كأخلاق قصوى، ترقى بالمرء لقمة الإحسان ومكارم الأخلاق -وقد وطأ لذلك بشكل كبير ومطول في الجزئين السابقين كما ذكرنا في الحديث عنهما-، ومما يحسب له صراحة طرحه الواثق -وهذا الطرح لا يتأتى في الغالب إلا ممن يملك نظرية متكاملة منطلقة من الإسلام بفهمه قبل الدفاع عنه-، إذ تعرض لمفاهيم قد يحاول غيره تجنبها خوفا من نظر الآخر -كمفهوم العورة-، وفسرها تفسيرا جيدا واضحا لا يحاول أن يسترضي به الآخر مستحضرا مفاهيمه وأخلاقياته-إذ تلك المفاهيم ناقصة، ولئن حاولنا إرضاء الغرب بإضفاء مفاهيمه على القيم الإسلامية، فستتجدد مفاهيمه وتتغير بما ينفي الإطلاقية عن الإسلام ويوقعه في العبثية والنسبية والضعف والتبعية-، كما أنه ارتكز بشكل كبير في فلسفته عامة على الإسلام بجانبيه المشهود والغيبي، والأخير قلما ارتكز عليه غيره ممن يخجلون من إظهار تلك الغيبيات التي قد تشي بلاعقلانية الإسلام وسخافته، وهم بذلك قد وقعوا في ظلم مفاهيمه بعدم ظهورها متكاملة في تناولها الروح والجسد، الملائكة والشياطين، العالم العلوي والسفلي، الجنة والنار، الآخرة والدنيا.
رأيي في هذا الجزء تحديدا، أنه وبرغم ما ذكرت من عيوب، فلا تزال الفائدة منه كبيرة جدا، إذ تناوله للحجاب كان من عدة زوايا لم تنل حقها بعد، إذ قصرت الخطابات في الغالب على الحجاب من حيث كونه حجابا من "شهوة النظر"، والمؤلف هنا امتد حديثه ليشمل ذلك مع "شهوة الإحاطة"، و"شهوة الملك"، وشموليته هنا أعطت مفهوم الحجاب اتساعا رائعا كان يستحقه منذ زمن، ومع ذلك ما زالت الساحة مفتوحة لغيره، إذ أزعم أن الحجاب ما زال مفهوما لم يتناول باتساع، فأغلب تناولاته جاءت محصورة، ولئن كثرت الخطابات المدافعة عنه، فإنها ينقصها التنوع في الطرح، والشمولية في الفهم، وحسن التنظير في العرض، وذلك بطرحها في إطار شمولي كلي ابتداء من أساسياته الأخلاقية كالحياء -كما فعل المؤلف هنا-، وانتهاء بمقاصده وتطبيقاته.
أخيرا ختم بخاتمة لا كالخواتم، سماها بـ"من شعب الحياء الإقرار لذوي الفضل بأفضالهم"، وقد أقر فيه بالفضل لمن كان له عليه فضل، وأنا هنا كذلك أختم بإقراري له بالفضل بعد الله بقراءتي لهذه السلسة النفيسة، والتي زرعت حقيقة في نفسي تعظيم خلق الحياء وتأصيله، إذ شعرت حقا بأنه خلق استلب منا على غفلة، حتى أصبحنا نتحدث عنه ونحن منه خالون، نشرحه ونحلله ونذكر نصوصه كمن يتحدث بما لا يعي لفهمنا المقتضب لهذا المفهوم العظيم المحيط بكل تفاصيل حياتنا، المرتبط بكل أخلاقياتنا، فاللهم نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم حياء يمنعنا عن أن يقع نظرك علينا ونحن في معصية، واستحضارا لشاهديتك يعرج بنا إلى ملكوتك ومكارم أخلاقك يا أرحم الراحمين.

مخرج: قال صلى الله عليه وسلم «استحيوا من الله حق الحياء، قال : قلنا : يا رسول الله، إنا نستحيي والحمد لله ! قال : ليس ذاك؛ ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا؛ فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء» [أخرجه الترمذي] .
Profile Image for إيمان عبد المنعم.
469 reviews461 followers
August 22, 2017
هذا هو الكتاب الثالث وخاتمة مجموعة دين الحياء والمعنون بروح الحجاب ، يتناول فيه الدكتور طه عبد الرحمن التهم الموجهة الحجاب ويرد عليها ويفندها مؤسسا نقده على فكرة أساسية وهي كون الحجاب هو رمز الحياء ومظهره ، في الفصل الأول يشرح المؤلف علاقة الحجاب بالظهور وادعاء الخصوم أن الحجاب لباس شهرة وظهور وإبداء وإيذاء وعداء للمجتمع الذي تعيش فيه المرأة المحتجبة ويرد على كل منها مبديا تناقضات المدعين ولامنطقيتهم وانقلاب مفاهيمهم، وفي الفصل الثاني يشرح علاقته بالاعتقاد إذ يعتمد مهاجمو الحجاب على فكرة انتهاكه لمبدأ العلمانية ليمنعوه في الأماكن العامة والمؤسسات المختلفة فيفند المؤلف حججهم ومزاعمهم حول العلمانية ابتداء ثم يدحض ما يزعمونه من إذلال وقهر للمرأة واستخدام الحجاب سياسيا لاحتلال الفضاء العام، في الفصل الثالث يشرح المؤلف علاقة الحجاب بالتحليل النفسي كما انتهجه فرويد ولاكان والحقيقة أن ما قرأته في هذا الفصل حول التحليل النفسي وبعض فرضياته صدمني بسطحية هذه الفرضيات وبشاعتها، في الفصل الرابع يشرح المؤلف علاقة الحجاب بالمجتمع الذي اجتاحه التسليع والاستعراض وابتلاء المرأة المحتجبة بذلك وما نالها من اتهامات وتشنيعات نسبت إليها ما يضاد وسائلها وغاياتها أصلا، وفي الفصل الأخير يشرح المؤلف علاقة الحجاب بالفقد الموهوم من خلال توضيح وصفه للحجاب بكونه تحصينا للمرأة واستعصاما منها بخالقها ومن خلال رؤيته بالغة العمق للعلاقة بين الزوجين في ضوء الحجاب وكيف يرتقي الحجاب بكل من الرجل والمرأة في معارج الكمال .
أردت أن أنوه لللغة السامقة التي يستخدمها الدكتور طه عبد الرحمن وكذلك لمزجه المدهش والعبقري بين الاستدلال العقلي والتضمين الروحي في تناوله لأفكاره، وكذلك لترتيبه المبدع لآرائه وآراء خصومه حتى تكاد توقن أنه وصل بكل فكرة لغايتها وأقصى عمق لها، أما خاتمته التي لا كالخواتم وإقراره بالفضل لأستاذه المربي الفقيه فمما لا يمكن وصفه عذوبة وصفاء وشفافية .
لقد عبر هذا الكتاب عن هموم كل محجبة ووصف لها علاقة جديدة مختلفة بحجابها ترتقي بها لشهود خالقها في كل ما تأتي به .
ممتنة لوجود مفكر وفيلسوف مثل طه عبد الرحمن في زمننا هذا استطاع الوصول لهذه الدرجة من التفكر والتدبر في نصوص القرآن والسنة المطهرة ساريا بنا في إدراكات ملكية دقيقة وعارجا بنا في إدراكات ملكوتية باهرة .
ولأنه من شعب الحياء الإقرار لذوي الفضل بأفضالهم فإنا نسأل الله عز وجل أن يجزي أستاذنا طه عبد الرحمن عنا خير الجزاء وأن يحسن عاقبته في الأمور كلها وأن يجمعنا به في الدنيا والآخرة في رضا منه وفضل ورحمة آمين .
Profile Image for صهيب.
260 reviews189 followers
July 2, 2017
الكتاب لا يهتم بفقه الحجاب بل النظر في الحجاب بمعنى التأمل في المبادئ العامة التي يقوم عليها الحجاب
حيث يهدف إلى تزويد المحتجبة بالأدلة العـــــــقلية التي تحتاجها في التصدي للتمييز الظالم الممارس ضدها بمحاولة نزع حجاب الحرية الدينية

ص 14
Profile Image for Shorooq Ahmed.
76 reviews11 followers
February 10, 2017
أعتقد كقارئ الكاتب سقط في مسقط الرد للحمية أكثر من الرد كمحاججة، لربما لإنتقائه الجزئي للتهم الموجهة للحجاب، فتجد أن مرتكز على الضدية العلمانية في فصوله و ما الحجاب الا نافذة لذلك،
و في فصل آخر اختار بنسلامة و أقواله الموبوءة بذاتها، و اشتغل في الرد عليه لهذا وجدت أنه خرج كثيرًا من نقطة الحجاب.
في الفصل الأخير بين اخلاقيات الحجاب و هو ما وجدته كما ألفت طه عبدالرحمن، بديع الاصطلاح و التوجيه لما هو أبعد.. اما فيما سبق او في معظم الكتاب وجدت مآخذ عليه كالتالي :
- اجتزاءه الرد على اشنع التهم التي كمحجبة لا أرى انها هي فعلًا مشكلات العصر في الحجاب.
- في ردوده كان هناك اخراج مفهوم الحجاب للآخر الرجل بشكل سيء جدًا، و هذا أرى مسقط كثير من الذين يكتبون في الحجاب فهم يكتبون عن تعبدهم هم فيه أكثر من تعبّد المرأة، و أتفهم ذلك لنقص الشعور المعنوي تجاهه..
- وجدت أيضًا أنه يستخدم الكثير من الأسلوب الوعظي المتلاعب بالحمية الشعورية مالا يتوافق مع اسلوب الرد العقلي الذي قرر ان ينتهجه.
- وجدت أن الكتاب هو من النوع الغث السمين الذي لا يسمن و لايغني من جوع بل و قد يستخدم كعنصر ضعف في قضية الحجاب لما ظهر فيه من القصور و لي الأفكار ليًا لتقوية الرد لا اكثر..
- كقارئ تصوّرت الرجل كائن لايستوي معه سوى القرع و الاحتماء، و الذي لا اراه لائقًا أو منصفًا و إن وجد فهو مرض لا أصل

بالعموم لا انصح بقراءته ، أو قراءة الخاصية الاستعفافية للحجاب و الخاصية الاستكمالية اللذان لا يتجاوزان ال15صفحة مفيدة، أما البقية فيهي حرب ردود لا أكثر..

في اعتقادي طه عبدالرحمن ممتاز، في الفلسفة الاصطلاحية و الربط الشمولي...

الذي قلّ جدًًًا في هذا الطرح مما وضعه في موقف لا يليق بقلمه..
Profile Image for Rawan Hamarsheh.
56 reviews31 followers
Read
June 25, 2019
روح الحجاب ما بين بُعدَين؛ بُعد أُفقي يقع به الإسراء بالجسم، وبُعد عمودي يقع به العروج بالروح ويتجلى بتعلقها في نظر الإله إليها..تأمُّل في المباديء العامة التي يقوم عليها فقه الحجاب..
للفيلسوف طه عبدالرحمن، ضمن سلسلة دين الحياء
**
تفطّن خصوم الحجاب إلى علاقة اللباس بالالتباس من الاشتقاق اللغوي!
وأساؤا فهم الوجه الذي يتعلق به أحدهما بالآخر فادّعوا أن الحجاب يغطي الجسم من نفس الجهة التي تعريه ويعريه من نفس الجهة التي يغطيه.. وهذا واضح البطلان لإنه جمع بين نقيضين!
والصواب: أن الحجاب لا يستر الجسم إلا من حيث لا يكشفه كما إذا ستر الرأس والصدر، ولا يكشفه إلا من حيث لا ي��تره كما إذا كشف الوجه والكفين.
‏ما بالنسبة للمدلول المجازي للالتباس والذي يريدون به أن الستر يدعو الناظر إلى تخيل ما تحته.. ففي هذه الحالة لا يكون الستر كاشفاً وإنما الناظر هو الكاشف والباعث على ذلك مرضُه!
لذلك حسم الإسلام المسألة بأمر غضّ البصر سواء كان المنظور إليه مكشوفاً أو مستوراً.
المرأة المسلمة لا يجيز لها دينها أن تتخذ من حجابها لباس شُهرة، ولا أن يكون لها القصد إلى ذلك، حتى ولو لم يكن كذلك في ظاهره، ثم إنه لو افترضنا أنها تبتغي بظاهر حجابها الاشتهار بين العامة مُخالفة شرطاً من شروطه فإنها أقل طلباً للشهرة من غير المسلمة المتبعة للعلامات والأذواق الكاشفة
وسياق هذا الكلام أن المُحاربين للحجاب أحدثوا بدعة غريبة لا يقبلها العقل وهي اعتبار الحجاب علامة بمعنى "إشارة" كما يكون الصليب علامة لا بمعنى "دليل" كما يكون الاسم علامة أي دليل!
وتوضيح ذلك أن العلامة تكون بدلا من شيء وضعه واضح كما يكون الصليب بدلا من المسيح المصلوب بزعمهم..بينما الحجاب ليس بديلا من أي شيء بما في ذلك الإسلام.. وذلك أن الحجاب ملبوس والملبوس من ضرورات الحياة كما المطعوم والمسكون..
وهكذا فإن إخلال رافضي الحجاب بمقتضى العقل في نسبة الحجاب إلى العلامة لا يقل عن إخلالهم في نسبة الحجاب إلى لباس الشهرة.. فما ليس مطلقاً بعلامة جعلوه علامة بارزة ينبغي حجبها وما هو حرمان فاضح من الحق اعتبروه تمتعاً كاملاً به وما هو تمييز ظالم بين النساء عدوه عدلا تاما بينهن.
جرّد معارضو الحجاب الحجاب من الدلالات الواسعة التي وقف عليها العلماء بصدد عموم اللباس كمظهر من المظاهر الثقافية والتي تجعل نسبة الحجاب إلى جسم المرأة كنسبة اللسان إلى عقلها فكما أن اللسان لباس لعقلها يفصح عن مكنونه من مشاعر وأفكار فكذلك الحجاب لجسمها يفصح عن باطنه من قيم ومعتقدات
صلة المرأة بحجابها ليست صلة مباشرة، وإنما صلة يتوسط فيها إيمانها بربّها، وتوسُّط الإيمان بينها وبين الحجاب يجعل لباس الحجاب المادي يزدوج بلباس الإيمان الروحي ، وعندها يفقد الحجاب نصيباً من كثافة المادة ويكتسب قسطاً من لطافة الرّوح!
وعلامة سريان هذه اللطافة الناتجة عن الإيمان في مادة الحجاب نفسها أنّ المرأة تجد في ارتدائه راحة وطمأنينة خاصة لا تجدها بدونه.
نور الحجاب مستمدّ من نور الباطن، فهو قبس من النور أضفاه إيمان المرأة على هذه القطعة، قبس لا تطيقه ظلمة المادة..
فالحقيقة أن حجاب المرأة ساتراً بينها وبين باطن المعارض الذي تهيمن المادية على مداركه لا حاجباً بينها وبين باطنها.
إنّ الحجاب علاقة روحية تختار أن تُقيمها المرأة مع سواها، والعلاقة الروحية توجب ما لا توجبه العلاقة المادية، فتجعل أحد طرفيها يرتقي بالآخر وهذا بإظهار الاعتبار له، وأولى درجات الاعتبار أن تنظر الذات إلى الآخر على أن له ما لها من حقوق وعليه ما عليها من واجبات..
وتستمد علاقة الحجاب صبغتها الروحية من كون المسلمة تُقدّم نظر الله إليها على نظر الآخرين لها..
علاقة الحجاب باب واسع من أبواب تخلُّق المرأة، والتخلُّق نوعين: "قاصر" نفعه يعود على الذات، و"مُتعدّي" يتعدى نفعه إلى الغير، وكلاهما متحدان من حيث التوسّط بالنظر الإلهي، فالإنسان يتخلّق مع نفسه ومع غيره، والتخلق لا يكون إلا بالاجتهاد في صرف الموانع القاطعة له من أهواء وشهوات..
والحجاب هو وسيلة المرأة في التخلّق المتعَدّي، أي تتوصّل إلى تحصيل سلوك مخصوص سمته حمل المنفعة للآخرين، والإنسان لا ينفع غيره إلا إذا بدأ بصون حرمته، ولا إمكان أن يصونها ما لم يرَ في حرمة الآخر نظيراً لحرمته..
إنّ القيم المُشتركة على ضربين، قيم فطرية وأخرى مكتسبة، أما القيم الفطرية فذات الحجاب تقدّم العمل بها لسببين: أحدهم أنّ أصلها الروحي لا نزاع فيه، إذ الفطرة هي ذاكرة المعاني القيمية التي خُلق بها الإنسان، والسبب الآخر أنّ صفتها الكونية لا نزاع فيها..
أما القيم المكتسبة فالغالب عليها أن تكون قيم مادية حتى لو تم إعلاؤها لتنافس الروحية لغرض من الأغراض، والقيم المادية مهما اشترك فيها الناس تبقى إمكانات المنازعة فيها قائمة لإنها من اختراع الإنسان، واختراعه لا يدوم.
لا تُطالب المسلمة المُحتجبة بأكثر من أن يكون حقها في التديّن، وهو حق يزعُم نظام مجتمعها أنه يكفله للجميع أيا كان دينهم سماوي أو غير سماوي.. وحجابها كما سبق إيضاحه ليس طقساً ولا رمزاً إنّما هو لباسها الذي يدفع عنها ضرورة من ضرورات الحياة وهو "اتقاء آفة العري"
بيدَ أنّ منازعة المسلمة في تستّرها حفظاً لعفتها يدلّ بوضوح على أن التكشف انتقل عمليا وواقعيا من رتبة الحق الذي يخير الفرد في التمتع به إلى رتبة الواجب الذي يلزمه وحتى إذا لم يوضع قانون شامل يعاقب تارك التكشف في الفضاء العام!
أطلق المجتمع المعاصر العنان لحرية التعبير وجعلها تتعدى نقد الممارسة السياسية إلى نقد الممارسة الدينية، يل والاعتقدات والعبادات، ناهيك عن الكتب المنزلة والمرسلين، ولا يزال نصيب الدين الإسلامي من ذلك أوفر نصيب، وحجاب المرأة هو وجه من وجوه التعبير غير المنطوق عن دينها..
ولئن جازت المجاهرة بالقدح في المعتقدات باسم حرية التعبير، فمن باب أولى لإعلان عن هذه المعتقدات، لأن وجود المعتقد أصل والقدح فيه طاريء عليه، والأصل مقدم على الفرع!
كما أن الإعلان عن المعتقد يتعلق بالذات بينما المجاهرة بالقدح تتعلق بالآخر والتعبير للذات مقدم على التعبير عما للآخر ..
يتهم خصم الحجاب المحتجبة أنها بمظهرها "تعادي" الآخرين..
وهو بذلك جعل من "الآخرين" بديلاً من "الرجال" معمّما حيث يجب التّخصيص!
فالمرأة لا تحتجب من الناس جميعاً، ذكوراً وإناثاً، بالغين وقاصرين، وإنما عن مجموعة محددة، وهم البالغون الراغبون في النساء من غير المحارم، وحتى هؤلاء الرجال لا تحتجب عنهم بإطلاق، فقد تأتي أسباب قاهرة تدعوها إلى أن تتكشف عنهم بضرورة كما في المرض..
فمقتضى العلاقة بخصوص الرجال غير مقتضى العلاقة بالآخرين، إذ أن العلاقة بالرجال تطرح مسألة الفرق بين الجنسين وانجذاب أحدهما للآخر، بينما العلاقة بالآخرين تطرح مسألة التعايش بينهم!
وظيفة الحجاب تقوم في إيجاد "فضاء الاحترام" أو "فضاء التكريم" بين الجنسين، فالاحترام الذي ينشئه الحجاب عبارة عن علاقة بين حُرمتين هما حرمة المرأة وحرمة الرجل أو قل بين كرامتين..
ولما كانت المرأة صاحبة الحجاب رجع لها الفضل كل الفضل في إقامة علاقة الاحترام/التكريم بينها وبين الرجل.
الحجاب هو الصورة الحيائيّة التي اتخذها اللباس الأوّل، فالإنسان ارتدى اللباس أول ما ارتداه لا اتقاء عارض طبيعي أو وقاية لنفسه، وإنّما ستراً لعورته حياءً من ربّه.
ولا أحقّ من خُلُق الحياء أن يكون الأصل الذي تُبنى عليه الأخلاق بشقيها؛ المُتعدّية التي تأتي بالخير للآخر، إذ لا ينفك الحييّ يشهد حضور الآخر معه مدركاً لحُرمته، والشق الثاني من الأخلاق القاصرة التي تأتي بالخير للذات فلا ينفك يلاحظ الحييّ ما بينه وبين نفسه أي يلاحظ خصوصيته ويحفظها.
يقول العلمانيون أن الاحتجاب إلزام لا اختيار، وفي هذا فساد تصورهم للإلزام بوجه عام والإلزام الإلهي بوجه خاص
إذ ينهون عن إلزام ويأتون مثله/شراً منه فهم يتصورون أن علاقة الإنسان بأوامر الدين علاقة خارجية، وليس الأمر كذلك بل تتغلغل باطن الإنسان من حيث تُشبع أسئلته الوجودية والمصيرية
الإلزام لا يكون ضارّاً حتى يكون الشخص الملزَم مدركاً لآثاره فيه ورافضاً لهذه الآثار، أمّا إذا لم يكن مُدركاً فلا يستطيع أن يميّز بين الاختيار والإلزام، لا حقيقة ولا تبعات، وهذا الإدراك يحتاج وقت وتعليم..
وأما إذا كان مدركاً لآثار الإلزام فيه ولكنه يرفض بلا سبب معقول ولا عذر مقبول فإنه يكون متبعاً لهواه، واتباعه لهواه ليس اختياراً إنما هو واقع تحت وطأة ما يمليه عليه هواه!
والمحتحبة قد تكون قاصرة لا تميز بين الإلزام والإختيار فيسعى أبواها المسلمين إلى تنشئتها على دينها بحكم واجبها على سبيل الاستئناس به قبل البلوغ لا على سبيل الإكراه.. والنصيحة غير الالزام.
أما إذا كانت بالغة فلا إكراه في احتجابها من عدة جهات إحداها أنها تشعر أن حجابها وديعة ائتمنها عليها ربها والأصل في الأمانة هو الاختيار والثانية أنها قررت بمحض اختيارها أن تكون إرادتها موافقة لإرادة ربها، والثالثة أن دوام حفظها لحجابها لا تجد فيه مشقة ولا كُلفة.
الإلزام الإلهي جاء ليخرج الإنسان من ظلمات نفسه إلى نور ربه، والنور الإلهي نور مطلق بمعنيين أنه لا قيد له وأنه لا حدّ له، فإذا كانت الحرية الحقّة قبس من نور، فكيف إذا رزق الإنسان قبساً من نور ربه، فحريته لا تعدلها حرية، إذ يصير متمتعاً بحظّ من الإطلاق على قدره تكريماً له من ربّه..
والحجاب إذ يحرّر المسلمة من قيد النّظرة، فإذا تحررت من نظرات غيرها فكيف لا تتحرر في نفسها بما يجعلها تتشوّف إلى انطلاق روحها!
**
الحجاب إهدار لكرامة المرأة؟
الكرامة معنى خفي والحجاب مبنى جليّ، فلا يتوسّل به في الفصل في أمرها إن وجوداً أو عدماً إلا بدليل، ودليل المحتجبة على وجود كرامتها طاعتها لأمر ربّها، فطاعته سبحانه موجبة لوجود الكرامة فهو الذي كرم بني آدم وفضلهم على كثير مما خلق.
**
المطلوب ليس مساواة المرأة بالرجل في الحقوق بمعنى تشبهها به في نوعها وعددها وإنما هو إعطاؤها من الحقوق ما يدفع الظلم عنها ويقيم ميزان العدل بينها وبين الرجل..
وإن كان استئثار الرجل بجسم المرأة ظلماً لها كما يزعم العلماني فبأن يجوز أن يكون استئثاره بقلبها ظلما لها من باب أولى فلولا استبداد النظرة المادية لأدرك أن الاستئثار بالقلب أولى من الاستئثار بالجسم حملاً على التحجب، فعندئذ يكون حجاب المرأة علامة على حبها لزوجها.
**
رهاب الإسلام سبب في فقدان الصواب..
بلغ الخوف من الإسلام في نفوس الغرب مبلغ المرض النفسي المعدي، مستوليا على جوارحهم ومداركهم، والحق أن هذا الخوف حيلة لا شعورية يدفع بها الغرب الخوف الذي لا يزالون ينشرونه في المجتمعات الإسلامية المقهورة بطول إرهابهم لها واستعمارها واستعبادها
بناءً عليه فما يزعمه العلماني من أن الحجاب يسهم في إقامة نظام إسلاموي يهدد قيم الحداثة والديمقراطية والفردانية هو غاية السخف وذلك أن علاقة المسلمة في الحجاب ليست علاقة حساب مصالح وتأثير في اختيار المواطنين وإنما علاقة تعامل خالص مع رب العالمين!
فتبين إذن أن علاقة المحتجبة بإيمانها بقدر ما هي علاقتها بذاتها فهي علاقة بالآخر حضوراً ولقاءً وحياءً، فأين الوجدان العلماني الذي هو عالم نهاية في الانغلاق على الذات من هذه العلاقة الإيمانية التي تقيمها ذات الحجاب مع الآخر!
**
-الحجاب أخذ يغزو الفضاء العام..
إنّ الفضاء العام لا يرجع إلى الدولة وإنما إلى المجتمع المدني، والمجتمع المدني هيئة مستقلة عن الدولة أي عن الهيئة السياسية فلا يصدق عليه ما يصدق على الدولة من أحكام الحياد والنزاهة والمساواة بالنسبة إلى مُختلف التصورات الدينية والفلسفية للخير..
وتصور المحتجبة لخيرها هو واحد من هذه التصورات فيجوز له ما يجوز لها ويحظر عليه ما يحظر عليها.
فالشأن الخاص لا ينحصر في نطاق ياطن الإنسان/سرّه، بل يتعدى إلى نطاق الجانب الظاهر من الإنسان فيشترك بذلك مع الشأن العام في الظهور ولو أنه ظهور مدني وليس نظامي ولما كان الشأن الخاص قسيما للشأن العام لزم أن يكون له مثل ما له من حق الظهور إن تعبيراً أو تعبئة أو تظاهر..
**
لقد تفطن بعض المفكرين إلى "محجوبية" الإنسان إذ جعل أحدُهُم الحُجُب التي دون الحقيقة عبارة عن استعارات لا تتناهى-نيتشة-، وجعل غيرُ�� الحقيقة عبارة عن الكشف عن الحجاب-هيدغر-، لكن قصدهم منها المحجوبية الأصلية التي فطر عليها الإنسان، والتي لا تضر بوجوده..
ولم يكن المحجوبية الطارئة التي تسبب بها هيمنة وسائل الاتصال جاعلةً من الإنسان المعاصر كائناً واهماً متوهماً بقدر ما هو كائن ناظر ومصوّر، وحاعلةً من الحضارة المعاصرة حضارة حجاب بقدر ما هي "حضارة صورة" و"حضارةشاشة"..وهنا تكون ذات الحجاب نعمة على هذا الإنسان المحجوب؛
إذ تبدو أقدر من غيرها على إخراج الإنسان المعاصر من باطن أوهامه بسبب محجوبيته فتجعله يستعيد الوعي بما غيبه في لا شعوره، إذ كلما رفع بصره إليها اعترض بصره لباسها، فانحد مدّه وانحسر محجوباً عن أفق جسمها عندئذٍ يختلج في صدره أن معرفته على اتساعها محدودة وأن إرادته على سلطانها مقهورة
إنها تجعل الناظر يتحقق أن لباسها مجعول للعموم، لا للخصوص، كالغطاء الذي يكسو الحقيقة، وكما أن الحقيقة ليست في متناول كل الناس وإنّما يتوصّل إليها من طلبها بشروطها، فلا بدع أن لا يكون جسمها في مرمى نظر كل الناس إنما ينظر إليه من طلبه بحقوقه!
أما الغطاء الذي يكسو الحقيقة فلا يختص أحد بإدراكه وكذلك اللباس الذي يكسو جسمها يشترك الجميع في النظر إليه فبطل ادّعاء أنه شيء يتعلق بخصوصيتها ولا ينبغي أن يكون مرئياً في الفضاء العام، لأن هذه الخصوصية ترجع إلى جسمها لا إلى غيره وحجابها يحفظ هذه الخصوصية من أن تنتهكها الأنظار.
تجعل ذات الحجاب الناظر يتبين أن حجابها الذي يصطدم به بصره ويقطعه عن الوصول إلى جسمها لا يمنع من كمال الاتصال بينهما لأن من ورائه روحاً حيّة!
بل إذا صفت الروح تُصبح رؤية الجسم مُشوّشة على الاتصال الروحي!
واتّصال العروج مباشر وقريب بينما اتّصال الإسراء غير مباشر وبعيد..
إنّها تضطرّه للإيقان بوجود حجابين اثنين: "حجاب جليّ" وهو الذي يسد أُفُق بصره و"حجاب خفي"يسدّ أفق روحه، ذلك أن بالغ هجمته على الحجاب الجلي آتٍ من كونه لا يستطيع أن يجعل منه "شاشة" إذ ليس بمقدوره أن يعرض عليه الصورة الوهمية للمحتجبة كما يعرض على الشاشة الصور الوهمية للأشياء!
والمانع من هذا العرض ليس قصور القوة المادية التي في يده، وإنما وجود القوة المعنوية في يد المُحتجبة!
فيدرك أنّه أُحيط ببصره عن طريق لباسها، وأُحيط ببصيرته عن طريق إيمانها!
اFethi Benslama; Paris-based Tunisian psychoanalyst.
أتى بنسلامة من شاذ الفرضيات ومتكلّف التحليلات ما يصدم العقل فادّعى أن الباعث على فرض الحجاب هو منع زنا المحارم! ناهيكم عن تعريضه بالرسول بشبهات -أقلّ من أن نتطرق لها الآن- ومعلوم أن قانون "حظر زنا المحارم" هو الأُسّ الأول الذي بنى عليه فرويدعلم التحليل النفسي، ومُراد بنسلامة هو ردّ أحكام الشرع الإسلامي إلى هذا القانون التحليلي، فما الظن بفرض الحجاب الذي شُرّع دفعاص للأذى وتطهيراً للقلب واتقاء للشهوات المُحرّمة التي جعل التحليل النفسي من كبتها السبب الرئيس في أمراض النفسي ودعا إلى رفع هذا الكبت ممهدّا لظهور الثورة الجنسية..
والدليل على بطلان ما ادعاه بنسلامة واسع نذكر منه على الأقل: المعلوم من أنّه لا حجاب مع المحارم! -سورة النور آية19- وأنّ نزول الامر بالحجاب سبق نزول النهي عن زواج المحارم!
وفي هذا التأخير إشعار بأنّ في النفوس نفرة طبيعية من هذا الزواج، فلم يكن هناك استعجال لتحريمه وترتيب الحدود عليه وحتى لما نزل لم يأتِ مُقتضباً يستجيب لحاجة عاجلة بل أتى مُفصّلاً يضع تشريعاً كاملاً لعلاقات الزواج في الأسرة.
وللدكتور طه عبدالرحمن تفصيل في نقد هذا القانون التحليلي في كتابه "شرود ما بعد الدهرانية"..
ولئن كان التحليليون ينسبون إلى إلى الإنسان نفساً تؤثر في جسمه، فإننا من جانبنا ننسب إليه روحاً تؤثر في هذه النفس، فيكون الإنسان عندنا ذا شقّين: "الشقّ النفسي" وال"الشق الروحي" الشق النفسي يربط الإنسان بالعالم المُلكي بروابط البصر والإسراء والامتلاك، والشق الروحي يربطه بالعالم الملكوتي بروابط البصيرة والعروج والائتمان.
غير أنّ روابط العالم المُلكي على فائدتها في تحديد ظاهر السلوك الإنساني لا توصلنا إلى معرفة النفس في حقيقتها، كما أن روابط الروح بالعالم الملكوتي على فائدتها في تحديد باطن السلوك الإنساني لا توصّلنا إلى معرفة الروح في حقيقتها، واحتجاب الحقيقة عن الإنسان لا يفيد أن الإنسان يتضرر بهذا الاحتجاب، ذلك لأنه استتار أصلي لا عرَضي بموجب أن الحقيقة هي هي -أي تكون كما هي في ذاتها لا كما يدركها المُدرك- ولما كان الحجاب الذي تستتر به الحقيقة ينفع الإنسان ولا يضره فقد دلّ على أن الحجاب يتمتع بخاصية "الإبصار" من جانبين: أحدهما أنه "يُبصِر" إذا يستر ما لا بد من سترهوالثاني أنّه "يُبَصِّر" إذا ينبّه على أنّ هذا الستر لا يُنتهَك..
والحجاب المُبصِر الذي يحفظ للإنسان إنسانيته وانتمائيته، على نوعين:
حجاب مُتحمٍّل: يحفظ الإنسان مما لا تطيق روحه تحمّله لثقل الأمانة التي ينطوي عليها، فهو حجاب روحي حافظ للاستعدادات الروحية للإنسان، وهو بذلك لباس المرأة الباطن الذي يجعل روحها تتحمل أمانة الاحتجاب مُقترناً ببصيرتها.
وحجاب متصرّف: يحفظ نفس الإنسان مما قد يؤذيها ويتردّى بها، فهو حجاب نفسي حافظ للاستعدادت النفسية للإنسان، وهو بذلك حجاب المرأة الظاهر الذي يحميها من أذى الآخر مُقترناً بإبصارها الخارجي..
التجرّد من كل حجاب يجعل الإنسان وجها لوجه مع الحقيقة ولا يمكن أن تحصل هذه المواجهة المباشرة إلا إذا انسلخ الانسان عن إنسانيته انسلاخاً مطلقاً ولا يتحقق ذلك إلا في حالتين أن تكون نفسه قد صارت شراً مطلقاً أي اتحدت بإرادة إبليس، أو أن تكون روحه قد صارت خيراً مطلقاً أي اتحدت بإرادة الإله..
ومما يدعو إلى تجريد الإنسان من الصفة الإنسانية وتغطيته بالصفة الإبليسية التحليل النفسي الذي يصف العمل الجنسي ب"الإطلاق"
فيلزم أن ما يقرره التحليل النفسي من أحكام نفسية لا يكشف للإنسان أسرار نفسه، وإنما يحجبها عنه وأن ما يقرره التشريع الديني من أحكام روحية هو الذي يكشف للإنسان هذه الأسرار إذ يقصد أن يرفع عنه حجاب إبليس وبهذا يكون فرض الإسلام للحجاب إعماء لإبليس كما يكون ارتداء المرأة للحجاب لا كما يدعي بنسلامة إعماء لجسمها ولمن ينظر إليها إنما هو "إبصار بحقّ" إذا يجعلها تبصر نفسها كما يجعلها تُبصِّر غيرها..
*لمعرفة تفاصيل الردّ على أباطيل بنسلامة -واتباعه لمسألة "الأب المقتول" عند فرويد ونسبة الألوهية إلى الأب عند لاكان وكيف بنى على ذلك نتائجه التي خرجت بالحجاب وفرضه عن كونه كما يصفه دكتور طه "روحاً" ليجعل منه حاصلاً لإبليسية التحليل النفسي الذي بنى عليه نظرياته الجنسية والتي وظفها ضد الحجاب والردّ عليها رداً فذّا- يُرجع إلى الفصل الثالث من الكتاب، ويتبع الحديث عن فرويد ولاكان وتحليلاتهما النفسية الجنسية الأخرى التي بنى عليها خصوم الحجاب وتصحيحاً لكل الافتراءات بتفصيل لحقيقة المنظور الإسلامي في هذه الأمور في الفصل الخامس*
للتحليل النفسي الذي ينقده دكتور طه تصوُّر ل "النظر" يعتبر أن لا نظر بغير شهوة ويعقّب على هذا التصور أنه محجوب عن حقائق أربع تنزل مراتب مختلفة هي على التوالي: "الشهادة" ثم "الشوق" ثم "البهجة" ف"الروح"فالرتب الثلاثة الأولى عبارة عن تجلّيات للرتبة الرابعة، فإذا خلُصت روح الناظر حصل لها الابتهاج بهذا الخلوص، فتشتاق إلى عالم الملكوت، حتىإذا عرجت إليه شهدت عينُها الباطنة ما لا تشهده العين الظاهرة أو قل شهدت البصيرة ما لا يشهده البصر.
المرأة ترتقي بصلة الحجاب بها إلى صلته بربها، فيصير من جهة، الحجاب أشبه بروح نازلة تنظر إليها بواسطة نظر الحقّ سبحانه إليها، وتصير هي، من جهة ثانية أشبه بروح صاعدة تنظر إلى الحجاب بواسطة نظرها إلى الحق سبحانه، ولا أدلّ على الصفة الشّهودية للحجاب من دائم اقترانه بالحياء، حتى اعتبر الحياء حجاباً، والحجاب حياءً، ولا خلاف أنّ الحياء خُلُق شهودي بحقّ. ومقام الشّهود منزلة من منازل التحقّق ب"العبدية"أي العبودية لله وحده لا شريك له، وفي تحجّب المرأة تحرر من نفسها ولا عروج خير من التحرّر من النفس، ويرى خصوم الحجاب هذا التحرر عبوديةً، فأين هذا من هذا!
لا ينبغي للمسلمة أن تتذرّع فيما تتركه من شروط الحجاب بضرورة مسايرة أذواق العصر في الأزياء، فتُتَّهم في تحضّرها أو أن تضعُف عن الظهور بالمظهر اللائق، فما هذه الأذواق إلا حِيَل ابتدعها أرباب الرأسمالية لإخضاع المرأة لقانون السوق الذي هو الاستهلاك بلا نهاية..والتحضُّر عند العقلاء يقوم على التحرّر من هؤلاء المتربحين.
ولا إيمان بحقّ بلا ابتلاء، فلا يكون المؤمن مؤمن حقا حتى يرد موارد الابتلاء فيشكُر ربّه على ما ابتلاه به إن خيراً خالصاً أو شرّاً مظنوناً..
وأداء شكر المحتجبة ربّها هو أن تتحمّل الأذيات وتتجشم المشاق وتقتحم العقبات في سبيل تلقّي هذه الأفضال والأمداد، ولا شكّ أن المجتمع المعاصر أضحى يحتوي من أسباب الابتلاء ما لم يتقدّم للمرأة أن واجهته.
و"من علامات الثبات: الأمن في الرّوع"
لا يخفى أن الأصل في انتشار التكشّف في المجتمع المعاصر هو طغيان السلعة فيه، إذ أن منطق السلعة يقوم أساساً على مبدأ العرض، والمقصود بالعرض إظهار السلعة للعين، حتى يتحقق المتبضع من أوصافها ، ويقرر أن يقتنيها أو لا يقتنيها، أو قل بإيجاز أن الأصل في السلعة أن تكون شيئاً معروضاً، وبدهي أن العرض بهذا المعنى هو "الكشف"، وإذا ثبت هذا، ظهر أنّ العرض الواجب في السلعة امتدّ للمرأة نفسها!
وافتتان المجتمع بعملية العرض عبارة عن نقصان في إدراكه لما يُحفظ ولا يُعرض أو ما لا يقبل البتة أن يُعرض.. فالعقل المعاصر حجاب نفسه! إذا يحجب نفسه بنفسه لا حجاب إبصار وإنما حجاب إعماء!
إنّ حُرمة الشيء كائناً ما كان هي أصلا في حفظه، فإن عُرض الشيء على الأنظار من غير موجب، أو تعدى عرضه حد هذا الموجب فإنه يكون انتهاكاً لحرمة هذا الشيء، على قدر هذا التعدي وحرمة الإنسان كرامته.
وصلة المرأة بحجابها ليست صلة حيازة تورّثها سلطة التصرف كيف تشاء، وإنما صلة أمانة توجب عليها تعاهده بالحفظ، لذلك ينبغي التعامل مع الحجاب لا بمعايير "التكشف" و"العرض" و"الشهوة" وإنما بمعايير "التجلّي" و"الحفظ" و"الشوق".
الوجود: هو كون الشيء يتحقق في عالم الملك تحققا يكفي الإدراك البصري في التحقق به، أما الشهود: فهو كون الشيء يتجلى في عالم الملكوت تجليا لا ينفع الإدراك البصري في العلم به، والجوهر المدرك الذي يناسب "الموجود" هو النفس بينما الجوهر المدرك الذي يناسب "المشهود" هو الروح، ومتى سلّمنا بالفرق بين البصر والبصيرة، تبين أن الإدراك المناسب للموجود هو البصر إذ البصر بمنزلة العين من النفس، في حين أن الإدراك المناسب للمشهود هو البصيرة، إذ البصيرة بمنزلة العين من الروح.
وفائدة البصيرة أنها تصل عالم المُلك بعالم الملكوت الذي هو عالم القيم الخُلُقية والمعاني الروحية، بحيث يكون سير المبصر فيه عبارة عن "عروج"، على حين أنّ البصر ينحصر في عالم الملك بحيث يكون سير المبصر فيه عبارة عن إسراء، كما أن البصيرة تتوسط في إبصارها بالبصير الأعلى جل جلاله..
أما الحجاب فلا يلائمه من الإدراكين إلا البصيرة كما لا يلائمه من الجوهرين المدركين إلا الروح..
ولما كان الحجاب بهذه الأوصاف الشهودية التي تجعل منه لباساً ملكوتياً كانت المرأة التي ترتديه بحقّ منزّهة عن الأوصاف الوجودية التي تستدعي شهوة الرجال، إذا وهي تتجلّل به، وشوقها إليه أشد ما يكون الشوق، كأنها تدخل محرابها أو تضرب الحجاب دونها أو تركب معراجها، فهل من ارتقى هذا المرتقى لا يزال في قلبه أدنى التفات إلى الناس؟ أم أنه جعل التفاته كلّه إلى رب الناس؟
التصور الغربي للجمال، أسباباً وأوصافاُ وآثاراً، مأخوذ من أسطورة "فينوس"، فيكون تقويم المعاصرين لأي شيء جميل مبنياً على هذا التصور الوثني القديم،
فمثلاً لا جمال بغير فتنة ولا فتنة بغير إغراء ولا إغراء بغير شهوة ولاشهوة بغير لذة، فالجمال "الفينوسي" هو الجمال الذي منشأه الحسّ بحيث يُعمي ولا يبصر ويُغوي ولا يُبهر موصلاً إلى عبادة الأشياء الجميلة ..يتبع في التعليق:
Profile Image for عزام الشثري.
616 reviews752 followers
January 5, 2024
محاججة فلسفية عن الحجاب ضد شطحات خصومه
الذين يرون فيه إذلالًا وتبشيرًا وإرغامًا وشهرةً وتسييسًا
وشطحات أخرى أقبح وأغرب منطلقة من التحليل النفسي
أجاب عليها بما لا يناسب مستوى استشكالات أغلب الجمهور
وأصّل لمعنى العلاقة الزوجيّة الكاسية المهذّبة لا العارية المسيّبة

أجمل مافي الكتاب خاتمته التي حكى فيها سبب هدايته
ولخص وجمع فيها أفكاره بأبسط وأشمل طريقة قرأتها بقلمه
وأتمنى أن أجد من يشرحها أو أدارسه إياها لكثافتها ونفعها
هي وكتيّبه الثمين: المعاني الإيمانية كيف تكون أدوات تحليلية
Profile Image for صالح.
162 reviews8 followers
July 10, 2023
خاتمة سلسلة الفيلسوف طه حول الحجاب و محاججة فلسفية ضد مناوئيه
كانت محاججة جيدة لولا نقاشه حول آراء فرويد ولاكان النفسية السخيفة حول المرأة أخرجت الكتاب من نمطه القائم على فلسفة الحياء كما هو عنوانه

شعرت بشيء من المبالغة و التعسف في سرده لمناقب الحجاب و أثره على المرأة المسلمة
Displaying 1 - 7 of 7 reviews

Can't find what you're looking for?

Get help and learn more about the design.